بريطانيا في الخليج: الأموال الخليجية أولًا.. وحقوق الإنسان لاحقًا

اضيف الخبر في يوم السبت ١٠ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


بريطانيا في الخليج: الأموال الخليجية أولًا.. وحقوق الإنسان لاحقًا

اختتمت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، زيارتها إلى العاصمة البحرينية، المنامة، وذلك بعد مشاركتها في القمة الخليجية الـ37 في أول زيارة لها للشرق الأوسط منذ توليها رئاسة وزراء بريطانيا، لتصبح بذلك أول رئيس للوزراء لبريطانيا وأول سيدة تحضر هذه القمة على مدار تاريخها.

وتولَّت «ماي» المنصب يوليو «تمّوز» الماضي، بعد أن كانت تشغل منصب وزيرة الداخلية البريطانية، وذلك بعد استقالة رئيس الوزراء السابق «ديفيد كاميرون» بسبب نتيجة الاستفتاء الشعبي الذي قضى بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

زيارة رئيسة الوزراء البريطانية إلى الخليج تعني مستقبل أكبر للطرفين في مجالات متعددة، اقتصاديًا، عسكريًا وأمنيًا، وغيرهم.

 

تاريخ وجود بريطانيا في الخليج

ظهرت العلاقات البريطانية الخليجية منذ زمن طويل؛ قد يصل إلى تاريخ ما قبل تأسيس أو وجود دول خليجية بشكلها الحالي، حيث ظلت بريطانيا على مدار 150 عامًا في منطقة الخليج العربي، فبدايةً من عام 1820 بتوقيع «المعاهدة العامة للسلام» بين حكام الخليج حينها وبين الامبراطورية البريطانية، وذلك تحت إشراف السير وليام كير، والتي كانت تنص على عدم القرصنة في الخليج العربي، فضلًا عن منع تجارة الاسترقاق والعبودية، بالإضافة إلى استخدام كل السفن النافعة لصالح التاج البريطاني.

بالطبع إذا طلب منك أحد أن يستخدم سفنك لصالحه بدون مقابل، كما أنه ليس لك الحق في الرفض فهو شيء مزعج، وهو بالفعل ما حدث، لم يقبل حكام الخليج المعاهدة بسهولة، مما أدى إلى استحداث البريطانيين منصب «الوكيل السياسي» في الخليج العربي الأدنى، وذلك من أجل تفعيل المعاهدة، وإدارة علاقاتهم مع الحكام المحليين وحماية التجارة البريطانية في الخليج، وهو أرفع منصب لمسؤول بريطاني في الخليج؛ حيث يعتبر صاحب أعلى السلطات في المنطقة.

وتوالت عدد من الاتفاقيات بين بريطانيا ودول الخليج عقب إبرام المعاهدة البحرية العامة؛ حيث صدَّق الحكام العرب على عدد من المعاهدات الأخرى التي منحت الهيمنة البريطانية في المنطقة طابعًا رسميًا وقلَّصت من قدرة العرب على التصرُّف بشكل مستقل دون الموافقة البريطانية، مما أدى إلى زيادة الاستقرار وزيادة حجم التجارة في المنطقة بفضل إرادة بريطانيا، كما سعت الأُسر الحاكمة للحصول على الحماية البريطانية كوسيلة لتأمين حُكمهم وحماية أقطارهم.

وبالتوقيع على معاهدة الهدنة البحرية 1835، ومعاهدة السلم الدائم 1853، تنازل الحكام العرب رسميًا عن حقهم في شن الحروب البحرية في مقابل الحصول على حماية البريطانيين ضد التهديدات الخارجية الموجهة لحُكمهم، وظلت هذه المعاهدات سارية بوجود بريطانيا رسميًا في دول الخليج، حتى جاء عام 1968، والذي أعلنت فيه بريطانيا عزمها الانسحاب من دول الخليج خلال ثلاثة أعوام على الأكثر، تنتهي بعام 1971، وذلك نتيجة أزمة اقتصادية في بريطانيا عام 1967 أجبرتها على تقليص نفقاتها الخارجية.

وعلى مدار قرن ونصف، منذ 1820 وحتى 1971، كانت بريطانيا هي القوة المهيمنة في منطقة الخليج، وذلك جنبًا إلى جنب مع غيرها من القوى الأوروبية الأخرى، كالبرتغال وفرنسا وهولندا، وكان اهتمام بريطانيا في البداية بمنطقة الخليج، والذي انطلق في القرن السابع عشر، يهدف لتطوير المصالح التجارية، ولكن بدأت طبيعة التَدخُّل البريطاني تتغير بعد أن تمكنت من توطيد وتوسيع ممتلكاتها الاستعمارية في الهند، إلى أن تحول هذا الاهتمام من النفوذ الاقتصادي إلى الهيمنة السياسية، وخاصةً على الجانب العربي من الخليج.

 

الاقتصاد الخليجي البريطاني بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي

زيارة «ماي» إلى الشرق الأوسط جاءت لتوقيع مزيد من المعاهدات والاتفاقيات الاقتصادية مع أطراف أخرى بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي الذي جاءت نتيجة استفتاء يوليو «تمّوز» لتعلن خروج بريطانيا منه، وأعلنت رئيسة الوزراء أن «جئت لحضور هذه الزيارة التاريخية، وأثق أنه مع الوقت ستأتي حقوق الإنسان إلى المنطقة».

رؤية ماي لوضع حقوق الإنسان في منطقة الخليج ناتجة عن احتياجها للأموال الخليجية؛ حيث رفضت ماي المخاوف بشأن انتهكات حقوق الإنسان الموثَّقة في عدد من الدول الخليجية التي يحكمها أنظمة ثيوقراطية استبدادية، وذلك في سبيل تعميق العلاقات الاقتصادية مع الخليج.

وترى ماي أن التعاون الاقتصادي مع دول الخليج سيؤدي بالتبعية إلى وضع أفضل في حقوق الإنسان، حيث قالت في تصريحٍ لها لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إن «مما لا شك فيه أن هناك العديد من الأشخاص داخل المملكة المتحدة يرفضون توقيع أي اتفاقيات أو بناء أي علاقات مع هذه الدول بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، ولكن أفضل رد لهم أن تكثيف العلاقات مع هذه الدول سيؤدي إلى تشجيع خططهم للإصلاح»، مبررةً أن بهذه الطريقة ستصبح بريطنيا هي قوة الخير في العالم، كما أنه يؤدي إلى الحفاظ على سلامة الشعب البريطاني وخلق فرص جديدة بسبب التجارة مع الخليج.

وتبحث ماي احتمالات ترتيبات للتجارة الحرة مع دول خليجية أبرزها البحرين، والكويت، وعمان، وقطر والسعودية، والإمارات، وذلك في أعقاب تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأعلنت رئيسة الوزراء في كلمتها أمام القمة الخليجية أن الدول الخليجية هي أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق لتصدير المنتجات البريطانية خارج أوروبا.

وتبلغ قيمة الاستثمارت الخليجية في بريطانيا إلى 200 مليار دولار، كما بلغت الصادرات البريطانية إلى دول الخليج عام 2014 حوالي 16.5 مليار دولار، كما أنه تحتوي بريطانيا على حوالي 40% من استثمارات الخليج العقارية في أوروبا، بقيمة تصل إلى 45 مليار دولار، وتقول رئيسة الوزراء البريطانية أن هناك فرص للتعاون بين الطرفين فيما يزيد عن 15 مجال أبرزهم التعليم، والطاقة، والبنية التحتية، والرعاية الصحية، وتُقدَّر قيمتها بحوالي 30 مليار جنية استرليني أخرى.

ماذا عن التعاون العسكري؟

التعاون العسكري بين الخليج وبريطانيا يعتبر من أهم جوانب التعاون بين الطرفين، حيث أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أن الإنفاق العسكري البريطاني في الخليج هو أكثر من إنفاقها العسكري في أي منطقة أخرى في العالم، مشيرةً إلى أن أمن بريطانيا متشابك مع أمن الخليج، قائلةً إن «أمن الخليج هو أمننا، وهذا هو السبب في أننا نستثمر في القوة الصلبة هناك، بأكثر من ثلاثة مليارات جنيه استرليني في مجال الدفاع، خلال السنوات العشرة المقبلة»، مؤكدةً مساعدتها دول الخليج في التصدي لعدون إيران، وإشارةً إلى وجود بريطانيا في صف الخليج ضد تنامي الدور الإيراني في المنطقة.

تصريحات ماي بهذا الشأن دفعت وزارة الخارجية الإيرانية بالرد؛ حيث أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، رفضه لهذه التصريحات قائلًا إن «الدول التي أسفرت تدخلاتها غير المسؤولة في شؤون الدول الأخرى إلى نشر الفوضى والحرب والعنف والإرهاب، ليست في موقع يمكنها من إتهام الآخرين بالتدخل في شؤون المنطقة».

ويواجه التعاون العسكري البريطاني الخليجي عدة تحديات إلى جانب تنامي الدور الإيراني، أبرزها المشاركة المباشرة لبريطانيا في حرب اليمن، وذلك ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، أو من خلال دورها البارز في الأزمة السورية.

وأكدت ماي أن الأمر لا يقتصر على تقديم الدعم العسكري فحسب، بل يتعداه إلى ضرورة تعزيز العمل المشترك لمواجهة أي تهديدات محتملة، وذلك في إطار الجهود الرامية لمنع التطرف والتصدي للإرهاب، فضلًا عن دعم الإجراءات الأمنية في مطارات دول الخليج بموازنة تقدر بملايين الدولارات، وسط مخاوف متزايدة من هجمات إرهابية محتملة قد تستهدف قطاع الطيران، من قبل عناصر داعش، المتمركزين في العراق وسوريا.

ويعتبر الإنفاق العسكري لدول الخليج من أكبر الميزانيات في العالم، حيث تبلغ قيمته في السعودية وحدها لعام 2016 حوالي 87 مليار دولار، لتأتي في المركز الثالث بعد أكبر قوتين في العالم؛ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

اجمالي القراءات 2493
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق