الفتنة في القرآن الكريم 2:
الفتنة في القرآن الكريم 2

خالد اللهيب Ýí 2012-06-23


 

                                القسم الثاني

في القسم الأول تحدثت عن معاني الفتنة و فتنة الله عز و جل وفي هذا القسم أتحدث عن أهداف الفتنة  و مراميها و عن فتنة الشيطان والكفار ورجال الدين و في القسم الثالث بإذن الله أتحدث عن صفات الفتنة و عقابها في الدنيا والآخرة .

المزيد مثل هذا المقال :

                                أهداف الفتنة       

 1 - من أهداف الفتنة التميز : الله سبحانه و تعالى لا يريد لنا الكفر بل يريد لنا الإيمان و الحق و لكن عن بيّنة و قوة و اصرار و تميز ، يرد في القرأن الكريم الكثير من الفتن و قد تعرض لها الأنبياء و الرسل عليهم السلام ، و في سيرة الرسول محمد عليه السلام كيف ألمت به و بالمسلمين  المحن و الفتن من قتل و تهجير و مقاطعة اقتصادية و اجتماعية و هزيمة في معركة أحد و الهدف منها الإختبار و تقوية إيمان المؤمن و جعله أكثر صلابة و قوة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) البقرة .

و ليميز المؤمن عن المنافق ، أي هي عملية غربلة و تقوية للمسلمين ، المؤمن ينجح في الاختبار و المنافق ينهار و يفشل ، فينكشف أمام الله سبحانه و تعالى و أمام نفسه و أمام المسلمين ، ألم تكن الهجرة إختبارا (مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ...) 179 آل عمران ، لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ أي ليدع المؤمنين دون تميز و إختبار.

 2 - من أهداف الفتنة الإنصياع التام  : الله سبحانه و تعالى يفتن المؤمن ، لكي يجعله منصاعا للمنهج الحق ، حتى يصل الى الإنصياع التام ، و حتى يغدو هوى نفسه متوافقا و متطابقا لمنهج الله سبحانه و تعالى فلا يجد في نفسه حرجا من اتباع الحق و دين الله عز و جل (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) النساء ، إذا هو تسليم تام لمنهج الله عز و جل وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا.

إلا أن النفس البشرية ميّاله لهواها حتى مع الرسل عليهم السلام ، ألم تكن نفس رسولنا محمد عليه السلام ، ميّالة لقبلة الكعبة أكثر من قبلة بيت المقدس و يقلب وجهه في السماء منتظرا أملا يصبو إليه تبعا لهواه و ميل قلبه ، (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) البقرة .

و كأنه عليه السلام لم يكن راضيا عن توجهه في صلاته الى بيت المقدس و لكنه الإنصياع التام لأمر الله عز و جل و هذا الإنصياع التام رايناه مع النبي إبراهيم و ولده اسماعيل عليهما السلام حين أتل إبنه للجبين .

فالمؤمن ينصاع لامر لله سبحانه و تعالى و إن فكر و تدبر فما إن يصل الى قرار حتى يلتزم به و بشريعة الله سبحانه و تعالى و ينصاع إنصياعا تاما للحق .

بينما الكافر في أغلب الأحوال لا يفكر بل يكون هو ذاته تابعا لهواه و ميوله طاردا الحق و العدل و المنطق و مسخرا تفكيره و جهده ليبرر موقفه و مسلكه خارج إيطارالفكر و العقل السليم  ، يضع النتائج قبل إجراء عملية التفكير ، يسيطر هواه و تعصبه و ميوله و مصلحته على تفكيره ، فلا يعرف التفكير المجرد .

و يوثّق الله سبحانه و تعالى لنا مسلكنا في حياتنا الدنيا بالصوت و الصورة و يرينا ذلك يوم الحساب (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) 49 الكهف ، و تشهد عليهم جوارحهم (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) 24 النور ، فالخير كله أن ننصاع و نتبع كتاب الله سبحانه و تعالى .

--- الشيطان :

الشيطان الرجيم أحد أعمدة الكفر والعمود الفقري لفتنة الإنسان ، و قد ينسى الإنسان أن إبليس و حزبه عليهم لعنة الله هو عدوه الأول ، والشيطان يسعى جاهدا الى تحقيق هدفه الأول و الأساسي و هو إضلال الإنسان و خداعه ، (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ  ) 27 الأعراف .

قصة الإنسان و إبليس و الحياة الدنيا و الأخرة ، كلها تتلخص في كلمة واحدة و هي الإختبار ، نحن هنا في الحياة الدنيا في قاعة إختبار لفترة زمنية محددة ، الناجحون لهم الجنة و الراسبون لهم النار .

على بني آدم أن ينسوا الجنة الهدية التي أعطيت لأبينا آدم دون مقابل ، فلا جنة بلا إختبار و نجاح ، حتى آدم و حواء عليهما السلام مروا بإختبار، حيث نهيا عن الأكل من الشجرة و لأن ابليس عدو لهما ، بدأ يعمل عمله في فتنتهما و إغوائهما فالذين في قلوبهم مرض أي الكفار و تابعو الشيطان هم الظالمون و مصيرهم النار و هم منشقون عن دين الله و لهم طريق الشيطان ، فما يلق الشيطان في نفوسهم ما هوإلا فتنة أي تحويلا لهم عن منهج الحق و الصراط المستقيم ، (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج

 

--- الكفار : الكفر هو تغطية و إخفاء للحقيقة  و هي ان الله سبحانه و تعالى هو ربنا و رب كل شيئ  (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف ، و يوم القيامة لن يفيده قوله أنه كان غافلا عن الحق و دين الحق ، لأن بذرة التوحيد موجودة في فطرته و قرارة نفسه ، و شهادته على نفسه من قبل .

ما يهمنا ، أن الله سبحانه و تعالى قد أشهدنا على أنفسنا ، متى ذلك و كيف ذلك ، ليس ذات شأن و ليس لها أهمية كبيرة ، قد صدقنا ربنا و إنا له قانتون ، هذا إعتقاد المؤمن بينما الكافريعتمد في إيمانه على ما وجد عليه آبائه  ، و يعتقد أنه الحق ، بينما هو تغيب للحق و العقل و المنطق و لا يقوده تفكيره إلا الى الباطل و طريق الظلال .

من معاني فتنة الكفار :

1 --- تحويل و تغير وجهة المسلم الى جهة تخالف وجهة الله الحقة ، لننظر الى الكفار من قوم موسى عليه السلام ، حينما جادلوه ، حيث  قالوا(أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا) أي  لتحولنا في ديننا (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) 78 يونس ، فهم يتبعون ما توارثوه عن أجدادهم ، و المشكله عندهم من تكون له الكبرياء في الأرض (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ) و ردة فعلهم حيال ذلك سلبية عدوانية رافضة الحق و لو أدركوه و عقلوه (وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) فقد وضعوا النتيجة سلفا و مسبقا .

السؤال : ألا تسلك المذاهب الإسلامية على إختلافها هذا المنهج في التفكير و تسير على نفس الطريق ، يحث تغيب العقل و تتبع السلف دون تفكير ؟ على منوال المثل اللبناني القائل : (عنزي و لو طارت ) .

والكفارأيام بعثة الرسول محمد عليه السلام ، حاولوا جهدهم أن يفتنوا سيدنا محمد عليه السلام ، أي يحولوه عن دينه الحق و المنهج الحق الرباني بأن يحكم بين الكفار بما تهوى أنفسهم أو بما تعارفوا عليه من الضلال  ، حذره الله سبحانه و تعالى من ذلك الأمر(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ .) 49  المائدة .

حاولوا جاهدين أن يجعلوه يفتري على الله سبحانه ، غير الذي قيل له ، ساعتئذ يتخذونه حبيبا وصديقا و قريبا و يرضوا عنه ، (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً  ) 73 الإسراء ، و كادوا أن ينجحوا في ذلك لولا أن ثبته الله سبحانه و تعالى ، ( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)الإسراء ، فقد كاد سيدنا محمد عليه السلام أن يركن إلى الكفار و لو شيئا قليلا ، و جاءه الأمر الإلهي الواضح و الحازم و الصريح  (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) لا تطع من كان قلبه غافلا ، لاهيا و إتبع ميوله و السلف الصالح دون إتباع لآيات القرآن الكريم و أحكام شريعة الله سبحانه و تعالى (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) مسيرته و عقيدته فارطة غير مجموعة ولا متكاتفه ولا تسير على الطريق السوي ، غير منتظمة أو سوية ،  و إصبر نفسك مع المؤمنين الذين يدعون الله بكرة و عشيا ، همهم رضى الله عز وجل و لا تغفل عنهم ، بل إجعلهم نصب عينيك و إهتمامك ، لعلك تريد زينة الحياة الدنيا ، و هذا عتاب و لفتة ربانية للنبي محمد عليه السلام  (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) 28 الكهف

أمر الله القادر فوق عباده المسلمين ، أن يقاتلوا الكفار ، ليس عدوانا و لا لإنهم كفار و لا ليحملونهم على الإيمان بالقوة ، بل لأن الكفار دئبوا على العدوان و الظلم و جاهدوا في فتنة المسلمين أي  لحمل المسلمين على ترك دينهم الجديد (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) 193 البقرة ، أي سمح الله العزيز الحكيم ، للمسلمين بالقتال حتى لا يجبر الكفار المسلمين على ترك دينهم ، و الإذن بالقتال مشروطا بقتال الذين يقاتلون و يهاجمون المسلمين فقط أي أذن لهم بصد العدوان بالمدافعة عن أنفسهم و عرضهم و مالهم ، إذا هو قتال دفاعي و ليس عدوان على مسالم أو غير المسلم ، و حذرنا رب العالمين من الإعتداء على الغير ، حتى لو كان كافرا ، (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) 190 البقرة  ، والنلاحظ : الإذن بالقتال لم يأت من النبي محمد عليه السلام بل من الله العزيز الجبار (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) ) الحج  .

(إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) لم تأت هكذا إعتباطا أو لصياغة لغوية إستوجبها السياق ، بل لأن من الكفار حول المدينة من الأعراب و القبائل و من كان بالقرب من الرسول عليه السلام و من عقدوا عقودا بعدم الإعتداء بينهم و بين الرسول محمد عليه السلام ، إلا إنهم خانوا هذه العقود و نقضوها ، حيث كانوا يعتدون على المسلمين  ما أمكنهم ذلك ، كما جاهدوا على فتنة المسلمين و تحويلهم عن دين الله تعالى  و يعملون لذلك جهدهم حيث كانت ما تزال حمية الجاهلية مستوطنة بالنفوس ، و إذما نجحوا تكون فتنة كاملة و تحولا كاملا عن دين الله سبحانه و تعالى و هنا يستوجب القتال و الدفاع عن العقيدة ، فإن توقف عملهم هذا ، فلا حرب عليهم و لا عدوان إلا على القوم الظالمين ، ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ  ) 193 البقرة .

و من الكفار من كان يرتدي رداء الإيمان و الإسلام و هم المنافقون ، كانوا ما إن يصلوا مع الرسول الى أرض المعركة و الرباط  حتى يناد مناديهم : ( لا مقام لكم ها هنا ) ، و معلوم قد ينتظر الجيش عادة فترة قد تطول و تقصر قبل نشوب المعركة و ذلك من تحضيرات و مستلزمات أي معركة من حيث العدة بما يعرف اليوم بالتحضيرات اللوجستية من جند وأكل و شرب و عتاد و ذخيرة و طبابة و غيرها كثير، كما أن القيادة تأخذ الوقت الكافي للتأكد من صلاحية مكان المعركة لها ثم على القيادة أن تختارالوقت المناسب لنشوب المعركة كل هذه العوامل تأخذ وقتا تحتاجه أي قيادة رشيدة ، إلا أن المنافقين المرافقون للنبي محمد عليه السلام ما يكادوا أن يحطوا الرحال ، إلا و تخرج طائفة منهم وهم قادة المنافقين و زعمائهم ينادون : (لا مقامة لكم ها هنا اليوم ، إرجعوا الى يثرب ) أما عامة الناس من المنافقين و ضعاف الإيمان و الجهال منهم ، ما إن يسمعوا بهذا الأمر يتداول بين الناس حتى يأتوا الرسول معتذرين و طالبين السماح بالمغادرة  و لكي يحفضوا ماء وجوههم أمام الرسول ، كانوا يتذرعون بأن بيوتهم عورة بحاجة إليهم و تحتاج من يرعاها و يدير شؤونها ، و جاء الرد الإلهي ما هي بعورة ، بل ما يريدوا إلا الفرار من أرض المعركة و خذلان الرسول و تضعيف موقفه و يذكرهم رب العالمين أنهم قد عاهدوا الله من قبل ، أن لا يفروا من أي معركة تواجههم و يذكرهم بأن عهد الله هم مسؤولون عنه ، فلا يجوز نقضه ، خصوصا في أرض المعركة و في الوقت الحرج هذا ، (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا)15 الأحزاب .

بعض الجماعات من القبائل ، كانوا على حياد من دعوة النبي عليه السلام ، لم يكونوا حربا علىالإسلام كما أنهم لم يكونوا عونا لقبائلهم ، و هذا لم يكن ليرض الفئآت المتشددة من قبائلهم ، مما يدفعهم الى توريط الفئة التي إتخذت الحياد و جرها وإدخالها في حالة الحرب و العداء للمسلمين (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا  ) 91 النساء ، أُرْكِسُوا أي إنغمسوا فيها و إرتدوا اليها.

عن المنافقين يقول رب العالمين ، إذا ما خرجوا معكم ، ما زادوكم إلا إعاقة  و تخبطا و يثبطوا من عزيمتكم في القتال و هدفهم فتنتكم و تحويلكم عن هدفكم الأساسي و من بين الناس من لديه الإستعداد للسماع الى هذه الأصوات المثبطة للعزيمة و الهمة ، إلا أن الله عليم بهؤلاء الظالمين (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) 47 التوبة .

2---  من معاني فتنة الكفارالغدر :  اذا خفتم أن يعتدي عليكم العدو و يأخذكم على حين غرة و يغدر بكم وأنتم في صلاتكم ، يمكنكم القصر في الصلاة (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ) 101 النساء ، إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ أي يغدر بكم  .

--- رجال الدين الأرضي :

يتوعد الله سبحانه و تعالى الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات من كافة الناس و لم يتوبوا بعذاب جهنم و عذاب الحريق ، (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)10 البروج ، إلا أن التحذير أعظم لرجال الدين بإعتبارهم أصحاب علم و معرفة و أقدر على التأثير من غيرهم في عامة الناس و العلم و البحث من إختصاصهم ، و كلمتهم مسموعة ، كما أن الناس يثقون بهم ثقة كبيرة ، حيث أن عامة الناس ليس لديهم الخلفية العلمية الدينية وعلى العكس من ذلك لديهم الكثير من الجهل بدين الله عز و جل  كما أن انتشار الأمية و الفقر و اللهث الدائم حول لقمة العيش ، كلها أسباب و غيروها كثير ،  كبير الأثر في الناس مما يجعلهم مضطرين الى الانقياد خلف رجل الدين ، و رجل الدين يسعى الى كسب أراء الناس و إستمالتهم  الى منهجه  و ومذهبه ظنا منه أنه على الحق الواضح و رغبة منه في ابعادهم عن النار ، و كل فرقة من المذاهب الإسلامية تعتقد أنها على الحق المبين  و أنها الفرقة الناجية وفقا للحديث الكاذب ( ستقسم أمتي الى بضع و سبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ) فهم فرق سياسية وصلت إلينا من ضباب التاريخ و كانت و ما زالت  تسعى الى الحكم  ، لبست رداء الدين و إتخذته مطية وصولا الى السلطة و الجاة و المال تبعا لهواهم و ميولهم .

منذ اليوم الأول لموت الرسول محمد عليه السلام ، بل قبل دفن جثمانه الطاهرعليه أفضل الرحمة من الله الرحمن الرحيم ، ظهرت النزعة الإنسانية لدى الصحابة تنازعا على الحكم و السلطان ، إلا أن الله العزيزالحكيم ، هدأ النفوس و إستتب الحكم و الدولة  و لكن هذه النزعة عادت و بقوة أثر مقتل عثمان يرحمة الله الغفور الرحيم ، منذ ذلك الوقت إستعان كافة الفرقاء بدين الله العزيز الحكيم دعما لموقفهم و أحقيتهم بالحكم ، بهذا غيروا دين الله العزيز الحكيم و ألبسوه ثوب الحكم و السياسة إذ أصبح الإهتمام الأول الحكم و شؤونه لا الله سبحانه و دينه ، بعد أن كان الدين عبارة عن علاقة الفرد بخالقة أصبح عبارة عن موقف سياسي ينحاز إليه الفرد إما الى هذا أو ذاك ، و الكل يدعي أنه يمثل دين الله العزيز الحكيم و الله منهم براء .   

بعملهم هذا يفتنون الناس و يحولون مسيرتهم و نظرهم عن شريعة الله عز و جل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) 101 آل عمران  ، يحذرنا الله سبحانه من إطاعة الذين أوتوا الكتاب ( و هم كل من أوتي كتابا ، من اليهود و النصارى و المسلمين بينما حينما يرد أهل الكتاب فهي تعني اليهود و النصارى دون المسلمين ) ، (وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)  أل عمران، من الذين أوتوا الكتاب من يسعى الى فتنة المسلم ، أي تحويل اتجاهه  الى الايمان بما هم مؤمنون به و لو كانوا على ضلالة و تعصب أعمى ، بذلك يحولون المسلم من بعد  إيمانه كافرا ، عبر الدس في شريعة الله عز و جل بما لا تحتمل ، و الإيمان بقدرة الأولياء الصالحين الأحياء و الأموات والإيمان بقدرة النبيين بعد موتهم على الإستجابة لدعاء المؤمن و أنهم أصحاب شفاعة و جاه عند الله سبحانه و هم الصلة التي تقرب المؤمن الى الله سبحانه و تعالى ، مقولتهم هذه قالها الكفار من قبل (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر  و إدعائهم بأنهم هم أصحاب الدين دون سواهم من الناس و هم أهل الإختصاص و أولوا العلم و الحل و العقد في شؤون الدين و ما على المؤمن سوى الطاعة و التسليم لهم ، حيث لا يكتمل إيمان المؤمن دون الإيمان بكل ما يقوله إمامه وينصاع له فكرا و عملا ،إفي قلوبهم زيغ و مرض و هوى يتبعونه ،(هُوَالَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ  ) 7 آل عمران  ، يؤمنون بما تشتهي أنفسهم و تبعا لهواهم ،(..أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) 85 البقرة .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ  ) 149 آل عمران ، إلا أن المؤمن الحصيف من يستخدم عقله و يدفن هواه و لا يمشي وراء من ظل السبيل ، وينقذ نفسه و يسعى للآخرة سعيها و لا يلتفت لمن هو كاذب منافق بل ينقذ على الأقل نفسه من النار،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  ) 105  المائدة .

يقول علماؤنا الكرام أن  المؤمن مبتلى من الله العزيز الحكيم  و كلما زاد إيمان المسلم كلما زاد بلاؤه وعلى هذا الأنبياء أكثر الناس بلاءا من الله سبحانه و تعالى .

والبلاء هنا بمعنى المصائب و المحن و هذا يجافية الصواب ، إذ أن الأنبياء لا يتعرضون لفتنة المصائب و المحن بقدر ما يتعرضون لفتنة تثبيت و تأكد و ترسيخ إيمان النبي ، كما المؤمن يتعرض الى فتنة الإختبار و تثبيت الإيمان ، بينما الكافر يتعرض لفتنة العذاب و المصائب ، أما الشيطان فلا يقدم إلا فتنة الإغواء و الكفر ، والكفار يغلب على فتنتهم المسلم بالسعي لتحوله عن منهج الله عز و جل . 

اجمالي القراءات 7584

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-18
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 4,688
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 110
بلد الميلاد : 0000
بلد الاقامة : 0000