كبرياء بلا ديمقراطية واستبداد بلا كبرياء!

ابراهيم عيسى Ýí 2010-02-08


أداء جمال عبدالناصر في هذه الخطبة ربما يثير الحماس والإعجاب، ولا أملك إلا أن أفرح وأنا أقرأها بعد خمسة وأربعين عاماً من إلقائه لها، وأفخر بأن هناك رئيساً وزعيماً عربياً كان قادراً علي أن يرد علي الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة، وبهذا الكبرياء حين تطالبه بالصلح والتسوية مع إسرائيل، قال عبدالناصر في خطبة عيد النصر عام 1964رداً علي تهديد الرئيس الأمريكي «جونسون» بوقف المعونة الاقتصادية:دي سياستنا.. سياسة مستقلة، وإحنا بنقول إن إحنا أمّا بنت&Uc;عامل مع دول العالم بنتعامل معاها علي أساس إن ما حدش يتدخل في شئوننا، ولكن إذا كانوا الأمريكان بيفهموا إنهم بيدونا شوية معونة علشان ييجوا يتحكموا فينا ويتحكموا في سياستنا، أنا باقول لهم إحنا متأسفين، إحنا مستعدين ننزل الشاي شوية، بنقلل من استهلاكنا في البن، وبنقلل من استهلاكنا في بعض حاجات ونحافظ علي استقلالنا، ليه أنا باقول إحنا بناخد من الأمريكان قمح، لازم نعرف المواضيع بالمفتوح، قمح، ولحمة، وفراخ، ما بناخدش مصانع، والله أبداً يعني ما بيدوناش مصانع، بيدونا بحوالي 50 مليون جنيه في السنة ( تأمّل رقم المعونة أيام عبدالناصر ثم شوف عبدالناصر وهو يقارنها بميزانية مصر وقتها) فيضيف: إحنا ميزانيتنا في السنة 1100 مليون جنيه،(أقل من ثروة أي رجل أعمال في أمانة السياسات بالحزب الوطني هذه الأيام ) بنصرف علي الخطة حوالي 400 مليون جنيه أو 500 مليون جنيه، إذا دعا الأمر إن إحنا نوفر الـ 50 مليون جنيه بنوفرها علي الجزمة، ولا بتهمنا والله العظيم.(ياه حكاية الجزمة دي قديمة قوي، إنها لهجة فيها استخفاف وسخرية وفيها قسوة وترفع علي أمريكا التي تريد كسر إرادة مصر ) ويكمل عبد الناصر: ليه أنا باقول هذا الكلام؟ أنا باقول هذا الكلام النهارده بمناسبة إن إمبارح السفير الأمريكي قابل نائب رئيس الوزارة للتموين وراح عنده مقموص وزعلان وقعد عنده دقيقتين، وكان مفروض حيكلمه علي التموين - المواد التموينية اللي إحنا بنجيبها من أمريكا حسب قانون الحاصلات - وقال له والله أنا ما باقدرش أتكلم أبداً دلوقت في هذا الموضوع.. ليه؟ لأن سلوكنا يعني - إحنا - هنا في مصر مش عاجبهم. أنا باقول له هنا اللي سلوكنا مش عاجبه يشرب.. يشرب منين؟ «وترد الجماهير من البحر» يشرب من البحر وإن ماكفهوش.. وقلت هنا اللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بندي له البحر الأحمر يشربه كمان!

يواصل عبدالناصر :اللي أنا بدي أقوله إن إحنا لا يمكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون جنيه ولاّ 40 مليون ولاّ 50 مليون جنيه، إن إحنا مش مستعدين نقبل من واحد أي كلمة، اللي بيكلمنا أي كلمة بنقطع له لسانه،(بعد الجزمة جاء قطع اللسان!) كده كلام واضح وكلام صريح، إذا كنا النهارده بنشرب شاي 7 أيام نشرب 5 أيام لغاية ما نبني بلدنا، إذا كنا بنشرب قهوة 7 أيام نشرب 4 أيام، إذا كنا بناكل لحمة 4 أيام ناكل لحمة 3 أيام.

اللي أنا بدي أقوله إن طبعاً مناسبة هذا الكلام في الوقت اللي بيقولوا إن إحنا عندنا أزمة تموين وعندنا كذا وعندنا كذا إن دل علي شيء فيدل علي أنها طريقة من طرق الضغط، إحنا متأسفين ما بنقبلش الضغط، وما بنقبلش الكلام السخيف، وما بنقبلش الرذالة أبداً، وإحنا ناس خلقنا ضيق، خلقتنا كده وطبيعتنا كده، إذن المعونة الأمريكية زي ما قال السفير إمبارح إنهم مش مستعدين يتكلموا، بنقول لهم والله متشكرين وكتّر خيركم، لكن إحنا مش مستعدين نقبل كلام ولا نقبل أنزحة، إحنا بنقدر نوفر الـ50 مليون جنيه، وبنقدر يكون عندنا كفاية ذاتية، والشعب المصري يستطيع أن يصبر ويكافح.

انتهت الخطبة وطبعاً تملأك عزة خصوصاً عندما تقارن الأداء الناصري بالأداء المباركي مع السياسة الأمريكية، حيث حكومة مصر طيِّعة ومستجيبة وتابعة لأهداف واشنطن كأن سياساتنا صارت فرعاً لوزارة الخارجية الأمريكية في القاهرة، لكن الحقيقة أن منهج عبدالناصر المستقل عن الأمريكان والمناهض لسياسة أمريكا الإسرائيلية في المنطقة لم يقم بحمايته بالديمقراطية، بل أدت ديكتاتورية عبدالناصر إلي هزيمة عسكرية فادحة نخرت منهج الاستقلال وفتحت الطريق بعد عبدالناصر إلي تبعية مصر الصارخة لأمريكا، وتحولت مصر من كبرياء الاستقلال إلي ابتذال الكرامة والسمع والطاعة من أجل الرضا الأمريكي السامي علي الحكم ورجاله، فكما ضيع الاستبداد الاستقلال عن أمريكا جلبت الديكتاتورية وحكم الفرد والرغبة في توريث الحكم التبعية لأمريكا، الحل هو النموذج التركي، ديمقراطية محترمة وعظيمة ودولة ناهضة وقوية وموقف مبدئي مستقل وعلاقة ندية رأساً برأس مع أمريكا!

أما كبرياء بلا ديمقراطية أواستبداد بلا كبرياء فهو الفشل بعينه وبوجهه وبقفاه!

اجمالي القراءات 9563

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   الثلاثاء ٠٩ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[45606]

وأين لنا سياسة تركيا




أما كبرياء بلا ديمقراطية أواستبداد بلا كبرياء فهو الفشل بعينه وبوجهه وبقفاه!


دلنا على على تعويذة سحرية تنقلنا إلى اقتباس سياسة تشبه سياسة تركيا التي انتقلت إلى طبقة الدول المصدرة  أضعاف أضعاف مصر وارتقت علميا لأن الاستثمار في العلم أقوى استثمار فاستحقت أن ترفع رأسها وتتعامل بالندية  ولا يشغلها الآن لو تم ضمها نهائيا إلى الدول الآوربية أو  لا ! أما مصر ما موفعها من التقدم أظن اننا نعرف الإجابة ولا داعي للإحراج !

 


 


2   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   الثلاثاء ٠٩ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[45613]

النموذج التركي ..

ينظر العرب هذه الأيام إلى النموذج التركي الذي نجح ديمقراطيا وإقتصاديا وحفر لنفسه مكان على الخريطة العالمية في ظرف 6سنوات فقط هي عمر هذه الصحوة التركية .. والذي ينظر إلى حكام تركيا تراهم يمتلئون بالحيوية والشباب بحيث يعكسو شباب الدولة وكفاءتها بعكس دولة مثل مصر ، فإنك تحس بمشاكلها جملة وتفصيلا عندما تنظر في وجه مبارك ومن حوله ..


هذا مع أن مبارك أستمر في الحكم 30 عاما بدأها بالصحوة الكبرى وسداد ديون مصر وختمها ببيع مصر قطعة قطعة .. هذا والإعلام يروج له وينسب له أعمال تقترب من الخوارق ..


إن الفارق بين حكم ناجح وآخر غير ناجح هو في الديمقراطية وتبادل السلطة ..


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-09-16
مقالات منشورة : 93
اجمالي القراءات : 1,006,439
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 88
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt