أصدر كتبا كثيرة لكن كتاباً له كان بمثابة القنبلة، فقد فجر فيه تابوهات مقدسة روجها المتشددون والمتزمتون دينيا، وفند أكاذيب المؤيدين لفكرة الخلافة والداعمين لها، والمؤيدين للوصول إلى السلطة عن طريق الدين، وتوقع ظهور #الإخوان وداعش وولاية الفقيه قبل قرن، وكان من عواقب ذلك أن فصله الأزهر، واتهم بالكفر، وسحبت هيئة العلماء درجته العملية، وفصل من القضاء وحاربه ملك مصر وقتها الملك فؤاد الأول.

مقالات متعلقة :

الكتاب يعتبر من أهم الكتب التي صدرت في القرن العشرين واسمه "الإسلام وأصول الحكم"، والمؤلف هو الشيخ علي عبد الرازق.

علي عبدالرازق

 

ويضم الكتاب الذي صدر في العام 1925 3أجزاء، ويتناول بين طياته موضوع الخلافة والإسلام، والحكومة والإسلام، والخلافة في التاريخ، ويحمل أفكارا كانت بمثابة من ألقى بحجر في بحيرة الجهل الراكدة، فقد تناول قضية الخلافة بمنظور جديد زعزع مزاعم من رسخوها في عقول الناس للسيطرة عليهم، ومؤكدا أن القرآن والسنة لم يتطرقا لفكرة الخلافة، وإنما كانت وسيلة الراغبين في الوصول إلى السلطة تحت عباءة الدين، والطامحين في الولاية تحت مقام ديني، والطامعين في الحكم تحت مسمى الخليفة والفقيه والمرشد، محذرا الجميع وقبل 3سنوات من إنشاء جماعة الإخوان المسلمين من ظهور تنظيمات دينية متطرفة تستغل الدين للوصول للسلطة بسفك الدماء وتحت اسم وستار الدين.

من هو علي عبدالرازق؟

اسمه بالكامل علي حسن أحمد عبدالرزاق ولد في العام 1888 في قرية أبو جرج محافظة #المنيا جنوب #مصر لعائلة ثرية، وحفظ القرآن في كتاب القرية، ثم ذهب إلى #الأزهر حيث حصل على درجة العالمية ثم التحق بجامعة #أوكسفورد البريطانية. وعقب عودته عُين قاضيا شرعيا.

علي عبدالرازق

علي عبدالرازق في المنتصف

 

عقب عودته أصدر في العام 1925 كتاب "الإسلام وأصول الحكم" وثار الأزهر والقصر الملكي ضده، فقد كذب مزاعم الخلافة في الوقت الذي كان يحلم فيه ملك مصر فؤاد الأول بأن يحصل على لقب الخليفة عقب إلغاء الخلافة العثمانية، وقيام الدولة التركية على يد كمال أتاتورك، وغضب الأزهر ورد عليه بكتاب سمّاه "نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم" ثم سحب منه شهادة العالمية الأزهرية وتم فصله من القضاء، مما اضطره إلى العمل بالمحاماة، بل وصل الأمر إلى أن تسبب غضب الملك في إقالة وزير العدل وقتها عبد العزيز فهمي لتباطئه في فصل الشيخ علي، وزاد الأمر سوءا بقرار الملك تغيير الحكومة.

في كتابه قال الشيخ علي "إن الرسول لم يكن حاكما أو رئيس دولة، بل أُرسل ليبلغ رسالته للعالمين وهي رسالة روحية خالصة وإذا وجدت سلطة بعد الرسول، فهي سلطة مدنية سياسية، وليست سلطة روحية مؤكدا أن فكرة الخلافة كانت نكبة على الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد".

بخط يد الشيخ علي عبدالرازق


كان الشيخ يرى أن فكرة الخلافة ستفتح الباب لظهور جماعات متعصبة دينيا تستغل الدين كعباءة تلتحف بها للوصول إلى السلطة حتى لو سفكت في سبيل ذلك دماء كثيرة، وقال في كتابه لقد رأيت أن الخلافة هي أشهى ما تتعلق به النفوس، وأهم ما تغار عليه، وإذا اجتمع الحب البالغ والغيرة الشديدة، وأمدتها القوة الغالبة فلا شيء إلا العسف ولا حكم إلا السيف.

الدولة المدنية لا الدينية

كان الشيخ منحازا إلى الدولة المدنية لا الدينية، وكان يرى ويعتقد أن الدولة الدينية سينشأ عنها قوى دينية متصارعة تتقاتل مع بعضها من أجل الحكم وباسم الدين، وهو ما سينتج عنها تشويها للدين ودمارا للدنيا وتدميرا للإنسانية، وتوقع أن تنشأ جماعات تدعي الدفاع عن الإسلام وهي في الأصل تعمل من أجل شيء آخر ليس من الإسلام في شيء، ولا يمت إلى الدين والعقيدة.

من مكتبة علي عبدالرازق

 

غضب الملك فؤاد بسبب أفكار الشيخ فقد كان يعد نفسه للحصول على لقب الخليفة، ووفق ما يقول الكاتب الصحافي الراحل حافظ محمود في أحد مقالاته إن مشكلة الملك مع الكتاب أنه كان يتطلع إلى أن ينادي به خليفة، بعد أن ألغى أتاتورك مهام الخلافة، فإذا بعلي عبد الرازق ينسف الفكرة من الأساس، وكان من أسباب ثورة وغضب الملك أيضا أن الشيخ علي هو أحد أبناء حسن عبد الرازق وهو أحد اثنين من كبار المصريين عرض عليهما عرش الخديوية عقب إقصاء الخديوي عباس من جانب الإنجليز عام 1914، والثاني ممن عرض عليه العرش بعد محمود باشا سليمان والد محمد محمود أشهر رئيس وزراء في مصر بعد ذلك، وكلاهما لم يقبل العرض لكونه جاء من الإنجليز المحتلين.

فصله من الأزهر

رد الشيخ محمد الخضر على الكتاب واجتمعت هيئة علماء الأزهر لمحاكمه المؤلف وكتابه، وقررت فصل الشيخ من عمله، وكان نص قرارها الصادر في 12 أغسطس 1925 كتالي:

"حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر، بإجماع 24من هيئة كبار العلماء، بإخراج الشيخ على عبد الرازق، أحد علماء الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الشرعية، مؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم من زمرة العلماء، ويترتب على الحكم محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر، والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة، وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية دينية كانت أو غير دينية".

واشتعلت الحرب الفكرية في البلاد عقب ذلك القرار وانقسمت مصر إلى فريقين، الأول يشكك في المؤلف وكتابه ويتهمه بالردة والكفر، بل اتهموه بأنه ليس مؤلف الكتاب، ونسبوه تارة إلى عميد الأدب العربي طه حسين ومفكر فرنسي آخر، والفريق الثاني يقف في صف الشيخ ويؤيده وهم من الصحاب الفكر الليبرالي أمثال: محمود عباس العقاد وطه حسين وأحمد لطفي السيد، ومحمد حسين هيكل.

حفيد علي عبدالرازق

 

ويقول الدكتور عمرو كمال حامد حفيد الشيخ الراحل لـ"العربية.نت" إن جده أحبط بعد كل ما جرى ضده، وما تعرض له من اتهامات، فرحل إلى باريس وظل يرسل المقالات من هناك، وترجم كتابه إلى عدة لغات منها الفرنسية، وأصبح يدرس في السوربون.

20 عاما من النضال

ظل الشيخ طيلة 20 عاما يناضل من أجل أفكاره الجريئة المنادية بمدنية الدولة، وفصل الدين عن السياسة، وكان يدعو كما قال في كتابه المسلمين إلى أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الدنيا ومعارفها، وأن يبنوا قواعد ملكهم وحكمهم على أحدث ما وصلت إليه عقول البشر، من أنظمة الحكم وأصولها، مؤكدا انحيازه الكامل إلى الدولة المدنية الحديثة وإلى التيار المدني الذي يحقق النهضة للجميع دون تفرقة أو عنصرية دينية أو اثنية أو عرقية.

في العام 1945 وخلال حكم الملك فاروق تولى الشيخ مصطفى عبد الرازق شقيق الشيخ علي مشيخة الأزهر، وقام الملك فاروق بتشكيل لجنة من علماء الأزهر للنظر في الكتاب مرة أخرى، وانتهت اللجنة إلى أن الكتاب لا يتعارض مع صحيح الدين، وبناء عليه ألغى الأزهر قرار كبار هيئة العلماء وعاد الشيخ معززا مكرما لبلاده وتولى منصب وزير الأوقاف في العام 1947.

 

 

عاد الشيخ بعد أن تحققت نبوءته وتوقعاته وتأكد الجميع من أنه كان سابقا لعصره، وسباقا ومستشرفا لطبيعة ما سيحدث في المستقبل، فقد بدأ التنظيم السري المسلح التابع لجماعة الإخوان في تنفيذ سلسلة تفجيرات واغتيالات في سبيل الوصول إلى الحكم، وهو ما كان يحذر منه الشيخ قبل 20 عاما وقتها، ولم يصدقه أو ينتبه لتوقعاته أحد حتى وقعت الواقعة واكتوت المنطقة بنيران الإرهاب والتطرف وظهور الإخوان وداعش وولاية الفقيه وكل جماعات العنف المسلح باسم الدين.