كمال زاخر يكتب عن القرآنيين فى مقاله .إسلام «البحيرى» وإسلام الأزهر.. مناظرات ملغومة

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٢٠ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الوطن


كمال زاخر يكتب عن القرآنيين فى مقاله .إسلام «البحيرى» وإسلام الأزهر.. مناظرات ملغومة

اللغم الأول الذى يمكن أن ينفجر فى وجه كاتب هذه السطور هو تصور أنه حوار إسلامى إسلامى، فلماذا «يحشر» نفسه فيما لا يعنيه وهو يدرك أنه سيواجه بما لا يرضيه، وهنا نضع أيدينا على أزمة المجتمع الكبرى، إذ بينما نؤكد فى مجالسنا النخبوية تحديداً أننا مجتمع ينادى بالحوار المجتمعى، وتأكيد الحق فى التعبير والتفاعل مع الهم العام، نجدنا بنفس شخوصنا نتحصن فى «دشمة» الخصوصية، ونبنى جداراً سميكاً يؤكد التحليل والقراءة الطائفية التى تبحث فى النوايا بل تتربص بالكلمات.

مقالات متعلقة :

بينما أجدنى غير بعيد عن دائرة التأثر بما يجرى بين أطراف «الملاسنة»، هكذا أراها، فهى ليست مناظرات لأنها افتقرت مع تعددها للموضوعية والحوار الأكاديمى، الذى تحلى به يوماً الشهيد المفكر فرج فودة رغم اختلاف القامات التى حاورته من الإسكندرية إلى معرض الكتاب، ولم تقوَ على مواجهة الحجة بالحجة فكان قرار تصفيته أمام مكتبه على يد شاب لم يقرأ سطراً خطه الشهيد، بينما كانت أعصاب متحاورينا فوق جلدهم.

وغير بعيد نداء الرئيس السيسى بتجديد الخطاب الدينى، الإسلامى تحديداً، بعد أن تكفلت الجماعات الإرهابية بتقديم الإسلام بشكل يرسم صورة مفزعة له أمام العالم بأسره، ساهم فى انتشارها آليات وتقنيات التواصل على تعددها، وكان التأسيس ينبع من الخطابات السائدة، فكان النداء يسعى لتجفيف المنابع، لكن الأزمة أن من يتبنون هذه الخطابات لا يملكون القدرة على تنقيتها بعد أن وقرت فى الذهن وارتبطت بأجواء النشأة والتكوين، وهنا يكمن اللغم الثانى.

وكان لموقف مؤسسة الأزهر الذى يعلن دوماً أنه يحمل راية «الإسلام الوسطى» موقفاً مرتبكاً فى إعلان رفضه القاطع والحاسم لمنهج وتصرفات تلك الجماعات، وتردده فى إدانة تنظيم «داعش» أثره فى ظهور تيارات تبحث فى الجذور وتجد نفسها من منطلق الدفاع عنها ترفض الاستناد إلى ما تواتر عن الفقهاء، بحسب طرحهم، لتتحصن بالقرآن الكريم وحده، وحقهم فى تأويله وتفسيره وفهمه، وكانت البداية المعاصرة مع جماعة «القرآنيين» التى رفضها الأزهر منذ لحظة الإعلان عنها، بينما كان المنتظر وهو يملك معاهد علمية ضمن فعاليات جامعة الأزهر، فى علوم الفقه والحديث والتاريخ والتوثيق، أن يفتح معهم حواراً جاداً قد ينتهى إلى شكل من أشكال تجديد الخطاب، لكن التمسك بالمفاتيح القديمة حال دون فتح الأبواب الجديدة فى حضور معطيات التحليل والتقدم الذى أحرزته علوم قراءة النصوص، خارج أسوار الدين، ولم تعد المصادرات قادرة على غلق النوافذ التى فتحتها آليات التواصل المعرفى التى اقتحمت الفضاء العام. هذا الارتباك والتردد يمثل لغماً ثالثاً.

وتأتى المناظرات لتقدم لنا نموذجاً مثالياً لعشوائية الحوار، فالصوت العالى والملاسنة وتجاوز قواعد الاحترام، حتى للمشاهد المتلقى، والشخصنة التى تختلط فيها لحظات الدفاع عن المتحدث مع الدفاع عن رؤيته، لتزيد من التشوش الذى صنعته منابر الزوايا دون أن تقدم البديل الموضوعى، فينقسم المجتمع ويزيد الاحتقان، ويتطاير التوتر، حتى تخاله مخططاً لاستهداف سلام المجتمع وأمن الوطن، ليصبح لغماً رابعاً.

وتفتح الفضائيات أبوابها وساعات إرسالها لهذه المناظرات المفتقرة للإعداد المهنى والدينى والمجتمعى، كأن تحدد المحاور التى تتناولها المناظرة، أو يديرها متخصص فى مجال الطرح، من الأكاديميين الثقاة والمحايدين، ليتلقفها إعلامى يحتاج إلى فريق عمل يحدد المنطلقات، ومع ثقتى فى توافر النيات الحسنة فإنها لا تكفى وحدها لإدارة مناظرة بهذا الحجم والتأثير والجسامة، فالطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة، فى لغم استثمارى خامس.

الأمر يتطلب الكف عن هذه المناظرات فى مناخ يعج بالتسطيح والتجريف، وإسناد تنقية المناهج فى التعليم العام والدينى المؤسسى إلى متخصصين أكاديميين فى جامعاتنا المدنية، للتأكيد على تنقية الذهنية العامة من التوجه الطائفى المتطرف وتبنى بناء العقل النقدى.

اجمالي القراءات 1877
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق