النزيف القاتل»: أين يذهب نفط ليبيا؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٠ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


النزيف القاتل»: أين يذهب نفط ليبيا؟

دأت جهود البحث عن النفط الليبي عام 1955، وتكللت تلك الجهود باكتشاف أول الآبار في البلاد بعد ذلك، وسرعان ما نُظر إلى البلاد باعتبارها مصدرًا واعدًا للذهب الأسود، ومنحت عشرات الدول عقود امتياز تتيح لها حق الحفر والتنقيب، وقد وصل الإنتاج النفطي الليبي في البداية إلى معدلاتٍ قياسية بلغت نحو 3 ملايين برميل يوميًّا، قبل أن تقرر الدولة الليبية اتخاذ إجراءات لخفض الإنتاج، فيما اعتبرته محاولة لـ«وقف استنزاف» ثروات البلاد.

بحلول عام 2010، كانت التقديرات تشير إلى أنّ الاحتياطات المؤكدة من النفط الخام في ليبيا تُقدَّر بنحو 46.5 مليار برميل، أي نحو 4% من إجمالي احتياطيات العالم، أما الإنتاج اليومي منه، وفق منظمة الدول العربية المصدِّرة للنفط، فيقدَّر بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم، وهو ما يشكل 2% من إنتاج العالم، و5% مما تنتجه الدول الأعضاء في أوبك.

وأهم الحقول النفطية في ليبيا هي حقل آمال، وحقل الفارغ، وحقل زلطن، وهي تقع في المنطقة الشرقية، وحقول الشرارة والفيل والوفاء التي تقع جنوب غربي العاصمة طرابلس، أما مواني النفط في البلاد، فأبرزها ميناء السدرة، وراس لانوف، والبريقة، والحريقة، والزويتينة.

ونشير هنا إلى مصطلح «الهلال النفطي»، الذي يعبِّر عن المنطقة الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على طول 205 كم، من طبرق شرقًا إلى السدرة غربًا، وتحتوي هذه المنطقة على نسبة 80% من القدرات النفطشرقًا إلى السدرة غربًا، وتحتوي هذه المنطقة على نسبة 80% من القدرات النفط"font-size:20px;">تشير الإحصاءات إلى أنّ إنتاج النفط في البلاد كان ينخفض في الفترات التي تشهد اضطرابًا سياسيًّا، والعكس بالعكس، كما يبين الرسم البياني التالي.

 

 

 

 

شكَّل النفط بوصفه ثروة البلاد شبه الوحيدة مركزًا للصراع بين القوى المتنافرة في البلاد، وتبعًا لذلك فقد كانت منطقة الهلال النفطي الغنيَّة بالثروة هدفًا يسعى كلّ طرف لبسط نفوذِهِ عليه، خضعت تلك المنطقة بعد الثورة لما يُسمَّى بحرس المنشآت النفطية التي تكوَّنت من مقاتلين قبليين محليين يقودهم إبراهيم الجضران.

كان الجضران من دعاة إنشاء النظام الفيدرالي، واقتسام السلطة والثروة بين الأقاليم في البلاد، وقد حاول في البداية تصدير النفط بشكلٍ مستقلّ بعيدًا عن الحكومة المعترف بها، غير أن تلك الخطوة تكلَّلت تستعيدها بعد أيام قليلة، لتظل تلك المنطقة إحدى أهم بؤر التوتر في البلاد حتى يومنا هذا.

تعد «المؤسسة الوطنية للنفط» هي الجهة الحكومية المسؤولة عن إدارة قطاع النفط الليبي، ومقرها طرابلس، وقد تمتعت بدرجة من الاستقلالية عن الحكومات المختلفة، ورئيسها «مصطفى صنع الله» هو إحدى الشخصيات القليلة التي تحظى باحترامٍ بين قطاعاتٍ واسعة من الليبيين.

الأهمية الاستراتيجية للنفط الليبي، لم تلقِ بظلالها فقط على الصراع بين فرقاء الداخل، بل كذلك على اللاعبين الدوليين، وثمة من يقرأ المحاولات الروسية للعب دور أكبر في الملف الليبي، عبر نسج علاقات متينة مع الرجل القوي «خليفة حفتر»، وهي محاولة من موسكو لامتلاك نفوذ أكبر على النفط الليبي، بما له من أهمية استراتيجية لبلدان الاتحاد الأوروبي عامة، ولإيطاليا بشكل خاص.

شبكات التهريب: نفط ليبيا «حلالٌ للطير من كل جنس»

في السابع من يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت حكومة الوفاق الليبية تهديدًا بفرض حالة «القوة القاهرة» – حماية يوفرها القانون في مواجهة الالتزامات والمسؤولية القانونية الناشئة عن توقف أداء العقود نتيجة أحداث خارجة عن سيطرة أطراف التعاقد- على المواني البحرية كلها، وأشارت إلى أنّ «تلك المواني قد تحولت إلى «بؤر» لتهريب النفط ومشتقاته عبر حفنة من ضعاف النفوس، بالتعاون مع عصابات إجرامية دولية».

يحيلنا هذا إلى قراءة أكثر تفحصًا في الأنباء المتكررة حول عمليات النهب التي تتعرض لها ثروة البلاد النفطية، فبين الحين والآخر يطالعنا خبر اعتقال بعض المهرِّبين، أو اعتراض سفينة أو أكثر ضالعة في عمليَّات التهريب. في الحقيقة، كان النفط الليبي دومًا عرضةً للسلب والنهب والتهريب عبر البر أو البحر، لكنّ الفوضى التي شهدتها البلاد عقب إطاحة القذافي، قد جعل من تلك التجارة المستترة نشاطًا علنيًّا أو شبه علني، ينخرط فيه الآلاف على أعين الأجهزة الرسمية، التي تكون إمَّا متواطئة أو عاجزة عن التحرُّك في أغلب الأحيان.

فماذا يجري تحديدًا للذهب الأسود في ليبيا؟

في تحقيقها المنشور على صفحات «ميدل إيست آي»، مطلع فبراير(شباط) الماضي، تروي الصحفيّة الإيطالية «فرانسيسكو مانوتشي» تفاصيل مثيرة بخصوص شبكات تهريب النفط الليبي، ففي ميناء سبراطة الواقع غرب البلاد، يروي مهندس إيطالي خمسيني قضى سنوات طويلة في العمل داخل ليبيا:

ما إن يحل المساء حتى يصير بإمكانك رؤية عشرات الناس يشرعون في ملء القوارب بالوقود، عشرات السفن والناقلات تغادر سواحل سبراطة تحت سمع وبصر خفر السواحل الذين يفترض بهم أن يكونوا أمناء على ثروة الليبيين.

يستخدم المهرّبون – بحسب التحقيق- قوارب قادرة على حمل نحو 40.000 لتر من النفط المكرّر، وينطلقون بها صوب السواحل الأوروبية، جزيرتا مالطا وصقلية هما الهدف في الغالب، حيث يتسلم رجالات المافيا «البضاعة» التي تُباع غالبًا قبل الوصول إلى الأراضي الإيطالية.

يثور الحديث حول مالطا تحديدًا مرتكزًا رئيسيًّا لتهريب النفط الليبي عبر المتوسط، تُبحر الناقلات من مالطا تجاه السواحل الليبية، حيث تتوقف على بعد عشرات الكيلومترات، وتتوقف أنظمة تتبعها، تستلم بضاعتها من المهربين، قبل أن تعود أدراجها، هذا هو السيناريو الذي رسمه تقرير للأمم المتحدة يتحدث عن تلك التجارة الضخمة التي تدور دورتها عبر المتوسط.

السيناريو نفسه تحدَّثت عنه السلطات الليبية، حين طالب مكتب النائب العام الليبي «الصديق الصور» من السلطات المالطية صراحة وقف عمليات تهريب النفط الليبي، الذي – بحسب التحقيقات- يجد طريقه عبر شبكات المافيا العملاقة إلى مالطا وقبرص واليونان وإيطاليا.

وفي التحقيقات نفسها، وجّه الصور أصابع الاتهام بالتواطؤ إلى مسؤولين نافذين، بعضهم يمارس عمله مديرًا أو عضوًا في مجالس شركات نفطية مهمة، وأُصدرت قرارات بسجن هؤلاء أو منعهم من السفر لحين استكمال التحقيقات في اتهامهم بتبديد ثروات البلاد.

ويظهر أن حجم التورط أكبر من أن يتم تداركه، إذ إن الانخراط في تلك العمليات يوفر لمدن بأكملها مصدرًا للعيش الوفير في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالبلاد، ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث حين صرح رئيس المؤسسة الوطنية للنفط «مصطفى صنع الله» متهمًا «حرس المنشآت النفطية» – الهيئة الأمنية المسؤولة عن حماية منشآت الطاقة في البلاد- بالفساد والتواطؤ مع المهرِّبين، فكان الردّ سريعًا بعد ساعاتٍ قليلة بقطع الكهرباء تمامًا عن مدينة الزاوية التي يقطنها 200 ألف شخص، ما يشير إلى مدى نفوذ وسطوة تلك الشبكات في البلاد.

تشير التقديرات إلى أنّ حجم الخسارة التي مُنيت بها البلاد من جراء عمليات التهريب تصل إلى نصف مليار دولار، في حين أن مجمل واردات ميزانية البلاد لعام 2016 كان أقل من 6 مليارات دولار. وليس الشمال هو الوجهة الوحيدة لتهريب النفط الليبي، بل إنه يجد طريقه أيضًا إلى الغرب، والجنوب، فقد كشفت لجنة «أزمة الوقود والغاز الليبية»، في بيان لها أنه يتم يوميًّا عبر الحدود الليبية- التونسية، وعبر معبر ذهيبة تهريب 69 شاحنة وقود محمّلة بشحنة 40,000 لتر لكل واحدة منها بين وقود ديزل وبنزين، بإجمالي 2.670.000 لتر يوميًّا، فضلًا عن الإشارة إلى كميات وصفتها بالخطيرة من الوقود يتم سحبها إلى دولتي تشاد والنيجر عبر الحدود الجنوبية للبلاد.

اجمالي القراءات 1451
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق