مصر السيسي».. الفقر للشعب والبذخ للنظام

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٥ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


مصر السيسي».. الفقر للشعب والبذخ للنظام

وفقًا لتقدير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التابع للحكومة المصرية، لإحصائيات عام 2015، فإن نحو 28% من الشعب المصري لا يستطيع الوفاء باحتياجاته الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، ورغم تلك الإحصائيات الرسمية إلا أن المواطن المصري دائمًا ما يجد نفسه أمام مطالبات مستمرة بالتقشف من جانب الرئيس والوزراء والبرلمان وحتى الإعلام.

وفي خطابات كثيرة وبشكل مُعتاد، يُطالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، المواطنين بقبول الفقر والصبر عليه وعدم الشكوى تعبيرًا عن حب مصر والتضحية من أجلها، وكانت أبرز تلك التصريحات منذ أيّام عندما قال: «إحنا فقراء أوي. محدش قال لكم إننا فقراء أوي؛ أنا بقول لكم إحنا فقراء»، ومن قبل ضرب السيسي بنفسه مثلًا على تحمّل الفقر حين قال إن ثلاجته ظلت فارغة إلا من المياه لعشر سنوات «ومحدش سمع صوتي» على حد تعبيره.

إذًا على المواطن المصري أن يتقشّف رُغمًا عنه، في مقابل نظام سياسي يرتع في الثراء، ما بين السيارات والطائرات والقصور الفارهة، وليس ببعيد ما حدث أخيرًا من شراء البرلمان المصري لثلاث سيارات بـ18 مليون جنيه مصري!

أزمة سيارات البرلمان

قبل أيّام ظهرت أزمة سيارات البرلمان للرأي العام المصري لتثير جدًلا حول صدق «إحنا فقراء أوي»، وتساؤلات حول من «إحنا»، بخاصة وأن السيارات الثلاثة تخطّى سعرها 18 مليون جنيه مصري!

بطل أزمة سيارات البرلمان هو النائب محمد أنور السادات، وذلك عندما تقدم بسؤال لرئيس مجلس النواب علي عبد العال، حول إنفاق نحو 18 مليون جنيه لشراء ثلاث سيارات خاصة للمجلس، دفع ثمنها من موازنة العام المالي 2015/2016.

جاء رد الأمانة العامة لمجلس النواب حول الأزمة دون توضيح صريح للقضية، فكل ما أفصحت عنه هو أن طلب شراء السيارات (المصفّحة) كان في عام 2015، وأنها طُلبت للضرورة الأمنية التي تقتضيها تحركات رئيس المجلس، فيما جاء رد رئيس المجلس كما اعتيد منه، ما بين تخوين وتهديد، إذ قال: «لن أتردد في اتخاذ كل الإجراءات الجنائية والقانونية ضد المخالفين للحفاظ على المجلس، وتسريب ميزانية المجلس جريمة أمن قومي، وهناك إعلاميون لديهم أجندات خاصة«!

قبل أزمة السيارات كانت هناك احتفالات مرور 150 عامًا على الحياة النيابية في مصر، والتي استمرت ثلاثة أيام في مدينة شرم الشيخ السياحية، وشارك فيها مئات من الضيوف وممثلي الدول. وشهدت الاحتفالات إنفاقًا ضخمًا عليها، ما بين الاستعانة بمئات الشباب من الجنسين لأداء مهام العلاقات العامة، والتجهيزات الأمنية المكثفة، وحجوزات الفنادق، ومراسم الاستقبال، والتنظيم للحفل.

في النهاية تكلّفت الاحتفاليات ما بين 20 إلى 50 مليون جنيه مصري وفقًا للإعلامي مجدي الطنطاوي المؤيد للنظام المصري. هذه التكاليف الباهظة كانت سببًا في أن يُطالب النائب أحمد طنطاوي بشكل مُسبق، بعدم إقامة الاحتفالات في مدينة شرم الشيخ، وذلك للتقليل من النفقات، التي اعتبرها تحميلًا للعبء على المواطن المصري دافع الضرائب، الذي كان على موعد مع مزيد من العبء متمثلًا في ميزانية البرلمان المصري لعام 2016/2017، التي زادت 250 مليون جنيه، لتصل إلى مليار جنيه، بعد أن كانت 776 مليون جنيه في عام 2015/2016.

رب البيت يأمر بالتقشف

للسيسي العديد من التصريحات المطالبة بالتقشّف والصبر عليه، كان آخرها «إحنا فقراء أوي»، وهو التصريح الذي واجه استهجانًا واسعًا من المعارضة المصرية التي طالبت الرئيس بتذكّر حديثه السابق عن «مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا».

من بين تصريحاته المثيرة أيضًا حول الفقر والفقراء والتقشّف والصبر عليه، ما كان خلال مؤتمر الشباب في شرم الشيخ، في أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، حيث قال السيسي: »أنا واحد منكم. والله العظيم قعدت 10 سنين تلاجتي كان فيها مياه بس، ومحدش سمع صوتي»، رغم أنّه من أسرة «غنية جدًا» كما يقول هو، فضلًا عن خدمته في الجيش المصري وصولًا إلى منصب وزير الدفاع، وقبله مدير المخابرات الحربية، ومن المعروف أن العسكريين في مصر يتقاضون أعلى الرواتب، ومن أكثر الفئات حصولًا على مميزات مالية وتخفيضات في الخدمات العامة مثل المستشفيات والأندية الرياضية وحتى محطات الوقود.

وخلال زيارته لمدينة شرم الشيخ عقب حادثة انفجار الطائرة الروسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، دعا السيسي المصريين إلى عدم الأكل والشرب؛ «المهم نبقى كده» على حد تعبيره الذي يُقصد به الوحدة والتماسك.

بذخ السيسي في المؤتمرات

رغم محاولاته المستمرة لإظهار نفسه زاهدًا غير مُسرف، وأنه أحد أبناء الشعب المصري «الفقير»، إلا أنه حفل توليه منصب الرئاسة، أنفقت رئاسة الجمهورية المصرية نحو 92 مليون جنيه، تجهيزًا لقصر القبة ومحيطه، وللمحكمة الدستورية ومحيطها، لاستقبال السيسي وضيوفه في حفل التنصيب.

بعد ذلك كانت تكلفة حفل افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس في أغسطس (آب) 2015، والتي وصلت إلى 30 مليون دولار أمريكي، أي ما يُساوي وقتها حوالي 250 مليون جُنيه مصري، وما يُساوي الآن نصف مليار جُنيه، هذا في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة في النقد الأجنبي. لكن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس نفى تحمّل الدولة لتكاليف الافتتاح، مُدعيًا أن رعاة للحفل هم من أنفقوا عليه.

وفي مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي أقيم في مارس(آذار) 2015، تكلّفت تجهيزات المدينة فقط لاستقبال الضيوف نحو 100 مليون جنيه، وفقًا لرئيس مدينة شرم الشيخ، دون أن تُعلن باقي المصروفات على إقامة المؤتمر الذي خرج النظام المصري بعده يُسوّق لقرب قدوم استثمارات بمليارات الدولارات، ولكن حتى يومنا هذا لم تظهر أي بشائر للاستثمارات.

المواكب والطائرات الرئاسية

تُعد المواكب الرئاسية إحدى مظاهر البذخ غير المبرر من قبل النظام المصري، وكان من أبرزها الموكب الرئاسي في افتتاح البرلمان المصري في فبراير (شباط) 2016، ذلك الموكب الذي شاركت نحو 23 دراجة نارية، و20 سيارة، ما أدى إلى غلق الطريق ومنع السير في ميدان التحرير بوسط العاصمة القاهرة لساعات.

السيسي

هناك أيضًا موكب السجادة الحمراء التي امتدت لأربعة كيلومترات لتسير عليها سيارات الموكب،المثير أن تلك السجادة التي قدر البعض ثمنها بمليون ونصف المليون جنيه مصر، كانت خلال افتتاح السيسي لمشروع إسكان الفقراء في مدينة 6 أكتوبر!

شهد الموكب الرئاسي والسجادة الحمراء هجومًا كبيرًا على السيسي ونظامه، وممن هاجموا هذا البذخ إعلاميون مؤيدون له، مثل إبراهيم عيسى ولميس الحديدي ويوسف الحسيني. كذلك هاجم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ما اعتبروه إسرافًا وتبديدًا للمال العام، كما هاجموا تعامل السيسي نفسه مع أزمة السجادة بشكل ساخر وكأنه أمر لا يستحق.

مظهر آخر من مظاهر البذخ والإسراف، يتمثل في الطائرات الرئاسية الجديدة التي كشفت عنها صحيفة «لا تريبين» الفرنسية، إذ قالت الصحيفة إن الرئاسة المصرية اشترت أربع طائرات خاصة من طراز «فالكون 7 إكس» من شركة داسو الفرنسية، بنحو 300 مليون يورو (نحو 338 مليون دولار.

يُشار إلى أن السيسي، والذي لا يرى الفساد في سرقة المال فقط، وإنما أيضًا في الإسراف غير المبرر، كان قد طالب المصريين عدة مرات بالتبرع للدولة من خلال عدة حملات من بينها «صبح على مصر بجنيه» والتبرع للتفريعة الجديدة من قناة السويس، ومشروع «الفكة» وغير ذلك.

الحكومة المسرفة أحيانًا

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خرج رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، ليعلن بدء خطة للتقشف، رغم أن الحكومة المصرية، سواءً الحالية أو السابقة بقيادة إبراهيم محلب، من أكثر الحكومات المصري إنفاقًا وبذخًا، وذلك وفقًا لوكيل البرلمان الحالي النائب سليمان وهدان، الذي قال إنّ «مظاهر البذخ في الحكومة والوزارات والدواوين والاحتفالات والاجتماعات لا تدل على أن الحكومة متقشفة بل إنها حكومة غنية».

مرتبات الوزراء التي تصل شهريًا لنحو خمسة ملايين جنيه مصري، ومصاريف المواكب الوزارية والسيارات الفارهة، ليس فقط أمثلةً على بذخ الحكومة المصرية، إذ يُضاف إليها تصرفات بعض الوزراء، على سبيل المثال رفض وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي السفر لحضور مؤتمر في المكسيك؛ بسبب أن مقعدها على الطائرة حُجز في الدرجة الاقتصادية وليس في درجة رجال أعمال!

هناك أيضًا وزير المالية الذي وفقًا لأحد النواب، قد اشترى ثلاث سيارات حديثة، كما جدد مكتبه بنحو 600 ألف جنيه. تكرر الأمر مع وزير الصحة، الذي اشترى نحو ست سيارات باهظة، تبلغ قيمة الواحدة منها نصف مليون جنيه. هناك كذلك خالد حنفي وزير التموين السابق بعد أن استقال إثر فضيحة بذخ وتبذير، بعد أن كُشف عن إقامته المتواصلة في أحد أفخم فنادق القاهرة، حيث وصل إنفاقه فيه لنحو سبعة ملايين جنيه. كذلك هناك رئيس مصلحة الضرائب، عبدالمنعم مطر، والذي وصلت فاتورة الغداء الخاصة به يوميًا إلى نحو 15 ألف دولار، في سبتمبر (أيلول) العام الماضي!

تصريحات الوزراء «المستفزة»

أمام كل هذا الإنفاق تأتي التصريحات الحكومية لتكون أكثر استفزازًا للشعب، على سبيل المثال فغادة والي التي رفضت السفر على الدرجة الاقتصادية، كانت صاحبة تصريح «مستفز» حول الفقر، إذ قالت في يوليو (تموز) 2016، إن «المواطن الفقير أكثر استعدادًا للتحمل عن الغني».

من التصريحات «المستفزة» أيضًا، تصريح محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة، وذلك في يوليو (تموز) 2014، حين قال عن ارتفاع أسعار الكهرباء، إنها تعادل ثمن كوب من الشاي في المقهى! فيما كان وزير العدل الأسبق أحمد الزند يرى أن المواطن المصري بإمكانه أن يعيش بجنيهين فقط! أما وزير النقل السابق هاني ضاحي،فقد زعم أنه التقى بمواطنين في مترو الأنفاق، وطالبوه بزيادة سعر التذكر من جنيه إلى ثلاثة جنيهات، وعلى نفس نهج زميله السابق، زعم وزير المالية عمرو الجارحي أنه التقى بعض المواطنين الذين طالبوه برفع الدعم عن البنزين.

من جملة التصريحات «الاستفزازية» كان تصريح وزير التعليم العالي السابق سيد عبدالخالق: «مصر تمتلك مستشفيات أفضل من تلك الموجودة في بريطانيا من حيث المباني والتجهيزات»! أما ما تصدّر القائمة فكان تصريح وزير التنمية المحلية زكي بدر، الذي قال إن «الوزراء فقراء، راتب الواحد فيهم 30 ألف جنيه شهريًا فقط»!

إعلام ضد الفقراء

من جهة أُخرى هناك الإعلام المؤيد للنظام المصري، والذي يُمثّل استفزازًا هو الآخر للمواطن المصري الفقير، ليس لأجور الإعلاميين لأن معظمهم يعملون في القطاع الخاص، وإنما لاستمرار مطالبتهم الفقراء بالصبر، لدرجة الأمر أحيانًا، كما فعل الإعلامي البارز عمرو أديب، والذي توجه بالأمر للمواطنين بأن يلزموا بيوتهم إذا لم تُعجبهم زيادات الأسعار على البنزين.

الإعلامية أماني الخيّاط ارتدت عباءة الدين فجأة حين طالبت المصريين بالتقليل من تناول الطعام «حتى لا تكون هناك مساحة للشيطان»، واصفةً ارتفاع الأسعار بـ«اختبار السماء للمصريين» و«سلاح ربنا لتعليمنا»!

اجمالي القراءات 1731
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق