عادل حمودة شاهد علي حادث المنصة: سلاح المدفعية اغتال السادات فكافأ مبارك قائده بتعيينه محافظاً

اضيف الخبر في يوم السبت ١٦ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: مصراوي


عادل حمودة شاهد علي حادث المنصة: سلاح المدفعية اغتال السادات فكافأ مبارك قائده بتعيينه محافظاً

 


 
 

- رئيس مجموعة القتل اختير للاشتراك في العرض رغم تقارير المخابرات الحربية التي حذرت من ذلك بسبب علاقته بشيخ التكفير والهجرة عبد الله السماوي!

عادل حمودة شاهد علي حادث المنصة

سلاح المدفعية اغتال السادات فكافأ مبارك قائده بتعيينه محافظاً

- المقدم ممدوح أبوجبل قدم لخالد الإسلامبولي «إبر» ضرب النار والمحكمة اعتبرته «شاهد ملك»

 - مسئول طابور العرض العسكري بقي في الخدمة وكبش الفداء خمسة ضباط من الرتب الصغيرة

 - هب السادات واقفا لمواجهة القتلة وقال وهو ينظر إلي مبارك: «مش معقول».. «مش معقول»!

- مبارك كان يطيح بزملائه بتقارير يكتبها ضدهم للمجموعة (75) مخابرات حربية

- أمريكا قررت التخلص من السادات ليركب العرب قطار التسوية السلمية مع مصر عبود الزمر رفض فكرة الاغتيال.. ثم عاد ووافق عليه وقدم نصائح دخول أرض العرض وطلقات من الرصاص الذي استخدم!

- ملاحظة لها مغزي: مبارك لم ينظر لاستعراضات الطائرات في الجو رغم أنه مدير سابق لسلاح الطيران.. وركز بصره علي عربة المدفعية التي نزل منها خالد الإسلامبولي ورفاقه! - النبوي إسماعيل أصر علي أن أحلف علي مصحف حتي لا أنشر أن مبارك كان مسئولاً عن التقارير والخطط الأمنية الخاصة بالسادات!

أنا شاهد علي حادث اغتيال أنور السادات في جريمة المنصة.. عشت 40 ثانية في الجحيم.. ورأيت نظاما بأكمله يتهاوي برصاصة واحدة ل يزيد ثمنها علي عشرة قروش.. قتلت زعيمه وحطمت عرشه وغيرت نظامه.. وكان المستفيد المباشر نائبه حسني مبارك.. فهل كان ضليعا في مؤامرة التخلص منه؟ إن من الصعب الجزم المطلق أو النفي القاطع.. فعندما يكون القاتل والقاضي في صف واحد فلابد أن تتوه الحقيقة.. ولا يبقي منها سوي مشاهدات وتخمينات وملاحظات قد توصل إلي البراءة.. وقد تنتهي بالإدانة. في صباح يوم 6 أكتوبر 1981 لصقت التصريح "الأحمر" الذي استخرجته مراسم وزارة الدفاع علي زجاج سيارتي وعبرت بسهولة حواجز الأمن دون تفتيش.. فالكل كان مسترخيا.. متكاسلا. بالقرب من البوابة الرئيسية رفض مسئولو الحراسة دخول ابنة وزير الدفاع أبو غزالة هي وشقيقها رغم توسط العميد عبدالحكيم عبيد الذي جاء بصحبتهما، لأنهما لا يحملان بطاقات دعوة.. وبعد أن تدخلت رتبة عسكرية رفيعة سمح لهم بالدخول من الباب الخلفي فأبعدا عن الجحيم الذي نال من الصفوف الأولي. في نفس اللحظة أيضا منع عقيد من سلاح الإشارة جاء مع مجموعة فنية متخصصة للتأكد من سلامة خطوط التليفونات (100 خط) وسمعت من يقول له: "فلتتعطل كل الخطوط.. لكنك لن تدخل المنصة هذه أوامر عليا".. وهكذا.. كان من السهل قطع الاتصالات عن المنصة وعزلها تماما. وبدأ العرض بداية تقليدية.. طوابير الأسلحة المختلفة.. وفوق سمائها راحت تشكيلات طائرات الفانتوم تقوم بألعاب بهلوانية.. مخلفة وراءها سحب من الدخان الملون.. وكانت هذه الطائرات قد جاءت مستعملة من البنتاجون بعد أن سحبت السعودية عرضها بتمويل شراء طائرات عسكرية جديدة لمصر بسبب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد. لكن المثير للدهشة.. أن هذه الطائرات باستعراضاتها المثيرة الجذابة.. لم تلفت نظر نائب الرئيس القائد السابق لسلاح الطيران حسني مبارك كما هو طبيعي ومتوقع.. فقد كان ينظر إلي طابور المدفعية الذي كان يمر في نفس اللحظة علي الأرض.. وهو ما سجلته اللقطات التليفزيونية التي أذيعت فيما بعد.. ففيما كان يسرح ويفكر؟.. م الذي كان ينتظره ويتوقعه؟ تقدم قائد طابور المدفعية لتحية المنصة محاط بعدد من راكبي الموتوسيكلات.. ولكن فجأة أصيب واحد منها بعطل شل حركته.. وراح راكبه يجره بعيدا.. فزلت قدماه.. ووقع الموتوسيكل عليه.. فتدخل جندي كان قريبا من المنصة لإسعافه بقليل من الماء. وبينما الطائرات لا تزال في الجو تقدم طابور عربات المدفعية الثقيلة من المنصة.. وفجأة أيضا.. ارتجت إحدي العربات بفرملة مفاجئة.. وانحرفت إلي اليمين.. فتصور الحاضرون أنها أصيبت بلعنة الموتوسيكل.. فلم ينزعج أحد.. وعندما نزل منه ملازم أول عمره 24 سنة ممتلئ قليلا ـ سنعرف فيما بعد أنه خالد الإسلامبولي ـ تصوروا أنه سيصلحها.. لكنه راح يلقي بقنبلة يدوية وهو يتقدم في اتجاه المنصة.. ولحظتها سمعنا مذيع العرض يقول عنهم: " إنهم فتية آمنوا بربهم ". عاد خالد الإسلامبولي إلي العربة وفتح باب كابينة القيادة وأمسك بمدفع رشاش طراز "بورسعيد" وفي نفس الوقت كان هناك فوق العربة وبالقرب منها من يلقي بقنابل يدوية أخري.. عط طايل رحيل حميدة.. وهو ملازم أول مهندس احتياط عمره 26 سنة.. وعبد الحميد عبدالعال وهو ضابط سابق بالدفاع الجوي عمره 28 سنة.. ولمح السادات الرشاش في يد خالد الإسلامبولي فهب من مقعده واقفا وهو يصرخ موجها كلامه لمبارك: " مش معقول ".. " مش معقول ".. وكانت هذه الجملة آخر ما قال في حياته.. وسهل وقوفه منتصبا مهمة شخص رابع قناص محترف وبطل في الرماية هو حسين عباس علي ــ وهو رقيب متطوع عمره 27 سنة ــ كان يصوب بندقيته الآلية إلي رقبته متصورا أنه يرتدي قميصاً واقيا من الرصاص. تقدم المهاجمون إلي المنصة وهم يطلقون النار علي السادات.. وحاول العميد أحمد سرحان قائد حراسته الخاصة إنزاله بعد أن أطلق خمس رصاصات كانت كل ما في مسدسه.. لكن الوقت كان قد فات. واقترب عبد الحميد من مبارك قائلا: " أنا مش عايزك أنت.. احنا عايزين فرعون ".. يقصد السادات.. وكانت جملة مثيرة للدهشة.. فما الذي منعه من التخلص من الرئيس القادم الذي أتي به الرئيس السابق نائبا له؟.. وفي الوقت نفسه وجد مبارك من يشده إلي أسفل ويغطيه بالمقاعد لحمايته من طلقات الرصاص.. لقد لقي رعاية في الحفاظ علي حياته لم يلقها السادات نفسه. بعد نفاد ذخيرته.. نجح حسين عباس في مغادرة أرض العرض بهدوء ولم يقبض عليه إلا بعد يومين.. واتجه زملاؤه ناحية ميدان رابعة العدوية في حي مدينة نصر القريب، لكنهم تعرضو لرصاص رجال المجموعة (75) مخابرات حربية.. وقبض عليهم وهم بين الحياة والموت.. ونقل القتلة والقتيل لمستشفي القوات المسلحة في المعادي، لكن.. السادات الذي حملته طائرة هليكوبتر (جزيل) إليها كان قد فارق الحياة قبل حمله إليها. خلال تنفيذ عملية الاغتيال ــ التي لم تستغرق أكثر من 40 ثانية ــ كانت جيهان السادات وأحفاده وزوجات رجال الدولة في غرفة خاصة تطل علي العرض.. وعندما رأت ما حدث قالت لسكرتيرته دون أن تفقد تماسكها: " مدام صادق.. دول مجانين".. وسمعت فايدة كامل تولول: " محمد.. محمد.. هاتولي محمد.. يا خرابي ي محمد " فنهرتها قائلة: " لو متنا فلنمت بشرف ". ومحمد.. هو زوجها محمد النبوي إسماعيل وزير الداخلية وقتها، الذي هرب من مكان الحادث في سيارة ملازم شرطة ولم يظهر إلا بعد ان اطمأن بأن الجريمة التي وقعت لم تسفر عن انقلاب.. وحسب ما قال عطا طايل في التحقيقات، فإن النبوي إسماعيل كان هو الآخر هدفا لهم.. كانوا سيقتلونه لو وصلوا إليه. وفيما بعد قال لي النبوي إسماعيل: إنه حذر السادات من مؤامرات كثيرة لاغتياله "وقدمت إليه شرائط فيديو تدلل علي ذلك".. وعندما سألته: "من كان الشخص المسئول عن رفع التقارير الأمنية للسادات؟" اضطربت ملامح وجهه ومد يده ليغلق جهاز التسجيل وهو يقول: " كل الناس تعرف أن مبارك كان هو المسئول عن تجميع التقارير والخطط الأمنية ورفعها للرئيس".. ولم يتركني الرجل إلا بعد أن أقسمت له علي مصحف ثلاث مرات بأنني لن أنشر ذلك إلا في وقت أراه مناسبا.. لا يضر به. وأغرب ما قيل في جلسات محاكمة القتلة التي غطيت بعض جلساتها: أن السادات طلب من القناص الوحيد الذي يجلس أسفل المنصة أن يتركها ويصعد إلي خلفها قائلا: "أحسن عبود الزمر ييجي من ورا".. فسألته المحكمة: "كيف نتأكد من كلامك؟".. فأجاب ببراءة: "اسألوا السادات". وحسب تقرير رفعه اللواء حسن أبوباشا مسئول أمن الدولة إلي نائب الرئيس وأطلعني علي صورة منه فإن فكرة اغتيال السادات طرحت عدة مرات في تنظيم الجهاد منذ نهاية 1980 وبداية 1981 ولم يخدعهم تعديل الدستور بإضافة المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية إليه.. وكان من بين الذين شاركوا في هذه المخططات المقدم في المخابرات الحربية عبود عبداللطيف الزمر. اقترحوا اغتيال السادات وهو جالس في المنصة بتجنيد طيار انتحاري يسقط بطائرته علي المنصة.. ويدمرها بمن فيها.. ولكنهم تراجعوا حرصا علي حياة مبارك وأبو غزالة.. فقد أرادوا الإبقاء عليهما.. وهو أمر مثير للريبة. واقترح عبود الزمر اغتياله في استراحة القناطر.. وذهب بنفسه إلي الاستراحة لوضع الخطة المناسبة.. لكنه.. فضل إطلاق النار عليه أثناء مرور قطاره علي محطة المنصور في يوم 25 سبتمبر.. بأن يندس أحد أعوانه وسط الحشود في المحطة ويتحين الفرصة ليطلق الرصاص علي السادات.. لكن.. قبل أيام قليلة من ساعة الصفر انكشف المخطط وضبطت الأسلحة والذخائر والخرائط في شقة بالقاهرة.. وشاهد السادات اجتماعات التنظيم علي شريط فيديو.. وتعرف بنفسه علي عبود الزمر.. فكان ان أعلن بنفسه عن هذه المحاولة.. مشيرا لعبود الزمر قائلا: "أنا عارفه وهو سامعني دلوقتي". لكن.. القدر الذي أنقذ السادات من رصاص عبود الزمر أوقعه فريسة لرصاص خالد الإسلامبولي.. وهو ما يضيف إلي علامات الاستفهام والغموض ما يزيد من الشك والشعور بالتآمر. في أكتوبر 1980.. قبل قتل السادات بسنة.. استدعي خالد الإسلامبولي للتحقيق معه في المخابرات الحربية بمعرفة مقدم يدعي مجدي.. وفي التحقيق اعترف بأنه من أتباع الشيخ عبدالله السماوي.. وهو أحد أمراء جماعة التكفير والهجرة.. ويصلي وراءه في مسجد أنصار السنة بمصر الجديدة.. وانتهي التحقيق بتأشيرة جري تعميمها تقضي بمضاعفة المراقبة عليه.. ومنعه من الأنشطة الرياضية داخل وحدته حتي ل يجند من حوله.. والحرص علي ألا يشترك في العروض العسكرية. بعد اعتقالات 5 سبتمبر ــ التي وضع فيه السادات 1500 شخصية من رموز مصر المختلفة في السجون ـ طلب خالد الإسلامبولي من قائد وحدته القيام بإجازته السنوية ليكون بجانب عائلته في ملوي بعد اعتقال شقيقه الأكبر محمد.. الطالب بكلية التجارة.. وأحد أمراء الجماعة الإسلامية. لكن.. في الساعة العاشرة والربع من صباح يوم الأربعاء 23 سبتمبر استدعاه قائد وحدته الرائد مكرم عبد العال ليعتذر له عن الموافقة علي طلب الإجازة.. قائلا: " لا يمكنني الاستغناء عنك.. النقيب عبدالرحمن سليمان ظروفه صعبة.. زوجته في المستشفي بين الحياة والموت.. وأنت ستحل محله في العرض العسكري ".. ولم يجد خالد الإسلامبولي سوي أن يقول مستسلما: " لتكن مشيئة الله ". بعد يومين كان خالد الإسلامبولي يصلي الجمعة في أحد مساجد عين شمس برفقه شقيقه في الرضاعة عبد الحميد عبد السلام وبعد الصلاة.. قال خالد له: " إن القدر جعلني أشترك في العرض لأخلص مصر من الطاغوت ".. فقال عبدالحميد: "هذا كلام الشيطان ".. ثم طلب منه أن يذهب لزيارة محمد عبدالسلام فرج ــ أمير تنظيم الجهاد ــ بعد أن كسرت ساقه ووضعت في الجبس ويطارده الأمن.. وهناك نجح عبدالسلام فرج في إقناع خالد الإسلامبولي بفكرة قتل السادات.. واستسلم باقي أفراد مجموعة الاغتيال لتعليمات الأمير.. فليس أمامهم سوي السمع والطاعة. أرسل عبدالسلام فرج إلي عبود الزمر من يخبره بما سيحدث، لكن عبود الزمر رفض الفكرة.. قائلا: " كفاية فشل ".. " كما أن الاغتيال سيقضي علي فرصة الثورة الإسلامية التي نسعي إليها ".. ولكنه قبل الحادث بأربعة أيام عاد ووافق علي العملية.. وبعث بتوجيهاته بشأن دخول الأفراد إلي منطقة العرض وتصوراته لإزاء ما يحدث لو نجحت طالب في كلية أصول الدين وعضو في التنظيم هو عبدالناصر عبدالعليم. في صباح يوم الجمعة 2 أكتوبر عاد عضو التنظيم المهندس صالح أحمد جاهين من بلبيس.. بعد أن اشتري من تاجر هناك عددا من البنادق الآلية و500 طلقة وسلمها إلي عبدالسلام فرج.. أخذ منها خالد الإسلامبولي 81 طلقة من بينها 4 طلقات " خارق حارق " معلمة بعلامة حمراء علي المقذوف. وبعد يومين حصل طبيب الأسنان محمد طارق إبراهيم من بلدة الحاجر علي أربعة قنابل يدوية وضعت تحت مسئولية خالد الإسلامبولي في بيت عبدالحميد عبد السلام. يوم الأحد 4 أكتوبر أخذ خالد الإسلامبولي من عبد السلام فرج في عيادة صفوت الأشوح إبر ضرب النار وخزن البنادق الآلية والرشاش ووضعه في حقيبة سمسونايت كانت معه.. وفيما بعد وجدت السمسونايت في مقر خالد الإسلامبولي بأرض العرض وبها 108 إبر ضرب نار لبندقية آلية. وفي مساء اليوم نفسه كتب خالد الإسلامبولي وصيته وتركها عند أخته وزوجها محمد ممدوح لطفي المحاسب بالمقاولين العرب في عين الصيرة.. وكانت تتضمن التصدق بأمواله لفقراء المسلمين. وحتي يفسح خالد الإسلامبولي مكانا لرفاقه الثلاثة في العرض العسكري.. زور خطابات إلحاق لهم مع بطاقات عسكرية غير حقيقية، وفي الوقت نفسه شرد الجنود الثلاثة الذين اختيروا للمشاركة في العرض.. وميز البنادق الثلاث عن غيرها بوضع قطع صغيرة من القماش في فوهتها. والمعروف أن التعليمات تقضي بنزع إبر ضرب النار من أسلحة العرض وتسليمها إلي قائد الكتيبة بعدد الأسلحة.. فكان لابد من الحصول علي ثلاث إبر ضرب نار من الخارج وتولي هذه المهمة مقدم اسمه ممدوح أبوجبل. لقد طلب عبد السلام فرج من محمد طارق إبراهيم وصالح جاهين أن يذهبا إلي ممدوح أبوجبل في بيته وأعطي لهما العنوان، فاستقل سيارة صفوت الأشوح واتجها إليه.. وهناك أعطاهما ثلاث خزن لبنادق آلية وخزنة رشاش بورسعيد وإبر ضرب النار الثلاث. وممدوح أبو جبل كان يخدم في الأسلحة والذخائر.. ويقال إنه سلم نفسه فور علمه بحادث الاغتيال، وأعلن بلا تردد أنه شارك في قتل السادات.. ولكن.. المفاجأة أن جهة الادعاء حولته من متهم إلي شاهد ملك.. ورغم ذلك طلب خالد الإسلامبولي من المحامين عدم الضغط عليه أمام المحكمة باعتباره " أخ " لهم في "الإيمان".. ولم توجه إليه أية تهمة في القضية.. وسرعان ما اختفي عن الوجود تماما مخلفا وراءه أكبر لغز في القضية. في ليلة العرض خشي خالد الإسلامبولي أن تكون إبر ضرب النار التي أحضرها ممدوح أبوجبل غير صالحة فسلمها إلي قائد الكتيبة وأبقي بدل منها إبر ضرب النار الأصلية في البنادق الآلية الثلاث التي استخدمت في العملية. وبثقة تدعو للذهول.. نفذ الأربعة عملية الاغتيال في الساعة الواحدة إلا ثلثاً ظهرا.. وحسب التقرير الطبي الذي وقعه 11 طبيبا من مستشفي المعادي (مدير المستشفي الدكتور أحمد سامي كريم ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب الدكتور سيد الجندي ورئيس قسم جراحة القلب والصدر الدكتور أحمد الشقيري ورئيس قسم الأوعية الدموية الدكتور محمد شلقامي ورئيس قسم نقل الدم الدكتور كمال عامر وطبيبا القلب أحمد مجدي ومحمد عرفة وطبيبا التخدير أحمد عبد الله ومحمود عمرو والمستشار الطبي لرئاسة الجمهورية الدكتور محمد عطية) فإن: " السادات وصل إلي المستشفي في الساعة الواحدة وعشرين دقيقة.. وهو في غيبوبة كاملة.. لا النبض محسوس.. ولا الضغط ملموس.. ولا ضربات القلب مسموعة.. وكانت حدقتا العين متسعتين لا تستجيبان للضوء.. ولا توجد حركة في الأطراف".. و"في تمام الساعة الثانية وأربعين دقيقة أظهر رسم القلب عدم تسجيل نشاط للقلب وأظهر رسم المخ توقفاً كاملاً فيه تأكيدا لحدوث الوفاة ".. واعتبر سبب الوفاة " صدمة عصبية شديدة مع نزيف داخلي بتجويف الصدر وتهتك في الرئة اليسري والأوعية الدموية الكبري بجدار الرئة اليسري ". والسؤال الذي لا يمكن تجاهله: أين كان رجال الأمن وقت أن اخترقت 39 رصاصة جسد السادات؟ لقد دربت المخابرات المركزية (الأمريكية) فرق الحراسة الخاصة للسادات، وتكلف ذلك 25 مليون دولار دفعتها من ميزانيتها.. وكان الأسلوب المتبع في حماية السادات يسمي الأسلوب " المحوري ".. حيث يوضع السادات داخل دائرة تصوب إليها بنادقهم.. فإذا ما دخل شخص غريب الدائرة أطلقوا عليه النار وقتلوه.. ووصل عدد أطقم الحراسة المدربة علي هذا الأسلوب إلي 100 طاقم. في الساعة الخامسة من مساء يوم 5 أكتوبر تسلمت الحراسة الخاصة التابعة للرئاسة مبني وزارة الدفاع التي سيزورها السادات في اليوم التالي.. قبل أن يذهب إلي العرض العسكري.. وكان تأمين السادات في وزارة الدفاع مهمة المخابرات الحربية حتي عام 1977 .. لتنقل من وقتها إلي الرئاسة أو " بتوع الجيزة " كما كان يطلق عليهم. وفي اليوم نفسه عقد اجتماع بخصوص تأمين السادات في العرض برئاسة اللواء محمد صبري زهدي نائب قائد المنطقة المركزية، فرئيس المنطقة المركزية اللواء سليمان عطية كان يؤدي فريضة الحج.. وضم الاجتماع مسئولين عن الحراسة الخاصة والمخابرات العامة والمخابرات الحربية.. وحسب المحضر الذي انتهي إليه الاجتماع، فإن مهمة تأمين المنصة كانت مسئولية الرئاسة بناء علي طلب وتصميم ضابط الحراسة الخاصة.. وفيم بعد قدم وزير الدفاع أبوغزالة صورة من المحضر إلي الرئيس الجديد حسني مبارك.. وفيما بعد ايضا قال أحد المحققين في قضية إهمال الحراسة " إننا اكتشفنا ترهلا بشعا في مختلف مجاميع الحراسة الخاصة، والأمر لم يكن ليزيد علي مظهرية براقة ". كانت المنصة لأول مرة منزوعة السلاح.. فالبرج الذي كان يواجهها ويجلس فيه قناصة يوجهون بنادقهم ناحية السادات كان خاليا منهم.. واستخدمه مصور صحفي هو مكرم جاد الكريم ليصور عملية الاغتيال بسهولة. وما إن وصل السادات إلي أرض العرض حتي انسحب الحرس ليجلسوا خلف المنصة يشربون الشاي ويتبادلون النكات، وكان اقرب الحرس إلي الرئيس يبعد عنه 60 مترا.. بينما كان الجناة علي بعد 30 مترا فقط.. وبعد فوات الأوان أطلق الحراس النار فقتلت رصاصاتهم (38 مللي) مصور الرئاسة محمد رشوان حسب تقرير الطب الشرعي. ويقول المحامي شوقي خالد محامي عبد الحميد عبد السلام في الالتماس المقدم إلي رئيس الجمهورية بعد الحكم بإعدامه: "إن تقرير الطب الشرعي الذي عولت عليه المحكمة كان قد انتهي إلي استحالة إصابة أي ممن في المنصة بالرصاص الصادر من حسين عباس من فوق العربة كما قطع ذات التقرير باستحالة أن يصاب أي من الموجودين بالمنصة من شظايا القنابل الدفاعية التي ألقاها خالد الإسلامبولي وعبدالحميد عبد السلام ". ويضيف شوقي خالد: " إن ذلك قاطع الدلالة علي عدم إمكانية حدوثه من اي من المتهمين حتي علي ضوء اعترافاتهم التي وقرت في ذهن المحكمة". وحامت الشبهات حول إصابة السادات برصاصات قاتلة من داخل المنصة وأصرت زوجته جيهان وابنه جمال أن يريا بنفسيهما الجثة في ثلاجة المستشفي قبل تشريحها ودفنها للتأكد من صحة الاتهام أو براءة الحرس.. وانتهت بأن الرصاص الذي اصاب زوجها من أسلحة الإرهابيين فقط ـ علي حد قولها في مذكراتها- وهنا يكون السؤال عن مدي خبرتها في معرفة مثل هذه الأمور المتخصصة؟ لكن.. براءة الحراسة الخاصة لا تنفي إهمال جهات مختلفة مسئولة عن العرض.. منها الجهة التي سمحت لخالد الإسلامبولي بالاشتراك في العرض رغم وجود تحذير واضح من المخابرات الحربية ورغم معرفة أن شقيقه واحد من المعتقلين علي ذمة الجماعات المتطرفة. والجهة المسئولة عن التأكد من سلامة دخول الجنود والضباط إلي أماكن وحدات العرض والتي سمحت بدخول ثلاثة أفراد يحملون خطابات إلحاق مزورة. والجهة المسئولة عن تفتيش الأسلحة للتأكد من خلوها من «إبر» ضرب النار. وفيما بعد أضيفت لقضيتي "الاغتيال" و"الجهاد" قضية ثالثة لم يقترب منها أحد هي قضية الإهمال داخل الجهات المسئولة عن العرض.. وفي القضية الأخيرة جري التحقيق تحت إشراف أبو غزالة مع مجموعة من ضباط المدفعية لمدة 4 اسابيع، ثم أحيل الأمر إلي القضاء العسكري فأعيد التحقيق مرة أخري بإشراف اللواء في سلاح الطيران يحيي الشيمي مساعد المدعي العام العسكري، وساعده سبعة من أعضاء النيابة العسكرية.. وانتهي التحقيق بإحالة ستة منهم إلي المحاكمة التي جرت جلساتها سرية برئاسة اللواء عبد العال إبراهيم عبد العال مساعد مدير إدارة المحاكم العسكرية وقتها.. وصدرت أحكام بإدانة خمسة ضباط واحد فقط.. وتضمنت حكما بطرد قائد كتيبة خالد الإسلامبولي الذي شجعه علي الاشتراك في العرض.. وكانت هناك أحكام أخري بتأخير ترقيات البعض.. وإنهاء خدمة البعض الآخر وإحالته للتقاعد في أول نشرة. لقد بقي مدير العرض العسكري اللواء محمد صبري زهدي في منصبه تسعة شهور بعد الحادث ثم أحيل للتقاعد في يوليو 1982.. وكوفئ مدير سلاح المدفعية اللواء منير شاش بتعيينه محافظ لشمال سيناء. لقد كان العقاب مخففا إذا ما قيس بفداحة الجريمة وهو ما يثير علامات أخري للدهشة والريبة. لكن.. هل صحيح أن الذين قتلوا السادات كانو ينفذون مشيئتهم أم كانوا ينفذون مشيئة قوي أخري غيرهم ولو لم يكونوا علي علم بها؟.. إن تاجر المخدرات الصغير قد لا يعرف المعلم الكبير، ورغم ذلك يحقق له ما يريد.. إن عملية التخلص من السادات خططت لها مجموعة من المستفيدين تركت خالد الإسلامبولي ورفاقه يتصورون أنهم أصحابها.. وفي الوقت نفسه دفعوا وحدهم الثمن بإعدامهم. إن التحليل السياسي لدوافع الحادث لا يقل أهمية عن التحليل الجنائي له.. ويبدأ التحليل السياسي من المخابرات المركزية الأمريكية وينتهي عندها. بعد سقوط شاه إيران.. بدأت المخابرات المركزية خطة عاجلة لحماية رجالها من حكام العالم في دول مختلفة.. مثل حسين حبري في تشاد ومحمد ضياء الحق في باكستان وصمويل دو في ليبيريا وفراندو ماركوس في الفلبين وجعفر نميري في السودان وأمين الجميل في لبنان ودورات دو في السلفادور ومحمد أنور السادات في مصر. كانت الخطة تقضي إرسال فرقة من 3 ــ 5 أفراد خبراء في فرقة النشاط الدولي.. مهمة الفريق تسليم أسلحة ومعدات متطورة لحماية الرئيس في كل دولة من هذه الدول، وتدريب حراسته عليها، وتشمل بنادق اتوماتيكية دقيقة التصويب وأجهزة رؤية ليلية وأجهزة اتصال وطائرات هليكوبتر وقمصان واقية من الرصاص وأجهزة إنذار متقدمة.. وكلها لحماية حياة الرئيس أو للحفاظ علي حياته. كان ذلك وقت الرئيس جيمي كارتر.. لكن بعد أن وصل رونالد ريجان إلي البيت الأبيض تغيرت هذه السياسية وبدأ التخلص من هذ الطراز من الحكام، وبعد سنوات قليلة لم يعد احد منهم علي قيد السلطة. كان السادات هو الضحية الأولي رغم أهميته للولايات المتحدة.. وكان السبب أن تصرفاته كان يصعب التنبؤ بها.. وردود فعله لا يمكن حسابه مقدما.. وهو ما ل يمكن لدولة كبري احتماله. في مذكراته التي نشرها تحت عنوان " الرجال الشرفاء " يقول المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية وليم كولبي: " إن السادات فتح نفسه وبلاده للوكالة وللمصالح المشتركة ولكنه كان مثل طريق ذي اتجاهين.. خطره مزدوج ". وقد تزايد الشك في السادات مع ازدياد التعامل معه.. وفي شهور حكمه الأخيرة استنتج محللو المعلومات والشخصيات في الوكالة أنه " مخادع ".. فهو في رأيهم يجعل كل طرف يظن أنه يملكه ويسيطر عليه.. وهذا غير صحيح.. لأنه في النهاية مثل الزئبق لا يمكن الإمساك به.. ثم إنه من النوع الذي يشتري بسرعة ويبيع بسرعة وفي الحالين لا يسأل عن الثمن.. فالمهم عنده ليس المكسب أو الخسارة وإنما أن يظل يلعب. في وقت واحد كانت الولايات المتحدة تعتقد انه تملكه وهذا ما اعتقده الجيش المصري أيضا.. كذلك فكرت الدول العربية قبل كامب ديفيد.. وكذلك تصورت إسرائيل بعد كامب ديفيد.. " كانت هذه طريقة السادات للإمساك بجميع الأوراق.. إلا أن ذلك ضاعف من عزلته علي جميع المستويات.. حتي جاء يوم الحساب.. حيث قتل وسط جو من الرضا الظاهر وفشل حراسه في حمايته. وفي الوقت نفسه أصبح السادات عبئا علي مشروع السلام العربي الإسرائيلي رغم أنه كان نفذ خطواته الأولي.. لكن.. الدول العربية خاصة المعتدلة منها ــ طالبت برحيله كي تقبل بركوب قطار التسوية. كان الأمريكيون قد سعوا للضغط علي السعودية كي تعيد علاقتها ــ المقطوعة بسبب كامب ديفيد بمصر تمهيدا لمستقبل أهدأ مع إسرائيل ولو بعد حين.. وكان بطل هذه الضغوط سفير واشنطن السابق في القاهرة هيرمان أيلتس وزميله في الخارجية روبرت شتراوس.. وحسب وثائق طهران، فإن واشنطن طلبت وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين مصر والسعودية وعدم سحب ودائع السعوديين من البنوك المصرية وترك القطاع الخاص السعودي يستثمر أمواله في مصر.. وفي تلك الفترة التقي روبرت شتراوس بولي العهد السعودي وقتها فهد بن عبد العزيز الذي قال في ذلك اللقاء: " إننا مستعدون لقبول مطالب أمريكا بشرط إقصاء السادات عن حكم مصر وبيجن عن حكم إسرائيل".. وأمام دهشة الدبلوماسي الأمريكي راح الأمير فهد يشرح له طبيعة العرب الانفعالية التي تجعلهم يقبلون سياسة ما من شخص ما ولا يقبلونها من شخص آخر.. والمقصود أن إزاحة السادات ستزيل الثأر الشخصي بينه وبين القادة العرب.. وأنه سيذهب حاملا معه كل الأوزار.. وهو ما سيجعل من السهل عليهم الوقوف في طابور التسوية. ولكن.. شتراوس قال: " إن إقصاء بيجن عن حكم إسرائيل ممكن.. التركيبة الديمقراطية تتيح ذلك بسهولة.. أما إقصاء السادات عن حكم مصر فأمر غير ممكن لأكثر من سبب.. إن السادات بوصفه رئيس أكبر دولة عربية أصبح عضوا فعال في المجتمعين الدولي والأمريكي ويساعد الولايات المتحدة في سياسة الانفراج الدولي.. ثم انه ل يزال يتمتع بشعبية لا بأس بها في مصر.. إنه اقوي الضعفاء في العالم العربي ". لكن.. السعودية أصرت علي موقفها.. فكان عقابها بتدبير عملية السيطرة علي الحرم التي نفذها جهيمان العتيبي وفي الوقت نفسه بد التفكير في التخلص من السادات كي يتيح اختفاؤه الفرصة لتصفية الخلافات بين مصر والعرب تمهيدا لقبولهم الصلح مع إسرائيل بدرجة أو بأخري وهو ما حدث فيما بعد فعلا. وفي الزيارة الأخيرة لواشنطن تعامل ريجان مع السادات بغطرسة لم يعتدها بعد التدليل الذي تمتع به في عهد كارتر.. بل إن هناك من يري أن ريجان طلب منه التقاعد والبقاء في مزرعة يشتريها بسعر مناسب في فلوريدا.. لكن السادات رفض.. فبدأ تشويه صورته في المجتمع الأمريكي.. وضرب شعبيته في مصر.. ورفع يد مساعدته في تجاوز الديون الخارجية والعجز المالي المزمن. وحدث أن استفزه صحفي أمريكي بعد أن اعتقل 1500 شخصية مختلفة فيما يعرف بهوجة 5 سبتمبر حين سأله: " هل أخذت رأي ريجان فيما فعلت؟ " فكظم السادات غيظه وابتلع الإهانة واكتفي بالقول: "لو لم تكن في مصر ديمقراطية لاعتقلتك". لقد جري تفريغ السادات من قوته خلال أشهر معدودات.. ثبت خلالها للسياسة الأمريكية أنه لم يعد يملك ما يقدمه إليها.. بل أصبح عقبة في سبيل استمرار مخططات التسوية السلمية التي حان الوقت لانضمام دول عربية أخري إليها.. وكان من الصعب أن يحدث ذلك ومصر معزولة عن العرب.. بعبارة أخري، فإن التسوية السلمية تريد باقي العرب بجانب مصر.. ولكن.. ذلك كان مستحيلا في ظل وجود السادات.. إذن فليذهب السادات إلي الجحيم.. وليعد العرب إلي مصر.. ولتقدهم مصر إلي التسوية. وربما نتذكر أن حسني مبارك كان يزور واشنطن قبل اغتيال السادات بعشرة أيام واستقبله بترحاب ظهر علي الشاشات ريجان.. ليعود إلي القاهرة يوم 4 أكتوبر.. قبل يومين من عملية الاغتيال.. فهل كان يعلم أن السادات سيقتل.. أم اكتفوا بإبلاغه بأنه سيكون خليفته في وقت قريب دون تحديد؟.. والمعني أنه كان يعرف بمؤامرة قتل السادات وإن كان لا يعرف كيف ستنفذ.. وهو ما يفسر تساهله هو وأبوغزالة مع جميع القادة المسئولين عن العرض بكل ما ارتكبوه من مخالفات جسيمة أدت إلي تصفية قائدهم الأعلي. وحسب التقارير الخاصة التي جمعت عن مبارك، فإنه شخص لا يتردد في أن يتخلص من منافسيه بطريقة تحتية ولو استدعي الأمر التعامل مع الأجهزة الأمنية بما في ذلك المجموعة (75) مخابرات حربية التي كان يقدم إليها تقارير عن زملائه.. كانت سببا في طردهم من الخدمة.. ومنهم من كان يصفه بأنه إخوان مسلمون في حين أنه كان لا يفيق من احتساء الخمر. ونجح مبارك في تنفيذ السياسة الأمريكية الجديدة وشد العرب ناحية التسوية السلمية.. ومنح إسرائيل ما جعلها تصفه بأنه كنز استراتيجي لها.. فقد تجاوز فيما منح ما بد السادات به في كامب ديفيد.

اجمالي القراءات 10500
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق