المستشار فؤاد راشد: مبارك .. فاصل ويواصل !

اضيف الخبر في يوم السبت ٢٤ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


المستشار فؤاد راشد: مبارك .. فاصل ويواصل !

المستشار فؤاد راشد: مبارك .. فاصل ويواصل !


 

سمعت قصة في طفولتي عن تاجر  ورث عن عائلته ثروة هائلة , وأنه كان حسن النية يسهل خداعه , وأن بعض الناس قد سلب بعض ماله مرات عديدة , وأن أحدهم كان يسلب ماله ثم يعود اليه بعد حين وقد أطلق لحيته أو تزيي بزي  يشي بالورع فيقتنع الرجل بصلاح حاله ويتعرض للنصب من جديد , فاذا حذر التاجر من التعامل معه رد في حزم أنه واثق من صدقه هذه المرة .

ولقد ذكرت الحكاية المحفورة في أعماق الذاكرة وأنا أتابع المشهد المصري بعد الثورة , تلك الثورة التي بت أخشي أن يتغير جوهرها ومسارها وحتي اسمها لتصبح انتفاضة وربما ” هوجة ” , ولم لا , الم يسم الناس الثورة العرابية بمسمي ” هوجة عرابي ” حتي أنهم يؤرخون لبعض حوادث حياتهم بها فيقال ولد فلان قبل أو بعد ” هوجة عرابي ” !

ولم تكن ثورة عرابي ” هوجة ” بل ان التسمية قاسية ظالمة كاذبة , وللنظر الي مادة الاشتقاق لنري أنها الهوج ومنه صفة الأهوج ونحن نصف به غير العاقل ومن لا يحسن الفهم والتدبر ومن يندفع بلا تبصر للعاقبة  , بينما رفع عرابي شعارا ثوريا عظيما قائلا ان المصريين ولدوا أحرارا ولن يورثوا بعد اليوم , وتحمل في شجاعة تبعة موقفه  ولولا تكالب الخونة من كل صوب و حدب لكان حال مصر علي يديه غير الحال .

كانت الخيانة هي التي قصمت ظهر ثورة عرابي وظهره شخصيا , وانتهت به الي المنفي بعد انكسار ثورته العظيمه , ولقد أثري كبار خونة عرابي ثراء لازال أحفادهم ينعمون به حتي اليوم لأن كبار الكبار من الخونة  نالوا اقطاعيات لازالت تحمل أسماءهم ولازال الأحفاد يتباهون بالثراء السحت جراء خيانات الأجداد , فلم يكن خنفس باشا قائد حامية القاهرة وحده قد خان عرابي بل هناك من لا يحصون من ” الخنافس ” الخونة !والمتتبع  لملكيات بعض الأسر ذائعة الصيت ينتهي  الي أنها  كانت الثمن جراء خيانة القائد العظيم أحمد عرابي ! ويوم أن تنشط الذاكرة الوطنية سوف يحصي هؤلاء ويعدون عدا  وتلاحق ذكراهم بما يستحقون من العار .

كان هذا جزاء الخونة , أما عرابي نفسه فقد انتهي أمره الي التشريد منفيا , وانتهي الي اهالة السواد علي تاريخه لحقب متتالية , حتي أن أحمد شوقي هجاه  في قصيدة  منكرة يقول مطلعها ( صغار في الذهاب وفي الاياب .. أهذا كل شأنك ياعرابي ! وحاشالله أن يكون بعرابي صغار وقد كان مخبرا ومنظرا بهيئة أسد مهيب !

علي مدار التاريخ الانساني لم تقم ثورة يؤيدها جميع أهل البلد الثائر لأن المعادلة  باختصار  تفترض فرضا بديهيا وهو وجود ظالمين ومظلومين ممايولد سخطا يتراجم منتظرا شرارة الانفجار ليقع بركان الثورة , والا فلو ساد العدل في مجتمع ما  لانتفت دواعي الثورة من الأساس .

ومن البديهي أن من تضار مصالحه من الثورة فهو ضدها علي طول الخط, فهناك قوي تتربص سواء كمنت حتي تمر عاتيات الريح أو أعلنت التحدي ولكنها في كل الأحوال تبقي متأهبة متربصة تتحين فرصة الانقضاض .

وعلي هذا الأساس فان كل ثورة لابد أن تتبني منطق التطهير مع اختلاف المنهج من القتل الي الازاحة عن مراكز التأثير , كما أن أي ثورة لابد أن تترجم نفسها الي قيم جديدة , ولعل الفارق بين الثورة والهوجة يكمن هنا , بمعني أن قيام الثورة دون تطهير ودون قيم جديدة يعيد انتاج ماكان مع اختلاف الأسماء لا أكثر .

ولننظر الي الساحة المصرية ونسأل هل تم تطهير مؤسسات الدولة وأجهزتها من عملاء النظام السابق ؟ وماهي منظومة القيم التي تتبناها الثورة ؟

اليس مايجري اليوم هو اعادة انتاج ماكان مع تغيير الأسماء ؟ الم يبعث جهاز  أمن الدولة للعمل وعاد بعض الضباط الي نفس مواقعهم السابقة به؟ وهل هناك أي ضمان علي الاطلاق لعدم توحش الجهاز وقد أرانا عينه الحمراء في موقعة اقتحام قناة الجزيرة التي أدرك حكام مصر – فجأة – أنها تبث بشكل غير شرعي رغم أن بعضهم  قد تكلم عبرها مرارا وتكرارا ورغم أنها لاتهمس وانما تهدر ليل نهار .

الم يكن من الطبيعي حتي لاتكون الثورة هوجة كما يريد جيوش من أعدائها أن توضع ضمانات كتبعية جهاز الأمن الوطني  للقضاء كما تفعل بعض الدول بدلا من الضحك علي الذقون  والاكتفاء بتغيير الاسم وقد سبق تغييره لسوء صيته من القسم المخصوص بوزراة الداخلية الي البوليس السياسي الي المباحث العامة الي أمن الدولة وصولا الي الأمن الوطني , وفي كل مرة كان يعاد الضحك علي الناس بتغيير المظهر علي طريقة التاجر حسن النية والنصاب !

ما الذي تغير جذريا ؟ اليس بعض الوزراء هم من أعضاء لجنة السياسات؟ بالله هل عقمت مصر الا من هؤلاء؟ قد يقال انهم لم يلوثوا بمال ولا بدم أحد , ولكن اليست لجنة السياسات- كما يعلم سكان زحل- هي باب التوريث الواسع ؟ اليست الموافقة الضمنية القاطعة علي التوريث اهدارا للنظام الجمهوري أمرا ملوثا لصاحبها ولتاريخه ؟

ما الذي تغير بحق الله ونحن نتابع  دعاوي قضائية حول رفع صور مبارك وامرأته من المنشآت العامة باعتبار أنهما كانا قد ورثا مصر من عليها وماعليها  , وهل  الأمر مما تختلف فيه وجهات النظر ؟ وهل  قيادة الثورة حائرة في التمييز بين الحق والخطأ فتركت الأمر للقضاء ليحسم لأن الحق والباطل غائمان  لافاصل بينهما  ! وهل يدير القضاء الثورة وكأن جرائم مبارك خلت من جانب سياسي وهو من أهدر الدستور واعتدي علي النظام الجمهوري الذي أقسم أن يحافظ مخلصا عليه , فراح يرهن كل قرار فاعل في نطاق مايخدم التوريث لولده المرفوض من طوب الأرض  وأحال الجهاز التشريعي الي صكاكة قوانين تشرع للنهب العام والحكم الأبدي له ولعائلته  ؟وهل في التاريخ  ثورة تختزل جرائم نظام حكم علي مدي ثلاثين عاما  في محاكمات جنائية وكأن المخلوع قتل جاره في مشاجرة علي أسبقية ري أرضه الزراعية ؟ أين قانون الغدر ياسادة ؟ لماذا  تبادرون في سرعة البرق في كل حركة نشم منها رائحة ووقع تصرفات المخلوع  كمعركة اقتحام مقر الجزيرة بينما تترددون في محاسبة سياسية كاملة شاملة للمفسدين بدلا من اختزال الأمر في شق جنائي ومحاكمات تأخذ مجراها وتستغرق أمدها بينما لازال المتربصون يعبثون بأمن الوطن ويدبرون المكائد والفتن  هنا وهناك ؟   وهل يعقل أن تختزل جرائم مبارك وعصابته في قتل المتظاهرين أيام الثورة ؟

أين نبذ المفسدين ومتي تنبذون ؟ وأين تطهير أجهزة الدولة ومتي يتم التطهير ؟ وهل تسير الثورة بخطي ثورية أم بروح بيروقراطية متباطئة مترددة ؟ وماهي منظومة القيم الجديدة التي تسود المجتمع وتحل محل منظومة المظالم وقيم الثراء السريع والنهب العام المنظم ؟

الا يتعرض الشعب المصري لنكبة تجري بهمة لتحيل ثورته الي ” هوجة ” لنكتشف في النهاية أننا حللنا الماء بعد الجهد بالماء فأعدنا انتاج نظام مبارك بكل مفرداته بمسميات جديدة ؟!!

اجمالي القراءات 3328
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق