تنازع النفوذ بين القاعدة وداعش يقسم الجسم الجهادي في تونس

اضيف الخبر في يوم السبت ٢٨ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


تنازع النفوذ بين القاعدة وداعش يقسم الجسم الجهادي في تونس

تنازع النفوذ بين القاعدة وداعش يقسم الجسم الجهادي في تونس
تفرق الجهاديين التونسيين سواء خارج البلاد أو داخلها بين داعش والقاعدة يوحي بقرب مواجهة محتملة بين الفريقين.
العرب  [نُشر في 28/03/2015، العدد: 9870، ص(6)]
 
أنصار السلفية الجهادية يستغلون المساجد للترويج لأفكارهم المتشددة
 
تونس ـ أضحى الانقسام الحاصل بين تنظيم “داعش” بقيادة أبوبكر البغدادي وتنظيم “القاعدة” بزعامة أيمن الظواهري يلقي بظلاله على الجسم الجهادي التونسي الذي انقسمت مكوناته، وأبرزها تنظيم أنصار الشريعة المحظور، بين مبايع للبغدادي ومبايع للظواهري. وقد تجلت بوادر هذا الانقسام في أوضح صورها مع تبني أتباع هذين التنظيمين، في نفس الوقت، للعملية الإرهابية الأخيرة التي طالت متحف باردو بالعاصمة التونسية، وهو ما بات ينبئ وفق محللين بمواجهة تلوح في الأفق بين أتباع هذين الشقين.

لم يكن بروز التيار السلفي في تونس إلى السطح، نتيجة مباشرة لأحداث الانتفاضة الشعبية التي عاشتها تونس في يناير 2011، وانتهت بإسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وإنّما كان أحد إفرازات الفترة السلطوية السابقة، التي اتخذت من سياسة “تجفيف منابع التّدين” خيارا لها.

وأسهمت من ثمّة أجواء الحرية التي اتّسمت بها مرحلة ما بعد الثورة، بشكل واضح في توفير مناخ خصب لانتشار الظاهرة السلفية بأشكالها التقليدية والسياسية والجهادية.

ونال التيار الجهادي، اهتماما واسعا لدى المحللين والمتابعين وجلّ المعنيين بالشأن التونسي، نظرا لتورط أعضائه في اعتداءات طالت أنشطة فنية وقيامهم بأعمال عنف، أبرزها اغتيال قياديين يساريين هما شكرى بلعيد ومحمد البراهمي، وهو ما أدى إلى تعطيل العملية السياسية في تونس فترة من الزمن، وكاد يقضي على التجربة الديمقراطية الوليدة في مهدها.

 

بوادر الانقسام

 

يمكن التمييز بين أربعة روافد للتيار السلفي الجهادي في تونس بعد انتفاضة يناير 2011، ورغم أنها تشترك في مجملها في ذات المرجعية الفكرية إلاّ أنّ ذلك لم يحل دون ظهور بوادر لانقسامها بشكل مبكّر، وهذه الروافد هي؛

 

◄ الرافد الأول: العناصر الجهادية التي كانت تقبع في السجون التونسية، والتي اعتقلت قبل الثورة لنشاطها الجهادي، أو لانتماءاتها الفكرية لتيار السلفية الجهادية.

 

◄ الرافد الثاني: من كانوا يشاركون خارج تونس في جبهات القتال بالعراق وأفغانستان والشيشان وعدد من الجبهات الأخرى، وجلهم كان ينتمي إلى تنظيم القاعدة، وقد شكّل هؤلاء نواة التيار السلفي الجهادي بتونس.

 

◄ الرافد الثالث: رفقاء المساجين الجهاديين، الذين دخلوا السجن في إطار قضايا جنائية وتمّ استقطابهم إلى الفكر المتشدد داخل السجون.

 

◄ الرافد الرابع: العناصر الشبابية التي تمّ استقطابها بعد الثورة، ويمكن القول إنّها الأقل سنّا، وتمثل قاعدة هذا التيار أو الجيل الجديد من الجهاديين.

تبني عملية باردو من قبل داعش والقاعدة في نفس الوقت يكشف حدة الصراع والانقسام القائم بين الجانبين

وخلال عام 2011، برزت نقاشات داخل هذا التيار الوليد، تمحورت حول الالتزام بإطار تنظيمي من عدمه، وقد أفرز هذا النقاش أول انقسام بين مكونات المشهد الجهادي التونسي، بين من كانوا يرون أنه ليس هناك جدوى وراء الالتزام بهيكل تنظيمي، وكان على رأسهم أحد أهم مرجعيات السلفية الجهادية، الخطيب الإدريسي، ومن رأوا في المقابل ضرورة وجود إطار تنظيمي لهذا التيار، وكان على رأسهم، سيف الله بن حسين الملقب بـ”أبي عياض”.

وقد تمحورت نقطة الخلاف بين الجانبين، حول اختيار ساعة الصفر لانطلاق الجهاد على أرض تونس؛ فالإدريسي كان يرى أنها لم تحن بعد، في حين كان “أبوعياض” يرى أنّها حانت ومن الضروري الاستعداد لها من خلال بناء تنظيم يشرف على العمل الجهادي.

ومنذ ذلك الحين، بدأ “أبوعياض” في تأسيس تنظيم “أنصار الشريعة” وبناء هياكله وتوسيع دائرة النشاط الجهادي، تاركا وراءه من خالفه في الرأي.

وتطور نشاط التنظيم بعد ذلك، ليتورط في العنف واستجلاب السلاح إلى تونس في إطار “الإعداد”، إلى أن تمّ اعتباره “تنظيما إرهابيا” من قبل حكومة “الترويكا” التي كانت تقودها حركت النهضة الإسلامية (المحسوبة على الإخوان) في أغسطس 2013، بعد أن خضعت لضغوط كبيرة من قبل مكونات المجتمعين السياسي والمدني التونسيين مسنودين بقطاع واسع من التونسيين الذين رأوا في سياسات تلك الحكومة تواطؤا بيّنا مع الجماعات الجهادية وتلكؤا ظاهرا في التصدي إليها.

ومنذ ذلك الوقت دخل التنظيم مرحلة أخرى بانتهاجه العمل السري، بشكل كامل، وفي تلك الأثناء، وقع انقسام آخر داخل التيار السلفي الجهادي على المستوى المركزي بين تنظيم “داعش” بقيادة أبي بكر البغدادي الذي أعلن عن قيام “دولة الخلافة” في الأراضي التي سيسيطر عليها في العراق وسوريا وطالب بقية الأطراف الجهادية بمبايعته “خليفة للمؤمنين” من جهة، وتنظيم “جبهة النصرة” الذي مازال يبايع تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري من جهة أخرى. وقد ألقى هذا الانقسام بظلاله على تنظيم “أنصار الشريعة” في تونس، الذي انقسم بدوره بين مبايع للبغدادي ومبايع للظواهري.

وقد تجلى هذا الانقسام، وفق مراقبين، خاصة في اقتسام أتباع الشقّين للمساجد التي مازالت خارجة عن سيطرة الدولة التونسية، والتي يسيطر عليها أصحاب الأجندات التكفيرية ويستغلونها لاستقطاب عناصر جديدة وللتخطيط لعملياتهم الإرهابية التي يعتزمون تنفيذها دون رقابة من الأجهزة الأمنية، على عكس ما كان يحصل في السابق، عندما كانت الدولة تتحسب لهذه القضية وكان لا يسمح بأن تصبح الجوامع مقرّات غير رسمية للأحزاب والجماعات الدينية، وكان يمنع فتح أبواب المساجد في غير أوقات الصلاة وخطب الجمعة والمناسبات.

 

زخم متراجع

 

شهد تنظيم أنصار الشريعة بشقيه “الداعشي” و”القاعدي”، تراجعا على مستوى زخمه منذ أعلنته الدولة “تنظيما إرهابيا”، وانطلقت عمليات التضييق على نشاطاته وملاحقة عناصره في المدن والقرى والجبال التي تحصنوا بها لتنفيذ عملياتهم التي تستهدف قوات الأمن والجيش الوطنيين.

 
منظمات حقوقية: الحلول الأمنية لا تدحر الإرهاب
تونس – أعلنت 21 منظمة حقوقية مصرية وعربية، بعضها تشارك في المنتدى الاجتماعي الذي ينعقد في تونس، أنها أرسلت خطابا للرؤساء والملوك العرب الذين سيشاركون في القمة العربية رقم 26 التي تنعقد اليوم السبت بمدينة شرم الشيخ، ركزت من خلاله على أنّ “التركيز أحادي الجانب على المواجهة الأمنية والعسكرية مع التنظيمات الإرهابية، قد برهن على فشله الذريع على الصعيدين الإقليمي العربي والدولي، وخاصة منذ سبتمبر 2001”.

وأضافت المنظمات أنّ “ميلاد داعش وتوسعها المتسارع، يعدّ انعكاسا لهذا الفشل وتلك الإستراتيجية الفاشلة، التي تجاهلت الجذور العميقة السياسية والدينية لميلاد الظاهرة في صورتها المعاصرة في المنطقة”.

ودعت المنظمات في خطابها الملوك والرؤساء إلى “عدم تجاهل هذه الحقيقة المؤلمة، ومصارحة شعوبهم وأنفسهم بها، وخاصة أن من بين المشاركين في القمة من يواصل اتباع السياسات نفسها، بل ويوهمون أنفسهم قبل شعوبهم، بأنها الوسيلة المثلى لتجنب مصير سوريا والعراق”.

كما دعت المنظمات الحقوقية الدول الأعضاء إلى تعديل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، معتبرة أنّها “تمثل تهديدا خطيرا لحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه فشلت في وضع حد للنشاط الإرهابي في العالم العربي”.

واختتمت المنظمات خطابها بالأمل بأن تكون “قرارات القمة العربية على مستوى التحديات التي تواجهها شعوب المنطقة”.

وكان المنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد بتونس، أعلن أنه يعتزم إصدار ميثاق لمناهضة الإرهاب، ويدعو إلى تبني مقاربة شاملة للقضاء على هذه الظاهرة.

 

وقد عمل التنظيم بالمقابل على بث البلبلة والرعب في قلوب التونسيين الذين يسيرون بخطى حثيثة نحو استكمال نموذجهم الديمقراطي الذي بدأ يؤتي ثماره بعد انتخاب برلمان ورئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وإزاحة حركة النهضة عن الحكم وإعادة الثقة إلى القوى العلمانية والديمقراطية التي يراها التونسيون الأقرب إلى نمطهم المجتمعي الحداثي الذي يريدونه، والأقدر على التصدي لغول الإرهاب المتربّص، في حين يراها الجهاديون “الأكثر خطرا على مشاريعهم الماضوية”.

وقد قلصت عمليات التنظيم التي استهدف من خلالها عددا من عناصر الأمن والجيش والوطنيين من تقليص شعبيته حتى في الأحياء الشعبية والمُهمّشة التي كان يعتبرها تربة خصبة لاستقطاب عناصر جديدة، وقد فقد بالتالي حاضنته الشعبية في تونس ممّا دفع العديد من عناصره، إلى مغادرة البلاد في اتجاه مناطق الصـراع في الشرق الأوسـط.

وتعتبر سوريا وجهة الجهاديين التونسيين الأولى، حيث أفادت تقارير إعلامية، بأن أكثر من 3 آلاف تونسي يقاتلون في سوريا، وهم منقسمون بين “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش”.

ويعد أبوبكر الحكيم (أبومقاتل) المتهم باغتيال شكري بلعيد، من أبرز الوجوه التي تقاتل في سوريا تحت راية “داعش”، وقد سبق أن ظهر في تسجيل فيديو وتبنّى اغتيال بلعيد والبراهمي ودعا الجهاديين التونسيين إلى الالتحاق بـ”داعش”.

أمّا المكان الأساسي الثاني الذي يقصده جهاديو تونس فهو ليبيا، حيث يتواجد عدد من القيادات لما كان يعرف بـ”أنصار الشريعة”، ومنهم “أبوعياض” الذي تفيد مصادر أنّه مازال من مبايعي “القاعدة”، في حين بايع أحمد الرويسي (الذي تدور أخبار عن مقتله) تنظيم “داعش”.

وتفيد مصادر أمنية، أن عدد من الذين يقاتلون الآن في مدينة سرت الليبية تحت راية “داعش” ضد قوات “فجر ليبيا”(الداعمة للإخوان) هم من جهاديي تونس، وتقدر أعدادهم بين العشرات والمئات.

وعلى الرغم من ذلك مازال هنالك عدد من الجهاديين في تونس، وهم ينشطون في شكل خلايا متفرقة بمناطق جبلية نائية، مثل جبل الشعانبي على الحدود التونسية الجزائرية، وأشهر هذه الخلايا ما يعرف بـ”كتيبة عقبة بن نافع”، والتي تفيد عدّة معطيات بأنّها تابعة لتنظيم “القاعدة”، ويقدر أعداد المنتسبين إليها بالعشرات.

 

تنافس جهادي

 

أضحى تفرق الجهاديين التونسيين سواء خارج البلاد أو داخلها بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، يكشف عن حدّة الانقسام الذي يشق الجسم الجهادي التونسي، ويوحي وفق مراقبين بقرب مواجهة محتملة بين الفريقين وهو ما من شأنه أن يزيد من انحسار نشاطهما في الداخل التونسي.

وقد بدت بوادر هذا الانقسام جلية أكثر من أي وقت مضى، بعد عملية “باردو” الأخيرة التي راح ضحيتها 23 قتيلا من بينهم 20 سائحا، إذ يرى المراقبون أنّها العملية الأولى التي يتبناها تنظيم “داعش” من خلال عدد من المواقع والحسابات الافتراضية المحسوبة عليه. وفي نفس الوقت، تمّ نشر تسجيل صوتي بتبني العملية لأنس الفقيه، القيادي السابق في أنصار الشريعة في المهدية، والمطلوب للأمن التونسي حاليا، ويفهم من خلال الشريط، أنّه مازال يبايع تنظيم القاعدة.

وبهذا تكون عملية باردو، هي العملية الأولى التي يتبناها تنظيم “داعش” وتنظيم “القاعدة” في نفس الوقت، الأمر الذي يبين الصراع والانقسام الحاد بين الجانبين.

وحسب وزارة الداخلية التونسية، فإنّ الخلية التي نفذت هجوم “باردو” لها علاقة بـ”كتيبة عقبة بن نافع” التي مازالت محسوبة على “القاعدة”، الأمر الذي يرجح أن تكون هذه الأخيرة هي من تقف وراء الهجوم.

هذا وتضمّ الساحة التونسية إلى جانب التيار الجهادي، عددا من المكونات السلفية الأخرى التي تزعم أنها تفضّل العمل السياسي السلمي وتتناقض مع الإرهاب والعنف وتدينهما، ولعلّ أبرزها حزب جبهة الإصلاح الإسلامية التونسية، المرخص له قانونيا في مارس 2012.

ويرى عدد من الباحثين أنّ تجربة جبهة الإصلاح، هي أقرب ما تكون إلى تجربة السلفية الدستورية في الكويت، التي تعترف بالدولة وأطرها وتساهم في الحياة السياسية.

كما توجد كذلك تيارات تدعي أنها تنتهج مسارات السلفية العلمية، وهي مرتبطة بالسلفية في المملكة العربية السعودية، وهي معنية بالعمل الدعوي وتصحيح العقائد ومقاومة البدع حسب أدبياتهم، ويعد البشير بن حسن من أبرز رموزها في تونس.

 
 
 
اجمالي القراءات 2134
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق