كارنيغي»: كيف انهار الجيش العراقي بعد الغزو الأمريكي؟ 5 أسباب تشرح لك

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٦ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


كارنيغي»: كيف انهار الجيش العراقي بعد الغزو الأمريكي؟ 5 أسباب تشرح لك

تتناول دراسة الباحثة «فلورنس غاوب» تحت عنوان «العلاقات المدنية العسكرية في عراق ما بعد صدام حسين»، والتي جاءت في زهاء 5000 كلمة، ونشرها معهد «كارنيغي» للسلام ضمن مشروع إعادة النظر في العلاقات المدنية العسكرية. التغيرات في العلاقات المدنية العسكرية في عراق ما بعد «صدام حسين» وأسباب تفكك الجيش العراقي، وهي القضية الأكثر إثارة للجدل في العراق منذ سقوط الموصل في يد تنظيم «الدولة الإسلامية» منتصف عام 2014، وفي هذا المقال استعراض لأهم هذه الأسباب والمحطات وفق ما أوردته الدراسة.

(1) الغزو الأمريكي للعراق وحل الجيش ومصاعب التجنيد

تم حل الجيش العراقي في عام 2003 في أعقاب الغزو الأمريكي. ووفقا للدراسة، كان الجدول الزمني المقدر للانسحاب الأمريكي من العراق بحلول عام 2007 يتطلب بناء مؤسسات الجيش بشكل سريع. ولكن وتيرة حركات التمرد والمقاومة للتواجد الأمريكي كانت أعلى من التقديرات المتوقعة.

وقد شرعت الولايات المتحدة منذ عام 2005 في تكثيف جهودها لتدريب وتوظيف الضباط والجنود، بمعدل وصل إلى تجنيد 14 ألف رجل كل 5 أسابيع. وفي خلال 6 سنوات وصل عدد الجيش إلى 200 ألف مقاتل تقريبا، كانت فترة تدريبهم تستغرق ما بين 3-5 أسابيع فقط لكل دفعة، وهي أقل بكثير مما ينبغي.

كان عملية التجنيد في سلك الضباط تواجه مصاعب خاصة؛ نظرا لأن تدريب الضباط من المفترض أن يستغرق فترات طويلة تصل إلى سنوات. في عام 2008، كان قد تم شغل 73 في المائة فقط من وظائف الضباط و69 في المائة من وظائف ضباط الصف. وهي فجوة قدر وقتها أنه لن يتم جسرها قبل عام 2018. وقد أثر قلة عدد الضباط على تماسك وفاعلية الجيش، وبخاصة في الوحدات الجديدة.

ووفقا للجنرال «مارتن ديمبسي» الذي كان مسئولا عن تدريب الجيش العراقي آنذاك، فإن الفجوة كانت تصبح أكثر وضوحا مع الرغبة في زيادة عدد الضباط من ذوي الرتب المتقدمة (مقدم وعميد). ما اضطر الولايات المتحدة إلى الاعتماد على استدعاء الضباط الذين خدموا في الجيش في عهد صدام حسين. الآن فإن 70 في المائة من الضباط و100 في المائة تقريبا ممن يحملون رتبة لواء قد سبق لهم الخدمة في الجيش العراقي المنحل.

(2) غياب الإشراف والرقابة على عمل الجيش

ووفقا للدراسة، فإنه، ولأسباب متعددة، لم تقم لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان العراقي بدورها في الإشراف على تطوير الجيش. أحد أهم هذه الأسباب هو تزايد معدلات العنف التي اضطرت البرلمان في كثير من الأحيان إلى تأجيل جلساته؛ بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني. إضافة إلى تعمد بعض الكتل مقاطعة جلسات البرلمان كشكل من أشكال التعبير عن المعارضة مثلما فعل ممثلو كتلة «مقتضى الصدر» والأحزاب الكردية والسنة في الكثير من الأحيان.

نتيجة لغياب الرقابة، فإنه ما بين عامي 2003 – 2008 ظل المسئولون التنفيذيون يمارسون سلطاتهم على الجيش بغير رادع. ومع صعود ائتلاف دولة القانون بزعامة «المالكي» وسيطرته على البرلمان، فقد تعمد إصابة الحياة البرلمانية بالشلل.

ونتيجة لأن جهود إعادة بناء وزارة الدفاع قد جرت من الصفر، واعتمدت في أغلبها على طواقم من المدنيين من غير ذوي الخبرة، فإنها قد عانت من وجود أي ذاكرة مؤسسية يمكن الاستفادة منها. تم بناء الوزارة في ستة أشهر من دون مساهمة عراقية، ونتيجةً لذلك، فإنها لم تكن متماسكة بما يكفي لمنع التلاعب. ووفقا للدراسة، فإن هذه الظروف، وبخاصة البناء السريع للمؤسسات، قد تسبب في نشوء علاقة مشوهة بين القادة المدنيين والعسكريين ألقت بظلالها على أداء وفاعلية الجيش العراقي وطريقة إدارة الأمور في داخله.

(3) «نوري المالكي» والهياكل البديلة للسيطرة على الجيش

مع صعود «المالكي» إلى السلطة في عام 2007، فقد بدا قلقا من توسيع الجيش لنفوذه ليصل إلى ميدان السياسة، خاصة مع وجود تاريخ قوي للتدخل السياسي للجيش في الدولة العراقية الحديثة. منذ استقلال العراق عام 1932، هزت البلاد ستة انقلابات عسكرية فضلا عن سبعة محاولات فاشلة للانقلاب، ثلاثة منها وقعت في عهد صدام حسين.

في إطار سعيه للسيطرة على الجيش، قام المالكي بتركيز صناعة القرار العسكري تحت قيادته عبر صناعة مجموعات ولاءات شخصية وطائفية بهدف استبعاد وتهميش الأطراف المنتخبة الأخرى. وأسس المالكي جماعات شبه عسكرية عملت كثقل موازن للجيش، كما أنشأ أجهزة أمنية تولت مهمة الرقابة على الجيش.

كان مكتب القائد هو الهيئة التي تتولى مهمة التنسيق بين الجيش ورئاسة الوزراء. عين «المالكي» حليفه «فاروق الأعرجي» رئيسا لمكتب القائد العام وتمت ترقيته إلى رتبة لواء وتمت ترقيته إلى رتبة لواء ومنحه الإشراف على وزاراتي الدفاع والداخلية والسيطرة على سائر المسائل الأمنية في العراق. وكانت تبعيته للمالكي مباشرة دون أي إطار قانوني.

قام مكتب القائد بضم عدد من وحدات النخبة إلى سيطرته بهدف إضعاف سلطة وزارة الدفاع. ضم المكتب أيضا مقرّ قيادة »قوات العمليات الخاصة» وتحول إلى ما يشبه جهازا وظيفته حماية الأمن السياسي للمالكي عبر استهداف خصومه السياسيين. لقبت تلك بـ «فدائيي المالكي»، مكرّرةً تجربة «فدائيّي صدام». في عام 2010، بدأ «المالكي» يشير إلى نفسه بوصفه القائد العام للجيش بعد توليه مهمة وزارتي الداخلية والدفاع بالوكالة خلال ولايته الثانية.

ووفقا للدراسة، فقد كانت المعارضة المدنية لجهود «المالكي» ضعيفة ولا تكاد تمثل تحديا حقيقيا وقد تم تهميشها. على سبيل المثال، فقد تم وزير الدفاع «عبد القادر العبيدي» من خوض انتخابات العام 2010 بدعوى ارتباطه بحزب البعث. وحتى «مقتضى الصدر» رجل الدين الشيعي البارز وحليف المالكي الأسبق، فقد تم نفيه وحل ميليشياته بحلول عام 2008.

بعد عودته في عام 2011، واصل «الصدر» انتقاداته للمالكي، مطالبا إياه بـ”ملاحقة وطرد الأعضاء غير الأكفاء والخونة في الأجهزة الأمنية الذين لايسعون إلا إلى السلطة والزهو”. وتصاعدت الانتقادات أيضا من قبل «مسعود بارزاني» رئيس إقليم كردستان العراق، الذي اتهم «المالكي» بمحاولة فرض سلطته على القوات المسلحة. ودعا «بارزاني» إلى «حلّ قيادة الجيش العراقي لأنها غير دستورية» وانتقد سيطرة «المالكي» على قطاع الأمن، وحاول حشد تصويت على سحب الثقة من «المالكي» في عام 2012 ، ولكنه فشل بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني.

أنشأ «المالكي» أيضا مراكز قيادة إقليمية، وضعها تحت قيادة جنرالات موالين له، وقد جمع خلالها سلطات الجيش والشرطة في المحافظات التسع الأكثر تضرّراً من العنف في العام 2007، وتم ربط هذه المراكز بمكتبه مباشرة متجاوزا وزارات الداخلية والدفاع (قبل أن يتولى الوزارتين بنفسه عام 2010). وقام «المالكي» بإنشاء هيكل غير رسمي للضباط وكان يتواصل معهم بمباشرة، ويقوم بتشغيل وتحريك الخطط القتالية وإعطاء الأوامر بالقبض على المعارضين.

واصل «المالكي» سعيه لتأسيس شبكة من الضباط الموالين له. قام بتجنيد الأفراد من ذوي الخبرة في سلك الضباط، وكان يطلق عليهم ضباط الدمج. كان هؤلاء الضباط يديرون شبكة من مخبري «المالكي» داخل الجيش، ما اضطر كبار الضباط إلى التنحي في كثير من الأحيان.

قام «المالكي» بطرد جميع الضباط الذين سعوا إلى تقليص دور الميليشيات الشيعية في العراق. كما تم تطهير الضباط الأكراد في الموصل. وقد جعلت منظومات الولاء الجديدة التي أسسها «المالكي» الجيش خاليا من أي من مظاهر الاستحقاق أو الجدارة. ووفقا للدراسة، فقد حققت تدابير «المالكي» التأثير المطلوب من حيث كونها جعلت الجيش غير قادر على القيام بأي انقلاب، ولكنها أيضا أفقدته جدارته على خوض حرب فعّالة.

(4) جيش من طبقات

تشير الدراسة إلى أن الخلل في إعادة بناء الجيش العراقي قد تسبب في تمايز الجيش إلى طبقات. تركز الضباط الذي تم استدعاؤهم من الجيش العراقي المنحل في رتبة عقيد فما فوق، أما المجندون الجدد فقد شغلوا المناصب الدنيا والمتوسطة. كان نتيجة ذلك، وفق الدراسة، أن كبار الضباط السنة كانوا قد تدربوا وفق التقاليد البعثية السوفييتية، بينما تدرب الضباط الأصغر سنا ومعظمهم من الشيعة على يد الأمريكيين. قاومت الطبقة الأولى بشكل كبير الثقافة العسكرية الأمريكية الجديدة وباشروا عملهم وفق خبراتهم السابقة التي اكتسبوها من الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج، بما في ذلك الاعتماد على الهياكل الهرمية الصارمة والاستخدام المكثّف للمدفعية.

 

لم تفلح المحاولات الأمريكية لجسر الخلافات بين طبقات العسكريين. وقد تأثّرت مقاربة القادة العسكريين لعملهم بغياب الثقة في الزعامة السياسية الطائفية إضافة إلى فقدان الثقة في التدابير العسكرية الجديدة. ونتيجة لذلك لم يستطع السلك العسكري لعب دور بناء وواصل القادة العسكريون الكبار طرح نموذج العلاقات المدنية العسكرية التي اكتسبوها خلال عهد «صدام حسين».

(5) تطييف الجيش

وفقا للدراسة، كانت الطائفية متواجدة كظاهرة اجتماعية صامتة خلال عهد «صدام حسين»، إلا أنه قد تمت مأسستها بواسطة النظام الجديد. تم تعيين مجلس الحكم الانتقالي على أسس طائفية وإثنية كما تم اجتثاث البعث ضمن حملة طائفية وخطاب هوياتي. تم استخدام الطائفية لحشد الأنصار وسرعان ما تولد عنها العنف. وبدأ التصويت الانتخابي يتخذ طابعا إثنيا. وانتقلت معايير الكوته الإثنية إلى سلك تعيين الضباط حيث صار حوالي 75 إلى 80 في المائة من العسكريين المسجّلين من الشيعة. لم يخصّص العراق كل رتبة في الجيش لطائفة دينية معيّنة،ولكن على الجانب العملي فقد كان القادة العسكريين يشددون على التبعية الدينية.

 

ما بين عامي 2005 و2008، وبسبب الاستعانة بضباط جيش «صدام حسين» فقد كان ضباط الفئة العليا ينتمون إلى السنة وهو ما دفع القيادة السياسية إلى تسريع وتيرة الترقيات بين صفوف الشيعة، حتى كان بعض الضباط من السنة يتظاهرون أنهم من الشيعة كي لا يفقدوا وظائفهم.

اتهمت وحدات من الجيش بارتكاب أعمال عنف ضد مخالفيهم الطائفيين. تم اتهام الفرقة الخامسة ذات الغالبية الشيعية بارتكاب عنف طائفي في محافظة ديالي السنية. وقد تأثرت الوحدات الإثنية في الجيش بالنفوذ الطائفي السياسي. ووفقا للدراسة فإن “الفرقة الثامنة ذات الأكثريّة الشيعيّة كانت تتأثر بحزب الدعوة التابع للمالكي، والفرقة الرابعة تتأثر بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني، والفرقة السابعة تتأثر بالحزب السنّي العراقي التابع لحزب صحوة العراق، والفرقة الخامسة تابعة للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي”.

غاب الاهتمام بالسردية الوطنية للجيش نتيجة اختلاف الميول والأمزجة الطائفية للسياسيين. الأكراد ـ على سبيل المثال ـ لم يكن يعنيهم الاهتمام بتأسيسي جيش وطني بينما يشرعون في مساعيهم نحو الاستقلال. في حين فقد السنة ثقتهم في النظام السياسي وصاروا ينظرون إلى الجيش بوصفه أداة للقمع وركز الشيعة على مواصلة النهج الطائفي من أجل ضمان هيمنتهم العددية.

ووفقا للدراسة فإنه، وبعد مرور عام على سقوط الموصل، أصدر البرلمان العراقي تقريره الذي سمى 30 مسئولا حملهم مسئولية فشل الجيش في صد هجوم تنظيم الدولة، وجاء على رأسهم «نوري المالكي» ووزير الدفاع الأسبق «زيدون الديلمي». وتم تسريح 300 عسكري من الخدمة بسبب التقصير في القيام بواجبهم. كما تم إلغاء مكتب القائد العام وتم استئناف جهود التدريب. وتؤكد الدراسة على أهمية تطبيق ما أعلن عنه «العبادي» في إصلاحاته حول نهاية عهد الطائفية السياسية ورقابة البرلمان على عمل القوات المسلحة من أجل عادة تأهيل صورة الجيش العراقي كي يكون صالحا لإقناع العراقيين جميعا للتعاطي مع دولتهم بشكل متساو.

اجمالي القراءات 2247
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق