التوترات الطائفية تدفع الكنيسة المصرية للتخلي عن هدوئها

اضيف الخبر في يوم السبت ٣٠ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


 التوترات الطائفية تدفع الكنيسة المصرية للتخلي عن هدوئها

 



 
 
 
 
 
 
التوترات الطائفية تدفع الكنيسة المصرية للتخلي عن هدوئها
  • حالة من الترقب والقلق تسود الأجواء السياسية في مصر بعد إشارات التصعيد التي أبداها تواضروس الثاني بابا الأقباط وبطريريك الكرازة المرقسية عقب الحوادث الطائفية المتكررة في الآونة الأخيرة، وموقف البرلمان من ملف بناء الكنائس.
العرب  شيرين الديداموني [نُشر في 31/07/2016، العدد: 10351، ص(4)]
 
نيران الطائفية تحرق الكنائس المصرية
 
القاهرة - عادت الأحداث الطائفية لتطلّ برأسها على المشهد المصري بعد تسجيل مجموعة من الحوادث التي استهدف مرتّبوها مصريين أقباطا، الأمر الذي دفع تواضروس الثاني بابا الأقباط وبطريريك الكرازة المرقسية إلى التهديد بالتصعيد.

وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، استقبل عبدالفتاح السيسي الخميس الماضي، ضمن لقاء غير مجدول مسبقا في برنامج الرئيس المصري، وفدا كنسيا رفيع المستوى تقدمه تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

وجاء في البيان الذي أصدره القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن اللقاء الذي استمر لمدة تصل إلى ساعة ونصف الساعة بأنه جاء بناء على طلب من رئاسة الجمهورية.

وكان لافتا في بيان حليم تأكيده على أن اللقاء لم يتطرّق إلى الأحداث الطائفية أو تقديم أيّ مطالب من قبل الكنيسة، وأن الرئيس فقط أكد للبابا على أن الوطن تقابله تحديات كثيرة والرهان يبقى على وحدة المصريين.

وقال المتحدث الرسمي أن حديث الأساقفة والرئيس كان عاما، وأن الأنبا بولا أسقف طنطا (شمال القاهرة)، قدم شكره للرئيس على توجيهاته بسرعة إنجاز قانون بناء الكنائس، والتوافق حول مواده بين الكنيسة والحكومة.

بصفة عامة يمكن القول إن اللقاء جاء تكريسا لحالة من القلق تسود الأجواء السياسية في مصر بعد إشارات التصعيد التي أبداها البابا تواضروس الثاني خلال زيارة وفد لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري له قبل أيام لتهدئة نفوس الأقباط عقب الحوادث الطائفية المتكررة في الآونة الأخيرة، وموقف البرلمان من قانون بناء دور العبادة الذي تتحفظ الكنيسة على بعض تفاصيله.

مبعث القلق كما ذكر مراقبون لـ”العرب” هو التخوف من فقدان السلطة السياسية الحالية لدعم الأقباط، بعدما خسرت من قبل تحالفها مع قوى سياسية وشبابية مختلفة دعمت ثورة 30 يونيو 2013 ومهدت الطريق لها شعبيا وسياسيا.

وأفاد مراقبون أن تخلي الأقباط عن دعم النظام سيكون الخسارة الأكثر فداحة التي يتكلفها نظرا للدور المؤثر الذي قدمته الكنيسة المصرية وأتباعها وتأييدهم الواسع وغير المشروط للرئيس الحالي منذ الإطاحة بمرسي وحتى الأسابيع الأخيرة.

لكنّ آخرين، أكدوا على أن انسحاب الأقباط لن يكون خسارة في اتجاه واحد للنظام فقط، وإنما ستخسر الكنيسة أيضا مساحة القرب الظاهرة مع عبدالفتاح السيسي التي لم تحدث مع رئيس مصري من قبل حتى وإن كانت مقتصرة على الشكليات.

كما لم تستبعد المصادر أن يقود ذلك إلى استعادة أجواء التوتر والحصار التي عاشتها في الشهور الأخيرة من حكم الرئيس الراحل أنور السادات، التي شهدت عزل شنودة الثاني بابا الأقباط وقتها.

لقاء طارئ بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والبابا تواضروس الثاني يأتي تكريسا لحالة من القلق تسود الأجواء السياسية في مصر بعد إشارات التصعيد التي أبدتها الكنيسة المصرية

وكان البابا تواضروس استخدم في حواره مع وفد البرلمان نبرة غاضبة غير معتادة في أحاديثه السابقة منذ توليه مهامه عقب وفاة سلفه البابا شنودة الثاني، حيث حذر أن “الصمت على ما يحدث ليس في مصلحة الجميع”.

وأعرب عن قلقه من تشريع البرلمان لقانون بناء الكنائس الموحد بشكل يدفع الكنيسة لرفضه، وأرجع في مقاله لمجلة الكرازة المرقسية الأسبوع الماضي أسباب الوجع والألم إلى التضييق على بناء الكنائس، مطالبا بتسهيل إجراءات بنائها وممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية دون قيود.

غضب البابا سبقه إلغاء عظته الأسبوعية احتجاجا على أحداث المنيا، فيما علمت “العرب” من مصادر داخل الكنيسة أن المسؤول الأول عن أقباط مصر ضاق ذرعا بازدواجية الدولة التي تطلق تصريحات عن المساواة وحقوق الأقباط دون أن يحدث أيّ شيء على أرض الواقع.

وعادت الكنيسة للتلويح بورقة أقباط المهجر التي كانت أبرز أوراق الضغط على نظام حسني مبارك، من خلال المظاهرات التي ينظمونها في عواصم غربية ومدن أميركية للتنديد بما يشهده حكمه من تمييز ضد الأقباط.

كشفت مصادر لـ”العرب” أن جهات سيادية في الدولة سبقت الوفد البرلماني في الطلب من البابا احتواء مظاهرات أقباط المهجر المقرر أن تنظم أمام البيت الأبيض يوم الثاني من أغسطس القادم، احتجاجا على ما يسمونه بالأوضاع السيئة والعنف الطائفي والتمييز ضد المسيحيين.

لكن البابا تواضروس لم يطمئن المطالبين واكتفى بالقول إن أقباط المهجر حتى الآن داعمون لمصر، وإنه أرسل لهم في كنائسهم بأميركا مباشرة، طالبا منهم ألا يقوموا بتنظيم أيّ مظاهرات، لكنه يعلم أن بعضهم لن يسمع كلامه.

وقد أقر سمير مرقس، الكاتب والمفكر القبطي، أن العلاقة بين الدولة والأقباط، ممثلين في الكنيسة، بدأت تشهد بعض التغيرات في الفترة الأخيرة، مع تكرار الاعتداءات الطائفية على المسيحيين، حيث بلغت حوادث الاعتداء على المسيحيين وكنائسهم 37 اعتداء منذ عام 2013 بواقع اعتداء كل شهر، دون ردع، وهو ما خلق شعورا لدى الأقباط بالإحباط وعدم وجود تغيير حقيقي في سياسة الدولة وطريقة التعامل مع تلك الأحداث. وأرجع مرقس، في تصريحات لـ”العرب”، تغيّر لهجة البابا إلى تأثّره بالضغوط الهائلة التي يواجهها بسبب الغضب المتزايد لدى المسيحيين نتيجة تلك الحوادث، ما دفعه لامتصاص هذا الغضب وتحذير الدولة بأن هذه الأوضاع لا يمكن السكوت عليها.

وقال إن سياسة البابا السابقة في المهادنة وعدم التصعيد لم تقنع الكثير من الأقباط خاصة التيارات المتشددة منهم، واتهموا الكنيسة بالتراخي في الدفاع عن قضاياهم، ومباركة سياسة الدولة خاصة فيما يتعلق بمجالس الصلح وتسوية الأمور دون حلّ جذري.

وعاب مراقبون على التحركات الرسمية اقتصارها على الشكليات فقط دون السعي لإيجاد حلول جذرية للمشاكل، وبخلاف زيارة لجنة الشؤون الدينية وتصريحات الرئيس المتكررة لطمأنة الأقباط وعدم السماح بتكرار وانتشار تلك الحوادث المؤسفة، لم يحدث شيء على الأرض.

على العكس، من ذلك فقد رفض البرلمان اقتراحا تقدم به أكثر من 70 نائبا من المسلمين والمسيحيين لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث العنف التي شهدتها محافظة المنيا. وكان جاء في بيان الكنيسة أن اللقاء الذي جمع بين البابا تواضروس الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي شهد مناقشة “قرب صدور مشروع بناء الكنائس بصورة مرضية”، غير أن بيان الرئاسة المصرية الصادر عقب اللقاء، لم يتطرق إلى نقطة مشروع قانون بناء الكنائس، مكتفيا بتأكيد السيسي على “قيم الوحدة والتآخي بين المسلمين والمسيحيين في مصر”.

واستغرب وحيد عبدالمجيد، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، من عدم تحرك البرلمان لإصدار قانون بناء الكنائس المعروض عليه، لأنّ كل المشكلات الطائفية ترتبط بقضية بناء الكنائس أو ترميمها، فهذا القانون من شأنه أن يساعد بشكل كبير في حل 90 بالمئة من المشكلات الطائفية.

ولا يوجد قانون ينظّم مسألة بناء الكنائس الجديدة في مصر ما يدفع المسيحيين خصوصا في الرّيف لتحويل بيوتهم لكنائس صغيرة أو للصلاة في الشارع، ما يولّد عنفا طائفيا داميا بين حين وآخر لا سيما في جنوب البلاد حيث يقطن كثير من المصريين المسيحيين.

اجمالي القراءات 1626
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق