الإندبندنت»: فقراء مصر يتضورون جوعا و«السيسي» يتطلع لرئاسة ثانية

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٩ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


الإندبندنت»: فقراء مصر يتضورون جوعا و«السيسي» يتطلع لرئاسة ثانية

الإندبندنت»: فقراء مصر يتضورون جوعا و«السيسي» يتطلع لرئاسة ثانية

 

بأيدي مسودة من العمل، يقف «سيد عيد» البالغ من العمر 40 عاما وهو يرتدي قميصا مصبوغا بزيت المحركات، وسط قطع الخردة المعدنية التي يجمع منها عائدا ماليا يعتاش به، يقدر بـ600 جنيه مصري (حوالي 35 دولار أمريكي) في الشهر، في ورشته المفتوحة على الهواء الطلق فوق المرتفعات الشرقية لحي من الأحياء الفقيرة في القاهرة، ويقول الأب الذي لديه أربعة أولاد مع تنهيدة: «الحياة أصبحت أكثر صعوبة بكثير مما كانت عليه».

كان «عيد» يجلب الطعام لأسرته منذ أكثر من عقد من الزمان، عبر جمع وبيع القطع القديمة من النحاس، ولكن في السنتين الماضيتين، تصاعدت أسعار الطعام والوقود والإيجار في حين أن دخله بقي تقريبا هو نفسه، وهو واحد من العديد من المصريين الذين يجدون أنفسهم الآن يتأرجحون على حافة الفقر.

فقراء مصر تضاعفوا

أدى التضخم الهائل والانخفاض الحاد في السياحة منذ ثورة 2011 إلى فترة من التقشف في مصر، وبتشجيع من صندوق النقد الدولي، قامت إدارة الرئيس «عبدالفتاح السيسي» بخفض دعم الغذاء والوقود التي يعتمد الكثير من المصريين عليه.

وفي 2016، قام البنك المركزي المصري بتحرير الجنيه المصري عن الدولار، مما جعله يتراجع بين ليلة وضحاها إلى أقل من نصف قيمته السابقة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الواردات التي تعتمد عليها البلاد.

وفي الوقت الذي انخفض فيه عدد أولئك الذين يعيشون في فقر في القارة منذ 1990 –كما إن معدلات الفقر العالمية انخفضت إلى أكثر من النصف– فإن اليونيسيف ذكرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن عدد المصريين الذين يعيشون في فقر قد تضاعف تقريبا منذ عام 2000.

وكانت مصر في حالة اقتصادية سيئة منذ ثورة الربيع العربي، وقد أدى عدم الاستقرار الذي أعقب الاحتجاجات التي أسقطت الرئيس الذي بقي في منصبه ثلاثين عاما، إلى تخويف أصحاب الأعمال الأجنبية –ناهيك عن السياح– والذين كانوا يجلبون من قبل تدفقا مستمرا من العملات الأجنبية للبلاد.

ولم تفعل سياسات الرئيس الحالي شيئا يذكر لتحسين الحياة اليومية للمصريين، ففي ظل حكمه؛ تعرضت البلاد لأربع سنوات من التقشف، وفي الوقت ذاته ضخ الأموال في مشاريع ضخمة مشكوك فيها، مثل توسيع قناة السويس، وبناء عاصمة جديدة في الصحراء الصخرية شرق القاهرة.

وكنتيجة لذلك، يضطر الفقراء المصريون مثل «عيد» إلى شد الحزام أكثر، ويقطن «عيد» في منطقة تدعى الدويقة –وهي منطقة تقع ضمن الأحياء الفقيرة للمنطقة العشوائية منشأة ناصر– وهي منطقة مبنية بالطوب الأحمر بشكل غير رسمي، وفي ظل سكن أكثر من ربع مليون شخص لهذه المنطقة؛ فإنها أصبحت مرادفا لنضالات فقراء المناطق الحضرية في مصر.

مناطق عشوائية خطرة

وبما إن مباني الدويقة مبنية فوق وأسفل حافة جرف غادرة، فإن الانهيارات شائعة، وبينما ينقل عيد الأنابيب النحاسية إلى شاحنة مفتوحة الظهر ليأخذها للبيع، فإن جارته «عفاف حسين» البالغة من العمر 43 عاما، تقف لتراقب ابنيها وهما يزيلان الطوب المنهار الذي كان منزلا لها في السابق.

وقالت الجارة: «لقد كنت في عملي في السوق، وعندما عدت كان بيتي قد ذهب».

وقد كان الكوخ المصنوع من الطوب وسقف من القماش المشمع مكونا من غرفة واحدة وسرير، بالإضافة لمساحة صغيرة لتجهيز الطعام، مع اثنين من الصناديق لملابسها، ارتجف صوتها وهي تضع يدها على الأنقاض التي تدفن سريرها الذي قامت منه منذ ساعات فقط قبل الانهيار وقالت: «الله أعلم أين سأنام الليلة».

مثل هذه القصص شائعة في هذا المجتمع، وقد اكتسبت هذه المنطقة سمعة سيئة في 2008 عندما حدث انهيار صخري قتل أكثر من 100 شخص، ومنذ ذلك الحين بدأت خطة إعادة تسكين لسكان هذه المنطقة برعاية الحكومة ليذهبوا إلى مجمع مبني لهذا الغرض على بعد بضعة أميال.

ولكن سكان المنطقة ما يزالون ينتظرون ويدعون من أجل دورهم، وبالنسبة لهم؛ فإن هذه هي الطريقة الوحيدة لترك حافة الجرف، تعيش «عفاف» اليوم بيومه –في ظل التكلفة العالية للمعيشة– حيث لا يمتلك السكان هناك القدرة على التوفير للانتقال إلى مكان آخر.

ضغط على المشاريع الخيرية

زيادة الأسعار في البلاد، كانت تعني أن المصريين الذين كانوا من قبل يتدبرون أمورهم قد انزلقوا الآن في عمق الفقر، وقد قالت الجمعية الخيرية المحلية «بنك الأغذية المصري»، أنهم شهدوا ارتفاعا هائلا في عدد الأشخاص المحتاجين لمساعدتهم لإطعام عائلاتهم.

وقال الرئيس التنفيذي للجمعية «معز الشهدي»: «أسعار كل الأشياء تقريبا ارتفعت، متجاوزة دخول الناس»، مضيفا أن عدد الناس الذين يأتون إليهم يزيد كل سنة، وتقول الجمعية إنها تساعد الآن حوالي 450 ألف عائلة، لوضع طعام على مائدتهم، لكن مواردهم الآن عليها أن توزع على عدد أكبر.

تعرض الحكومة أيضا بعض الدعم، فبالإضافة إلى خطة إعادة الإسكان؛ فإنها تقدم برامج تكافل، للمساعدة النقدية المباشرة لأشد الناس فقرا في مصر، فـ«عيد» على سبيل المثال، يتلقى مساعدة إضافية تقدر بـ600 جنيه شهريا للمساعدة في دعم أسرته.

ولكن في الأماكن التي تشهد أعلى مستويات الفقر في المجتمعات الريفية –مثل الحال في قرية «عيد» الأصلية بالقرب من واحات الفيوم– فإن وصول المساعدات الحكومية يصبح أصعب، ووفقا لما تقوله «هالة أبو خطوة» من منظمة اليونيسيف، فإن 4 من كل 5 أطفال فقراء في مصر، يعيشون في الريف.

وعلى الرغم من راتبه الضئيل؛ فإن مشروع بيع القطع النحاسية التي يعتمد عليه «عيد»، يكفي لإبقاء أسرته واقفة على قدميها، غير أن مثل هذه الفرص ضئيلة خارج المراكز الحضرية للبلد.

فقراء دون خيارات

يشعر المرء بالمحنة الاقتصادية بشكل أكبر في قرية مثل «البسقلون» التابعة للمنيا، الموجودة في صعيد مصر، حيث تقدر دراسة في 2013، عدد الأشخاص الفقراء بشكل مزمن، بـ30%، كما إن محافظة المنيا لديها حوالي ثلث عدد أفقر القرى في مصر.

قرية البسقلون ليست ضمن الأفقر، فهي قرية نموذجية إلى حد ما، يسكنها 5 آلاف شخص، ولديها مدرسة ثانوية وملعب كرة قدم افتتح حديثا، بالإضافة إلى مستشفى صغير تفتح 10 ساعات في اليوم، الأرض خضراء هناك والهواء نقي، على بعد 165 ميلا جنوب ضباب القاهرة الذي يزكم أنوف سكان العاصمة البالغ عددهم 20 مليونا، ولا شئ هنا يشير إلى أي نوع من الصناعة على الإطلاق، فهذه القرية مثل القرى المحيطة بها، تعتمد كليا على الزراعة، ولا يوجد عمل غيرها.

ويقول «رجب عبدالحليم» الذي يدير مؤسسة خيرية محلية توفر الدعم لفقراء البسقلون أنه «لا يوجد فرص هنا»، ويضيف «لا يوجد شئ على الإطلاق، ومعظم الرجال ينتهي بهم المطاف بالذهاب إلى السعودية للبحث عن عمل».

تجلس النساء العجائز على عتبات البيوت في أنحاء القرية منخرطات في القيل والقال، بينما يلعب الأطفال في الشوارع غير المرصوفة. يوجد قليل من الشبان هنا، وقد غادر الجميع تقريبا لإيجاد العمل في مكان آخر في القاهرة أو في الخارج في دول الخليج، وقد أرسل أحد الرجال العشرينيين رسالة للتو تفيد بأنه وصل للمملكة المتحدة، بعد أن خاطر بحياته متسللا عبر ليبيا، وعبر البحر الأبيض المتوسط في قارب متهالك، وأخيرا قام بتهريب نفسه في شاحنة متجهة لإنجلترا.

لم يتوفر لدى أولئك الذين غادروا القرية أي عمل عدا بعض العمل الزراعي المتفرق، لصالح ملاك الأراضي الكبار، مقابل مبلغ ضئيل لا يتجاوز خمسين جنيها في اليوم (أقل من 3 دولارات)، أحد هؤلاء العمال هو «إبراهيم سيد أحمد»، وسنه 70 عاما بما يعني أنه أكبر من أن يسافر إلى السعودية، وهو يتشارك كوخا متواضعا من غرفتين مع زوجته وابنه البالغ من العمر 14 عاما، وقال إنه كان ينبغي أن يتقاعد، لكن «ماذا عساه أن يفعل؟».

حتى هذا العمل المتواضع الأجر في الأرض يصعب الحصول عليه هذه الأيام، وفي السنوات القليلة الماضية، اضطر ملاك الأراضي إلى خفض تكاليف العمالة، مما ترك العمال باليومية مثل «أحمد» يتنافسون على العمل، و اضطرت زوجته للمشاركة والعمل في غسل الملابس أو التنظيف بمبلغ ضئيل في اليوم لا يزيد على عشرين جنيها (دولار واحد تقريبا)، ولكي يدعموا معيشتهم، فإنهم يتلقون مساعدة من الحكومة، وعندما يسأل عن قيمة هذه المساعدة، يقول بابتسامة ساخرة: 40 جنيها في الشهر (حوالي دولارين ونصف دولار).

الملاك ليسوا بحال أفضل

حتى الذين يمتلكون الأراضي يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، ومنهم «محمد رجب»، وهو مزارع بدين له من العمر 40 عاما، وكان معتادا على جني عيش كريم من زراعة القطن.

كان القطن المصري يتمتع منذ فترة طويلة بوضع فاخر في جميع أنحاء العالم، وكان يوفر للمزارعين دخلا ثابتا، لكن زيادة المنافسة مع المزارعين في الولايات المتحدة، و في ظل قرار إدارة «السيسي» بخفض إعانات المزارعين في 2015، هجر العديد منهم زراعة القطن، وقال «رجب» وهو ينظر إلى أرضه، أن الأمر لم يعد يدر ربحا، وأنه يستخدم الأرض الآن في زراعة البصل.

بالإضافة إلى ارتفاع سعر الوقود والأسمدة، فإن «رجب» يواجه أيضا تضاؤل مورده الرئيسي: الماء. وبما إن المزارعين يعتمدون بشكل حصري تقريبا على مورد النيل، فإنه يستغل لأقصى حد ممكن لتأمين احتياجات المياه للسكان المتزايدين.

في بداية الألفية كان عدد سكان مصر يبلغ 70 مليونا، وفي 17 عاما فقط، ارتفع إلى حوالي 100 مليون، ويقدر بأن يصل إلى 120 مليونا بحلول عام 2030، وقد كانت البلاد في حالة فقر مائي رسميا منذ 2015، وبالنسبة لـ«رجب»، فإن ما كان يعتبر يوما؛ موردا وفيرا أصبح سلعة واهية، وهو يقول إن إمداداته تنقطع تماما في بعض الأحيان، وأضاف: «إذا لم أستطع الحصول على ماء ستموت محاصيلي».

يشير «رجب» لمجموعة من بنايات الطوب الأحمر ويقول: «هل ترى هذه المنازل؟»، ثم يعقب: «لقد كانت أراض زراعية، لكن بعد أن لم يعد المال متوفرا في الزراعة، أصبح المزراعون يبيعون أراضيهم».

حوالي 30 ألف فدانا من الأراضي الزراعية تنحسر كل سنة تحت المباني المبنية بشكل غير قانوني، والأرض التي كانت ذات يوم سلة خبز الإمبراطورية الرومانية تختفي تحت الطوب والملاط، وتدفع البلاد لاستيراد المزيد من طعامها من الخارج، ما يزيد الضغط على الاقتصاد.

إعادة انتخاب وثقة مستغربة

وبالرغم من قائمة المشكلات الاقتصادية الطويلة، إلا إن «السيسي» سوف يسعى لإعادة انتخابه كرئيس في الشهر القادم دون أن تكون هناك فرصة لخسارته، فقد تم إقصاء كل المعارضين الموثوقين، وبعضهم انتهى به المطاف في السجن، وخصمه الوحيد «موسى مصطفى موسى»، هو مرشح ديكوري يتم استغلاله.

فبعد أن أعلن عن ترشيحه فجأة من اللاشئ، بدأ الناس على وسائل التواصل في مشاركة لقطات من حسابه على فيسبوك الذي يغمره بصور الشخص الذي يفترض أنه منافسه، وهو الرئيس الحالي، ويرفض العديد من المصريين تسمية هذه انتخابات، ويختارون بدلا من ذلك، تسميتها «استفتاء» بنتيجة واحدة محتملة فقط.

إلا إن الرئيس الحالي ما يزال يحتفظ بدعم حقيقي –وهذا غريب– حتى بين هؤلاء الذين يكافحون للنجاة في ظل المناخ الحالي، و«عيد» أحد هؤلاء الذين ما يزال لديهم إيمان بالإدارة الحالية.

وقال «عيد»: «إن الأمور أصبحت أصعب منذ الثورة، وفي ظل حكم الرئيس الحالي، لكنني ما أزال أتفق مع ما تفعله الحكومة، الأمر مثل أن يتدمر مصنع لديك، إنه يستغرق وقتا لإعادة بنائه، ولكن عندما ينتهي فإنك ستعود إلى العمل»

اجمالي القراءات 1969
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق