نبؤة «مسلسل هيما» تتحقق.. مصر تضحي بسكان الوراق من أجل مستثمرين أجانب

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٧ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


نبؤة «مسلسل هيما» تتحقق.. مصر تضحي بسكان الوراق من أجل مستثمرين أجانب

وجد الأمن أهالي جزيرة الوراق يدفنون أنفسهم في حفر حفروها لأنفسهم عندما جاء لإخلاء الجزيرة من سكانها؛ من أجل إزالة كل ما بني عليها  تمهيدًا؛ لمنحها لأحد رجال الأعمال الذي يريد أن يبني مشروعًا استثماريًا ضخمًا»؛ كان هذا أحد مشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل «هيمة..أيام الضحك والدموع» الذي كتبه بلال فضل وخرج للنور عام 2008، والذي يصور حال الشاب «هيمة»، القاطن بجزيرة الوراق، والتي تعاني من مشاكل كثيرة، منها البطالة وقسوة الحياة الاجتماعية ونقص الخدمات، لتمر السنوات وتقوم قوات الأمن المصرية بمداهمة الجزيرة صباح أمس 16 يوليو (تمُّوز) 2017، وذلك بحسب ما أعلنته لإزالة العقارات والمباني المُخالفة للقانون والتي تم بناؤها على جزيرة الوراق بدون تراخيص رسمية من الحكومة المصرية، ولم تنجح قوات الأمن في مهمتها؛ بسبب تصدي أهالي مدينة الوراق لها  التي نتج عنها سقوط أحد أهالي الجزيرة وإصابة العشرات من الجانبين «أهالي الجزيرة وقوات الأمن».

جزيرة الوراق الضائعة بين الجنزوري وعاطف عبيد ونظيف وشريف إسماعيل

لم تكن أزمة جزيرة الوراق وليدة الفترة الراهنة، بل هناك نزاع طويل دار بين الدولة المصرية وبين أهالي الجزيرة، ففي عام 1998 أصدر كمال الجنزوري رئيس الوزراء آنذاك قرارًا بتحويل جزيرة الوراق إلى محمية طبيعية يُجرم البناء عليها، وعندما جاء عاطف عبيد إلى رئاسة الوزراء بعدها رأى أن هذا القرار ليس كافيًا لإيقاف أهالي الوراق عن البناء على الجزيرة؛ فأصدر قرارًا جديدًا عام 2000 يقضي بتحويل جزيرتي «الوراق والذهب» إلى منافع عامة تابعة للدولة، لا يمكن استغلال أرضها إلا بتصريح من الحكومة المصرية، وذلك مع الإبقاء على وصف الجزيرتين بأنهما محميتان طبيعيتان، ولكن في عام 2002 استطاع أهالي الوراق الحصول على حكم محكمة يفيد بأحقيتهم في الأرض التي يعيشون عليها في الجزيرة.

وفي عام 2005 تجددت النزاعات بين الدولة ومجموعة المواطنين القاطنين لجزر الوراق والذهب والقرصاية؛ وذلك لأن الدولة كانت تخطط لإقامة مجموعة من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية على هذه الجزر التي منحها موقعها المتميز على مياه النيل عوامل جذب لكثير من المستثمرين، وبعد ذلك بثلاث سنوات فقط أعلنت الحكومة المصرية عن مشروع «القاهرة 2050» الذي يتضمن تحويل تلك الجزر إلى مدن استثمارية، ولكن المشروع لم يكتمل بسبب مظاهرات أهالي الجزر، فضلًا عن ارتباط هذا المشروع بجمال مبارك.

وفي العهد الحالي تجددت نوايا حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي التي يترأسها شريف إسماعيل بتحويل جزيرة الوراق إلى جزيرة استثمارية، وفي مؤتمر عقدته الحكومة المصرية لاسترداد أراضي الدولة؛ قال رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي: «جزيرة موجودة في وسط النيل، مساحتها أكثر من 1250 فدان – «مش هاذكر اسمها» – وابتدت العشوائيات تبقى جواها والناس تبني وضع يد. لو فيه 50 ألف بيت هيصرفوا فين؟ في النيل اللي إحنا بنشرب فيه؟».

جزيرة الوراق مكان خارج التغطية دائمًا

على مساحة 1500 فدان تقريبًا تقع جزيرة الوراق على نهر النيل، ويسكنها ما يقرب من 100 ألف نسمة، يعمل معظمهم في أعمال الزراعة والبناء والحرف البسيطة، وعلى الرغم من أن جزيرة الوراق هي أكبر جزيرة في مصر، تعتبر الجزيرة من أشد البقاع فقرًا في جمهورية مصر العربية، ومن أكثرها في انعدام خدمات الصحة والكهرباء والصرف، وحتى الحماية والأمن، فتراكم تلال القمامة في الكثير من الأماكن داخل الجزيرة هو مشهد مُعتاد؛ لأن عربات القمامة التابعة للحي غالبًا لا تمر من هناك، ولا يوجد شبكة صرف صحي، ولكن عربيات الكسح تقوم بتصريف مخلفات القرية في النيل؛ وهو الفعل الذي يسبب تلوثًا شديدًا لمياه النيل.

وبجانب انتشار أعمال السرقة والبلطجة في الجزيرة بسبب إغلاق نقطة الشرطة، تنتشر الكثير من الأمراض الخطيرة مثل: فيروس سي والفشل الكلوي وذلك بسبب التلوث الشديد المرتبط بأجواء الجزيرة، والناتج عن المخلفات التي لا يتم التخلص منها بصورة صحية، وتدهور الحالة الصحية لأهل الجزيرة لا يقابله رعاية صحية جيدة؛ فهناك مستشفى وحيدة على الجزيرة، وهي فقيرة في تجهيزاتها وفي خدماتها، بالإضافة إلى أنها تغلق أبوابها بحلول الساعة الثانية عشر مساءً كل يوم، ولا يوجد في الجزيرة إلا وسيلة مواصلات واحدة، وهي «التوكتوك»، أما عن وسيلة المواصلات التي تنقلك من وإلى الجزيرة؛ فلا توجد سوى «معدية» مُتهالكة تقوم بنقل الأفراد من وإلى الجزيرة مقابل «جنيه»، وهذه المعدية أوقفتها قوات الأمن بعد اشتباكات أمس، ولكنها عادت للعمل صباح اليوم.

هل الوراق ملك لأهلها أم ملك للحكومة؟

كل طرف من طرفي النزاع، سواء الحكومة أو أهل الجزيرة، يقدم أوراق تثبت ملكيته للأرض في كل مرة يحتدم النزاع بينهما، ولكن في مداخلة هاتفية مع برنامج بتوقيت مصر قال «يحيى الشحات» رئيس المجلس المحلي لجزيرة الوراق السابق: «هناك 60 فدانًا فقط ملك للدولة والأوقاف، أما باقي مساحة جزيرة الوراق فهي ملك للأهالي، ومعهم أوراق وعقود مسجلة بالشهر العقاري تفيد ملكيتهم للأرض».

وفي منشور نشره المحامي الحقوقي خالد علي على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ آيد فيه  رواية أهالي الجزيرة، ودعم خالد علي منشوره بمجموعة من المستندات وشهادات وفاة وأوراق تؤكد أن الجزيرة هي ملك لأهلها وليست للدولة، وكتب علي:

«أهالى الجزيرة أصحاب ملكيات خاصة على الأرض ولم يعتدوا على أراضى الدولة كما تزعم الحكومة، فمساحة الجزيرة ١٨٥٠ فدان، منها ١٨١٠ فدان ملكيات خاصة، و٤٠ فدانًا فقط ملك الحكومة، وشاغلوها لم يشغلوها غصبًا لملك الدولة، وإنما مقابل انتفاع يسدد للدولة بانتظام، كان هناك نزاع سابق فى بداية عام ٢٠٠٠ لنزع ملكية المواطنين بالجزيرة، ولكن مجلس الدولة حكم بوقف وإلغاء قرارات نزع الملكية، كما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٨٤٨ لسنة ٢٠٠١ بعدم جواز إخلاء أى مبنى مقام حتى تاريخه بجزيرتي الذهب والوراق، وعدم جواز التعرض لحائزى الأراضى الزراعية بالجزيرتين».

ما المشروع الذي تنوي الحكومة إقامته على جزيرة الوراق؟

منذ أن اشتعلت الاشتباكات بين قوات الأمن وبين أهالي جزيرة الوراق، خرجت الكثير الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي تُفيد بأن هناك جهة خليجية «إماراتية أو كويتية» تقف وراء مشروع استثماري عملاق سوف يتم إنشاؤه على جزيرة الوراق، وجزيرة الدهب بعد إخلائهما من السكان، ولكن حتى الآن لا يوجد مصدر واحد يثبت صحة هذه الأخبار، حتى أن المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط صرح لـ«مدى مصر» أن الوزارة ليس لديها معلومات عن أي خطط تخص الجزر النيلية حتى اﻵن، وأنها في المراحل اﻷولى للتخطيط.

وعلى الرغم من ذلك فقد حاولنا الوصول إلى إحدى شركات الإنشاء والتخطيط العملاقة  التي تدعى «RCP» وهي شركة سنغافورية، بدأت عملها في الشرق الأوسط عام 2010 في دبي، وتضع هذه الشركة على موقعها الرسمي مشروعًا جديدًا من المفترض أنه تم توقيع اتفاقية مع الحكومة المصرية لإنشائه على جزيرة الوراق على مساحة حوالي 23 ألف متر مربع، وتم تصميم هذا المشروع لكي يجمع بين  الشكل المعماري الحديث والروح التاريخية لمدينة القاهرة، ويربط بين الجزيرة والنيل.

اجمالي القراءات 2781
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق