دليلك المبسط للتعليم وحرق الكُتب في مصر

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٧ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسة


دليلك المبسط للتعليم وحرق الكُتب في مصر

قبل أن نبدأ هذا التقرير، هناك قصص قصيرة جدًا، حقيقية، ومخيفة لابد أن نعرفها:

قصة قصيرة 1

في تقرير التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بشكل سنوي هناك 144 دولة تتوزع بينهم المراكز المتعلقة بالمجالات الأساسية (سياسة / اقتصاد / تكنولوجيا / صحة / تعليم .. إلخ) وفروعها، في هذا التقرير (نسخة 2013 : 2014) احتلت مصر المرتبة الأخيرة علي العالم “144” في جودة التعليم الأساسي (الابتدائي) ضمن مراكز متأخرة في كل المجالات تقريبًا، لكن هذا كان أسوأهم على الإطلاق، كان الأمر داعيًا للتأمل مما دعا فورين بوليسي لذكر الأمر في تقرير صحفي مع تعليق في تقرير طويل أن ما يحدث يشبه الصدمة التي لا يتفاعل معها أحد بجدية وبتحرك في مصر.
في نسخة تقرير التنافسية لعام (2014 : 2015) لم يقل الأمر سوءًا بشكل كبير، تقدمت مصر ثلاثة مراكز لتصبح البلد الرابع في مؤخرة العالم بدلًا من الأول، المرتبة الـ “141” مما شكل نفس الصدمة بنفس القدر مع وصم مصر بامتلاكها أحد أسوأ أنظمة التعليم على الكوكب.

قصة قصيرة 2

العام الماضي تحديدًا في أواخر سبتمبر خرج تصنيف الـ QS العالمي السنوي للنور، التصنيف يستمد اختصاره من أول حرفين لاسم شركة (Quacquarelli Symonds) البريطانية الشهيرة، الشركة التعليمية التي تدير عملياتها في 35 دولة ولها مكاتب في ثمان دول منها (الولايات المتحدة / إسبانيا / استراليا / فرنسا / ألمانيا).
في هذا التصنيف خرجت جامعات جمهورية مصر العربية بالكامل من أول خمسمائة جامعة على مستوي العالم ماعدا الجامعة الأمريكية التي كانت في المرتبة (360)، أولى الجامعات المصرية كانت جامعة القاهرة في المراتب ما بين (551:600) لأن التصنيف لا يهتم بتفصيل المراتب ما بعد الـ 500 على الإنترنت، ثم كانت جامعة عين شمس الثانية فيما بعد المرتبة الـ 700!
جامعة القاهرة بالمناسبة دخلت ضمن أول 500 جامعة العام الماضي ولكن في تصنيف آخر وهو (شنغهاي)، دخلت الجامعة في مرتبة متأخرة وهي الـ 410 في تصنيف ليس بقوة ودقة معايير الـ QS، أما على مستوى الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات فقد احتلت مصر العام الماضي المرتبة الـ 133 ضمن نهاية ترتيب تقرير التنافسية العالمية، ويتوقع أن يستمر هذا التدهور في تصنيفات العام الحالي التي ستنشر في نهايته.

قصة قصيرة 3

منذ أيام قليلة ظهر تصنيف مجلة Time للجامعات في الدول النامية، وهي المجلة البريطانية الأسبوعية المهتمة بشؤون التعليم. التصنيف يوضح أفضل مائة جامعة في الدولة النامية في العالم بناءً على معايير قياسية دقيقة مثل (جودة التعليم المقدم / البحث العلمي / النشر في الدوريات العالمية)، العام الماضي كانت مصر في القائمة بجامعة الإسكندرية في المرتبة الـ 93وجامعة القاهرة في المرتبة الـ 95وجامعة المنصورة في المرتبة الـ 97 من ضمن المائة.

هذا العام، خرجت جميع الجامعات المصرية من التصنيف تمامًا!

  • لجنة إعدام الكتب في المدارس!

حرق الكتب أو ال Biblioclasm هو ممارسة يتم فيها تدمير الكُتب أو أي موادٍ مكتوبة، يتم الفعل في ساحات مفتوحة ودوافعه ما بين أخلاقية، عقدية أو سياسية.

يحتوي التاريخ قديمه وحديثه على أمثلة مشهورة وأخرى لم تنل نفس نصيب الصيت لممارسات حرق الكتب، أشهرها على الإطلاق ما فعله التتار في مكتبة بغداد عندما أحرقوا مبناها وألقوا ما تبقى من مجلداتها في نهر دجلة، وما فعله الصليبيون في مكتبة طرابلس بالشام حيث أحرقوا قرابة الثلاثة ملايين كتاب، وما فعله الإسبان في مكتبة قرطبة الأكبر في الأندلس والعالم الإسلامي حينها.

في التاريخ الحديث هناك حريق الكتب السنوي الشهير الذي دعا له اتحاد الطلاب الألماني في العام 1930 حيث يتم حرق كل الكتب المعادية أو التي تحمل ما يخالف (النازية) في احتفالية تتكرر كل عام، وهناك المكتبة البولندية التي تم ضربها في الحرب العالمية الثانية لتحترق ملايين الكتب والوثائق، ومكتبة سراييفو التي أحرقها الصرب في عام 1992 وكانت تضم عشرات الآلاف من المصادر المعرفية شديدة الندرة ومنها ما يتعلق بتاريخ البلقان التفصيلي، أو حرق مكتبة الكاهن (إبراهيم سروج) اللبناني العام الماضي والتي ضمت ثمانين ألف كتاب ومخطوطة وكانت المكتبة الأكبر في طرابلس، أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي قامت بعض عناصره بحرق مئات الكتب في الموصل.

في وسط فناء مدرسة (فضل) وقف بعض الرجال والسيدات يحملون أعلامًا لمصر وتبدو على وجوههم السعادة والفخر أمام صناديق كرتونية مليئة بكتب من مكتبة المدرسة، ثم قاموا بإشعال النيران فيها أثناء اليوم الدراسي للطلبة حتى تحولت إلى رماد تام.

عنوان الفقرة ليس من خيال المحرر وإنما هو حقيقة جاءت على لسان وكيلة مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة (بثينة كشك)، على مسؤوليتها فإن وزارة التربية والتعليم المصرية شكلت لجنة تدعى (لجنة إعدام الكتب في المدارس) مهمتها بحسب ما قالته الوكيلة نصًا هي (جرد مكتبات المدارس المتحفظ عليها والتابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي وحرق الكتب التي تحرض على العنف والإرهاب)!

السيدة (بثينة عبد الله كشك) التي قادت المحرقة كانت مرشحة سابقة لوزارة التربية والتعليم في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، في حوار لها مع بوابة الأهرام قالت أن جزءًا من خطتها يهدف لتغيير المناهج بما يناسب صنع طالب عبقري يخدم بلده في المستقبل، وأن الطلبة لا يصلح أن نفرض عليهم منهجًا معينًا، وهو ما يبدو واضحًا في مشهد الحرق بالطبع.

ما يثير التأمل وعدم الفهم أن بعض الكتب التي أحرقتها السيدة ومعها من صاحبها من وفد وزارة التربية والتعليم لا يتعلق بأي عنف أو إرهاب بل العكس، مثلًا تم إحراق سبعة إصدارات كاملة للمركز القومي لمكافحة الإدمان تتعلق بالتوعية من أخطار المخدرات، وكتاب (بونابرت في مصر) لكريس هيرولد والذي يهاجم الحملة الفرنسية على مصر وما فعله جنود الاحتلال حينها، و(مأساة البوسنة والهرسك) لدكتور محمد عبد القادر محمد وهو – من عنوانه – لم يتناول إلا ما يتعلق بمعاناة المسلمين من الصرب وأوضاعهم في يوغوسلافيا، وكتاب (أوسمة إلهية لخير البرية) وهو يتحدث عن تكريم الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا أكثر!

الأهم والأكثر غرابة بما لا يقاس هو حرق كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبد الرازق والصادر في عشرينيات القرن الماضي أي منذ تسعين عامًا تقريبًا، فالكتاب يتحدث عن ضرورة تطبيق الحكم المدني ورفض فكرة الخلافة الإسلامية من أساسها، وحينها قام الأزهر بمحاكمة الشيخ وإخراجه من دائرة علمائه فضلًا عن فصله من عمله كقاضٍ شرعي حينها!

يدعو الكتاب صراحة لفصل السياسة عن الدين وهو ما يوافق توجه النظام المصري الحالي بذراعه الديني ممثل في وزارة الأوقاف، وهذا لا يطرح إلا تفسيرًا منطقيًا واحدًا لحرق الكتاب وهو أنه لا أحد من الواقفين الحاملين لعلم مصر حينها يعرف أي شيء عن الكتاب من الأساس.

  • تعليم الدولــة فقــط!

Egypt Education

(لن يتم السماح بإقامة أي مؤسسات تعليمية موازية خارج الاعتماد الرسمي سواء كان تعليمًا علميًا أو دينيًا، مع عدم السماح لأي جمعية أو مدرسة أو معهد بتدريس مناهج خاصة بهم تحت أي مسمي)

هذه الجملة صدرت عن رئيس الوزراء المصري (إبراهيم محلب) يوم السبت الماضي في بيان عقب اجتماعه بلجنة تطوير المناهج والمقررات الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم، موضحًا ببساطة اتجاه الدولة المصرية في الفترة القادمة، المنع التام لكل سبيل خارج سبيل التعليم الرسمي المنبثق عن الدولة.

التعليم البديل هو نوع من التعليم نشأ لمعالجة عيوب التعليم النظامي الرسمي الذي ترعاه وتدعمه وتراقبه أي دولة، يضم هذا التصنيف أسفله المدارس الخاصة والدينية المستقلة (كالمدارس المسيحية الداخلية في الولايات المتحدة وأوروبا) والمعاهد القائمة بالجهود الذاتية والتعليم المنزلي (Home Schooling)، يتعامل بمناهجه الخاصة بعيدًا عن المناهج الرسمية للنظام الأساسي، وهذه المناهج تبقى بالطبع ضمن قائمة معايير معينة لضمان عدم تعليم الطلبة مبادئ مخالفة للإنسانية كأن يعلمهم منهجا خاصا كالانتماء للنازية مثلًا.

أكثر الدول تقدمًا وامتلاكا لأفضل أنظمة التعليم أحد أهم أهدافها الرئيسية هو تطوير التعليم الموازي والتوسع فيه لأنه يمثل (ثورة التعليم) التي لا مجال لتجاهلها، ولأنه ضروري جدًا لاكتشاف واحتواء وتطوير عقول لم تكن لتظهر إلا من خلاله.

يمكن فهم ذلك بالولايات المتحدة التي تمتلك أحد أضخم منظومات التعليم البديل في العالم، أفكار الفيلسوف جون ديوي كانت حجر أساس التعليم التجريبي القائم في أمريكا، أدى ذلك إلى انتشار نوع من المدارس يدعى ( مدارس بلا جدران Schools without walls) وهي مدارس تقوم على التعليم المباشر للطلبة في البنوك والشركات وقاعات المحاكم والمتاحف والوكالات الحكومية، أو المدارس التفاعلية القائمة على الدراسة من خلال المجتمع المحيط والأعمال التطوعية في مجالات الدراسة المختلفة.

نجد أمثلة قريبة الشبه في اليابان التي تمتلك أحد أفضل أنظمة التعليم في العالم لكنها ومع ذلك تسمح حكوميًا بوجود مدارس بديلة منذ سبعينيات القرن الماضي، كندا التي تحذو حذو الولايات المتحدة، الهند التي بها نظام تعليم موازي شديد التشعب يساهم بكفاءة تامة في اكتشاف وتنمية مهارات الرياضيات والتكنولوجيا وصولًا إلى مشاركته في إخراج كل هذا الكم من المبرمجين والمهندسين الهنديين المنتشرين في أنحاء العالم، وعشرات الدول الأخرى.

التعليم الموازي يعتبر بمثابة فيتامينات تقوي مناعة التعليم الحكومي النظامي وتسد ثغراته، لذلك قرار مثل هذا غير مفهوم على أي مستوى مع دولة مثل مصر تمتلك أحد أسوأ ثلاثة أنظم تعليم على سطح الأرض حسب أغلب التقييمات الدقيقة العالمية، إلا على مستوى إحكام قبضة الدولة على عقول الأطفال والمراهقين وشباب الجامعات وإجبارهم على الدراسة تحت فكر ومناهج معينة تناسب توجه الدولة الحالي!

  • لماذا هو النظام التعليمي الأسوأ؟

 

في الوقت الذي كنت أقرأ فيه تقريرًا عن التعليم المصري علي موقع فورين بوليسي نشر في أوائل يناير من العام الحالي كانت إسرائيل قد انتهت منذ أيام من أكبر مسابقة تعليمية للبرمجة في تاريخها أقامها الفرع الإسرائيلي لـ Intel عملاق التكنولوجيا العالمي، المسابقة كانت موجهة بشكل كامل لطلبة المدارس واشتركت فيها مئات المدارس الإعدادية والثانوية وآلاف الطلاب، واستهدفت نشر حب البرمجة مع الاهتمام بالكشف عن شباب المبرمجين الموهوبين أو من لديهم النواة لذلك.

في نفس الوقت مطالعة التقرير أوضحت أن منظمة Care غير الربحية العاملة في مصر والمتعاونة مع وزارة التربية والتعليم المصرية أجرت مسحًا على المدارس الابتدائية اكتشف أن نسبة (الأمية) بين التلاميذ مرتفعة ووصلت في بعض المدارس لـ 80%، وأن عددًا ضخمًا من التلاميذ في المرحلة العمرية من 11 : 12 عاما أنهوا تعليمهم الأساسي (الابتدائي) ولا يعرفون كيفية القراءة أو الكتابة، وهي معلومة صادمة لابد وأن تصل لقائدة حرق الكتب في المدارس الابتدائية (بثينة كشك) أيضًا.

معدلات أبنية ضخمة مقابل انخفاض كبير في جودة التعليم، ميزانية ضئيلة جدًا تقدر بـ 3.5% من إجمالي الدخل القومي (أقل من عشرة مليارات دولار) وهو مبلغ يمكن ترجمته بحسب التقرير إلى أقل من 300 دولار سنويًا للطالب الواحد، ملايين من الطلاب مكدسين في مدارس بمناهج ضعيفة أكاديميًا، معلمين غير مؤهلين يتقاضون مرتبات منخفضة لا تكفي لحياة تساعد على تطوير أنفسهم وتطوير العمل نفسه، التركيز التام على التعليم النظري وإهمال العملي الهام في التأهيل لسوق العمل، الأهم أن التعليم النظري نفسه متدني المستوى.

منذ ثلاثة أعوام تقريبًا أصدر المعهد الملكي لشؤون السياسة الدولية (شاتام هاوس Chatham House) في لندن ورقة بحثية كتبتها الصحفية الشابة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط (لويزا لوفلوك) عن التحديات التي تواجه التعليم المصري، من أهم البنود كان حديثها عن (الإفراط في مركزية الدولة)، حيث تتحكم الدولة في نسق التعليم بشكل شبه كامل مما يتيح لها إنتاج أجيال مستنسخة من بعضها البعض تفتقر للمهارات والدقة وتمتلئ بما تريده الدولة لها.

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير قامت وزارة التربية والتعليم بحذف ما يقارب20% من المناهج الدراسية، هذه النسبة كانت تتمحور حول إنجازات ومشروعات الحزب الوطني الحاكم فيما قبل الثورة، بعدها وفي امتحانات آخر العام جاء أحد الأسئلة ليجبر الطلبة على كتابة برقية إلى المجلس العسكري الحاكم حينها يشكره فيها على قيادة مصر للديموقراطية ودعم الثورة!

هذا التدخل حول العملية التعليمية من كونها تطوير شامل للطالب إلى حالة مستمرة هدفها خدمة النظام الحاكم أيًا كان اسمه، يتضح هذا في حذف الدروس التي تخص (عقبة بن نافع) الفاتح الإسلامي الشهير و(صلاح الدين الأيوبي) بداعي أنها دروس تحرض على العنف وهو ما ثبت عكسه تاريخيًا ومعرفيًا جملة وتفصيلًا، اتجاه عام يبدو أن الدولة تتخذه الآن بشكل منظم كقرار رئيس الوزراء أو كلجنة إعدام الكتب التي وقفت في منتصف اليوم الدراسي أمام أعين التلاميذ تحرق كتبًا لا علاقة لها بأي مما قالوه وتمسك أعلام مصر بفخر معتقدة في وطنية ما تفعله في بلد نظامها التعليمي تبدو فيه المكتبة في أي مدرسة ككهف مهجور لا يزوره أحد.

اجمالي القراءات 1913
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق