جيوبوليتيكال فيوتشرز»: ما بعد عفرين.. طموحات تركيا في الشرق الأوسط

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٣ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


جيوبوليتيكال فيوتشرز»: ما بعد عفرين.. طموحات تركيا في الشرق الأوسط

جيوبوليتيكال فيوتشرز»: ما بعد عفرين.. طموحات تركيا في الشرق الأوسط

لقد كان السؤال المركزي في غزو تركيا لعفرين هو ما إذا كانت العملية عملية محدودة ستتوقف في شمال غرب سوريا، أو ستكون بمثابة المرحلة الأولى للتعمق التركي في الشرق الأوسط.

وبالنظر إلى أن تركيا عازمة على إزالة التهديد حول حدودها، وأن القوات الكردية تمتد إلى ما هو أبعد من جيب عفرين الشمالي الغربي، فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن تركيا ستتوقف بعد إخضاع عفرين.

لكن هناك تهديد آخر يجبر تركيا على اتخاذ إجراء عسكري وهو: إيران التي تعد أكبر الخصوم التاريخيين لتركيا، وقد خرجت إيران من الصراع في سوريا في موقف قوي نسبيا، وقد كان أحد جوانب نجاحها هو دعم نظام «بشار الأسد» في التمسك بالسلطة واستعادة جزء كبير من الأراضي التي خسرها في الحرب الأهلية.

وترى تركيا سوريا الموالية لإيران، التي يقودها «الأسد» على حدودها تهديدا مباشرا، وهذا هو السبب في أنها وقفت على الجانب الآخر في وقت سابق من الحرب عندما عبر متشددو «الدولة الإسلامية» الحدود من تركيا لمحاربة «الأسد».

وردا على الوجود القوي لإيران في سوريا، تريد تركيا أن تضغط على إيران أكثر بكثير في مناطق أقرب إلى حدود إيران، وتحديدا في العراق.

وتستخدم تركيا وجود حزب العمال الكردستاني في مقاطعة سنجار في العراق كمبرر للتدخل في العراق، ولكن إيران تمكنت من زيادة درجة تأثيرها في العراق بشكل كبير في السنوات الأربع الماضية، وهو اتجاه مثير للقلق بالنسبة لتركيا.

وفي الوقت الذي يهدد فيه الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بشن غزو مفاجئ لسنجار، بدأت تركيا بالفعل في إنشاء قوة عسكرية أكبر في العراق، مع تقارير عن قيام جنود أتراك بالقفز بالمظلات إلى قرية سوران وتعزيز وجودها في سيداكان.

ويؤدي الوجود التركي في العراق ثلاثة وظائف؛ أولاً: يهدد إيران تماماً كما تهدد إيران تركيا في سوريا، دون المخاطرة بالمواجهة المباشرة.

ثانيا: يهدف التواجد إلى مواجهة تهديد الميليشيات الموالية لإيران في العراق بقوة نيران إضافية.

وأخيرا: يضع القوات التركية على جانبي شمال سوريا التي يسيطر عليها الأكراد، بما يمكن تركيا من شن هجوم ثنائي الجانب ضد باقي الأراضي التي تحتفظ بها ميليشيا حماية الشعب الكردية السورية على طول الحدود الجنوبية لتركيا.

(الخريطة: مواقع السيطرة الكردية في العراق وسوريا)

تقليص نافذة الفرص

في سوريا، وبمساعدة مالية وعسكرية من إيران ودعم جوي من روسيا، تمكن «الأسد» من تحويل مسار الأمور، ويبدو في الوقت الحالي أنه الجانب الفائز من الحرب، وإذا كان على تركيا أن تمنع تطور سوريا موالية لإيران، فإنها تحتاج إلى العمل، لكن مع استمرار «الأسد» في استعادة السيطرة على الأراضي في جميع أنحاء البلاد، تغلق نافذة فرص تركيا.

ويعد الجدول الزمني المتقلص لتركيا هو السبب في أن «أردوغان» يجب أن يؤخذ على محمل الجد عندما يهدد بالهجوم على منبج، التي تقع إلى الشرق من الأراضي السورية التي تسيطر عليها تركيا، وسنجار في العراق.

وعلى الرغم من بعض المقاومة الرمزية من قوات وحدات حماية الشعب، لكن عفرين سقطت في أيدي تركيا، وقد استخدمت تركيا كلا من جيشها ووكلائها السوريين في غزوها لعفرين التي فر معظم سكانها، ما مهد الطريق أمام الإستراتيجية التركية لإعادة إعمار مناطقها الحدودية في سوريا من جيرانها السنة، الأصدقاء لتركيا.

ويمنح تمكن تركيا من عفرين مع الأراضي المكتسبة في غزوها عام 2016 لشمال سوريا والأراضي التي يحتفظ بها وكلاء تركيا في إدلب، يمنحها سيطرة شبه كبيرة على شمال غرب سوريا دون أي عدو يهدد ظهرها، ويمكن للأسد نشر قوات في الشمال لمنع تقدم تركيا، ولكن هذا يتطلب تقسيم قواته بينما يستمر في الصراع مع المعارضين في المدن الرئيسية في وسط وجنوب سوريا، مثل دمشق وحمص.

ومع انتصار تركيا في عفرين، فإن الطريق إلى منبج والتحكم الأكبر في حدودها مع سوريا مفتوح أمام تركيا، ما عدا، بالطبع المشكلة الرئيسية؛ وهي: الوجود الأمريكي في شمال سوريا وتحالف واشنطن مع الميليشيات الكردية.

طريق مسدود

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قامت بالفعل بالتغاضي عن غزو تركيا لعفرين، لكنها أوضحت أنها لن تسحب دعمها للأكراد المقيمين في منبج، ولكن تركيا لا ترى فرقاً بين القوات الكردية في عفرين وبين تلك الموجودة في منبج.

ومن جانبها، لا تزال الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء «الدولة الإسلامية» تمكنت من احتوائها جزئياً من خلال تعاونها العسكري مع وحدات حماية الشعب، وهذا ليس تهديدًا خاملًا ففي حين تم تحويل القوات الكردية من عمليات ضد تنظيم «الدولة» إلى عفرين لمحاربة تركيا، بدأ التنظيم في الظهور مرة أخرى واكتسب السيطرة على الأراضي مرة أخرى.

وهذا هو المأزق الأساسي في العلاقات الأمريكية التركية حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى قوة برية لمحاربة تنظيم «الدولة»، وحتى الآن كانت المجموعات التي تتكون في الأساس من الميليشيات الكردية السورية هي الوحيدة المستعدة للالتحاق بأوامر الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن الميليشيات السورية الكردية نفسها تعتبرها تركيا تهديدا يجب عليها القضاء عليه.

يمكن أن يحدث أحد أمرين؛ إما أن تتوصل تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق بشأن منبج والأكراد، أو لا تتوصلان، وإذا فعلتا ذلك، سيكون هناك نوع من الانسحاب الأمريكي من الأراضي الكردية السورية، وستدخل تركيا المقاطعات التي كانت تحتلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في السابق، بمباركة من الولايات المتحدة، في مقابل الموافقة على التعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم «الدولة»، وبعبارة أخرى، سيتم بيع الأكراد مرة أخرى من قبل حليف سابق.

ومثل هذا الترتيب من شأنه أن يفرض تحدياته الخاصة على الولايات المتحدة، وعلى عكس الأكراد، ستكون تركيا مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة فقط عندما تحقق مصالحها الخاصة في هذه العملية.

أما النتيجة المحتملة الأخرى، وهي أن تركيا والولايات المتحدة لن تتوصلا إلى اتفاق يؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، حيث سيقيد ذلك الخيار العسكري التركي هناك بشدة، ورغم أن الجيش التركي قوي بما يكفي لهزيمة الميليشيات الكردية في عفرين، لكنه ليس جاهزا للمجابهة مع الولايات المتحدة، وفي هذه الحالة، ستضطر تركيا إلى السعي إلى التوصل إلى حل على المدى القريب مع روسيا وإيران يسمح لها بتطويق الرواق الكردي الذي يمتد شمال سوريا والعراق، حتى لو لم يكن ذلك من خلال التطبيق المباشر للقوة، وستستمر الحرب بالوكالة، لكن هدف تركيا سيظل هو نفسه: فصل الولايات المتحدة عن الأكراد السوريين وفرض السيطرة التركية على المنطقة، أو على الأقل جعل الأمور هناك تسير لصالح تركيا.

ستكون تركيا مستاءة للغاية بشأن هذا الاحتمال، خاصة إذا استمرت إيران في تحسين موقعها في سوريا، ولكن ربما لن تقطع العلاقات مع الولايات المتحدة على الفور.

وبعد كل شيء، على الرغم من قدرتها على الوصول إلى حلول تكتيكية واقعية مع روسيا، فإن تركيا قوية طالما شكلت تهديدا تاريخيا لروسيا وستواصل القيام بذلك، ما يجعل روسيا خصما على المدى الطويل لتركيا.

وقد كانت هذه هي الحسابات الاستراتيجية للتعاون التركي الأمريكي في الحرب الباردة، حيث إن القوة التركية لا تكفي وحدها لمواجهة روسيا، وبعبارة أخرى، إذا لم تستطع تركيا الاعتماد على الولايات المتحدة، فما الذي يمكنها من أن تعتمد على روسيا، الأمر الذي سيجبر تركيا على الموازنة بين الاثنين بحذر، ومع ذلك، ستواصل تسريع تطوير صناعة الأسلحة المحلية بحيث لا تعتمد على حماية الغرب لها أمام روسيا.

يشكل غزو تركيا لعفرين نقطة تحول في الحرب السورية وتداعياتها على الشرق الأوسط، والآن بعد أن غزت تركيا عفرين، وصلت العلاقات الأمريكية التركية إلى لحظة حرجة وسواء وجدت الولايات المتحدة وتركيا طريقة للتعاون في شمال سوريا أو لم تجدا فسوف يتغير وفقا لذلك ميزان القوى الإقليمي، وطريقة عمل القوى الأساسية روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا.

تقوم تركيا والولايات المتحدة بصياغة استراتيجيتهما الشرق أوسطية، بالإضافة إلى استراتيجياتهما فيما يتعلق ببعضهما البعض، وتلعب العلاقات التركية الأمريكية، ودور كل منهما في شمال سوريا دورا في ذلك، وبالتالي فإن الآثار العالمية ستمتد إلى ما وراء المنطقة نفسها.

اجمالي القراءات 3031
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق