نعيم الجنة

الأربعاء ١٤ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
إن حديث القرآن عن نعيم الجنة لا يتقبله عقلي ،أنا أفهم أنه كلام توجه به القرآن لمجتمع الصحراء الفقير الذي يعتبر متع الحياة مركزة في أنواع الطعام التي لا تساوي عندنا شيئاً نحن أبناء الحضر. ولعلك تتفق معي في أن القرآن تكلم عن أنواع الطعام في الجنة فذكر منها الماء والعسل واللبن والخمر، وكلها مما يشتهيه العربي البدوي وذكر الزنجبيل وهو إن كان عالي الشأن عند البدو إلا أنه طعام منفر عندنا ، والقرآن يذكر أن الحور العين مقصورات في الخيام، وتلك صورة بدوية لا نرضاها نحن سكان الحضر والقصور ، إذن هو حديث لا يتقبله إلا عقل البدو ، ولا يدخل عقلي ، ومفروض ألا يدخل عقلك أنت أيضاً ..
آحمد صبحي منصور :

إن نعيم الجنة على حقيقته لا يمكن أن يدخل عقلي أو عقلك، لأن تصورات عقولنا تنتمي إلى هذا العالم المادي فلا يمكن أن نتصور نوعا من العسل غير الذي تعرفه ، ولا يمكن أن نتخيل نوعا من اللحوم غير التي نأكلها، ومن الطبيعي أن النعيم الأرضي هو الذي يشكل كل معارفنا عن أنواع المتع .أما خارج هذا العالم المادي من أنواع النعيم فذلك شيء يستحيل علينا أن نتخيله أو نتصوره، ولذلك فالقرآن يقول عن الجنة في آية محكمة:( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ) 32/17 .
وإذن فلا يمكن لأي نفس بشرية أن تعلم حقيقة متع الجنة ، لذا يستعمل القرآن الكريم صيغة التشبيه لتقريب المعنى فى وصف بعض متع الجنة ، ومنها قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) 47/15 ) فهي تتحدث عن أنواع من النعيم لا ندركها في عالمنا المادي فالماء الذي نعرفه لا يلبث أن يأسن أو يصبح آسناً راكداً تعافه النفس أما ماء الجنة فغير ذلك ، واللبن الذي تعرفه لابد أن يتغير طعمه بالبكتريا وقد يفسد وتسوء رائحته وطعمه ، واللبن المذكور في الآية غير ذلك ، والخمر في هذه الدنيا كريهة الطعم والرائحة أما في الجنة فهي لذة للشاربين ، والعسل في هذه الحياة ملئ بالشوائب ، أما في الجنة فهو عسل مصفى ، إذن هى مفردات من النعيم لا توجد في عصرنا، وإذا قرأت الآية في بدايتها وجدت القرآن يقول"مثل الجنة" أى أنه يعطي مثلاً أو يعطي صورة مجازية بهدف أن يقرب إلى أذهاننا صورة تمثيلية للنعيم الذي لا نستطيع تخيله ولا يمكن أن نراه في عالمنا الدنيوي .. يعطينا مثلاً من واقع حياتنا ..
إن الله تعالى يخاطبنا بما ندرك وبما نستطيع فهمه ، واللغة التي نتكلم بها تعجز عن وصف نعيم لم نره بعد، والقرآن نزل لكي يكون كتاباً مفهوماً قريباً من متناول العقول والادراكات، لذا كان السبيل الأمثل في وصف ما لا نعلمه من نعيم الجنة هو ضرب الأمثال، والهدف من ذلك التشويق للجنة والدعوة إلى الإيمان وعمل الصالحات حتى يفوز بنعيمها من يعمل لها ..
ولقد نزل القرآن معجزاً للعرب في الفصاحة والبيان، والعرب امتازوا بدقة الوصف والتصوير اللغوي ، ولكن المشكلة فى التعبير الإنساني أساساً، وتكمن هذه المشكلة في كثرة المعاني وقلة الألفاظ ، لذا ترتدي الكثير من المعاني ثوباً لفظياً واحداً.. لأن المعاني تنتمي إلى النفس وإحساستها ، أما الألفاظ فتنتمي إلى النطق المادي والعالم المادي ، وعلى سبيل المثال فأنت بالتأكيد تعرف الفرق بين طعم اللحم وطعم السمك وتعرف الفارق بيم طعم لحم الطيور ولحم الضأن وتعرف الفرق بين طعم الكوسة والبطاطس ، وبين طعم اللوبيا والفاصوليا ، كل ما نتناوله من طعام له عندنا إحساس ومذاق ونكهة خاصة بدليل أننا نفرق بين الأنواع المختلفة للطعام الواحد ، ومع ذلك فإن لغتنا الإنسانية قاصرة عن التعبير عن تلك الاحساسات المختلفة، كل ما لدينا من وصف هى مجرد عموميات نقول مثلا حلو طازج حامي لذيذ مر حادق عادب، مملح..ولكن لا تستطيع لغتنا الإنسانية وصف الفرق بين نوعين من اللحوم في ذبيحة واحدة ولا تستطيع لغة وصف اللذة الجنسية مثلاً لأن المعاني والاحساسات متنوعة أما الألفاظ التي ترتديها تلك المعاني فهي قليلة ، لذلك فاللفظ الواحد يرتديه أكثر من معنى.. فإذا كنا في هذا العالم المادي نعجز عن وصف إحساسنا بالطعام الذي نأكله ونعرفه فنحن بالتالي نكون أكثر عجزاً عن وصف متاع الجنة الذي لم نره بعد.. ولذلك استعمل القرآن الكريم صورة تقريبية ..



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 29083
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   اشرف ابوالشوش     في   الأربعاء ١٤ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[3943]

امثلة على عجز الادراك العقلي لموجودات في كوننا الحالي

الالوان التي نراها وتستطيع العين ادراكها هي عبارة عن الالوان السبعة الرئيسية في منشور الطيف بالاضافة الي درجاتها وتداخلاتها وردجات تداخلاتها وعليه فملاين الالوان التي نراها هي في الحقيقة محصورة في تردد طيفي معين .
لكن ماهو اعلى ترددا من ذلك او اقل تعجز اعين البشر عن رؤيته بالرغم انه موجود ايضا وان له لون ولكنه لون لانعرف اسمه او كنه او وصفه لاننا ببساطة عاجزين عن ادراكه,بالرغم من ان بعض الحشرات تستطيع ان تراه (بعض الحشرات ترى محطات التلفزة والراديو ومقويات البث للهواتف النقالة ليلا بوضوح شديد لانها بالنسبة لها مضيئة وبشدة.
مثال اخر : الانسان الذي يولد اعمى من داخل بطن امه ولم يجعل الله له اية حاسة للضوء من قبل لن يستطيع ابدا ان يعرف ماهية اللون الابيض او الاسود او اي لون اخر بالرغم من عقله مهيئ لهذا الا ان فقدانه لاحساس اولي يقيس عليه جعل الامر بالنسبة اليه غيب مطلق ,وكذلك المصابون بالصمم منذ وجودهم في الرحم لايستطيعون تخيل الاصوات ابدا ابدا ,ةالشاهد ان الذي عمي بعد ابصار ولو ليوم واحد يستطيع ان يحلم مثلنا تمام بالصوت والصورة لان عقله عرف من قبل معنى الصورة والالوان لكن الاكمه الذي لم يرى ابدا في حياته لايحلم الا احلاما صوتية.
وكذلك الحال بالنسبة للاخوة الصم فهم يحلمون بالصورة فقط ان ولدوا صما وبالصورة والصوت ان اصيبوا بالصمم على كبر.
وهذا اكبر دليل على عجز العقل البشري وخياله فالخيال في الواقع هو محصلة مانعلم ونمزج من احاسيس ليس الا.

2   تعليق بواسطة   ايمان خلف     في   الأربعاء ١٤ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[3960]

جنة تخاطب عقولنا البسيطة

السلام عليكم
ما فهمته من كلام حضرتك أن ما رود عن الجنة هو تقريب للعقل البشرى وما يعرفه من أشياء ملموسة ومحسوسة لنا لأنه لو تكلم عن عن ذهب أو فضة أو لحوم طير لا نعرفها ولا نعرف طعمها ما صدقناه وقلنا أن درب من الخيال ، وكان ولابد أن يينزل القرآن الكريم بهذه المرادفات البسيطة كالبن والعسل والخمر والدجاج لأنهم فى هذا العصر لم يكن قد تعرفوا مثلا على البيتزا والديك الرومى والمحاشى والشيفات الخمس نجوم وأستحداث الأكلات كل يوم ، ولكن خاطبهم على حد علم عقولهم
ثانيا من منا يكره لحم الدجاج من منا يكرة لبس الحرير والذهب والنساء ولبس الأساور والخدم والحشم
لم يكن وقتها يوجد المولات والعمارات الفيلات والمنتجعات وألا كان خاطبهم بها فلكل عصر لغه هو وحدة القادر على فهمها
لو أحضرنا أبو سفيان أو أبو جهل وقلنا له الجنه فيها بيبسى صاروخ ولزانيا وبيتزا بالمشروم هل كان يصدق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أشكرك سيدى على أجتهادك الرائع وتفنيدك للمعانى بشكل يقبله العقل البشرى أمثالنا

3   تعليق بواسطة   سعد سعد     في   الإثنين ١٩ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[4167]

السنه وتقديس النخيل

لقد ملئت كتب التراث السنى بأحاديث مفتراه على النبى محمد عليه الصلاة والسلام,تقدس شجر النخيل وهى كثيره.
ففى سنن الترمذى صفحه 3464 عن جابربن عبدالله الانصارى من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخله فى الجنه.
ومنها من بكت على خطبة النبى عليه السلام فى يوم الجمعة,فقال عنها عليه السلام(تبكى على ما كانت تسمع من الذكر عندها).وذلك فى صحيح البخارى صفحه 3584 . فلا نستغرب بأن أغلب المسلمين يلهث وراء زراعته والعناية به أكثر من العناية بعقله والله المستعان.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4984
اجمالي القراءات : 53,462,416
تعليقات له : 5,329
تعليقات عليه : 14,630
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


النقاب والحج : أنا فتاة سعودي ة كغيري من الفتي ات اجبرت على...

القرآن والمسلمون: الصدي ق القرآ ني اتمن ى عليك ان توافي ني ...

زوجى يكره أهلى : زوجى يعتقد أنه من حقوقه الزوج ية منعى من...

ذو النون المصرى: منذ شهور و أنا تائه بين المصا در التار يخية و...

ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول جاء فى سفر التكو ين فى العهد...

النيل والاستبداد: أصابن ى الصدا ع من كثرة المقا رنة بين...

العهد الشيطانى : كنت قد عاهدت الله ان لا اجامع زوجتي مرة اخرى...

صيغة التشهد: هل كانت صيغة التشه د (شهد الله انه لا اله الا...

استثمار مال مسروق: هل يجوز لمن سرق مالا أن يستثم ره ؟ وماذا لو تاب...

التخصيب الصناعى : أنا فتاة أبلغ من العمر 38 عاما بدون زواج ، و أحس...

DNA والنسب : أعرف شخصا يأكله الشك فى سلوك زوجته ، ويعيش فى...

سؤالان : السؤا ل الأول : قرأت فى كتاب ( الأمث ال ...

شهداء على الناس: لمادا تقولو ن اننا لسنا من واجبن ا نشر دين...

الذهاب للمصايف : هل حرام الذها ب للمصا يف وما فيها من نساء...

الشركة بالتراضى: الشرك اء تراضو ا شفهيا ً بشهاد ة الشهو د ...

more