دراسة علمية حول آراء المغردين في الإطاحة بـ«مرسي» وما تلا ذلك من أحداث

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٣٠ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسة


دراسة علمية حول آراء المغردين في الإطاحة بـ«مرسي» وما تلا ذلك من أحداث

**يستخدم مصطلح التدخل العسكري في الدراسة كدلالة على حركة الجيش للإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو 2013.

بعد تدخل الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو عام 2013 بعد تظاهرات كبيرة مناهضة للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في الـ30 من يونيو وما تلاها من أحداث جسام، كان هناك عدة اعتقادات ومزاعم من كل من مؤيدي ومعارضي «التدخل العسكري» تجاه حجم التأييد لكل فريق وردود فعل الناس عن الأحداث التي سبقت وتلت إسقاط الرئيس محمد مرسي. قام الكثير من الخبراء والسياسيين بمحاولة تحليل الأحداث وفهم حجم كل طرف وميوله ومدى كسبه أو خسارته للتأييد مع الوقت. كمثال على ذلك الاعتقاد أن الإسلاميين هم الرافضون للتدخل العسكري، وأن الحركات العلمانية والليبرالية في مصر هي أكثر تأييدًا لهذا التدخل. ولكن للأسف لم تُعدّ أي دراسة علمية دقيقة لمحاولة تقدير حجم كل فريق أو تحليل أيديولوجيته.

قام فريق من الباحثين المتخصصين في مجال الحوسبة الاجتماعية (social computing)، وهما مصريان وألماني وإسباني، بدراسة التفاعلات بين المغردين على تويتر وقت أحداث الـ30 من يونيو 2013 في مصر وما تلاها من تطورات كمحاولة لفهم ردود الفعل على الفضاء الإلكتروني والذي يعكس بشكل تقريبي جزءًا من نبض الشارع. الدراسة شملت مجموعة كبيرة من التغريدات (التويتات) التي تتحدث عن الشأن المصري في فترة ما بين يونيو وسبتمبر 2013. تم استخدام تقنيات التعليم الآلي (machine learning) والتصنيف الأوتوماتيكي (automatic classification) لتحليل كم هائل من المعلومات بدقة عالية. نتائج هذه الدراسة تم نشرها في أكبر مؤتمرات الحوسبة الاجتماعية في العالم، وهو مؤتمر “CSCW”، وتم عرض نتائج الدراسة في كندا في منتصف مارس 2015.

كبرى الأحداث التي تضمنتها فترة الدراسة، والتي قام الباحثون بمحاولة قراءة ردود الأفعال عليها من على موقع تويتر هي:

  • 28 و30 يونيو: بروز مظاهرات حاشدة معارضة للرئيس محمد مرسي في القاهرة ومحافظات أخرى، متزامنة مع بداية اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
  • 1 يوليو: إعطاء الجيش مهلة يومين للرئيس للاستجابة لمطالب تمرد.
  • 2 يوليو: خطاب مرسي الذي استجاب فيه لبعض مطالب تمرد (الحركة المطالبة بعزله) ولكن رفض الاستقالة أو أي انتخابات مبكرة.
  • 3 يوليو: قيام قائد الجيش عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس وتعليق العمل بالدستور وحل مجل الشورى وإغلاق غالبية القنوات ذات الاتجاه الإسلامي.
  • 8 يوليو: حدوث مواجهات أمام نادي الحرس الجمهوري أدت إلى وفاة العديد من المتظاهرين المؤيدين لمرسي والمعارضين لتدخل الجيش.
  • 24 يوليو: طلب قائد الجيش لتفويض لمواجهة “العنف والإرهاب المحتملين”.
  • 26 يوليو: تظاهر الكثيرون في ميدان التحرير تأييدًا للتفويض.
  • 27 يوليو: حدوث مواجهات عنيفة أمام النصب التذكاري بالقرب من رابعة العدوية بين قوات الأمن والمتظاهرين المعارضين لتدخل الجيش تفضي إلى وفاة العشرات.
  • 14 أغسطس: قيام قوات الأمن بفض اعتصامي رابعة والنهضة مما أدى إلى وفاة المئات على أقل تقدير.
  • 16 أغسطس: اندلاع مظاهرات ضخمة اعتراضًا على فض اعتصامي رابعة والنهضة، مما أدى إلى وفاة العشرات.

قام الباحثون بتحليل التغريدات وتصنيفها آليًّا إلى كونها تغريدة داعمة أو رافضة لتدخل الجيش في إسقاط الرئيس محمد مرسي. متوسط دقة التصنيف الآلي كانت 87%، وهي دقة تعد عالية لتحليل الأعداد الكبيرة من التغريدات التي احتوت عليها الدراسة. من جهة أخرى، شملت الدراسة تصنيف المغردين على حسب ميولهم السياسية كونها إسلامية أو ليبرالية، وهذا لمعرفة التوجه الأيديولوجي لكل فريق من كونه داعمًا أو رافضًا لتدخل الجيش. وكانت الأسئلة التي تحاول الدراسة الرد عليها كالآتي:

  1. ما هو حجم التأييد أو الرفض لعزل الرئيس محمد مرسي على يد الجيش، على الأقل على تويتر؟
  2. أي الفريقين من المؤيدين والمعارضين يكتسب أو يخسر التأييد الشعبي مع مرور الوقت؟
  3. كيف تنعكس أحداث كبرى مثل “فض اعتصامي رابعة والنهضة” على تغيير آراء الناس؟ وهل ستؤدي إلى تغير في المواقف أو الانتقال من معسكر إلى الآخر؟
  4. هل ينقسم الفريقان على أساس أيديولوجي بين علمانيين وإسلاميين؟

للحصول على التغريدات المتعلقة بالشأن المصري، تم استخدام 112 كلمة وجملة للبحث في تويتر وتخزين كل التغريدات المطابقة لهم. تم اختيار كلمات البحث بمنتهى العناية للتأكد من دقة التغريدات المطابقة بحيث تكون تتحدث فعلًا عن الشأن المصري وليس غيره. تم تجميع ما يقارب الستة ملايين تغريدة في الفترة من 21 يونيو إلى 30 سبتمبر 2013. بمراجعة عينة من التغريدات المجمعة وجد أن أكثرمن 98% من التغريدات تتحدث بالفعل عن الشأن المصري.

عدد التغريدات عن مصر تفاوت من يوم إلى آخر بناءً على سخونة الأحداث في كل يوم. توزيع التغريدات على الأيام يظهر في الشكل البياني (1). كما هو ظاهر بالشكل، فإن أكبر عدد من التغريدات تم تجميعه في يوم 14 أغسطس والذي يوافق فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة. الأيام الأخرى التي احتوت على عدد كبير من التغريدات كانت من الفترة 30 يونيو إلى 9 يوليو، وهي فترة التظاهرات ضد مرسي والتدخل العسكري ثم أحداث الحرس الجمهوري التي راح ضحيتها عدد من مؤيدي مرسي، وأيضًا فترة بين 24 و27 يوليو، وهي فترة طلب التفويض من السيسي لأنصاره ثم حادثة النصب التذكاري والتي قتل فيها عدد كبير من معتصمي رابعة.

 

 

 

 

 

 

 

 

بعد تصنيف تلك التغريدات آليًّا إلى كونها مؤيدة للجيش أم معارضة له، وجد تحول كبير في الفترة التي سبقت وتلت التدخل العسكري لإسقاط مرسي، كما هو موضح في الرسم البياني (2). يظهر الرسم البياني أن التغريدات المؤيدة لتدخل الجيش كانت السائدة قبل 3 يوليو حيث وصلت إلى حوالي 75% من التغريدات يوم 30 يونيو، أما بعد 3 يوليو فإن الأصوات المعارضة لتدخل الجيش زادت بشكل كبير مقارنة بأصوات المؤيدين حيث تخطت الـ80% في كثير من الأيام.

تم تحديد أكثر الوسوم (هاشتاج) تداولًا في فترة الدراسة بحيث يكون كل من الوسوم قد ذكر في عشرة آلاف تغريدة على الأقل. تم تحديد 30 وسمًا بهذه الطريقة، ومع وجود التنافر الحاد بين الفريقين المؤيد والمعارض فإن أغلب هذه الوسوم كانت خاصة بتغريدات أحد الفريقين باستثناء الوسوم الآتية: #السيسي، #مرسي، #البلتاجي، #رابعة وهي الأربعة الوسوم المشتركة فقط بين الفريقين. الرسم البياني في شكل (3) يوضح ذكر الوسوم في فترة الدراسة لكلا الفريقين. ملحوظة: في الرسم أعداد الوسوم لمعارضي تدخل الجيش هو عشرة أضعاف مؤيدي تدخل الجيش، ولكن تم رسمهم بشكل متساوٍ لسهولة العرض.

عند التدقيق في وسوم المجموعة المؤيدة لتدخل الجيش، وجد أنها تركز في الأكثر على الأفراد والمنظمات. كان أكثر هذه الوسوم استخدامًا هو #مرسي، حيث بلغ استخدام هذا الوسم ذروته في 3 يوليو، واستمر استخدام هذا الوسم بقوة لبقية فترة الدراسة. على نفس الشاكلة كان وسم #إخوان والذي استخدم استخدامًا واسعًا طول الفترة. أما وسم #تمرد فبلغ ذروته حتى يوم 3 يوليو، ولكن تضاءل استخدامه بسرعة بعد ذلك. وتضمنت التغريدات المؤيدة لتدخل الجيش وسومًا أخرى مثل #السيسي، و#توكل_كرمان في إطار التهجم عليها إثر وصفها لما حدث بالانقلاب، و#البلتاجي فرحًا باعتقاله.

في الجهة المقابلة، ركزت أغلب وسوم معارضي تدخل الجيش على الأحداث، وخاصة تلك التي تخللها عنف وخسائر في الأرواح، مثل #مجزرة_الحرس_الجمهوري (8 يوليو)، و #مجزرة_رابعة (27 يوليو و14 أغسطس)، و#دلجا (16 سبتمبر)، بالإضافة إلى الوسوم المعبرة على الأسماء التي أطلقها هذا الفريق على الجمعات المختلفة مثل: #جمعة_النهاية (30 أغسطس)، و#الشعب_يحمي_ثورته (6 سبتمبر). أما بالنسبة للوسوم المتعلقة بأشخاص، فكان من اللافت للنظر أنها لم تتعد الـ10% من الوقت بما فيهم #مرسي و#السيسي.

التغير الحاد في نسبة التغريدات المؤيدة والمعارضة قبل وبعد التدخل العسكري استدعى بعض التحليل الدقيق لمعرفة السبب وراءه. فتضمنت الدراسة محاولة تفسير هذا التغيير الشديد في النسب وهل نتج عن تغيير الأشخاص موقفهم الداعم للتدخل إلى العكسري أم لا. بعد التدقيق، وجد أن أقل من 5% فقط من المغردين هم من غيروا مواقفهم، أغلبهم في اتجاه المعارضة للتدخل العسكري. أما الغالبية الساحقة من المغردين لم يغيروا مواقفهم البتة. وأن السبب الأساسي لزيادة أعداد التغريدات الرافضة للجيش إنما هو نتيجة أن أصوات الفريق المعارض ارتفعت وأصوات الفريق المؤيد خفتت حيث انتقل الكثير ممن أيدوا تدخل الجيش في البداية لإسقاط مرسي إلى حالة من الصمت التام.

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل (4) يعرض مثالًا لمستخدمين ممن غيروا مواقفهم قبل وبعد 3 يوليو. المثال الأول لمستخدم يتضح من تغريدته يوم 30 يونيو من أنه كان مشاركًا في التظاهرات التي كانت تدعو برحيل محمد مرسي وأنه سعيد بتلك المشاركة، ولكنه في 19 يوليو أي بعد إسقاط مرسي بأسبوعين، يتضح من تغريدته أنه كان في مسيرة ضد ما أطلق عليه الانقلاب العسكري. المستخدم الآخر يتضح من تغريدته يوم 3 يوليو أنه كان يدعو برحيل مرسي والإخوان، أما يوم 24 يوليو والذي طالب فيه السيسي الشعب بإعطائه تفويضًا لمحاربة الإرهاب، فإنه رأى ذلك بأنها دعوة لحرب أهلية وهاجم إثرها السيسي. هذه أمثلة بسيطة للقليل الذين غيروا رأيهم. أما الغالبية العظمى كما ذكرنا مسبقًا فقد ثبتوا على رأيهم، ولكن هناك من خفت صوته واختفى، وهناك من علا صوته وارتفع في النهاية.

من ناحية أخرى، تم دراسة التوجه الأيدولوجي للمغردين لمحاولة معرفة العلاقة بينه وبين رفض التدخل العسكري من عدمه. لمعرفة التوجه الأيدولوجي، تم تحديد المغردين أصحاب أكبر عدد من التغريدات عن الشأن المصري. قام الباحثون بدراسة التفاعل الشبكي لأكثر من 120 ألف مغرد كان لهم عشر تغريدات على الأقل عن الشأن المصري في تلك الفترة. لدراسة التفاعل الشبكي، تم رصد تفاعل كل مغرد مع المستخدمين الآخرين سواءً بالصداقة أو المتابعة أو المحادثة أو إعادة التغريد، قام الباحثون بتجميع أكثر من 300 مليون تغريدة لهؤلاء المغردين (ليس من الضروري أن تكون عن الشأن المصري) لمحاولة استنتاج التوجه الأيدولوجي لكل مغرد سواءً كان إسلاميًّا أو ليبراليًّا. بعد تصنيف المغردين، قام الباحثون بمقارنة التوجه الأيدولوحي لكل مغرد بتغريداته لمعرفة إن كانت مؤيدة أو معارضة للتدخل العسكري. كانت نتيجة المقارنة مفاجئة ومعارضة لبعض الفرضيات التي قيلت عن كون الليبراليين في مصر هم من أيدوا تدخل الجيش وأن الإسلاميين هم من يرفضونه دون غيرهم. فمبدئيًّا، أظهرت النتائج أن 89% من رافضي التدخل العسكري بعد حدوثه هم من أصحاب التوجه الإسلامي و11% منهم من أصحاب التوجه الليبراليي، وهذا يوضح أن نسبة لا بأس بها من معارضي الجيش هم من الليبراليين. أيضًا أظهرت الدراسة أن 97% من أصحاب التوجه الإسلامي رافضون للتدخل مع وجود نسبة ضعيفة جدًّا من أصحاب التوجة الإسلامي مؤيدين له. ولكن الذي يختلف مع الفرضيات المطروحة، فقد تبين أن نسبة الليبراليين الرافضين للتدخل العسكري تتعدى الـ80%، ونسبة أصحاب التوجه الليبرالي الذين يؤيدون هذا التدخل لا تتعدى الـ20%. فتلك النتائج توضح أن معارضي الجيش معظمهم من الإسلاميين، ولكن من يتكلم من أصحاب التوجه الليبرالي فهم يشاركون الإسلاميين في رفضهم للتدخل العسكري.

اجمالي القراءات 744
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق