مصرى ولا أمريكانى ولا

كاميل حليم Ýí 2009-07-22


بعد سنوات طوال من المعيشة فى بلاد المهجر، نسينا كرة القدم المصرية واعتبرناها ككل الأمريكيين لعبة مملة وبطيئة تخلو من الإثارة وتسجيل الأهداف، وتحول إعجابنا نحو كرة القدم الأمريكية، حيث أبدع الزنوج الأمريكيون فى تنمية مهاراتهم بالقفز العالى واللياقة البدنية الفائقة، مما جعل كرة القدم الأمريكية أكثر متعة وإثارة.



وفى نهاية كل موسم كروى، اعتدت أن أستقبل أصدقائى وعائلتى فى حفل صغير لمشاهدة المباراة النهائية وسميناهSuper Bowl Party)) نتلمس دفء اللمة المصرية والدردشة الممزوجة بهتافات التشجيع ونحتفل بشرب المثلجات التى تلطف من حرارة الانفعالات وأكل أجنحة الدجاج الحارة ((Hot Wings.

وبعدما تألق الفريق المصرى فى مباراة البرازيل والفوز على الفريق الإيطالى بطل العالم، تشجعت على تنظيم حفلة مشاهدة جماعية لمباراة مصر وأمريكا، وظللت أراقب المشاعر والتشجيع من الحضور، ومعظمهم من المصريين الأمريكيين لأرى من سيشجعون الفريق المصرى أم الفريق الأمريكى.

كان الحضور ينقسمون إلى ثلاثة أجيال مختلفة، الجيل الأول هم زملائى وأقرانى فى السن بين الخمسين والستين، والجيل الثانى جيل الشباب من الأبناء بين 25 إلى 35 عاماً، والجيل الثالث من الأحفاد بين 5 إلى 12 عاماً. بدأت المباراة والجميع يتوقعون أن يسجل الفريق المصرى نصراً كبيراً على الفريق الأمريكى بعد مبارياته السابقة التى أعطت الأمل للجميع، لكن اكتشف الجميع بعد وقت قصير أن اللاعبين المصريين قد ربطوا أكياساً ثقيلة من الرمل على أرجلهم، وكانت الهزيمة حاسمة للفريق المصرى وتألق الفريق الأمريكى وأحرز النصر لبلاده.

كنت أراقب وأحلل انفعالات الحزن والدهشة التى علت وجه الجميع، وخاصة من أقرانى فى الفريق العمرى الأول، وتذكرنى تلك المجموعة بقصة دائما ما أتذكرها وأذكرها لأبنائى وأحفادى، وهى عندما كنت شاباً فى المدرسة الثانوى كنا معتادين أن نشترى الكباب من عربية عم حسن على ناصية شارعنا بشبرا وكان عم حسن يبدأ بشوى الكباب بعد العصارى، ويملأ الحى برائحة الكباب الذى يجذب الناس من آخر شبرا، ولا يستطيع أن يقاوم المارة رائحته حتى صار عم حسن أشهر كبابجى فى شبرا، وكانت وجبة كباب عم حسن أفضل وجبة تعودنا عليها شبه يومياً، وفى يوم ما شاهدنا بوكس الشرطة يحاصر عربية كباب عم حسن ويلقى القبض عليه وعلى كبابه، ويتهمه بخلط لحمة الكلاب مع الكباب، وشمعوا عربية عم حسن بالشمع الأحمر، ولا أنكر حزنى على فقدان رائحة كبابه التى كانت سمة مميزة لناصية شارعنا بشبرا.

فى المهجر وجدنا أنواعا كثيرة من اللحوم تنقسم إلى أشكال وأنواع كثيرة، وأسعارها تتوقف على درجة جودتها، وأغلى نوع منها هى لحميسمى (Kobe Steak) وهو مأخوذ من جزء معين فى البقر اليابانى الذى يطعموه خلطة محسوبة بدقة من الأعشاب النية الخاصة جدا، ويتمتع يوميا بتدليك يدوى لساعات طويلة لأجزاء معينة من جسمه لكى يصلوا به لأعلى جودة من اللحوم، والغريب أننى عندما ذهبت يوماً ما لمطعم لتذوق ذلك اللحم المشوى الذى يصل ثمن الكيلو منه إلى 800 جنيه أدركت أننى أفضل كباب عم حسن عن هذا اللحم.

أما عن الجيل الأول والذى سميته "الجيل المصرى الصميم"، فهو جيل مهما طالت به الغربة لم ينسَ مصر وتسكن جنباته ويفضل أى شىء مصرى عن أى شىء بالمهجر رغم أنهم بحكم الأوراق والأقدمية صاروا أمريكان، ويتمتعون بالحياة فى المهجر، ولو خيروه بين لحم البقر الأمريكانى وكباب عم حسن سيختارون وبلا تفكير، كباب عم حسن الكلبجى، ولما يتذكروا منظر البوكس وأنه أطعمهم لحم كلاب سيتحولون للحم البقر اليابانى، هذا الفريق كان ظاهراً عليه الحزن الشديد لخسارة مصر للمباراة، ولكن قلل من حزنهم ترقبهم لمشاهدة المباراة بين مصر وأسبانيا فى الدور القبل نهائى.

أما الجيل الثانى من الأبناء، وهم جيل الشباب، وهم بين الـ 25 إلى 35، ويتكلمون العربية بطلاقة وزاروا مصر مرات عديدة كانوا أكثر تأثراً وحزناً على خسارة الفريق المصرى، ولما سألت واحداً منهم لما هو حزين قوى هكذا؟ فكان رده مفاجأة!!! فقد قال لى كنت أتمنى أن يفوز الفريق المصرى ليجد المصريون الغلابة شيئاً واحداً يفرحون به وسط أحزانهم المتتالية، ويحققون نصراً يشجعهم على الحياة حتى لو كان نصراً كروياً، أما الأمريكان فالنصر عندهم متكرر وشىء عادى فانتصاراتهم كثيرة.

بصراحة لم أكن أتوقع مثل ذلك الرد ولكنه اقتلعنى من الداخل اقتلاعاً لمشاعر شاب مصرى يريد أن يرى فرحة النصر فى عيون المصريين التواقين للنصر بعد سلسة الهزائم المتكررة التى يلاقيها المصرى فى حياته اليومية.

لكنى اندهشت أكثر عندما عندما تناقشت مع حفيدتى جريس ابنة التسع سنوات وهى طفلة مهتمة جداً بالرياضة، وتعرف أخبار كل المباريات كرة القدم والسلة وغيرها، ولما سألتها عن رأيها فى خسارة الفريق المصرى ردت أنها ليست مبسوطة، فسألتها لماذا، أتريدين أن يهزم الفريق المصرى الفريق الأمريكى، فقالت "لا أعرف ولكنى أحب الاثنين".

حقيقية لم أرَ فى حياتى حباً كحب المصريين لوطنهم مهما بعدت الأميال وكثرت السنون، يظل هناك رباط سحرى يشدك ويجذبك إلى مصر، إنها الجينات المصرية التى تظهر عبر الأجيال. وبالرغم من أن الكبابكى أصبح "كلبجى"، فكباب عم حسن أحسن من اللحم اليابانى.

اجمالي القراءات 11223

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   سوسن طاهر     في   الأربعاء ٢٢ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41279]

عظيمة يا مصر ..!!

عظيمة هي مصر بأبنائها في الداخل والخارج ..


2   تعليق بواسطة   Mohamed Awadalla     في   الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41290]

Old days

That is good observation, funny and human .


3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41292]

رائع صديقى الحبيب كميل حليم

هناك من الناس طيب القلب ولكن تحتاج الى وقت وجهد كى تألف اليه ، وتستريح اليه ، هو  طيب القلب و لكن يغلف هذه الطيبة بما يباعد بينه وبين الناس .وهناك من الناس من تستريح اليه من اول مقابلة ، وتحس أنك تعرفه من زمن بعيد ، وتعلن عليه صداقتك بعد الدقائق الخمسة الأولى من حديثه معك .


الى هذا الصنف من البشر ينتمى صديقى كميل حليم . بدأت صداقتنا بعد خمسة دقائق من لقائنا الأول فى مؤتمر الأقباط فى واشنطن . وجدته إنسانا مبتسما دائما خاليا من العقد (التى تصيب معظم أخوتنا الأقباط ) يتعامل مع الناس بود ظاهر و عفوية طبيعية ، رأيت فيه ملامح صديقى الراحل فرج فودة الذى كان عبقريا فى اجتذاب الناس اليه بانسانيته وابتسامته واهتمامه بمن يقابلهم لا فرق إن كان كبيرا أو صغيرا . نفس الملامح الانسانية وجدتها فى كميل حليم كانسان .. ثم وجدت مصريته وانتماءه لبلده بحيث لا تغرقه هموم الأقباط الى الدرجة الى تجعله ينسى هموم مصر كلها . وأيضا وجدت هذا الانتماء فى صديقى الراحل فرج فودة. كانت مصر هى دينه ودنياه ، يحبها بطريقة فريدة ، كان يراها فى ابتسامة ابنته الصغرى ـ أكرمها الله جل وعلا . ولا زلت أتذكر كيف جاءت ـ وكانت طفلة فى نحو العاشرة ، فاحتضنها بشوق و امتلأ وجهه بكل مشاعر الحنان فى الأب. وأتذكر أننى ساعتها تمنيت لو كانت لى بنت لأشعر بنفس السعادة التى رايتها على وجه صديقى الراحل فرج فودة حين ضم ابنته بين ذراعيه . نفس هذا الانتماء العائلى وجدته فى كميل حليم ، شعرت بدف الأسرة المصرية حين استضافنا فى بيته فى شيكاغو ، ونعمنا بحسن ضيافة السيدة هدى زوجته ، ومشاعر الود التى تجمع الأسرة ، من الجدة الى البنتين والحفيدة التى رايتها .


أدعو الله جل وعلا أن يمتع أخى وصديقى كميل حليم واسرته بالصحة و السعادة.


4   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41294]

شوق المغتربين لمصر .مشاعر صادقة

الأستاذ المحترم/ كميل حليم مقال مؤثر ورائع ، فحقاً الذى يعيش في الخارج يشعر بحنين وشوق لبلاده ويتغاضي وينسى ما سبق من آلام شعر بها من قبل. ويذكرني هذا المقال وشوق الأستاذ حليم إلى بلده وحنينه الدائم إليها، عندما سئل حكيم عن أحب أبنائه إليه فقال : الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى ، والمسافر حتى يعود ، فنحن لا نستغرب حبه وحنينه إلى بلده مصر، ونتمنى له دوام الصحة والعافية، ومصر ليست بلداً نعيش فيها فقط ، ولكنها تعيش فينا حيثما ذهبنا وهذا ما يثبته هذا المقال الذي يوقظ فينا مشاعر الألفة والحنين لبلدنا الحبية مصر.


5   تعليق بواسطة   عبدالمجيد سالم     في   الجمعة ٢٤ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41316]

مصر الوطن والمواطن ..

مصر هي الوطن الذي يسكنه المواطن المصري ،وهي من تسكن داخل هذا المواطن ، لا يدري بهذا الأحساس إلا من ذاق مرارة الغربة ولوعتها ،ولذلك تجد هذا الأحساس واضحا في المغترب عن وطنه ، وهذا ما نلمحه في كتابات الأستاذ كمال حليم ، حيث أن سطوره تنبع بحب بلده .. والغريب أن هناك من يزايد على وطنية هؤلاء الشرفاء ..


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-08-14
مقالات منشورة : 22
اجمالي القراءات : 386,305
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 45
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State