من الاغتصاب إلى تشويه السمعة.. فصول من حياة المرأة السودانية في زمن «البشير»

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٦ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


من الاغتصاب إلى تشويه السمعة.. فصول من حياة المرأة السودانية في زمن «البشير»

برز دور المرأة السودانية في المظاهرات المناهضة لحُكم الرئيس السوداني عمر البشير، منذ بداية عام 2011، إذ كانت المرأة بمختلف أعمارها هي العنصر الطليعي في قيادة الاحتجاجات.

أمام هذا الدور الفاعل للمرأة السودانية، شرعت السلطات السودانية في استخدام شتى الأساليب لإسكات صوتها المعارض الاحتجاجي، وقمع وجودها.

الاغتصاب وتشويه السمعة.. وسائل السلطات السودانية

في الاحتجاجات المناوئة للحكومة في الخرطوم في 2011، كانت التشكيلية والناشطة بحركة «قِرِفنا» الشبابية صفية إسحاق، من أوائل الداعمين لهذه المظاهرات. كانت صفية أحد الوجوه المعروفة لقوات الأمن في المظاهرة، التي رصدت تحركاتها على مدار أسبوعين، حتى اختطفتها من الشارع بواسطة اثنين منسوبين لجهاز الأمن، كانا يرتديان ملابس مدنية، من منطقة وسط الخرطوم، بعد أن قامت بشراء مواد فنية.

اُقتيدت صفية إلى مكاتب جهاز الأمن والمخابرات الوطني للتحقيق معها، واستمر التحقيق لعدة ساعات، تناوب خلالها المحققون، بين سؤال وآخر، على نزع ملابسها واغتصابها.

تقول صفية: «ناداني رجلان كانا يرتديان ملابس مدنية «يا بنت… يا بنت»… أدرت ظهري استعدادًا للفرار، لكنهما أمسكا بي وأدخلاني بالقوة داخل سيارة بيضاء. حاولت أن أصرخ، لكن واحدًا منهما وضع يده على فمي.. اعتديا عليّ بالضرب في النصف الأعلى من جسدي».

تتابع:«ألقوا بي على الأرض في المكتب، وانهالوا عليّ ضربًا وركلًا. اتهموني بأنني كنت أوزع منشورات صادرة عن حركة قِرِفنا وأنني شيوعية وفتاة غير مؤدبة». أُغمي على صفية خلال الضرب الذي تعرضت له. تصف حالتها بعد استعادتها للوعي: «عندما استعدت الوعي وجدت رجلين يمسكان بقدميّ والثالث يغتصبني. تناوب الثلاثة على اغتصابي. كنت أشعر بآلام مبرحة. كانت يداي مقيدتيْن بغطاء الرأس الذي كنت أرتديه».

صفية ليست الحالة الوحيدة التي تعرضت لانتهاكات جسدية من جراء موقفها المُناهض للسلطات السودانية، إذ أصبح الاغتصاب والعنف الجنسي من جانب عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني، هي نهاية شبه محتومة لأي امرأة ترصدها قوات الأمن في المظاهرات، أو تكتب كتابات ضد الرئيس السوداني.

وتتزامن هذه الانتهاكات حيال المدافعات عن حقوق الإنسان، مع حملة من جانب وسائل إعلام موالية للحكومة تصف الناشطات ضد قانون النظام العام بـ«العاهرات»، واعتبار كُل مشاركة في المظاهرات «خادشة للحياء». هذه الحملة تسير بالتوازي مع حملة تشويه سمعة كُل مناهضة لسلطة البشير، عن طريق إبلاغ قوات الأمن أهاليهم بتعاطيهم الخمر والمخدرات، وممارستهم الجنس مع زملائهم في الحركات الحقوقية، فضلًا عن تصوير قوات الأمن لهن في أوضاع محرجة خلال فترة احتجازهن، وتهديدهن بنشر هذه المقاطع حال مشاركتهن في المظاهرات.

الوقائع الكيدية التي استخدمتها قوات الأمن حيال الناشطات كان من أبرزها واقعة القبض على المحامية والناشطة نجلاء محمد علي وشخص كان معها، وهو ناشط أيضًا، في حافلة نقل عام، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، وقالت الشرطة إنه كان يضع يده على كتفها، واعتبرت ذلك مخالفة للقانون. وجهت السلطات لكليهما تهمة «السلوك الفاضح»، وهي تهمة يُعاقب عليها بالجلد 40 جلدة والسجن.

وفي أغسطس (آب) 2013 أوقفت السلطات المهندسة والناشطة أميرة عثمان، لأنها رفضت أن تضع غطاء الرأس ووجهت لها تهمة «الأفعال المخلة بالآداب» بموجب المادة 152 وتم حبسها.

في 2010 انتشر مقطع فيديو تظهر فيه امرأة تتعرض للجلد بواسطة شرطة النظام العام، وتسبب ذلك في احتجاجات واسعة داخل السودان ضد قوانين النظام العام، جرى خلالها اعتقال عشرات النساء، كما أثار الاحتجاج أيضًا اعتقال شرطة النظام العام 12 فتاة مسيحية ينتمين لمجموعة النوبة العِرقية، ووجهت سلطات النظام العام إلى عشرٍ منهن تهمة ارتداء «ملابس غير محتشمة».

سارة عبد الباقي: القتل عقابًا للمرأة السودانية المعارضة

تهيأت الصيدلية الشابة سارة عبد الباقي، التي تنحدر عائلتها من مدينة الخرطوم، للمُشاركة في الاحتجاجات في العام 2013، عبر التنسيق مع ناشطات سودانيات مناهضات للقمع من جانب السلطات السودانية.

في يوم الاحتجاجات، تقدمت سارة مسيرة من مجموعة من المناهضات لقرار السلطات برفع الدعم عن المحروقات، أملًا أن تكون مُشاركتها عاملًا محفزًا لغيرها من نساء السودان.

لم يتحقق لسارة، صاحبة الـ22 عامًا، استكمال النضال ضد «البشير»، بعد استهدافها من جانب قوات الأمن برصاص حي في الرأس، لتتحول بعد ذلك إلى أيقونة نضالية لمئات من الفتيات السودانيات المماثلات لعمرها، واللواتي اكتشفن جانبًا جديدًا في حيواتهن بالنسبة لهن بعد الحادثة، يتمثل في حتمية المشاركة ضد قمع السلطة السودانية.

انتهت محاولات عائلة سارة للقصاص من جانبها عبر تدويل قضيتها بالمحاكم السودانية بـ«الخيبة» بعد تبرئة قاتلها من المحكمة العليا، عقب إدانته من المحكمة الابتدائية بالإعدام، قبل أن يستأنف على الحكم، وتحكم المحكمة لصالحه ببراءة المتهم، الذي كان يعمل في القوات المسلحة السودانية.

وتعتبر محاكمة قاتل الطبيبة من أول وأشهر المحاكمات التي ارتبطت بأحداث سبتمبر (أيلول)، حيث شهدت تغطية إعلامية مكثفة واستمرت لأكثر من عام قبل أن تحكم المحكمة بقراراها المثير للجدل.

وبرز دور المرأة السودانية في المظاهرات منذ بداية عام 2011، إذ كانت المرأة بمختلف أعمارها هي العنصر الطليعي في قيادة الاحتجاجات. يشهد على هذا الدور مُشاركة طالبات في جامعة الخرطوم بدور رئيسي في الاحتجاجات التي حملت اسم «السودان ينتفض»، خلال شهري يونيو (حزيران)، ويوليو (تموز) 2012، عندما خرج موكب احتجاجي من السكن الداخلي للطالبات إلى شوارع الخرطوم، وأيضًا احتجاجات «جمعة الكنداكة»، التي حملت اسمًا يرتبط بالثائرات السودانيات في الممالك النوبية القديمة، وأخيرًا الدور البارز للاحتجاجات على سلطة «البشير» على مدار العامين الأخيرين.

«ابتزاز السلطة» يدفع نساء السودان للنفي القسري

الضغوط والمضايقات المستمرة والتهديدات من عناصر جهاز الأمن، فضلًا عن خوف أهالي الناشطات من الشائعات التي تذيعها عناصر الأمن حيال سمعتهن، دفعت المئات من هؤلاء النشاطات للسفر خارج البلاد، تخفيفًا للضغوط على ذويهن.

كان هذا هو حال الناشطة الاجتماعية رانيا سعيد، التي اعتقلتها سلطات جهاز الأمن والمخابرات الوطني عدة مرات في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، قبل أن تغادر البلاد بعد ضغوط متزايدة من جانب أهلها، عقب الاتصال بأفراد في أسرتها مباشرةً بعد اعتقالها وإبلاغهم بأن «أخلاقياتها سيئة»، ونشر قصص مختلقة بوسائل الإعلام الموالية للسلطة عن «قصص سيئة» حول حياتها الشخصية.

تقول رانيا: «تجربة الاعتقال أجبرتني على تغيير حياتي، وأثّرت عليّ نفسيًا وجسديًا، وأجبرت أسرتي على مواجهة الحرج الاجتماعي. تركت خلفي أسرتي وحياتي وبدأت مرة أخرى في مكان جديد. واجهتني تحديات العثور على وظيفة ومحاولة استئناف الحياة العادية في أوضاع جديدة لم يكن مخططًا لها».

لم تتوقف الصعوبات أمام النشاطات السودانيات اللواتي انتقلن للمنفى القسري، إذ كانت الصعوبة هي غياب فرص عمل لهن، وانعدام القدرة على التأقلم، فضلًا عن التهديد الدائم من جانب قوات الأمن السوداني حيال ذويهن، الذين يعيشون بالسودان حال كتابة أي مقالات تهاجم النظام من طرفهن، أو الظهور في وسائل إعلام كي يتحدثن عن وقائع الانتهاكات حيال المرأة السودانية.

اجمالي القراءات 2177
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق