لماذا يقلق السيسي من المخابرات العامة؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٧ - أغسطس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إضاءات


لماذا يقلق السيسي من المخابرات العامة؟

إسماعيل الإسكندراني

 

بالتوازي مع شواهد الصراع المكتوم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وبين كبار قيادات الجيش، فإن هناك مؤشرات عديدة على احتقان مع المخابرات العامة وانحياز السيسي إلى المخابرات العسكرية التي تولى إدارتها في الفترة من 2010 إلى 2012، قبل توليه منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.

 

ترجع أصول التوتر بين الرئيس السيسي وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك بينه وبين جهاز المخابرات العامة إلى الفترة الانتقالية تحت رئاسة القاضي عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية، منذ عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وحتى فوز الرئيس السيسي بالانتخابات في ربيع 2014.

 

بحسب خارطة المستقبل التي أعلن عنها وزير الدفاع – آنذاك – الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بحضور ومباركة بعض كبار قيادات الجيش ورأسيْ الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية القبطية والدكتور محمد البرادعي وممثلي حركة تمرد الشبابية وممثل عن حزب النور السلفي، فإن التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها وإجراء الانتخابات الرئاسية كان من المفترض أن تجري جميعها في غضون ستة أشهر. في الحقيقة، لم تنتقل السلطة إلى المشير المتقاعد من الجيش – لاحقا – عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية إلا بمرور سنة تقريبًا. خلال هذه السنة، وقبل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، استغرق الأمر وقتا كي يتمكن السيسي من إدارة موازين القوى مع أهم أركان نظام ما بعد 30 يونيو؛ وهي الجيش والاستخبارات والشرطة، وذلك قبل أن يتصاعد التنازع حول الصلاحيات والنفوذ والامتيازات مع القضاء لاحقا.

 

قبل شهرين تقريبا من استقالة السيسي من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وترشحه للرئاسة، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارا جمهوريا رقم 634 لسنة 2013 نشرته الصحيفة الرسمية في عددها رقم 48 بتاريخ 28 نوفمبر ينص على إحالة عشرة من وكلاء المخابرات العامة للمعاش ”بناءً على طلبهم“. أما العشرة فهم: هشام محمود عباس سالم، وسيد حسين محمد سعودى، وأحمد محمد السيد التاجر، وهاني عبد اللطيف صالح محمد عرفة، وأحمد نادر محمد مصطفى الأعصر، وهشام جمال الدين محمد عبدالله الخطيب، وخالد مصطفى كامل عيسى، ومحمد عبد الجواد طنطاوى زغلول، وأيمن حمدى محمود محمود الحلوانى، وحسام واعر عبيد أبو العز.

 

كان من المعروف أن القرار صادر شكليا من الرئيس المؤقت عدلي منصور، كما كان مفهوما أن النشر في الجريدة الرسمية إجراء اضطراري بحكم قانون جهاز المخابرات العامة الذي يضعه تحت رئاسة الجمهورية مباشرة، فلا مجال لصدور قرارات سرية بخصوصه، حيث تنص المادة السابعة من قانون جهاز المخابرات العامة الصادر برقم 100 لسنة 1971 على النص التالي:

 

”دون التقيد بالسن المقررة للتقاعد يكون تعيين وإعفاء رئيس المخابرات العامة من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية.

ويعين نائب رئيس المخابرات العامة، ووكلاء أول ووكلاء المخابرات العامة من رئيس الجمهورية بناء على عرض رئيس المخابرات العامة ويحل النائب محل رئيس المخابرات العامة عند غيابه وتكون له جميع اختصاصاته.

ويعامل رئيس المخابرات العامة معاملة الوزير ويعامل نائب رئيس المخابرات العامة معاملة نائب الوزير، وذلك فيما يتعلق بالمرتب وبدل التمثيل والمعاش“

 

فجهاز المخابرات العامة جهاز أمني ومعلوماتي سيادي مستقل لا يتبع أي جهاز تنفيذي، وهو مختلف عن إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع التابعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومختلف كذلك عن قطاع الأمن الوطني (جهاز مباحث أمن الدولة سابقا) التابع لوزارة الداخلية. أما صيغة قبول طلب التقاعد فهي صيغة مهذبة للاستغناء عن خدماتهم من دون تسريح تضطرب بسببه أوضاعهم الاقتصادية.

 

اللافت في القرار المشار إليه أن الأسماء التي شملها القرار كانت تضم جميع وكلاء الجهاز المسؤوليين عن قطاعاته الجغرافية والنوعية، فيما بدا أنه قرار تطهيري اتخذه السيسي بنفسه، أو مدير الجهاز وقتئذٍ محمد فريد التهامي، للتخلص من الولاءات القديمة لمدير المخابرات الراحل عمر سليمان أو خليفتيْه، مراد موافي ورأفت شحاتة. لكن الأمر لم يتوقف عند هذه ”المذبحة“ الإدارية في الصف الأول من قيادات المخابرات، إذ أعاد السيسي نفسه الكرة مرتين أخريين مؤخرا.

 

ففي 18 يونيو 2015، نشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس السيسي بإحالة تسعة من وكلاء المخابرات العامة إلى المعاش واثنين آخرين بسبب ”عدم لياقتهما الصحية“. شملت الدفعة الجديدة من الوكلاء المحالين للتقاعد كلًا من: محمود عادل محمد أبو الفتوح، وسامي محمد عبد الله سعيد الجرف، وأشرف محمد سعيد محمد الخطيب، ومحمد مصطفى يوسف سعودي، وخالد سعد الدين الصدر، ونيفين أمين محمود إسماعيل، ومصطفى زكي عكاشة محمد طاحون، ومحمد علاء عبد الباقي محمود علي، وماجد إبراهيم محمد الوتيدي. إضافة إلى محمد خير الدين وعادل أحمد محمد للأسباب الصحية.

 

وعلى الرغم من تصريح مصدر مجهّل لموقع العربية بأن صدور مثل هذا القرار أمر اعتيادي يجري مرتين سنويًا، إلا أنه ليس من المصادفة أن يأتي بعد يوم واحد من تصريح القيادي الإخواني الهارب يحيى حامد، وزير الاستثمار السابق في حكومة هشام قنديل، بأن تواصلًا يجري مع المخابرات العامة للحوار حول مرحلة ما بعد السيسي.

 

قبل شهر، أصدر الرئيس السيسي قرارًا جمهوريًا أواخر يوليو 2015 بنقل بعض العاملين بالمخابرات العامة إلى عدد من الوزارات العامة في الدولة. حيث نص القرار على نقل تسعة من موظفي الدرجة الثانية والثالثة والرابعة وتوزيعهم على وزارات «الكهرباء والطاقة» و«الاستثمار» و«القوى العاملة» و«المالية» و«الزراعة واستصلاح الزراعي»، إضافة إلى ستة من العاملين بالوظائف المهنية وأربعة من عمال معاوني الخدمة إلى عدة وزارات، على أن يعمل بالقرار الأخير اعتبارا من 1 أغسطس الجاري.

 

وبحسب تقارير صحفية إقليمية، فإن القرار الأخير قد صدر بعد أيام قليلة من أنباء نشرتها مجلة «إنتليجنس أون لاين» الفرنسية عن خلافات بين جهازي المخابرات العامة والحربية، وهما الذراعان الأهم للأمن القومي المصري، بسبب تداخل الاختصاصات في محاربة الإرهاب في شمال سيناء. واعتبر مراقبون أن القرار وأسلوب اتخاذه يعبران عن عدم رضا الرئاسة عن أداء الجهاز، ورغبتها في توجيه تحذير علني ومشدد من استمرار الأوضاع الحالية.

 

وعلى الرغم من أن القرارات الوظيفية المتعلقة بكوادر الدرجة الثانية وما دونها، فضلا عن الوظائف المهنية والخدمات المعاونة، لا تتطلب – قانونا – صدور قرار جمهوري، حيث يكفي قرار داخلي من رئيس المخابرات العامة، إلا أن إخراج القرار الأخير يوحي بصحة التحليلات التي تقول بأن نشر أسماء الضباط المبعدين من المخابرات العامة في مرسوم رسمي، يعني حرمانهم نهائيا من العودة إلى الخدمة فيها. وقد ربطت هذه التحليلات الصراع باختلاف الرؤى بين المخابرات العامة ونظيرتها المخابرات الحربية، حيث تميل الأخيرة إلى اتخاذ موقف عسكري من حركة حماس بزعم دعمها لتنظيم «ولاية سيناء» (أنصار بيت المقدس سابقا).

 

ماذا قد يعني الصراع مع المخابرات العامة؟

 

لا يقتصر الصراع مع جهاز المخابرات العامة على الخلاف الحاد في وجهات النظر بخصوص سيناء وغزة، وإنما يمتد للخوف الأكبر من ذلك بوجود اتصالات بين الطواقم القديمة للجهاز وبين لاعبين سياسيين إقليميين بما يهدد بقاء نظام السيسي واستمراره. فالولاءات الممتدة لقيادات الجهاز السابقة، وخاصة الراحل عمر سليمان، دوما محل شك وتهديد. كذلك فإن القلق غير منقطع في اتصال بعض كبار النخبة العسكرية المتقاعدة غير المرحب بها، مثل رئيس الأركان الأسبق سامي عنان والمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، ببعض قيادات وكوادر جهاز المخابرات العامة.

 

والحقيقة أن الصراع بين الرئاسة الحالية وبين جهاز المخابرات العامة ما هو إلا امتداد وإحياء لصراع قديم بين إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، التي كان يديرها السيسي حتى 2012، وبين جهاز المخابرات العامة الذي كان يتمتع بثقة مطلقة وصلاحيات واسعة ممنوحة من الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى قيادة الجهاز ممثلةً في الراحل عمر سليمان.

 

فالصراع القديم بين الجهازين قد تجدد في طور جديد، بعد أن تغيرت موازين القوى وأصبحت للمخابرات الحربية اليد العليا ميدانيًا في سيناء وبقية الأطراف الحدودية، وسياسيا في القاهرة. فالرئيس الحالي هو المدير الأسبق للمخابرات الحربية، ومكتبه والمقربون منه ما هم إلا امتداد لدائرته القديمة، سواءً انتقلوا إلى وظائف جديدة في ديوان رئاسة الجمهورية مرورا بمكتبه في وزارة الدفاع، أم انتُدبوا من وظائفهم بالمخابرات الحربية للقيام بمهام استشارية أو تنفيذية أو نوعية. هذا الصراع ليس صراعا فنيا محضا، وهو ليس صراع صلاحيات أمنية فقط، بل ممتد ومتوغل في المساحة الاقتصادية التي تتنافس فيها شركات الجيش وشركات المخابرات اللاتي يعمل أغلبها في مجالات متشابهة أو متقاربة، لعل آخرها هو الاستثمار العقاري.

 

على المستوى الاقتصادي، فإن الخاسر الأكبر في هذا ”الصراع بين الكبار“ هم رجال الأعمال المحليين والإقليميين الذين لن يجدوا لأنفسهم موطىء قدم في هذا التنافس المحموم إلا بتحالف – من موقف ضعف – مع أحد أطراف هذه الصراعات. ولن يقتصر الأمر على الابتزاز بالرشاوى أو التعاقدات غير المنصفة، بل تلوح في الأفق بوادر اضطرابات أمنية داخل قطاع المال والأعمال نفسه بعد إصدار الرئيس قرارا جمهوريا يتيح للجيش والشرطة والمخابرات إنشاء شركات أمن وحراسة خاصة، وهو ما يعني – عمليا – إضفاء الشرعية على التحصين الأمني الخاص لإمبراطوريات اقتصادية تابعة رسميا وبشكل غير رسمي لأقطاب وأجنحة النظام الحاكم.

 

السياق الإقليمي لصراع كبار الكهنة

 

يأتي الصراع المكتوم بين أجنحة وأقطاب السلطة الحاكمة في مصر في سياق إقليمي يتسم بالتفكيك والسيولة وسرعة التقلب والتغير السريع في خريطة التحالفات. لذا، فإنه ليس من المستبعد أن تلجأ الأطراف المتصارعة على الصلاحيات والنفوذ والمصالح الاقتصادية إلى الاستعانة بضغوط إقليمية تمتد من إسرائيل إلى إيران.

 

فالجيش والمخابرات الحربية قد يضغطان بالمصلحة الأمنية المشتركة مع إسرائيل من أجل توسيع الصلاحيات الميدانية في سيناء، وربما اتخاذ إجراء تجاه قطاع غزة أكبر من إقامة المنطقة العازلة، إذْ ترواد بعض الأجنحة المتواصلة مع دولة الإمارات فكرة التدخل العسكري الذي يؤمل من ورائه التمهيد لرئاسة محمد دحلان خلفا لمحمود عباس. على المستوى المحلي، فإن الهدف المحتمل من وراء هذا سيكون مزيد من الصلاحيات والتشغيل والتمويل وترسيخ الهيمنة على مجريات اتخاذ القرارات السيادية، بل الحفاظ على الأولوية الأمنية في التخطيط والتمويل وعدم الميل إلى التهدئة.

 

ومن ناحية ثانية، فإن المخابرات العامة – أو ما تبقى منها من أصحاب الامتعاض عن الوضع السياسي والأمني والاقتصادي القائم والميل إلى أجنحة أخرى من النخبة العسكرية المتقاعدة – قد تلجأ للمناورة الاقتصادية مع إيران، خاصة مع رفع العقوبات الدولية عن الأخيرة. ولن يكون من الصعب توفير غطاء سياسي وإستراتيجي لهذه المناورة، التي سيكون ظاهرها تنشيط القوة الناعمة والاستفادة من السخاء الإيراني في علاج بعض المشكلات الملحة والعاجلة.

 

وعلى سبيل المثال، فإن إيران قد قدمت عرضا سخيا عقب الثورة بدعم احتياجات مصر من القمح، كما تنتوي إغراق سوق النفط بمليون برميل يوميا فور رفع العقوبات لتخفيض سعره، كما يمكنها – عبر السودان – دعم احتياجات مصر من رؤوس الماشية الحية عن طريق بعض رجال الأعمال المتعاونين معها المهتمين بهذا المجال الذي تحتكره شركات تابعة للمخابرات العامة. وأيًا كان التعاون الاقتصادي المحتمل بين الهيئات التابعة للمخابرات العامة وإيران، فإن أحد أهدافه الرئيسية سيكون تعويض النفوذ المسحوب من ناحية المخابرات الحربية والجيش. وقد تأتي المناورة برد فعل عكسي، حيث يستولي الجيش على فرص التعاون الاقتصادي مع إيران ليحتكر هذه المساحة أيضاً، لكن ذلك سينذر بتجذير الصراع وتعميقه أكثر وأكثر لدرجة لا يمكن التنبؤ بآثارها حاليا.

 

أما موقف دول الخليج من الصراع الداخلي، فلا يراه النظام إلا في الدور المالي والاقتصادي مع درجة غير قليلة من الاستعلاء أظهرتها التسجيلات الصوتية المسربة. وهناك تحفز غير اعتيادي تجاه أي دور سياسي قد يؤديه أي رمز مقيم في الخليج، مثل مرشح الرئاسة السابق أحمد شفيق على سبيل المثال. يحرص النظام على إظهار التماسك الخارجي كضرورة لتسويق معادلة الدعم مقابل الكفاءة الأمنية والإدارية في اقتلاع الإسلاميين من منبعهم الأم (مصر)، وفصل هذه المعادلة عن معادلة أخرى مستقلة تضع التعاون الأمني الإقليمي مقابل مزيد من الدعم السخي.

 

ومع تغير حسابات المملكة العربية السعودية منذ تولي الملك سلمان عموماً، وفي الشهرين الأخيرين خصوصا، وتقاربها مع إخوان اليمن والعراق، وربما حماس في فلسطين، فإن السيسي لا يجد له حليفا لا يزال على درجة كبيرة من تطابق بعض الرؤى الرئيسية سوى دولة الإمارات العربية المتحدة. لكن هذه العلاقة التي كان لها دور كبير في الإنجاز الهندسي والسياسي في مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة لم تصمد أمام هيمنة الجيش على الأراضي المحيطة بالمساحة المخصصة لمشروع العاصمة الجديدة – على سبيل المثال.

اجمالي القراءات 1869
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق