الحريّة ، العدالة ، الوحدة و المساواة :
الديمقراطيّة و خطوات الفقيه المتعثّرة

امارير امارير Ýí 2011-12-27


نقطة الضعف ـوالقوّة أيضاً ـ ، في رسالة الدين أنّها دعوة سياسيّة تتوجّه علناً لهدم كل نظامٍ سياسيٍّ آخر، وتعمل بمثابة منشورٍ مقدّسٍ ينادي صراحةً بإسقاط جميع أنواع الحكم التي لا تقوم على مسؤوليّة الإنسان عمّا كسبت يداه )    الصادق النيهوم / إسلام ضد الإسلام ( إقامة العــدل ، أم إقامة الشعــائر )

إن طرح أي مسألةٍ أو إشكاليّةٍ يحتمل أجوبةً متعددّةً بل و متناقضةً أحايين كثيرةً ، تُقرأ على أكثر من جانبٍ ، تحتمل الصواب والخطأ وفق المنظور الذي يُنظر إليها عبره ، صيغة السؤال تحتمل قراءاتٍ متعدّدةً ، يفرضها الوعي المسبق ، الحكم المضّطرد عبر جملة من التعليلات ، خطاب الفقيه ضاع عبر هذه المتاهة من الأسئلة ، فاتّجه نحو إبعاد الدين عن واقع الناس ، عبر رفض كل الحلول التي تطرح أمام الرأي العام ، فمن حلول ( الوحدة ) ، ( الاشتراكيّة ) وصولاً الى حلول ( العَلمانيّة ) و ( الحريّة ) ، كل هذه الحلول كانت مرفوضةً لا لسببٍ محدّدٍ ، فقط لأن الفقيه وضع قراءاتٍ جهنّميّةٍ و رجيمةٍ لهذه الأفكار ، و قام بتجميد الدين داخل تركةِ خطابٍ نصّيٍّ مليءٍ بالتناقضات داخله بالدرجة الأولى .  

الهوة المتّسعة بين المجتمعات الإسلاميّة ( أو المتأسلمة ، المستسلمة بعبارةٍ أصح و أكثر جرأةً ) ، و بين المجتمعات المنتجة للحداثة و المدنيّة ، جعل المسلمين يبحثون عن بوابةٍ ( سحريّةٍ ) ، يدخلون عبرها في اتّجاه الحلول الجاهزة نحو جنّة الحياة الدنيا غير الممكنة ، حتّى لو كانت هذه الحلول ملطّخةً بأفكار سوداويّةٍ ، مليئةٍ بالإشارات المريبة ، و المثيرة للشك ، فكانت السلفيّة التي تبني طريقاً نحو المجهول ، ظلام السلفيّة كان هو أحد تلك الحلول ، هذا الظلام الذي يعكس فقط درجة اليأس ، و حالة الرهاب المفتعلة من الاحتكاك و التفاعل مع الآخر ، فكان المفتاح السحري أمام الشعوب المتهالكة تحت وطأة الدكتاتوريّات هو الوصول الى النتائج ، دون شروطٍ مسبقةٍ ؟ ، كان أن قام الفقهاء بإغلاق الباب على أنفسهم ، معلنين أن كل من هو خارج دائرة الخطاب الفقهي الذي يتبنّونه ، لا يستحق سوى الموت .

فكان مفهوم الديمقراطيّة في الفكر الإسلامي ، مفهوماً مختلقاً عبر قراءةٍ إجتثاتيّة للنص القرآني ، الشورى حالةٌ عامةٌ في حال الأمور السطحيّة و المسائل بسيطة التعقيد ، أمّا في حال لحديث عن المسائل الهامّة و القرارات المصيرية التي تغيّر مسار الأمّة و تحدد مصيرها ، فإن الشعب يُعزل عن منظومة الشورى تحت غطاء ( طاعة ولي الأمر ) ، وهذه قراءةٌ أخرى ، فولي الأمر لم يُذكر في القرآن البتّة ، إلا بصفة الجماعة في خدمة الجماعة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء 59 ، التطوّر الطبيعي لمنظومة الشورى يجب أن يمر عبر الجماعة لا فوقها أو تحتها ، مفردة ( ولي الأمر ) لم ترد في النص القرآني ، بل كان الأمر منوطاً بالجماعة ( أولي الأمر ) تتولاها الجماعة لخدمة الجماعة ، شرع الجماعة ليس طقوساً موقوتةً تمارسها الجماعة كالصلاة ، الصيام أو الحج ، بل هو نظامٌ اجتماعيٌّ مفعمٌ بالحيويّة ، تسنّه الجماعة من الداخل لا من الخارج ، الديمقراطيّة تتحقّق فقط في حالة كون الجماعة تعي وجود دورها و تفعلّه في واقعها الحي ، لكن و علي جانبٍ آخر ، و عبر رؤيا موازية ، نكتشف أن منظومة الشورى أيضاً ليست مساحةً مباحةً للجماعة في المطلق ، بل هي نظامٌ نخبويٌّ يهدف إلى عدم عزل النخبة عن الجماعة ، بجعل الجماعة ككل مجموعةً نخبويّةٍ تقودها الأفكار النيّرة عبر التفاعل مع واقع هذه الجماعة و مكانها و زمانها للنمو بالمجتمع في الاتجاه العمودي لا الأفقي { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران 159 . 

الديمقراطيةليست ( أيديولوجيا ) ، لا يمكن تصوّر تطبيق الديمقراطيّة كمطلقٍ أو كنتيجةٍ منفصلةٍ عن سابقاتها أو بيئتها ، بل هي نظامٌ مرتبطً بوعي المجتمع بالدرجة الأولى ، مجتمعٌ على أعلى مستوى من التنظيم و التطوّر ، ليتم التأسيس لنظامٍ عامٍ  يؤسّس لبنيان مدينةٍ فاضلةٍ ، لكن على طرف النقيض ، و عبر رؤيا مغايرةٍ ، فإن الديمقراطيّة إذا ما استجلبت عنوة الى داخل مجتمعٍ رافضٍ ، و بيئةٍ طاردةٍ غير مهيأةٍ لقبول الاختلاف ، و عرض الأفكار بحريّةٍ و حياديّةٍ أيضاً ، فإن فكرة تطبيقها ستكون كارثةً على أكثر من صعيد ، المسألة هي محاولة الفرار من أيدي الفقهاء من يؤسسون لكهنوت يمجّد ( الدكتاتوريّة ) و يعطي طاعتها صفة قداسةٍ غير ملائمةٍ لها بوصفها ( ولي الأمر ) ، و بين الوقوع في مطب استيراد ما لا يمكن استيراده ، عبر إرغام المجتمع أن يُقحم داخل قالبٍ لا يلائمه بطريقةٍ فوقيّةٍ ( و لنا كمثالٍ لهذه الحالة الأخيرة ، حالة الجزائر تسعينيّات القرن المنصرم ) .  

الديمقراطيّة تنمو في المجتمعات التي يتنازل بنائها الهرمي الى مستوى المساواة الطبقيّة ، بمعنى المجتمعات التي ينهار فيه البناء الهرمي (البلوريتارياالبرجوازيةالأرستقراطية) ، ليأخذ شكل المسطح الذي تستحوذ فيه الطبقة الوسطى ( البرجوازيّة ) على المساحة الأكبر، إذ حيث تكون البرجوازيّة هي الحالة المسيطرة على المجتمع تتراجع حالات التشدّد و التوتّر الأصولي ، و يفقد الفقيه مكانه كموجّه لهذا التيّار نحو تدمير الذات في أغلب الأحيان ( و لنا في مثال الحركات السلفيّة الوهابيّة خير مثالٍ على هذه الحالة)، المد الأصولي السلفي يمتد حيث تجد أيديولوجيا ( فقهاء الدولار ) صوتاً مسموعاً عند طبقات الفاشلين ، اليائسين و البائسين ، هنا تتحول الديمقراطيّة – بل مجرّد عرضها – حالةً من حالات القطيعة بين الدولة و الناس ، و بين الناس والناس أيضاً .  

هنا يأتي دور الفقيه الذي يفتح المجال أمام السلطة الحاكمة ، تحت مسميّاتٍ فقهيّة بعيدةٍ عن روح الدين وهو ( إشاعة العدل بين الناس ) ، بإعطائه صفةً تبيح لها الإنفراد بتقرير مصائر الشعوب ، عبر حالةٍ من حالات الطغيان ، طغيان السلطة على الشعب ، و طغيان طبقات الشعب الكبرى على طبقات ذات الشعب الصغرى ، و بقاء الفقيه يأخذ دور المتفرج أحياناً ، و المخدّر أحايين أخرى ، ليتوقّف دور الدولة عن كونها منظّم ، مُعَقْلِنٍ للنظام المدني ، ليتحوّل الى حالةٍ من حالات العنف المشَرْعَن ، و يتحوّل المواطن الى إنسان يمارس العنف ضدّه فوق الأرض من قبل أجهزة مباحث الدولة ، و تحت الأرض في الخفاء عن طريق صوت الفقيه الذي يسحبه خطواتٍ خارج الحياة نحو التفكير بما بعدها ، عبر هالةٍ من اللا ورائيّات غير القابلة للتصديق ، و للتكذيب أيضاً !! ؟ . 

هنا تتحوّل الدولة الى مجرمٍ ، و يكون المجتمع المدني ( الأهلي ) ضحيّةً ، ضمن إشكاليّة ( الذئب و الحمل ) ، ليتحوّل الصراع الى طبقات الشعب ، و يكون الفقراء ، الأقليّات الثقافيّة ، الدينيّة و اللغويّة ، كما النساء هم الضحيّة الأولى لهذا التحول المسخ ، فيعود المجتمع الى الوراء ، بعد أن يفقد صفة الجماعة أولاً ، و تنمو حالات التديّن الرجعي بين أفراد القطيع ، يسير المجتمع نحو الرجعيّة ، بتأطير مظاهر الحياة العامة و الخاصة داخل إطار فهم تراثٍ دينيّ قديم ، عبر حالة ( نوستالجيا ) الحنين الى الماضي ، هذا الماضي الذي يمتلك قداسةً و صورةً برّاقة ، رسمها الفقيه عبر قراءةٍ غير حقيقيّةٍ لتاريخ السلف الأسود ، ليتحول العنف المسلطة من أجهزة السلطة ومؤسّسات الكهنوت الفقهيّة الى حالةٍ ثالثةٍ من حالات العنف ، وهو (العنف المعنوي أو النفسي ) ، عبر فرض الرقابة الداخليّة من الشعب على نفسه ، كي يقوم بطمس كل محاولات التفكير المستقل ( و لنا في تكفير الصادق النيهوم من قبل المتأسلمين و مثقّفي الكهنوت خير مثالٍ على ذلك ). 

الديمقراطيّة ليست هي طاعة السلطة الحاكمة، و ليست الشغب في مظاهراتٍ يتم حرق إطارات السيّارات فيها ، و يفر المتظاهرون من هراوة رجال الشرطة من هم يطيعون أوامر لا تفيدهم طاعتها ، بمقدار ما يفيدهم الوقوف على الجانب الآخر ، الديمقراطيّة (أو نظام الشورى ، بعيداً عن ظاهر الكلمة و سياقها اللساني) ، نسيجٌ من عقليّات المجتمع الحر ، ظاهرةٌ اجتماعيّة تنتج كنتيجةٍ لا كحالةٍ جاهزةٍ ، المجتمعات المتأسلمة ( أو المستسلمة ) لا تقبل فيها السلطة نتائج الانتخابات فقط لأن المجتمعات فيها لا تقبل الرأي المختلف ، لا لسببٍ آخر ، و هذا هو مربط الفرس.

 

اجمالي القراءات 9046

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   فتحي مرزوق     في   الخميس ٢٩ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[63438]

سؤال بسيط.. للأستاذ / أمارير أمارير..

السيد المحترم .. أمارير امارير .. هذا اول مقال أقراه لك عن الفقيه والسلطان والعلاقة الجدلية لوجودهما متعاونين .. معا .. و الذي أقصده هنا ليس أي فقيه ولكنه ( فقيه السلطان) .. وأول قراءة أقرأها لك عن توصيف الديموقراطية والتفريق بينها وبين الشورى .. السؤال .. قل يمكن ان تزيدنا في تعقيب حول المقال .. عن تعريف كامل حول الديمقراطية.. والفرق بينها وبين الشورى وما هو الفرق بين الديمو قراطية النيابية وبين الديموقراطية المباشرة ..


ثانياًً كما يقولون هل البيضة اولا أم الفرخة اولا .... هل الحكم الشمولي .. هو من صنيعة الحاكم المستبد ام من صنيعة الفقيه المستبد.. وعذرا في قولي الفقيه المستبد .. فهل يصح ان نطلق لفظ الفقيه المستبد على الفقيه الذي يضل الناس بجدارة مستبدا بعقولهم ..؟


وهل السلطان المستبد هو صنيعة نفسه أم صنيعة شعبه؟؟


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-23
مقالات منشورة : 42
اجمالي القراءات : 459,208
تعليقات له : 14
تعليقات عليه : 55
بلد الميلاد : libya
بلد الاقامة : libya