مفهوم تطبيق الشريعة:
النخبة المتعلمة وتطبيق الشريعة

محمد شعلان Ýí 2006-11-25




* أثناء جلوسي مع أحد الزملاء وهو طبيب حاصل على درجة الماجستير تبادلنا أطراف الحديث عن معاناة الطبقة المتعلمة (الطبقة المتوسطة) في الحياة اليومية للحصول على لقمة العيش وتوفير الحد المعقول من العيشة الكريمة لأبنائنا وعن الصراع من أجل لقمة العيش داخل هذا البلد ويصل الصراع ذروته عند حد الاغتراب عن الأهل والأبناء للحصول على الأساسيات التي يجب أن تتوفر عند العمل ست أو سبع ساعات يومياً كما هو الحال في معظم دول العالم وتحدثنا عن بعض المهن الأخرى وعن الكسب السريع الذي يحصل عليه أصحاب هذه المهن وردّ علىّ الطبيب الزميل وقال : صحيح هم يربحون أكثر منا نحن شباب الأطباء ولكنا نحظى بقدر من الاحترام والتقدير من جميع فئات المجتمع وهذا في حد ذاته تعويض لكثير منا عما نلاقيه من معاناة يومية وتكلمنا عن الآثار السيئة للحياة المادية التي نحياها وانهماك المجتمع في النمط الاستهلاكي وتطلعْ جميع أفراد المجتمع للحصول على المتعة والحياة المرفهة بأى ثمن مما أدى إلى انتشار الجريمة في المجتمع فلابد من تطبيق الشريعة وعلى رأسها إقامة الحدود وعندئذٍ قاطعته وأخذت طرف الحديث وقلت له إن كلمة تطبيق الشريعة كلمة هلامية غير واضحة المعالم تسخدم كثيراً في هذه الأيام عند التعرض لمشكلة ما أو كارثةً ما فبسرعة عجيبة نهرع إلى التنصل من المسئولية الملقاة على عاتق كل واحد فينا نحن المسلمين ونحن العرب عندما تتفجر ظاهرة إجتماعية أو ظاهرة سياسية تفزعنا وتؤرق مضاجعنا ونعجز عن حلها ومواجهتها نْركن إلى الشماعة اللذيدة التي تعفينا من المسئولية ومن الوِزْر وهذا يزيح عن كاهلنا عبء الإصلاح وتبعاته من التعفف والرضا وتقويم النفس وتقويم الحاكم والصدق والصبر إلى آخر هذه القيم التي تكبح جماح النفس وتهذبها ، قاطعني وقال لي : ولكن تطبيق الشريعة وخصوصاً إقامة الحدود سوف يمنع الجريمة ويأمن الناس على مالهم وعلى حياتهم وعلى أعراضهم قلت له كيف ؟ قال لي من يسرق تقطع يده ، ومن يزني يرجم إن كان محصناً ويجلد إن كان غير محصن ، ومن َيقتل ُيقتل ومن يفسد في الأرض يقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف،وأخذ يسرد بعض الأحاديث وبعض الآيات بخصوص هذا الموضوع وهى: قال لي مثلاً في حد السرقة ـ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ـ وفي حد الزنا أن ماعزاً والغامدية قد رجما في حياة رسول الله وإن كان الرسول لم يشهد حادثة الرجم ، وفي الإفساد في الأرض ذكر الآية الكريمة " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وذلك جزاء الظالمين".

قلت له يا سيدي الفاضل قبل أن تهرع إلى تطبيق حد مثل حد السرقة مثلا خلِصْ المجتمع من المجاعات ومن سوء التغذية وأمراض سوء التغذية يقول تعالى عن المؤمنين وفي تكافلهم في مسألة الطعام " ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءًولاشكوراً*إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً*فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً " الآيات من 8 إلى 11 من سورة الملك . وأمراض سوء توزيع ثروات المجتمع وتظاهر الأثرياء أمام الفقراء بمظاهر الأبهة والفخامة والإسراف المبالغ فيه لإشباع شهواتهم، والقول مازال لي : إن كثيراً من جرائم السرقة تتم بيد الفقراء لأجل لقمة عيش لهم ولأولادهم ويمدون يدهم للرشوة وهم في غاية الحزن لعلمهم بقبح وحرمة الرشوة وعلى هذا فغالبية موظفي مصر سوف تقطع أيديهم للرشوة وسرقة بضعة جنيهات كل يوم لسد الرمق والإبقاء على الحياة.
وأذكرك يا أخي الطبيب أننا تعلمنا أن نعالج المشكلة من جذو جذورها والمرض من أصوله لكى لا يتكرر المرض كثيراً وتعود الإنتكاسات وأذكرك أيضاً أن عمر بن الخطاب قد عطل إقامة حد السرقة في عام المجاعة وهو خير من فهم تطبيق الحدود بعد رسول الله (ص).
يقول تعالى " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" الآية 19 من السورة رقم 51 وأذكرك بقوله تعالى في سورة المعارج " والذين في أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم * الآية 24, 25 من السورة رقم 70 . هذا هو العلاج الفعال والمؤثر لقضية ومشكلة خطيرة من مشاكل المجتمعات الفقيرة والنامية وخصوصاً في الدول الاسلامية التي تعاني من طبقية مفزعة وحديثاً أنشئ بنك للطعام في مصر بجهود أهلية بعيداً عن الحكومة ورجال الدين يقدم الطعام الجيد والوجبات الجافة للمحتاجين وبطريقة مهذبة جداً وفي السر وبدون جرح لكرامة من تقدم لهم هذه المعونة وهذه الخدمة وهذا هو المفهوم من قوله تعالى في الآيات السابقة .
إنهم بذلك يساهمون بجدية في حل مشكلة الجوع والفقر والحرمان التي تهدد أمن المجتمع فهذا هو التطبيق الحقيقي للشريعة وإقامة حقوق الله وحدود الله تعالى في أموالهم.

وأذكرك بقصة البؤساء لفيكتور هوجو والتي عرض فيها لإنسان أمضى بالسجن أكثر من عشرين عاماً لمجرد أنه سرق رغيف خبز من أحد التجار الأثرياء ليسد رمقه ، وأنا لست ضد تطبيق الحدود ولكن قبل تطبيق الحدود لابد أن نفهم جيدا معنى تطبيق الحدود ولابد أن نقيم العدل في المجتمع وفي الأمة حتى لا تحدث الفوارق الطبقية المدمرة والتي تدمر الأنفس وتهوي بها إلى الحقد والكراهية وتؤدي إلى انتشار الجريمة ويا أخي العزيز قبل أن تحاسب الرجال والنساء والفتيان والفتيات على جرائم هتك العرض والزنا والفحش في القول والفعل لابد أولا أن تعلم في الصغر التعليم االمستند على أسس دينية من القرآن الكريم ولابد من المناهج العلمية السليمة والأخذ والعمل برأى ومشورة علماء النفس وعلماء الإجتماع في كيفية بناء انسان سليم في المدارس والجامعات إنسان خالي من النقائص المدمرة والتى انتشرت في مجتمعنا لابد من إعطاء أجور ومرتبات كريمة تكفي الأسرة وعائلها حتى يمكث رب الأسرة مع أولاده يوميا يربيهم ويحسن تعليمهم أيضاً علم الآباء والأمهات الذين لديهم أبناء وبنات أوشكوا على الزواج أن يسهلوا الأمور على أبنائهم وبناتهم فالزواج المبكر يعصم من الوقوع في الفاحشة والمعاصي ودور الدولة وأولي الأمر توفير فرص عمل لفتح باب أمل للشباب ليصبح لديه القدرة على أن يعول أسرة وزوجة، وهكذا في باقي أمور الحياة حتى لا يستفحل الخطر ويدمر المجتمع نفسه بنفسه ، وأذكرك يا أخي الكريم ببعض الآيات القرآنية التي تقدم لنا الحلول لهذه المشكلات المزمنة.

يقول تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان"
ـ إطعام الطعام على حبه للفقراء والمحرومين وابن السبيل والسائلين والجوعى بر وتقوى .
ـ الإسراف في المظاهر الكاذبة والترف المبالغ فيه وخصوصاً في حفلات الزواج والزفاف من قبل الأغنياء في الفنادق الخمس نجوم والتي تتكلف ملايين الجنيهات أمام الفقراء هو إثم وعدوان.
ـ المعاملة السيئة للفقراء من قبل الأعنياء والذين يسخرونهم في العمل لديهم في مشاريعهم ويربحون من ورائهم الكثير والكثير ولايعطونهم إلا القليل والفتات الذي لايكفي للمعيشة الكريمة هو قمة العدوان مما يجعل نفوس الفقراء تحقد على الأغنياء البخلاء ويكون هذا دافعاً للسرقة والسلب والنهب وأحيانا للقتل ( الجريمة من أجل المال) . وأود أن أشير إلى أننى قصدت ذكر المؤهل العلمى للزميل لأوضح الفرق بين الدرجة العلمية وطريقة التفكير والثقافة.******** وللمقال بقية أخرى وحكاية أخرى .

اجمالي القراءات 12944

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-11-18
مقالات منشورة : 20
اجمالي القراءات : 340,951
تعليقات له : 583
تعليقات عليه : 50
بلد الميلاد : مصر
بلد الاقامة : Elwadi