عاصفة الحزم، الرياض والقاهرة في مواجهة طهران!

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٦ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


عاصفة الحزم، الرياض والقاهرة في مواجهة طهران!

يبدو اسمًا لفيلم أمريكي، عاصفة من الحزم وأكثر من 10 دول من المفترض أن تنزل بجُل قوتها على الحوثيين في اليمن، الحوثيون ذراع طهران الأثير وشوكتها التي تضغط بها على الرياض ومن ورائها الخليج بأكمله، وتهدد بها تل أبيب استراتيجيًّا وتضعها على طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم ملفها النووي، ومحاولة ترقية أوراق لعبتها وطموحاتها الإمبراطورية، إنه التهديد الأخطر الذي تواجهه أحلام طهران الآن، فما الذي يحدث بالضبط؟

لخلفية موثقة عما يجري في اليمن اقرأ أيضًا: اليمن، القنبلة العربية التي ستنفجر في المنطقة!

لا يبدو أمام السعودية أي خيار آخر، لذلك، تجمع عدتها الرسمية سريعًا، وتحصل على موافقة واشنطن وتعاون أربع دول خليجية من خمس وهي (الكويت/ البحرين/ الإمارات/ قطر) ورفض عُمان وموافقة رسمية على المشاركة لأربع دول عربية أخرى هي (مصر/ الأردن/ المغرب/ السودان) وباكستان التي تبحث سبل المشاركة والولايات المتحدة التي شكلت خلية تقدم دعمًا لوجستيًّا واستخباراتيًّا بالأقمار الصناعية وعملاء أمريكيين للتحالف، مع دعم تركي سياسي فقط حتى الآن، ثم تبدأ الضربات الجوية المركزة في منتصف الليلة السابقة تمامًا، والتي استمرت حتى دقائق قليلة مضت.

وضعت الرياض في الحملة 185 مقاتلة حربية، وحشدت مائة وخمسين ألف مقاتل تحسبًا لتطوير الهجوم لتدخل بري، مع قطع بحرية على أهبة استعداد في حال نشوب نزاع متوقع في خليج عدن على مضيق باب المندب.
شارك في الهجوم الأول بجانب المملكة ثلاثون مقاتلة من الإمارات العربية المتحدة، وخمس عشرة مقاتلة للبحرين ومثلها للكويت، وأرسلت قطر عشر طائرات، والأردن ست طائرات، والمغرب ست، والسودان ثلاث، بينما لم تشارك مصر بمقاتلات، وهو ما شكل حدثًا غريبًا تزايدت غرابته مع إعلان مصر استعدادها للمشاركة والدعم العسكري بريًّا وبحريًّا وجويًّا!

( 1 ) أين كانت البداية؟

 

لم تكن الأمور منذ انقلاب الحوثيين على الرئيس اليمنى “عبد ربه منصور هادي” بخير أبدًا بالنسبة للسعودية والخليج من ورائها، فاليمن، عمق المملكة الاستراتيجي الأهم وحديقتها الخلفية كما يطلق عليها دائمًا كانت تسقط بالتدريج في أيدى جماعة أنصار الله، رأس حربة إيران في اليمن، وكان الحوثيون على بعد كيلومترات معدودة من الوصول للرئيس هادي وإسقاط عدن بأكملها في يدهم وإنهاء المعركة إكلينيكيًّا مع النظام والتفرغ لحرب القبائل الجنوبية المناوئة، لذلك لم يكن هناك خيارات كثيرة أمام المملكة التي شبه أجبرت على التدخل العسكري ضمن تحالف دولي ورضا رسمي لواشنطن عما يحدث.
المفارقة هنا، أن حلفاء الأمس هم أعداء اليوم، وأن السعودية والحوثيين تواترت الكثير من الأخبار عن تعاونهما ضد آل الأحمر في العام الماضي بعدما توترت العلاقة بشدة بين قبائل حاشد بزعامة الشيخ الأحمر والرياض، قبل أن تصنف السعودية الحوثيين ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وهو ما عزز وجهة نظر المشككين في وجود هذا التعاون بالأساس.

دخول الحوثيين صنعاء في انقلابهم الشهير ساهم بشدة في حصولهم على كمية هائلة من الأسلحة الثقيلة التي خلفها الجيش اليمنى، الأهم أن الجماعة حصلت على طائرات حربية ما بين مقاتلة ومروحية، وهو ما ساعدهم بعد ذلك في التقدم على الأرض، تقدمهم الذي تطور هذا الشهر وبالتحديد الأسبوع الماضي والذي يمكن إيجازه في هذا التسلسل الزمنى السريع:

1 – (18-3-2015)، عدن بؤرة اشتباكات ثنائية بين اللجان الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور، وبين قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي) بقيادة العميد عبد الحافظ السقاف، هذه القوات – المكونة من ألفي جندي تقريبًا لديهم أسلحة خفيفة ومتوسطة- قام هادي قبل تاريخه بأسبوع بتوقيع أمر بعزل العميد السقاف قائدها بعد أن اتهمه بأنه موالٍ للحوثيين وإيران وعلي عبد الله صالح، رفض السقاف أمر العزل وقام بمحاولة انقلاب ليدخل في صراع مع اللجان الشعبية ووحدات من الجيش اليمني بقيادة وزير الدفاع (محمود الصبيحي) بنفسه، صراعٌ انتهى بإنهاء التمرد وفشل المحاولة بما يمكن اعتباره أول نصر عسكري لعبد ربه بعد فراره من الإقامة الجبرية في صنعاء.

2 – (20-3-2015)، تخرج قوات عسكرية حوثية في أغلبها من صنعاء، كان لدى هذه القوات سبعة اتجاهات مختلفة من الممكن أن يسلكوا إليها (دُمار/ إب/ تعز/ البيضاء/ الضالع/ لحج/ عدن)، بعدها قصفت طائرة حربية القصر الجمهوري في عدن، وتبع ذلك دخول قوات حوثية إلى تعز إحدى المداخل الاستراتيجية الموصلة لعدن.

3 – (23-3-2015)، كان الحوثيون على وشك اقتحام لحج (أهم مدخل استراتيجي وأقربها لعدن) من منطقة الصبيحة قبل أن تتصدى لقوافلهم اللجان الشعبية ووحدات من الجيش.

4 – (24-3-2015)، اليوم الأهم والفارق في هذا الشهر، اندلاع مواجهات شاملة بين الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح من جهة، وبين اللجان الشعبية ووحدات من الجيش اليمني من جهة أخرى في أربع مناطق (تعز/ الضالع/ لحج/ كرش)، تقدم الحوثيون في الضالع وكرش وأصبحوا على بعد كيلومترات معدودة من عدن، مع قربهم من قاعدة العند الجوية، واستيلائهم على ميناء (المخا) الأخير في اليمن مطلًا على البحر الأحمر والأقرب لعدن وباب المندب.

5 – (25-3-2015)، تسقط قاعدة العند في يد أنصار الله، القاعدة العسكرية الأقوى في اليمن والمقر السوفيتي في العقود الخوالي، ثم في الأشهر الأخيرة مقرًا أمريكيًّا لإدارة العمليات القتالية ضد فرع تنظيم القاعدة اليمني الأكبر في الدول العربية، ومع سقوط القاعدة التي تبعد عن عدن ستين كيلومترًا فقط (مسافة ساعة واحدة) والتي أجلت الولايات المتحدة منها خبراءها تحسبًا للحظة كتلك كانت الأمور شبه محسومة لقوات علي صالح والحوثيين، خصوصًا بعد الضربة الكبرى بأسر وزير الدفاع اليمني الصبيحي، ثم قصفت طائرات حربية القصر الرئاسي للمرة الثانية.

( 2 ) ما أهمية مشاركة مصر العسكرية إن تمت؟!

عند تفنيد الدور المصري رسميًّا تبدو الأمور أميل للفانتازيا الساخرة منها للحقيقة، في البداية وقبل أربع وعشرين ساعة نفت وزارة الخارجية تمامًا علمها مشاركة مصر في أي عمليات عسكرية مرتقبة في اليمن، النفي كان قاطعًا لدرجة التأكيد، وهو ما تعارض مع إعلان اليمن مشاركة مصر مع دول خليجية أخرى، لكن وزارة الخارجية اليوم أصدرت بيانًا صحفيًّا عاجلًا تعلن فيه دعمها السياسي والعسكري لجهود تحالف العاصفة مع استعدادها للمشاركة البرية إن لزم الأمر في العملية الجارية حاليًا لإعادة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون، وهو الجزء الأميل للخيال باعتبار أن مصر لم تمر بعامين حتى على انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي العسكري على الرئيس المنتخب حينها “محمد مرسي”!

الدور المصري – إن حدث لأن مصر حتى الآن أعلنت دعمها فقط- سيكون أحد أهم أدوار العملية وبدونه تفشل بالكامل عسكريًّا، لفهم أكثر فإن (حبيب الله سياري) قائد البحرية الإيرانية أعلن بوضوح تام منذ أيام قليلة أن تواجد البحرية الإيرانية في خليج عدن يثبت الحضور الإقليمي وثقل طهران في المنطقة، هذه مشكلة عسكرية كبرى، من ناحية فإن الحوثيين يضمنون دعمًا عسكريًّا مستمرًا من طهران، من ناحية أخرى فإنهم يحصلون على أسلحة بإمدادات لا تنقطع تقريبًا، ومن الناحية الثالثة فإن البحرية الإيرانية أميل وأقرب للسيطرة على باب المندب إن دعت الحاجة مع تواجدها المكثف في أرخبيل الجزر اليمنية الجنوبية وبعض جزر المحيط الهندي القريبة، وهو ما تحاول تركيا – الداعمة للعملية- افتكاكه منذ فترة طويلة عن طريق بسط نفوذها في الصومال!
مضيق باب المندب هو أحد أهم معابر التجارة العالمية البحرية، يمكن اعتباره بسهولة شريان حياة الجزيرة العربية وأهم وسائل نقل نفطها للعالم، عمقه، اتساعه، موقعه الرابط بين خليج عدن والبحر الأحمر فالمحيط الهندي والموصول بقناة السويس ومن ثم البحر المتوسط فالمحيط الأطلنطي، كلها أمور تجعله البقعة الاستراتيجية الأهم والأخطر التي تشكل حيثية اليمن، حتى أهم من كون اليمن حدود المملكة الجنوبية!

بحرية إيران هي أقوي بحرية في الشرق الأوسط، ورابع أضخم قوات بحرية في العالم، عسكريًّا لا تستطيع بحرية إسرائيل أو تركيا حتى مواجهتها بمفردها، لذلك، البحرية المصرية هي الأنسب لمواجهة من هذا النوع في خليج عدن تبعًا لأن مصر تمتلك ثاني أقوي بحرية بعد طهران وتتفوق عليها في الكفاءة القتالية بحسب مصادر عسكرية عالمية.
هذا التفوق هو الذي سيجعل المشاركة المصرية الأولى بنسبة كبيرة إن تمت (بحرية)، خطوة استراتيجية مفهومة ومتوقعة في إطار عملية السيطرة على أحد أهم ممرات النفط في الكوكب، تلقائيًّا، وبعد إعلان عاصفة الحزم ارتفعت أسعار النفط لأول مرة خلال أسبوعين بنسبة 6%، حيث أتم برميل النفط الأوروبي الخام 59.71 دولار، وأتم سعر برميل النفط الأمريكي الخفيف 51.40 دولار، وهو ما يوضح حجم المخاوف المتعلقة باندلاع لهيب المعركة مما قد يؤثر فيما بعد على حركة الملاحة ويؤدي لإغلاق المضيق تمامًا.

( 3 ) ما هي أوراق السعودية الاستراتيجية؟

 

قبيل توسع نفوذ الحوثيين وإيران من ورائها كان أمام المملكة خيارات محدودة جدًا للسيطرة على الوضع المتفاقم في اليمن، وهو ما جعل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في مؤتمره الصحفي مع نظيره البريطاني “فيليب هاموند” يلوح بعصا التدخل العسكري في إشارة للمأزق الذي وجدت فيه الرياض نفسها بإتيانها متأخرة بعد رسوخ جماعة أنصار الله أكثر وانحسار فئات ضخمة ممن كانوا بمثابة أحجار عثرة أمامهم.
الخيارات كانت معروفة ولا تحتاج لجهد ذهني عنيف، إما أن تتشكل قوة عسكرية – كما الآن- تبدأ بعمليات جوية لضرب أماكن تمركز الحوثيين ومخازن أسلحتهم وبطاريات صواريخهم وطائراتهم الحربية التي بدأوا يستخدمونها، وهو ما كان يشكل هاجسًا مقلقًا بشدة لدول الخليج، ثم تتحول القوة العسكرية أو الحلف لعمليات برية، والخيار الثاني هو دعم القبائل المناوئة للحوثيين في الجنوب، وهم من كانوا عصب مقاومتهم في تعز ولحج بالمال والسلاح الوفير، أما الخيار الثالث فهو القيام بلعبة مزدوجة ودعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (الجنوب اليمني) وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مما كان سيضمن استنزافًا طويلًا للثلاثة كيانات.

الخيار الثاني كان هو الأقرب للمنطق، فدعم القبائل المناوئة وتقوية شوكتها أهون على أنظمة الخليج الحاكمة من دعم تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وهم الذين يقاتلونهم منذ أعوام في العراق وسوريا وليبيا، المغامرة هنا غير مأمونة العواقب ولو انتصر الاثنان أو أحدهما على الحوثيين فإن المملكة ستواجه خطرًا لا يقل ضراوة في نظرها عن ذراع طهران.
أما الخيار الأول فهو في شقه الجوي يسير التنفيذ، أما في شقه البري فالأمر شديد الصعوبة، فاليمن ذات الطبيعة الجبلية مثل أفغانستان تمامًا، ساحة حرب مهلكة للجيوش النظامية مهما بلغت قوة هذه الجيوش، لذلك فإن أي تدخل عسكري بري إن تم لا بد وأن يكون بقوات عسكرية ضخمة العدد مع توقعات بخسائر كبيرة قبيل حسم الأمور، وهنا أيضًا ستكون الاستعانة بالخبرة المصرية العسكرية ضرورة على الرغم من أن الجيش المصري لا يبدي نجاحًا كبيرًا في بيئة أقل وعورة عشرات المرات من جبال اليمن، في سيناء، لكن خبرته في كل الأحوال تتفوق على الدول الخليجية بشكل ما.

لكن يبدو أن الرياض اتخذت قرارًا حتى الولايات المتحدة نفسها لم تملك إلا تأييده مهما كانت التحفظات، وقرارها كان القضاء على الخطر الإيراني للتفرغ لمسألة سوريا والعراق ومعالجة الوضع الذي يسير في غير صالح الأنظمة الخليجية، وهى الأراضي التي من المتوقع أن ترد فيها طهران على عملية عاصفة الحزم بشكل غير مباشر يحفظ لها أحلامها الإمبراطورية من الاحتواء الخليجي ثم التدمير.

بينما لا تبدو السعودية بهذه السهولة، فمنذ يومين ذكر الموقع الإلكتروني لحركة “النضال العربي لتحرير الأحواز” أن شبانًا أحوازيين بدأوا بالفعل الثورة المسلحة ضد ما وصفوها بـ “قوات الاحتلال الفارسي” في المناطق ذات الغالبية العربية شمال غرب إيران، وأفاد الموقع أن (المقاومين) استهدفوا مقر المباحث الإيرانية بالإضافة إلى مركز أمني بمدينة الخفاجية بعد اعتداء القوات الإيرانية الأمنية على مشجعين أحواز شجعوا فريق الهلال السعودي ضد فريق فولاذ الإيراني، وهي مناوشات مستمرة ومألوفة بين الشرطة الإيرانية وفصائل الأحواز، لكن يمكن استغلالها سعوديًّا إن لم تكن للمملكة يد أصيلة غير مباشرة فيما حدث، وهو أمر قد يبدو الآن شرارة لكنه – إن تم استغلاله- سيسبب صداعًا أمنيًّا أكبر لإيران واختراق هو الأول من نوعه للرياض بهذا الشكل قد يساهم في شغل طهران بسلسلة داخلية معقدة تعوقها عن رد فعال على العملية العسكرية الجارية حاليًا.

اجمالي القراءات 2292
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق