ميدل إيست بريفنج: هل يمكن محاربة الإرهاب بإصلاح الإسلام؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


ميدل إيست بريفنج: هل يمكن محاربة الإرهاب بإصلاح الإسلام؟

قال مايكل ناجاتا، قائد العمليات الخاصة السابق في الولايات المتحدة، ذات مرة؛ أنه بدأ لتوه في فهم توجهات داعش.

“نحن لم نهزم الفكرة، نحن لم نفهم الفكرة حتى”.

أحداث باريس تخبرنا بوضوح أننا أضعنا وقتًا كافيًا منذ أحداث 11 سبتمبر في فهم الأمور الجارية. في نقطة ما ستُهزم الدولة الإسلامية وسيقتل خليفتها بلا شك. ماذا سيحدث حينها؟ سيتفاخر السياسيون بدورهم في هذا الانتصار العظيم، وسيسود إحساس عام من الارتياح. لكن هذا بالضبط هو ما حدث مع القاعدة، التي هُزمت وقُتل قائدها أسامة بن لادن. هل هو قدرنا أن ندور في نفس الحلقة المفرغة كل 10 أعوام؟ ما معنى أننا “هزمناهم” أصلًا؟

يجب فعل شيء أكثر ذكاءً، أو سنجد قاعدة أخرى، وداعشَ أخرى تطل برأسها بعد كل “حفل” انتصار. بعبارة أخرى، حان الوقت لكي نتساءل: متى سنتجاوز حاجز الأفعال الأمنية والعسكرية إلى أساس المشكلة؟ متى سنفهم أن المشكلة تتخطى القاعدة وداعش؟ ولكن ما هو أساس المشكلة الحقيقي؟ إن كان المقصود به الجذور السوسيولوجية الاقتصادية للإرهاب، فإن هذه ستتطلب عقودًا للتغلب عليها. هل نحن مضطرون إلى تحمل عقودٍ أخرى في هذه البربرية؟

لا يجب أن نتوغل كثيرًا في تفنيد النظرة الشعبية الرائجة عن “طبيعة الإسلام الشريرة”. فداعش والقاعدة يخاطبون جماهيرهم بنفس لغة “الطبيعة الشريرة” في الاتجاه المعاكس: المسيحية واليهودية. إن الطاقة المهدرة في محاولة إظهار طبيعة الإسلام الشريرة لا تستند إلى منطق. هل يريدون أن يتحول مليار ونصف مسلم عن دينهم مثلًا؟ ناهيك عن الخطر الكامن وراء هذا. فهو يضع المسلمين في المجتمعات الغربية في خنادق اجتماعية منفصلة، مما يجعلهم تربة خصبة لتستهدفها حملات التجنيد الإرهابية. أي إقصاء متعمد لشاب مسلم بسبب دينه هو خطوة أولى نحو تجنيده المحتمل من قبل جماعة إرهابية. إن الأمر أكبر من مجرد الإساءة الأخلاقية. إنه تهديد أمني عملي، لأنه يتسبب في إقصاء أفضل حليف محتمل في محاربة الإرهاب: المجتمع الإسلامي نفسه.

لكن السؤال هنا: لماذا يحارب المسلمون داعش، والتطرف بشكل عام؛ بهذا التراخي؟ فقبل كل شيء، إنهم ضحيته الأولى والأساسية. لقد قتل التطرف مسلمين أكثر من كل الديانات الأخرى مجتمعة. إن التطرف هو القوة التي تدمر دولهم، تفتت مجتمعاتهم، تسيء إلى دينهم وتحرم أطفالهم من أي مستقبل مزهر.

أغلبية شاسعة من المسلمين استاؤوا مما حدث في باريس كما استاء كل إنسان في العالم. لكن بلا دور فعال يقوم به المسلمون في كل مكان لن يكون هناك نصر حقيقي على الإرهاب والتطرف. ماذا يمنعهم حقًا من لعب ذلك الدور؟

سيكون هناك وقت لمناقشة الهوية الثنائية الزائفة التي تجعل المسلمين هم مصدر الألم والمتعرضين له في ذات اللحظة. لكن الآن، ما نحتاج إلى مناقشته هو الإجراءات على المدى القصير. لأننا لا يمكننا أن نأمل في تغيرات سياسية واجتماعية في العالم الإسلامي قريبًا. بعبارة أخرى: ماذا يجب فعله في العامين القادمين؟

سنبدأ بأول بضعة أسطر من بيان داعش بعد هجمات باريس. نقلت الجماعة الآية القرآنية “فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا”. استخدمت الآية لمساواة داعش بالله، وكان يجب أن يثير ذلك السخط لدى المنظمات الدينية في العالم الإسلامي. لكن الإدانة كانت فاترة، وسرعات ما اختفت. لم يدِن العلماء الهجوم، لكنهم استمروا في فعل ما كانوا يفعلونه قبلها. لم يتغير شيء إلا زمان ومكان خطاباتهم.

إنها هذه المؤسسات الدينية التي تحمل هوية ثنائية. المشكة أنه لا أحد يناقش الأمر. لقد أتقنوا اللعبة إلى الحد الذي جعل بعض الدول الغربية تعتبرهم شركاء في الحرب ضد الإرهاب، بينما في الواقع هم لا يكتفون بتمهيد الأرضية للمتطرفين، وإنما يتصدون لأي محاولة لتشكيل رؤية إصلاحية للدين كما سنرى.

إن الدور الإصلاحي المزعوم بهذه المؤسسات يجب قياسه على أساس موقفها من كتب الحديث، وتفسيرات القرآن التي وسعت نطاق جمل غامضة من القرآن لحدود غير معقولة تشجّع على العنف والقتل.

إن اللعبة المزدوجة التي تلعبها مؤسسات العالم الإسلامي ليس عمدية أو مقصودة. إنهم بدافع غريزي يميلون إلى المحافظة على المدرسة التقليدية الفكرية المنزهة عن أي نقد أو فكر مستقل. إنهم كممثلين لهذه المدارس يخشون من وضعها تحت عين المنطق الناقدة، لذا يهاجمون بلا رحمة كل من يجرؤ على الخروج بتفسيرات مخالفة لرؤاهم الميتة عن الدين. وقد رأينا حقبًا مماثلة في تاريخ المسيحية.

الأخطر أن أي عالم من هؤلاء أنفسهم يتعرض للهجوم من المتطرفين عند قيامه بذات الفعل، ولا يجد أمامه إلا التراجع عن محاولته الشجاعة حفاظًا على مكانته ومركزه، أو مغادرة موقعه بخزي. إنه وضع مؤسسي قائم لا يُمكن إرجاعه إلى شخص أو عدة أشخاص.

صفة أخرى تتصف بها المؤسسات الدينية الرسمية هي أنها عمود مهم في البناء السياسي. إنها تمنح أو تمنع الشرعية عن النظام السياسي، وهذا يعطيها أفضلية على الساسة، ويوفر مزيدًا من القدرة لكل من الساسة ورجال الدين على تفريغ أي محاولة للتفكير باستقلالية ونقدية من مضمونها. الفقر المدقع في الحياة السياسية لأغلب المجتمعات الإسلامية لا يترك للمواطن، في مواجهته لتحديات حياته المتطورة باستمرار؛ أية أيديولوجية يعبر من خلالها عن أحزانه وتطلعاته، غير أيديولوجية التفسيرات المتحجرة التي عفا عليا الزمن، سواء كانت من العلماء الرسميين أو نصف الرسميين.

لهذا لا يحارب المسلم العادي الإرهاب. فعالمه الذي تشكله الأفكار الدينية الرائجة، يستشعر مدى قبح الإرهاب، لكنه لا يتناقش حول رفضه، فمثل هذه المناقشة لن تصمد بذاتها في إقناعه. لابد من عملية متماسكة من التفكير المستقل عن القوالب الجامدة المقولبة من أجله، ولابد من نظرة صحية للعالم، ودوره فيه.

والوضع في مصر ربما يؤكد فكرتنا، التي تقضي بأن حراس بوابات الإسلام أنفسهم، مؤسسات العلماء الرسمية وشبه الرسمية؛ هي المحرك الرئيسي لاستخدام الدين في العنف.

لقد كانت هذه المؤسسات هي التي قاضت العالم المسلم والأستاذ بجامعة القاهرة، نصر حامد أبو زيد؛ بتهمة الإلحاد عقابًا له على نظرته النقدية في التعامل مع النصوص الدينية. تمت محاكمة أبو زيد أمام محكمة “مدنية” وإدانته بالردة، وإجباره على تطليق زوجته والخروج من مصر، منفيًا، خائفًا، ليموت في عام 2010.

وفي 2015، قرر إسلام البحيري تحدي كتب السنة بالمنطق والعقل، فتمت مهاجمته بشدة من قبل الأزهر “المعتدل”، ووقف برنامجه التليفزيوني. في الواقع، كان البحيري قد بدأ يؤثر على طريقة تفكير الشباب، وربما كان هذا كافيًا لاستخدام كل الوسائل لكتم صوته.

إنها دائرة لا تنكسر. غياب الحياة السياسية هو جانبها السالب، والعقيدة الدينية المتجمدة جانبها الموجب. وتدور الحلقة لتعطينا هذه الصورة. ما العمل إذن؟

إن افتراض أن أي تغيير يجب أن يبدأ بتغيير النظام السياسي هو ما تسبب في الفوضى التي يشهدها الشرق الأوسط حاليًا. خطط تغيير الأنظمة ونشر الديمقراطية أثبتت أنها غير محسوبة جيدًا. كان يجب توجيه هذه الطاقة إلى مجالات منتقاة في المجتمع، بدلًا من “النظام” كله. بعض المستشرقين يعتقدون أن النسخة الرجعية من التفسير الإسلامي ربما تكون أداة جيوإستراتيجية فعالة. هذا الاعتقاد ليس غبيًا فقط، لكنه خطِر أيضًا.

أيضًا فإن افتراض أن المؤسسات الدينية التقليدية شريكة في الإصلاح سيأخذنا إلى محاضرات وندوات الحوار الديني الفارغة، هذه المبادرات الثابتة، عديمة الفائدة منذ 2001. اللجوء إلى العلماء أصبح سخيفًا وغير ذي معنى: الإسلام لا يحض على العنف، الإسلام هو دين السلام، نحن نرفض الإرهاب وندينه… إلخ.

إن القول بأن الدين مهم جدًا للشرق الأوسط هو استخفاف بالأمور. الدين مفتاح أساسي لولوج المنطقة. وبتركه لأيدي المتطرفين وتفسيراتهم أو للمؤسسات الدينية الخادمة لمصالحها، فإنه لا أحد سيتمكن من تفكيك قاعدة الأفكار التي تفرز الإرهاب في النهاية. هذه المهمة تبدأ من نقطة واحدة وواضحة، وهي المؤسسات الدينية.

يجب ألا تُعطى الأولوية للتغيير السياسي في المنطقة، وإنما لمحاربة احتكار الإسلام. الضعف التاريخي للدولة ترك الأخلاق الدينية كالأسمنت الرئيسي الذي يحافظ على النظام في المجتمع، ويشرعن أي نوع من القوة. وبفحص دقيق لتاريخ الحكومات في القطاع، فإن النظريات الشائعة حول أسباب المكانة “الاستثنائية” للدين في المجتمعات الشرقية سينتهي. لم يكن سرًا أن الدين تحرك لملء فراغ الدولة في العراق، وسوريا وليبيا بعد انهيار الحكومات هناك. في الواقع، لم يكن الدين نفسه، ولكن التفسيرات الجامدة التقليدية له.

الطريقة الوحيدة المتبقية هي بمساعدة علماء الدين الإصلاحيين في خلق منصات بديلة، ومساعدتهم في تحمل الضغوطات التي يواجهونها. إنه أمر مخادع أن نظن أن حال الإسلام سينصلح من خارجه. علماء الإسلام الإصلاحيون يجب تنظيمهم ومساعدتهم في بناء مدرسة فكرية نقدية بداخل البناء الثيولوجي للإسلام. وهذا شرط أساسي في محاربة وهزيمة الجماعات الإرهابية.

يُمكن أن يُفهم الإسلام كديانة سلام كما يمكن أن يُفهم كديانة حرب. إنه، مثل أي ديانة أخرى؛ يفهمه كل شخص بناءً على التفسيرات الكامنة بداخله. إن الدين هو ما نفهمه، في أي وقت وأي مكان. وكما أن قدراتنا البشرية على الفهم والتفسير والشرح تتغير بتغير المكان والزمان، كذلك يتغير ما نأخذه من أي نص نقرؤه. ليس هناك تفسير “ثابت” للنصوص صالح لكل زمان ومكان.

والطريقة التي يرى بها المسلمون الإسلام تنبع من الظروف الحالية ومحتوى الأفكار والإدراكات. من الصحيح، والخاطئ في نفس الوقت، أن نقول أن الإسلام لا علاقة له بهجمات باريس، فهذه الهجمات استندت إلى تفسير للإسلام.

هل لهذا علاقة بهجمات باريس؟ إن لهذا كل العلاقة، لكنه ليس الأداة الوحيدة لمحاربة الأمر. فأدوات أخرى تم استخدامها ونجحت بشكل كبير. في التسعينيات أنتج فيلم في مصر لكوميديان مشهور أغضب المتطرفين إلى الحد الذي دفعهم إلى تهديده بالقتل. وبرنامج ساخر في لبنان استهدف داعش بسخريته، تم إيقافه فجأة وبدون تفسيرات.

يجب أن يتم تقديم أفعال الإرهابيين على أنها أفعال شديدة الجبن، وأن يتم دمج ذلك في الوعي الجمعي. هذه الصورة يجب تثبيتها في التلفاز، والأفلام، وبرامج الراديو، حتى تصل إلى كونها ثقافة شعبية.

حتى الآن، لم نر أي خطة متماسكة جمعية لمحاربة التفسيرات المتطرفة للإسلام، مع احترام الدين الإسلامي. ربما حان الوقت الآن لذلك.

اجمالي القراءات 1401
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق