جاكوبين»: «ثورة العقل».. حكايات مصورة عن الاضطهاد السياسي في مصر

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٣ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


جاكوبين»: «ثورة العقل».. حكايات مصورة عن الاضطهاد السياسي في مصر

قال كل من إيلي كورناسيد ومصطفى باسم في تقرير لهما على موقع «جاكوبين» إنه بعد مرور سبع سنوات على خلع حسني مبارك، تمر مصر بثورة مضادة خسيسة. وفي هذا المقال تسليط للضوء على ضحايا هذه الثورة المضادة.

مقالات متعلقة :

في مثل هذا اليوم من عام 2011، وبعد أكثر من أسبوعين ونصف من الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للنظام، استقال الديكتاتور المصري حسني مبارك من حكمه الذي دام ثلاثة عقود تقريبًا.

وفي الربيع الماضي، في مقابلة مع «جاكوبين»، أشار مصور مصري يدعى حمادة الرسام إلى استقالة الرجل القوي بـ«ما يسمى التنحي». في ذلك الوقت، بُرِّئ مبارك من التآمر لقتل 239 متظاهرًا خلال 18 يومًا من ثورة 2011. وقد مثلت هذه البراءة العلاقة المتينة بين حكومته المدعومة من الجيش وبين وريثه السياسي، الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي يسمى «الديكتاتور الأكثر قمعًا في التاريخ المصري الحديث».

اقرأ أيضًا: من «احلم معايا» لـ«طير من تاني».. أغاني حمزة نمرة تؤرخ لمراحل الثورة المصرية

ينتشر في مصر وباء تعذيب المعتقلين السياسيين على أيدي رجال الشرطة والأمن الوطني. إذ يقبع عشرات الآلاف من المعارضين في السجون بما في ذلك المدون والناشط علاء عبد الفتاح الذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات لانتهاكه قانون التظاهر في البلاد. وتُعدّ مصر واحدًا من أكبر السجون في العالم للصحافيين، حيث جرى سجن صحافيين مثل شوكان، ويقضون سنوات في الحبس الاحتياطي. وأقدمت أجهزة الرقابة في الدولة على حجب مئات المواقع، والغالبية العظمى منها مواقع إخبارية ومنصات إعلامية مستقلة مثل مدى مصر. ناهيك عن أكبر حملة على المثليين خلال ما يقرب من عقدين. وثمة حالات اختفاء قسري وقتل خارج نطاق القانون باسم حرب مصر المدعومة من الولايات المتحدة على الإرهاب.

وقد تجذر القمع السياسي لدرجة أن السيسي – الذي ارتكب في عام 2013 أكثر مذبحة سياسية دموية في التاريخ المصري الحديث – فاز في الانتخابات الرئاسية في البلاد في العام التالي بنسبة خيالية بلغت 97% من الأصوات. أما الآن فهو يقف على أعتاب إعادة انتخابه مرشحًا وحيدًا في الشهر المقبل: فقد انسحب منافسوه واحدًا تلو الآخر بسبب العنف والفساد، وأُلقي القبض على منافسه الرئيسي، رئيس هيئة الأركان المسلحة السابق الفريق سامي عنان، وأرسل إلى سجن عسكري بعد أيام من إعلان عزمه الترشح.

 

وفي أواخر الشهر الماضي، دعا ائتلاف مكون من ثمانية أحزاب معارضة وحوالي 150 شخصية عامة مؤيدة للديمقراطية؛ الناخبين إلى مقاطعة الانتخابات، مشيرين إلى السباق بأنه «عبث يلفه الجنون». وردًا على ذلك، حذر السيسي من أن «ما حدث قبل سبع أو ثماني سنوات، لن يحدث مرة أخرى في مصر. يبدو أنكم لا تعرفونني جيدًا». في مواجهة الاستياء من جانب المقاطعين المحتملين الذين يحاولون الإطاحة بالنظام، فإن هذا الرجل القوي لن يتراجع، وبالتأكيد لن يتنحى.

«كانت الثورة بمنزلة انفجار في التعبير عن الذات»، يقول المصور مصطفى باسم. لكنه أضاف أنه على مدى السنوات السبع الماضية «لقد تعلمنا دروسًا صعبة عن واقع النشاط المدني». ومن بين تلك الدروس ضرورة الانطواء، بعد أن سيطر السيسي على السلطة، وبات التعبير عن الذات الذي تحقق خلال الثورة ينطوي على مخاطر شديدة. بعبارة أخرى، هناك قيود لا مفر منها – وضعتها قوات أمن السيسي والشرطة السرية – على الأنشطة خارج العقل وداخله. «إزالة النظام؟»، يقول باسم ساخرًا في إشارة إلى مطالب التحرير في عام 2011، «في الواقع، لقد أزالنا النظام».

اقرأ أيضًا: «ربِّي عيالك».. التنكيل بالأبناء وسيلة النظام المصري لـ«لي ذراع» معارضيه

مع تولي السيسي وزمرة الثورة المضادة مقاليد السلطة في مصر، ترسخت الرقابة الذاتية أو ضبط النفس في المجالات العامة والخاصة، وعلى شبكة الإنترنت وفي الشوارع. قام باسم، المصور الصحافي، بتنظيم احتجاج بصري متحفظ ومبعثر. فعلى مدى العامين الماضيين، وكجزء من سلسلة صوره «ثورة العقل»، وثّق الروايات الصادمة عن العديد من الشباب المصري الذين واجهوا حملات تشويه بسبب انتقادهم للنظام السياسي والثقافي المهيمن في عصر ما بعد الثورة. وبالنسبة إلى هؤلاء الشباب، بما في ذلك باسم نفسه، فإن زملاءهم المواطنين يعززون نموذج السيسي الاستبدادي للسيطرة الشاملة على العقل والجسم.

«تخيل بيت عائلتك، وحيك، ومكان عملك كصورة مصغرة لجهاز أمن الدولة»، يصف باسم هذا التأقلم اليومي على كتيب الثورة المضادة. «الناس الذين يملأون هذه المساحات – أفراد عائلتك، جيرانك، زملاؤك – بدأوا يبدون مثل المخبرين، وربما بعضهم كذلك».

وُلدت الشهادات التالية، التي تم تحريرها لأغراض طول العرض والوضوح، في ثورة 2011 وتتكشف في براثن الثورة المضادة الوحشية على نحو متزايد. وفي سبيل جمعها لإنجاز مشروع «ثورة العقل»، يجلب باسم بعض الآثار العميقة للديكتاتورية على الجسد والروح – الإرث الملهم ولكن المؤلم من عام 2011 – إلى الواجهة.

أ.ح طالب (22 عامًا)

بعد الثورة، بدأتُ في كتابة آرائي على وسائل الإعلام الاجتماعية والتحدث عنها في المقاهي. بعض هذه الآراء كانت تنتقد الإسلام وتأثيره في السياسة.

وفي يوم من الأيام، تلقيت مكالمة من رقم مجهول. «إذا لم تتوقف عن الكتابة عن (الموضوعات المذكورة أعلاه) والذهاب إلى المقهى، فسوف أضربك». تلقيت نفس المكالمة أربع مرات أخرى. وفي وقت لاحق، حاول رجل الاعتداء علي في المقهى. «أنت كافر»، صرخ الرجل «وإذا لم تتوقف، فسوف أعاقبك». اتصل مرة أخرى في المنزل، «توقف عن ما تكتبه وقوله وإلا فلن ترى الشمس مرة أخرى». أصبحت خائفًا من مغادرة بيتي.

 

وذات ليلة، عندما كنت عائدًا إلى البيت من المقهى، سمعت شخصًا يصرخ: «أنت يا ابن العاهرة، سأقتلك!» مشيت بشكل أسرع ثم ألقى الطوب علي. غطيت وجهي بذراعي وركضت حتى وصلت إلى الشارع الرئيسي لإيقاف سيارة أجرة. بعد ذلك، أصبحت أخشى أن أترك بيتي. لم أذهب إلى الشرطة لأنني كنت أعرف أنهم لن يحموني – في الواقع، إذا ذهبت إلى القسم وأخبرتهم بقصتي، فقد يعتقلونني بسبب «ازدراء الدين» أو شيء ما. لذلك، توقفت عن الكتابة والتحدث والتفكير في الموضوعات الحرجة فترةً من الوقت.

اقرأ أيضًا: دروس من كوبا.. ما لا يحكى عادةً عن مشاكل التعليم الطبي في مصر

انتقلت إلى القاهرة وأُجبرت على بدء حياة جديدة. هناك، (اعتقل أ.ح. أثناء تفتيش عشوائي للشرطة وأمضى ستة أشهر في السجن دون محاكمة).

منذ اعتقالي في القاهرة، كنت أعاني من هلع شديد. كنت أشعر أن جميع الناس من حولي – أصحاب المحلات، وسائقي سيارات الأجرة، والرجال، والنساء، وحتى الأطفال – هم مخبرون. فكرت في الذهاب إلى طبيب لتلقي العلاج. لكنني أخشى من الأطباء. وبعد أن أطلعهم على قصتي، ماذا لو هاجموني أو أبلغوا عني بسبب آرائي المختلفة؟

م.أ محامٍ (26 عامًا)

عائلتي ليست بالضرورة متدينة، وإنما محافظة جدًا. وهم يعتقدون أنني يجب أن ألتزم بالمعايير الثقافية السائدة. اعتدت على الخروج إلى وسط مدينة القاهرة خلال أيام الثورة، ومناقشة التغيير الاجتماعي والسياسي مع أقراني. وفي السنوات التي تلت، بدأت أدرك أن الناس في حياتي لديهم مشاكل مع أفكاري الجديدة، وأنهم لا يريدون أن يتعاملوا معي بعد الآن.

 

المصدر: جاكوبين.

اتهمني أحد جيراني بأنني كافر بسبب وجهات نظري النقدية حول الدين. بدأت المواجهة لفظيًا مع والدي في مقهى محلي ثم بدنيًا معي على سلم البناية. قال أخي إن آخرين من الحي كانوا يهينونه أيضًا، وأنه خجل مني. في مصر، الدين مثل قنبلة قد تنفجر في وجهك. وجه لي والدي إنذارًا: إما أن تتكيف مع معتقداتنا، أو غادر المنزل. كنت قلقًا بشأن سلامة عائلتي وسلامتي، وكنت أعرف أن إنذارهم كان مدفوعًا بالخوف – وأن التهديدات أقوى منهم – لذلك غادرت.

كلما ذهبت لزيارة عائلتي، يوبخونني ويقولون إنني لا ينبغي أن أظهر في الحي. فهم خائفون، وكذلك أنا. وعادة ما يثبت الناس كاميرات مراقبة للمساعدة على الحفاظ على سلامتهم. ولكن في مصر، فإن الناس أنفسهم مثل الكاميرات الأمنية: يراقبون كل ما تفعله، وعلى استعداد لإبلاغ الشرطة، ويجبرونك على القيام بما يعتقدون أنه الصحيح.

اقرأ أيضًا: «إيكونوميست»: لهجات سوريا والعراق تتفوق.. قصة صعود وسقوط العامية المصرية

ن.هـ طالبة (23 عامًا)

والدي رجل عنيف. فهو يستخدم الضرب والشتائم للتعامل مع الأسرة بأكملها. لم أفعل شيئًا في حياتي سوى طاعة أوامره.

وفي عام 2011، عندما رأيت الناس يتحركون في الشوارع ويطالبون بحقوقهم، بدأت أشعر أن ما يحدث في الثورة هو نفس ما يحدث معي: عائلتي هي النظام، وأنا الشباب المصري الغاضب الذي يطالب بحقوقه، لذا بدأت أشعر أنني يجب أن أبدأ ثورتي الخاصة.

 

المصدر: جاكوبين.

عندما اكتشفت عائلتي أنني خلعت حجابي، وأنني صادقتُ أناسًا لهم أفكار مختلفة، حبسوني داخل المنزل، وتعرضت للضرب والإهانة يوميًا. لم أعصِ لهم أمرًا طوال حياتي، ولكن لم أعد أستطيع ذلك بعد الآن. الموضوع أكبر من الحجاب – إنه عن شخصيتي بشكل عام، وآرائي، وطريقتي في الحياة والتفكير. لا تهتم عائلتي بما أعتقد، وإنما فقط حول ما يعتقده المجتمع عني. إنهم لا يريدون أن يتحدث الناس عن ابنتهم التي هربت من المنزل.

مصطفى باسم مصور صحافي (28 عامًا)

دفعتني المشاركة في الثورة إلى التفكير النقدي بطريقة أدت إلى رفض الكثير من الوضع الاجتماعي الراهن المنتشر في مجتمعي. ومع ذلك، سرعان ما بدأتُ في مواجهة معارضة من الجيران بسبب تعبيري عن معتقدات اجتماعية غير تقليدية وبدأتُ في تحدي المعايير الاجتماعية على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أخذ جيراننا في نهاية المطاف على عاتقهم تشويه سمعتي داخل المجتمع ككل.

 

غالبًا ما تكون المنازل قريبة من بعضها البعض، مما يوفر الحد الأدنى من الخصوصية وبيئة مثالية للجيران لسهولة حشر أنوفهم في حياتك اليومية. وجدت نفسي في نهاية المطاف أتعرض لشكل لا يطاق من السيطرة على العقل والجسم. بعد أن انتقلت من منزل عائلتي، سعيت إلى البحث عن أشخاص آخرين خاضوا تجربة مماثلة. وتسعى سلسلة الصور هذه إلى توثيق قصصنا، وقد أصبحت معروفة فيما بيننا باسم «ثورة العقل».

اجمالي القراءات 1592
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق