وبدأ «تحرير» الموصل.. الدوافع غير المعلنة لإصرار تركيا على خوض المعركة

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٧ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


وبدأ «تحرير» الموصل.. الدوافع غير المعلنة لإصرار تركيا على خوض المعركة

أعلن فجر اليوم الإثنين، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بدء عمليات استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومع هذا ما زالت تشهد العلاقات العراقية التركية أزمة كبيرة بسبب هذه المعركة، فبينما تصر تركيا على المشاركة في القتال ضد التنظيم، وترفض مشاركة قوات الحشد الشعبي، وحزب العمال الكردستاني، ترفض العراق في المقابل مشاركة القوات التركية وتعتبرها «قوات محتلة ومعادية».

ويُقرأ في الإصرار التركي على التدخل في الموصل دوافع عدة، تبدأ بالإرث التاريخي التركي بالمدينة، ولا تتوقف عند خشية تركيا لمرحلة ما بعد «تنظيم الدولة»، من اتساع لنفوذ خصومها وخصوصًا الأكراد، وتزايد نفوذ إيران والولايات المتحدة.

الأحقية التاريخية لتركيا بالموصل!

تعتبر تركيا مدينة الموصل ضمن الإرث التاريخي العثماني، لذلك عنونت صحيفة «يني عقد»، الموالية للحكومة التركية تقريرها بـ «تركيا أولى بالموصل.. وليس العراق»، لتؤكد على أحقية تركيا بالمدينة التي تجري فيها الآن معركة «تحرير»، من سيطرة «تنظيم الدولة»، وللإشارة لحقها التاريخي في استرداد السيطرة على المدينة.

وكانت المدينة تابعة لتركيا في عهد السلطان سليمان القانوني، وحتى الحرب العالمية الأولى، أي لمدة أربعة قرون، لكن اكتشاف النفط فيها، تسبب في طمع الدول الغربية، فاستولت عليها فرنسا ثم بريطانيا، حتى فقدتها تركيا عقب توقيع معاهدة لوزان عام 1923، واتفاقية أنقرة عام 1926، مقابل أن تحصل تركيا على نسبة من عائدات نفط الموصل لمدة 25 عامًا، كما منحت الاتفاقية تركيا حق التدخل العسكري في الموصل، لحماية الأقلية التركمانية لدى تعرضها لأي اعتداء.

لذلك تؤكد صحيفة «يني عقد» على «الأحقية في الانتشار العسكري التركي في العراق، وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح للدول استخدام القوى لمحاربة الإرهاب الدولي، وحق الدفاع المشروع لتأمين الحدود«.

وتؤكد تركيا على أن معاهدة لوزان، هضمت الحقوق التاريخية والدولية لتركيا في الشريط الممتد من حلب حتى الموصل، إذ تخلت تركيا عن الموصل للعراق بشرط بعدم تغيير حدودها أو وضعها آنذاك.

تركيا والتوازنات الجديدة

يتطرق المختص في الشؤون التركية، زبير خلف الله، إلى المكاسب التي ستحققها تركيا، عبر تدخلها في الموصل، قائلًا إنها «تريد أخذ موقع لها في المنطقة، والوقوف ضد أي محاولة للتقسيم قد تطالها، وبالتالي تركيا تريد أن تكون جزءًا أساسيًا في طبيعة التوازنات الجديدة في المنطقة، وفرض خريطة جيوستراتيجية تكون هي العنصر فيها»، على حد تعبيره.

 

وأضاف خلف الله لـ«ساسة بوست»، قائلًا إنه «يبدو أن تركيا باتت تريد أن تسيطر على مناطق حتى تحمي نفسها من أي محاولة تقسيم إضافة إلى كون تركيا تدرك تمامًا أن المنطقة العربية وخصوصًا المكون السني يعيش حالة ضعف لا تسمح له أن يصد مشاريع الهيمنة والسيطرة والاحتلال«.

ويوضح المختص في الشؤون التركية، أن تركيا قد تحاول تقديم نفسها حامية للمشروع السني في المنطقة، ويرى أن مشاركتها في معركة الموصل، قد يكون لهذا المنطلق، لكنه من جهة أُخرى يُؤكد أنّ ذلك لا يعني أن تركيا تتعامل مع قضايا المنطقة بمعيار مذهبي: «تركيا تتحرك وفق رؤية اقتصادية واستراتيجية، باعتبارهما يمثلان أسس التمدد في المنطقة ومواجهة المشاريع المتمددة الأخرى خصوصًا إيران»، كما يقول.

وفيما يخص قضية الأكراد، يعتبر خلف الله أن التحركات التركية ضد الأكراد، ليست لتحجيمهم، بقدر ما هي في إطار السعي نحو تحييدهم، مُضيفًا: «لقد عملت تركيا على الانفتاح على الملف الكردي وحاولت أن تنقل من مربع العنف إلى مربع الفعل السياسي كما سعت إلى إنشاء مشاريع تنموية في الشرق»، ومع هذا فإنّه لا ينفي إمكانية وجود حرب ضد القوى الكردية التي تسعى لتقسيم تركيا وفق أجندة غربية معادية لتركيا.

التصدي للنفوذ الإيراني والأمريكي

أرسلت تركيا في ديسمبر (كانون الأول) 2015، مئات من عناصر جيشها إلى قاعدة «بعشيقة» في الموصل، وذلك بموافقة الحكومة العراقية، وبهدف تدريب متطوعين سنة لمعركة استعادة أراض عراقية سيطر عليها «تنظيم الدولة».

ويتسبب هذا التواجد الآن، في الأزمة القائمة بين العراق وتركيا، إذ رفض مجلس النواب العراقي في بداية أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، تمديد مهمة الجيش التركي في القاعدة، مُعتبرًا إياها «قوة احتلال»، بينما تصر تركيا على التواجد في القاعدة، والمشاركة في معركة الموصل.

وتنطلق تركيا من رؤية استراتيجية، ترى أن أمنها القومي، يبدأ من «بعشيقة»، التي تعتمد عليها في تأمين امتدادها الإقليمي في العراق أو سوريا، ولذا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: «لقد دعوتمونا إلى بعشيقة، واليوم تطلبون منا الرحيل؟ آسف، لكن مواطني موجودون هنا: إخواني التركمان والعرب والأكراد موجودون هنا، وهم يقولون لنا تعالوا وساعدونا«.

وتخشى تركيا من نفوذ إيران في العراق بشكل عام وفي منطقة الموصل بشكل خاص، فمشاركة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تهدد تركيا لأنها جعلت من العراق دولة ضعيفة من السهل أن  تهدد تركيا التي تربطها بها حدود بطول يناهز 350 كلم. هناك أيضًا النفوذ الأمريكي المتمثل في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، والذي يدعم القوات العراقية في هجوم الموصل، فقد أكدت الولايات المتحدة على وجوب أن تتم كل الجهود العسكرية لتحرير الموصل «بالتنسيق والتوافق مع الحكومة العراقية»، وهو ما يعني استبعاد تركيا من معركة تريد المشاركة فيها وانحيازها للعراق وشريكتها إيران.

ويحصر الإعلامي العراقي أحمد الملاح، الدوافع التركية لدخول معركة الموصل في أربعة نقاط، أولها أن تضمن ألا تنتزع قوات «PKK» الكردية، شرعيةً بدخولها معركة الموصل ضد التنظيم، الأمر الذي قد يعزز في موقفها في العراق، أما الدافع الثاني وفقًا للملاح، فهو «ضمان حماية الأمن التركي بعدم انفلات الوضع في الموصل فيندفع مقاتلو تنظيم الدولة منسحبين بالاتجاه التركي».

ثالث الدوافع التركية كما يراها أحمد الملاح، هو رغبة تركيا الحصول على ورقة ضغط على إيران والولايات المتحدة الأمريكية، تستخدمها في سوريا.

أما الدافع الرابع كما يقول الملاح، فهو «وضع موطن قدم لتركيا في العراق يمكن استخدامه مستقبلاً، خاصة أن الموصل تعتبر أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد والحاضرة الأكبر لأهل السنة في العراق وموقعها القريب من تركيا والواقع على مفترق المثلث التركي العراقي السوري».

مستقبل ما بعد «تنظيم الدولة» والحفاظ على التركيبة السنية

باتت المنطقة بأكملها على صفيح ساخن، تتصارع فيه الهويات والمعتقدات والمصالح الأجنبية. وتسعى تركيا لأن يكون لها موضع مغاير عن سابقه في الإقليم؛ لذلك يرجع الباحث في مركز «ستا للدراسات» بالقاهرة،‏ مصطفى زهران، سبب تأخر الدور التركي في سوريا، إلى الانشغال بالوضع الداخلي، وهو ما أدى إلى تمكن الميليشيات الكردية من وضع حزامًا كرديًا في المحيط الجنوبي للدولة التركية في شمال سوريا والذي كان قاب قوسين أو أدنى من تضييق الخناق عليها ومن ثم تصبح أمرًا واقعًا لانفكاك منه، كما قال.

وقال زهران لـ«ساسة بوست»، إن «تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، بدأت تشعر بأنها أزاحت عن كاهلها حملًا ثقيلًا يتمثل في العوائق والعراقيل التي كان يضعها قادة الانقلاب داخل الجيش التركي في وجه إدارة أردوغان، الراغبة في لعب دور محوري في الداخل السوري والعراق».

وأوضح أن الدولة التركية، رغم ظهورها الذي اعتبره متأخرًا، فإنها تسعى لأن تكون لاعبًا محوريًا في الحفاظ على التركيبة السنية في الموصل والمدن العراقية التي يراد لها تغيير أفقي ورأسي على مستوى الجغرافيا واللغة والهوية والمذهب، حسبما قال.

وأردف قائلًا: «لا ننسى أن الموصل لديها تبعية تاريخية بمقتضى اتفاقية لوزان التركية الشهيرة، مما يعنى أن تركيا تنظر إلى مستقبل الموصل ما بعد داعش بضرورة الحفاظ على تركيبتها السنية مهما كلفتها، وهي تعتبر مهمة وطنية وهوياتية لدى الأتراك مهما كان الثمن».

ويؤكد زهران على أن تركيا تريد أن تجد مرتعًا خصبًا لها، لتشعر أنها تشغل مساحة وسط هذا الفضاء الإقليمية لوقف طموحات وأحلام المليشيات الكردية المتناثرة داخل الإقليم من جهة والحفاظ على الأمن القومي التركي، على حد تعبيره.

 

«كما تريد تركيا تقديم نفسها المحافظ على مستقبل السنة التي يراد تغيير ديموغرافيتها في غياب ممثل سني يحافظ عليها من جهة أخرى وهو ما صرح به رئيس الحكومة التركي يلدرم مؤخرًا بأن المعركة في موصل تحتم على الدولة التركية التواجد كلاعب أصلى وليس هامشي»، أو كما قال الباحث في الشؤون التركية، مصطفى زهران.

تركيا تتحرك لحماية أمنها القومي

تقضي اتفاقية أنقرة آنفة الذكر والموقعة بين تركيا وبريطانيا والعراق عام 1926، بتبعية المدينة إلى العراق، كما تمنح تركيا حق التدخل العسكري في الموصل، لحماية الأقلية التركمانية لدى تعرضها لأي اعتداء.

وعلّق الكاتب الصحافي المصري المقيم في تركيا، سمير العركي، قائلًا إن تدخل تركيا في الموصل له بعد تاريخي وبعد حالي يتعلق بالأوضاع الديموجرافية والجيوسياسية.

وأوضح العركي في حديثه لـ«ساسة بوست، أن «تركيا تتحرك لحماية أمنها القومي لأن أي تغيير في البيئة السكانية ستنعكس آثاره السلبية على تركيا فالقوى الاستعمارية تعمل على فصل تركيا عن العرب بإقامة حاجز كردي ونتوءات شيعية تمثل تفتيتاً للكتلة السنية العربية والتركية«.

وأضاف قائلًا إن «اليوم يتم محاولة فصل العرب عن تركيا، وكما تم فصل تركيا عن مسلمي البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى، وتركيا تركيا تدرك أنها مستهدفة والمخطط أن يتم استقطاع الجنوب الشرقي منها مع شمال سوريا وشمال العراق لإقامة الكيان الكردي».

وأشار الكاتب الصحافي المصري، إلى حرص تركيا على عدم حدوث تطهير عراقي ينال من التركمان في شمال العراق والذين يصل تعدادهم إلى حوالي المليون، كما تشكل الثروة النفطية الضخمة التي يتمتع بها الإقليم دافعًا في ظل معاناة تركيا من قلة موارد الطاقة.

اجمالي القراءات 3566
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق