الجزائر: طبقة حاكمة مسنة في بلد شاب

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٥ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


الجزائر: طبقة حاكمة مسنة في بلد شاب

الجزائر: طبقة حاكمة مسنة في بلد شاب

  • في ظلّ الوضع السياسي والاجتماعي المحتقن، يحاول النظام الجزائري امتصاص الغضب الشعبي وإخفاء معالم الاحتقان المتصاعد من خلال بعض الإصلاحات السطحية والإعلان عن مشاريع بعيدة المدى، لكن ولئن تفادت البلاد مصيرا مشابها لتونس وليبيا، والحقيقة أن الفضل يعود في ذلك أساسا إلى تجربة الجزائريين مع العشرية السوداء لا إلى إنجازات النظام، فإن الحلول التي تعول عليها السلطات الجزائرية لإيهام مواطنيها بأنّ الأمن يأتي قبل الاقتصاد بدأت تنهار، فالاستقرار مثلما هو مرتبط بالأمن فهو مرتبط أيضا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان.

لغة لا يتحدث بها السياسيون

الجزائر – لم ينجح الجزائريون في التخلص من شبح “الربيع العربي” وسط مخاوف من أن تنفجر في الأخير الكثير من القنابل الموقوتة في وقت لن ينجح فيه حتى التخويف من سيناريو العشرية السوداء في تهدئة الوضع في بلد ينضح شبابا، فيما تسيره طبقة “عتيقة” لا تزال تعيش على وقع نصر حرب الاستقلال.

تغير الزمن وتأثيراته على المجتمع لم يصاحبه تغير في العقلية السياسية، حتى أن أحد المحللين يصف الطبقة الحاكمة في الجزائر بأنها “عتيقة في بلد من الشباب”. ويقول محذرا “نحن نحلم بطبقة شابة تتمتع بالحيوية، لكن الطبقة السياسية ليست مستعدة للتخلي عن شبر واحد”.

شباب مهمش

يشعر الجزائريون ممن هم في سن الشباب والذين يشكلون ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 41 مليون نسمة بأنهم تعرضوا للتهميش وأن الصلة بينهم وبين الطبقة السياسية مقطوعة. وعلى النقيض من هذه الطبقة سار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شوارع مدينة الجزائر خلال زيارة للبلاد الأسبوع الماضي وتحدث مباشرة مع الشباب، وهو أمر لم يعهدوه من قائدهم منذ عهد بعيد.

ونادرا ما يظهر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الذي تولى الحكم عام 1999، علنا كما أنه لم يتحدث في مناسبة عامة منذ إصابته بالجلطة. ومع ذلك فإذا قرر هو أو المحيطون به أن يترشح لفترة رئاسية خامسة فإنه سيفوز دون شك، على حد قول مصادر مقربة من الطبقة الحاكمة.

وتهيمن على البرلمان جبهة التحرير الوطني الحاكمة والتجمع الوطني الديمقراطي الموالي للحكومة، في حين أن المعارضة ضعيفة ومنقسمة بما في ذلك اليساريون والإسلاميون ولا يتوقع أن تلعب المعارضة دورا مؤثرا في أي تغيير محتمل على مستوى رئاسة البلاد.

وقال الحقوقي والناشط السياسي الجزائري طارق مراح إن “القوى السياسية تم تدجينها وبث الانقسامات داخل صفوفها عبر ما يسمى بالحركات التصحيحية، وباتت أداة تنتظر القرار وتنتقده بدل صناعة البدائل بنفسها، وعجزها بدا مبررا، لأن الدستور الجزائري ينص على أحقيتها في النشاط والتجمع، ولكنها تمنع من ذلك”.

إذا لم يرشح بوتفليقة نفسه فمن الممكن أن يطرح قادة الجيش ومسؤولو المخابرات مرشحا من خارج الطبقة السياسية

وفي المقابل يؤخذ عليها “عدم تحركها في اتجاه تغيير هذا الوضع ورفع التحديات والتضحيات اللازمة، مما أدى إلى تلاشي قواعدها نهائيا، وانحصار تواجدها في المحطات الانتخابية وبمجرد مرور تلك الاستحقاقات تختفي من الساحة”.

ويواجه الجزائريون حتمية رحيل رئيسهم عبدالعزيز بوتفليقة الذي أقعده المرض، وهم يدركون أن كل الجهود الممكنة تبذل لضمان ألا يتغير شيء يذكر عندما يحين أوان رحيله. فقد أصيب بوتفليقة (80 عاما)، الذي حكم الجزائر قرابة عقدين من الزمان، بجلطة في عام 2013 غير أنه ربما يقرر ترشيح نفسه مرة أخرى للرئاسة في الانتخابات المقبلة المقرر أن تجرى في مايو 2019.

ويعتقد كثيرون أنه إذا قرر بوتفليقة التنحي فستكون الشخصية التي سيتم انتخابها لخلافته ثانوية. ويقول مراقبون إن نخبة حاكمة قوية يهيمن عليها الجيش ستدير شؤون البلاد من وراء الستار. وربما يمثل ذلك بشرى سارة لنخبة بدأت تتقلص من قيادات جبهة التحرير الوطني التي يغلب عليها كبار السن وأباطرة الأعمال وقادة الجيش المتحالفون معها ويشاركون منذ مدة طويلة في إدارة الحياة السياسية في البلاد.

ومع ذلك، تمثل هذه الطبقة مصدرا للشعور بالإحباط لدى الشباب الجزائري الذي لم يعرف رئيسا آخر. ولا ينشغل هؤلاء كثيرا بمن يتولى دفة الأمور في البلاد بل يقلقون على الوظائف في وقت تسجل فيه البطالة مستوى مرتفعا وتنخفض فيه أسعار النفط وتشهد البلاد تقشفا اقتصاديا.

ويرى سمير عبدالقوي الذي يدرس في مدرسة خاصة باللغة الإنكليزية، أن الرحيل عن البلاد ربما يكون السبيل الوحيد. وقال عبدالقوي الذي يتعلم الإنكليزية لزيادة فرصه في الحصول على تأشيرة عمل في الخارج “لا تهمني السياسة فكل ما أحتاج إليه وظيفة معقولة إن لم يكن هنا ففي الخارج. أريد تأشيرة لا رئيسا”.

وانتشرت التكهنات في الخارج حول ما سيحدث للجزائر بعد رحيل بوتفليقة الذي زار أوروبا عدة مرات للعلاج ومكث في مستشفى بفرنسا عدة أشهر بعد إصابته بالجلطة، غير أن حلفاء النظام يعتبرون المسألة محسومة في الجزائر التي تبدو واحة استقرار في منطقة تجتاحها الاضطرابات.

 

إذا قرر بوتفليقة التنحي فستكون الشخصية التي سيتم انتخابها لخلافته ثانوية

وقال أنيس رحماني مدير تلفزيون النهار، وهو من المقربين من السلطات، “بعد بوتفليقة ستنظم القيادة العسكرية عملية خلافته. الطبقة السياسية ضعيفة هنا”.

الحفاظ على السلم

إذا لم يرشح بوتفليقة نفسه فمن الممكن أن يطرح قادة الجيش ومسؤولو المخابرات مرشحا من خارج الطبقة السياسية، غير أن البدائل الممكنة في الوقت الحالي كلها من أعضاء النخبة القديمة مثل رئيس الوزراء أحمد أويحيى ورئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال.

ويقول مراقبون إن أي تصور لتغيير القيادة يكون فيه دور لسعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس وأحد مساعديه المقربين، سيفتح باب الجدل لأن رجال الجيش لا يحبذون الحكم الوراثي. ويتوقع دبلوماسيون أجانب أن يعمد قادة الجيش إلى ترتيب عملية انتقال سلس للقيادة. وما يقلقهم في حقيقة الأمر بدرجة أكبر هو الأسلوب الذي ستدير به البلاد، المعتمدة على صادرات النفط والغاز، اقتصاد البلاد في عصر انخفاض أسعار النفط.

وتنفق الحكومة حوالي 30 مليار دولار كل عام لدعم أسعار كل شيء من المواد الغذائية الأساسية إلى الوقود وخدمات الرعاية الصحية والإسكان والتعليم. وقد ساعد هذا النظام في الحفاظ على السلم الاجتماعي، لكن الحكومة لم تعمل على تطوير الصناعات بخلاف قطاع الطاقة كما أنها تعاني من نقص الموارد المالية.

ولم تبذل الجزائر جهدا يذكر لتشجيع الاستثمار الأجنبي رغم الحاجة الماسة لتوفير فرص العمل، ولم تفعل شيئا يذكر لتيسير قيود التأشيرات أو بناء الفنادق لجذب السياح إلى شواطئ البلاد وجبالها وصحاريها وكلها لا يحتاج السفر إليها سوى رحلة جوية قصيرة من أوروبا.

ومازالت ذكريات الحرب الأهلية، التي تفجرت في التسعينات تؤرق الجزائر. وراح ضحية الحرب الأهلية 200 ألف شخص ما جعل الكثير من الجزائريين يتخوفون في ما بعد من اضطرابات الربيع العربي عام 2011.

وحتى الآن يظل ما تحقق في المجال الأمني هو النجاح الأكبر بلا منازع. ومع ذلك تظل فلول تنظيم القاعدة عناصر نشطة كما أنها بايعت تنظيم الدولة الإسلامية. وأسفر تفجير مزدوج بسيارتين ملغومتين عن مصرع 67 شخصا في العاصمة عام 2007 وسقط ما لا يقل عن 38 رهينة قتلى عندما سيطر متطرفون على محطة للغاز عام 2013.

كما كشفت الأجهزة الأمنية خلايا نائمة واخترقت خلايا أخرى وأغلقت الجزائر كل حدودها مع ليبيا ومالي والنيجر والمغرب وموريتانيا وحولتها إلى مناطق عسكرية لمنع تواصل المتشددين المنتشرين في منطقة الساحل. وتبددت تقريبا الآمال في انتخاب رئيس إصلاحي يعمل على التحديث يفتح الباب أمام ديمقراطية تنافسية ومجتمع مفتوح؛ فالأولوية على حد قول مراقبي النظام في الجزائر هي الاستقرار، وهي الحجة التي يسوقونها من أجل تهيئة الأرضية ليكون “الرئيس القادم قوي الشخصية يضمن الأمن لأننا في حالة حرب مع الإرهاب. يوجد خطر خارجي، والحدود كلها مشتعلة. يجب أن تكون للرئيس القادم خلفية عسكرية وأن يمتلك السلطة والصلاحيات لاتخاذ القرار”.

مازالت ذكريات الحرب الأهلية، التي تفجرت في التسعينات تؤرق الجزائر

 

استمرار النظام

توقع محلل ليبرالي جزائري استمرارية النظام. وقال في تصريح نقلته وكالة رويترز، إن “المؤسسات في الجزائر أقوى من الرجال. فالرجال يذهبون لكن المؤسسات باقية”، فيما ذهب طارق مراح إلى القول إن قراءة فرضية انتقال الجزائر إلى مرحلة جديدة انتقالا سلسا عبر الجيش ليست أمرا جديدا، فقد ذهبت شخصيات سياسية مهمة في الجزائر كمولود حمروش وسيد أحمد غزالي وأحزاب سياسية أخرى إلى هذا النحو، في قراءة المشهد السياسي الجزائري، ومحاولة اقتراح جملة من البدائل والحلول غير بعيدة عن تواجد الجيش في صناعتها.

ويضيف لـ”العرب” “شخصيا أعتبر ذلك اعترافا ضمنيا بغياب الديمقراطية كأداة فعالة ووحيدة لتكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة في كنف دولة العدل والقانون، وبما يذهب إليه البعض لإشراك مؤسسة الجيش بوصفها آخر المؤسسات التي بقيت محافظة على شيء من مصداقيتها مقارنة بباقي المؤسسات، التي ساهم الرئيس بوتفليقة في إفراغها من محتواها، حيث فقدت سبب وجودها”.

ويرى الناشط الجزائري أن “خيار دور الجيش في الانتقال السياسي السلس بعيد كل البعد عن تصحيح مسارات نراها خاطئة منذ عقود، وهي المتابعة والمرافقة العسكرية لكل الخيارات السياسية الحاسمة في الجزائر، لأن الأصوب هو استبعاد الخيار العسكري عن كل شأن مدني أو سياسي، مهما كانت درجة خطورته ليتحمل الشعب وحده نتائج خياراته”.

ويشدد مراح على أن “القائد الثاني للمؤسسة العسكرية أحمد قائد صالح صرح في أكثر من مناسبة عن عدم تدخله في الشأن السياسي، حتى لا يجازف في اعتقادي كما جازفت ذات المؤسسة عبر جناحها الاستخباراتي سنة 1991 بوقف المسار الانتخابي، وما نجم عنه من شلالات الدم، ولذلك أرى أن الشعوب وحدها من يمكنها أن تقرر مصيرها ومستقبل أبنائها بعيدا عن أي تدخل عسكري أو غيره”.

ويخلص إلى أن “الجيش يتوجب عليه أن يبقى مضطلعا فقط بمهامه الدستورية وهي حماية الحدود ومكافحة التجسس، وإصلاح المنظومة السياسية في أي نظام استبدادي شمولي يتطلب مقاومة سياسية سلمية عبر القنوات الطبيعية الموضوعة لذلك، كالأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية المدنية والجماهيرية، وذلك يتطلب وقتا في الجزائر على وجه الخصوص، لأن المشهد غامض وراكد وبعيد كل البعد عما يجب أن يكون عليه المجتمع المدني الحقيقي، خاصة مع تراجع أداء أحزاب المعارضة السياسية”. 

اجمالي القراءات 1381
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق