باريس المتحف المفتوح و القاهرة المتحف المقفول

شادي طلعت Ýí 2009-07-06


سيظل برج إيفل علامة في رأس كل من يمر عليه إسم باريس فعلاقة برج إيفل بباريس علاقة وثيقة فقد ينسى البعض مكان برج بيزا المائل و بالتالي هم لا يعرفون أصلآ أين تقع مدينة بيزا ! كما أنه من المفترض أن يظل برج القاهرة علامة في رأس كل مصري و عربي لقصة بنائه التي لا محل للكلام عنها الآن و سأتطرق إلى البرجين في سرد هذا المقال .



- باريس إرتبط بإسمها العديد من المعالم مثل "اللوفر – برج إيفل – النوتردام – قوس النصر – الشانزيليزيه " و هي معالم يعلمها القاصي و الداني كما يعلمها العالم و الجاهل ، و ما زادني غيظآ أنني كلما تعرفت على أشخاص أجانب بباريس و يسألونني عن القطر الذي أنتمي إليه و أخبرهم أجدهم لا يعلمون أين تقع مصر !
و لكن لماذا ؟ أنا شخصيآ كنت تحت سن العاشرة و شاهدت صورة لباريس و كان بالصورة برج إيفل ليلآ و كم أخذت الروعة و الجمال بعقلي الصغير وقتها كم تمنيت و قتها أيضآ أن أزور باريس ، التي لم أتناول ذكرها مع أي شخص إلا وجدته يعرف معالمها جيدآ بل و أضاف البعض إلي أيضآ العديد من المعلومات مع أنه لم يذهب إلى زيارتها .
فلماذا إذآ هذا الشغف بهذه العاصمة الفرنسية "باريس" ؟
قد يقول البعض أنه لا يرغب بالذهاب إليها و إن سألته عن معالمها فستجده يعرفها جيدآ ، في حين أنك لوسألته عن معالم أي بلد آخر فإنه قد لا يعرفها ! و من هنا نعود لنفس السؤال و للإجابة دعونا نلقي نظرة أولآ على طبيعة فرنسا و شعبها و دعونا نتناول بعض الأمور مثل :
نشر الثقافة
لا تزال فرنسا دولة لا تبخل بمعلوماتها الثقافية أبدآ ، عن أي أحد حتى و إن كان غريبآ عنها حتى و إن كان ضمن مستعمراتها بل حتى و إن كان عدوا لها ، و جامعة السوربون لازالت مفتوحة أمام الجميع و لكل من يريد أن يزداد من علمها و لا يشترط فيمن يستمعون إلى المحاضرات فيها أن يكونوا من طلابها .
نشر العلم
لا يختلف دور فرنسا في نشر الثقافة عن دورها في نشر العلم ، فهي دولة ذات طابع متميز لأنها تحاول نيل تعاطف الآخرين عن طريق العطاء بخلاف دول أخرى تحاول نيل التعاطف و لكن عن طريق العمل على نشر الفقر و الحاجة بين الآخرين .
إن تأثير الفرنسين في مستعمراتهم لم يكن من فراغ فقد أشاعوا النور و الثقافة في كل الأوطان التي نزحوا إليها فالإستعمار البريطاني على سبيل المثال كان يسير على الإتجاه المعاكس ، فقد كان ينشر التخلف و الجهل ، حتى لغتهم آثروا أن تكون لهم و حدهم ، و أن تكون بعيدة المنال عن كافة الشعوب التي وطأتها أقدامهم ، من هنا أرى تفسيرآ لما تسببه باريس تلك البلد التي هي عبارة عن متحف مفتوح للعالم كله و ليس للفرنسين وحدهم فكل تحفة معمارية أو حديدية تم إنشاؤها على أكمل وجه و ليس الإتقان في العمل فقط هو السبب بقدر ما أن للجمال نصيب فما هو سيكون بغير جميل لا ينشأ من الأساس و ما سيضيف إلى الجمال يتم العمل به .
من يذهب إلى باريس سيحتاج أن يسير بين شوارعها جميعآ ، ففي كل شارع توجد تحف فنية ، و في كل منطقة يوجد أحد المعالم التي ينزح إليها سكان العالم ليشاهدوها ، و معالمها تختلف عن معالم أي دولة أخرى لأنها حقآ متميزة جدآ .

- من يشاهد متحف اللوفر قد يؤمن بأنه لا يوجد في العالم متحف آخر شبيه له فقيمة المتحف ليست فقط فيما يحتوي عليه المتحف من آثار و لكن القيمة أيضآ في مبنى المتحف ، فهو صرح معماري ضخم و مع أني شاهدته على بعض الشاشات و في بعض الأفلام ، إلا أن رؤيته على الطبيعة مختلفة جدآ ، فمبنى المتحف نفسه يحتاج إلى التأمل و الدراسة و السؤال عن منشأه و تاريخه و قصته ، ناهيك طبعآ عن التحف و الآثار و اللوحات الموجودة بداخله ، و العجب العجاب أنني وجدت داخل متحف اللوفر في قسم الآثار المصرية معبدآ منقول بالكامل ، و لا أعلم متى و كيف نقل ، و لكن تبادر إلى ذهني سؤال هام ، و هو هل أحزن أم أفرح لأن أثار مصر في هذا المتحف ؟ و لا أخفي عليكم أنني كنت سعيدآ جدآ بما رأيته من آثار بلدي موجود في متحف اللوفر لأسباب أولها تقدير الفرنسيين للآثار المصرية ، و إحترامهم لها ، و وضعها في مكان يليق بها بعيدآ عن آثار الشرق التي تجمع العديد من الحضارات و السبب الثاني هو أنني أستطيع رؤيتها دون وجود حارس يمنعني من الإقتراب إليها أو حارس لا يجيد كتابة إسمه لكنه يتبع وزارة السياحة المصرية يصيح في وجهي إذهب من هنا ! و السبب الثالث أن من يزور متحف اللوفر و يجهل العلم بمصر فإنه يعلم أن هناك حضارة مصرية قديمة ، و لا أخفي حزني أثناء زيارتي للأقصر و التي يجب أن تكون عاصمة السياحة الأثرية في العالم أنه تم منعي من داخل معبد الكرنك من دخول مناطق داخل المعبد علمآ بأن الآثار ملقاة على الأرض و مهملة و معرضة لكل عوامل الفناء و حينما سألت عن سبب المنع قيل لي هذه أوامر و من كان يمنعني حارس يجهل القراءة و الكتابة ! و ما أأسف له أيضآ أنني و حتى وقتنا هذا لم أتمكن من دخول الهرم الأكبر أو هرم خفرع لأسباب لا أعرفها !!

- أما باقي معالم باريس فهي كثيرة و لا يمكنني طبعآ أن أتحدث عن معالمها و لا أذكر برج إيفل ، هذا التحفة الحديدية و التي أثبتت أن للحديد جمالآ يجعلك تبكي من روعته بل جمال يجعلك تعيد التفكير في القدرة التي حبى بها الله الإنسان فكيف أنشأ هذا البرج الحديدي العملاق في القرن قبل الماضي ، و الأروع يا سادة ليس فقط جمال البرج بل هو إتاحة البرج للشعب كله فدخول البرج يبدأ برقم 6 يورو و هو رقم ضئل جدآ في فرنسا و حتى تعلموا قيمة الرقم فإن ثمن أقل علبة سجائر في فرنسا لا يقل عن 7 يورو فتخيلوا كم هو متاح للشعب ، و دعونا نقارنه ببرج القاهرة مثلآ و الذي أذكر أن آخر مرة ذهبت إليه منذ سنوات عديدة كانت تذكرته برقم 20 جنيهآ في وقت كانت تباع فيه علبة السجائر الشعبية برقم لا يتجاوز 2 جنيه ، أي أنني في باريس قد أتنازل عن ثمن أرخص علبة سجائر حتى أصعد إلى برج إيفل ، بينما أنا في القاهرة أحتاج إلى عشرة أضعاف من ثمن أرخص علبة سجائر في مصر حتى أتمكن من صعود برج القاهرة ! و في المرة الأولي أنا غريب عن فرنسا و في المرة الثانية أنا مصري أقطن في القاهرة !
كيف وجدت باريس بعين برج إيفل ..؟
وجدت جمالآ آخاذآ كما وجدت مدينة نظيفة راقية و أخذت بالمنظار و أصبحت أشاهد الناس و البيوت و الشوارع فلم أجد عيني قد ذهبت على عشوائيات أو قاذورات ، لقد وجدت مدينة متزنة الحركة و مع كثرة الناس و السيارات إلا أنك لا تشعر بالزحام أبدآ فخطوط السير منظمة و مدروسة و محسوبة ، و جدت أن المدينة بها جمال بصري يدرس أيضآ فألوان البيوت و العمارات تكاد تكون ثابتة و متقاربة ، و كأن عليها رقيب و جدت أسطح العمارات و البيوت نظيفة ، شعرت بأن المدينة و أنا أنظر إليها من فوق تناديني قائلة مرحبآ بك و آمل أن تكون سعيدآ طالما أنت بأرضي .
أنا شخصيآ أستاء كثيرآ من منظر يؤرقني في مصر ، و هو كمية المهملات و الخردة و القاذورات الموجودة فوق أسطح العمارات و الأبراج السكنية في مصر ، هذا بخلاف البصل و الثوم الذي تجده لا زال يعلق في شرفات المنازل و الملابس التي يتم تعليقها على أحبال من الشرفات لكل الناظرين ! و كم فكرت في حل لهذه المشكلة مع رؤساء إتحادات ملاك كثيرين و لكن لا جدوى من الحديث .

لا يسعني المجال للحديث عن باقي المعالم التي رأيتها و لا عن باقي المعالم التي أود رؤيتها و لم تسنح لي الفرصة بمشاهدتها إلا أنني بالتأكيد قد تأثرت بما رأيت و شاهدت و حتمآ سيكون لباريس مجالات أخرى في أحاديث و مقالات قادمة .
إن ما أقوله ليس مبالغة بل هو واقع عشته و لمسته و يعلمه كل من ذهب إلى هذا المتحف المفتوح .
قد أكون غير منصف حينما أذكر القاهرة في وضع مقارنة مع باريس و لكن أنا لا أقارن حضارات أو صراعات و إنما أقارن أفعالآ و سلوكيات ، فلماذا لا نأخذ منهم دروسآ في حركة المرور لديهم ، لماذا لا نضع رقيب على التلوث البصري الذي أصبح موجودآ حتى داخل الأحياء الراقية ، لماذا لا نلزم أنفسنا بإحترام بلدنا و العمل على نظافتها ، لماذا لا توجد سلة مهملات بدلآ من إلقاء القمامة في الشارع ، لماذا لا نهتم بحضارتنا و نجعلها مفتوحة للشعب بدلآ من إقفالها على مجموعة قليلة قادرة من الشعب لماذا يتم زرع الكراهية في الشعب لكل ما هو أجنبي و لا يتبع موروثنا الثقافي أو الديني ، لماذا ...............إالخ
أرجوا أن أعلم لماذا و لمصلحة من ؟

اجمالي القراءات 14468

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   ناصر العبد     في   الثلاثاء ٠٧ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40804]

قصة رمز باريس1

اذ طلعت بعد التحية علي ما يبدو انك استمتعت في رحلتلك الاوربية سواء في سويسرا او فرنسا ونتمني ان شاء الواحد الاحد ان نكتب عن رحلاتنا في بلادنا الشرقية ونتغني فيها كما نتغني بزيارتنا للغرب وللشرق الاقصي علي السواء وباختلافات بسيطة



هل تعلم استاذ طلعت بان هذا الرمز لمدينة الثقافة العالمية قد قٌرر له الهدم بعد تشييده بفترة وجيزة جدا؟ والسبب ان بعض حكماء مدينة باريس في تلك الفترة قد رأوا ان هذا البناء الجديد يلوث الشكل العام لمباني المدينة ولذا طالبوا بهدمه وايضا كان هناك ممن يعارض الهدم وكادت محاولات الهدم ان تنجح لولا وجود هوائيات الاثير اعلي الطابق الثالث والاخير من البرج وعندها فقط تراجع تيار المحافظة علي القديم من البناء الجديد لا لشئ سوي انهم ارادوا ان لا يخسروا التقدم العلمي الذي احرزوه في تقنية الاثير وفي هذه النقطة تحديدا يجب ان نحقق فيها فبرغم ان تيار القديم لا يريد البناء لذاته وكاد ان يهدمه لولا ما علي البناء من اثر للحضارة الحديثة ولذلك تراجعوا وقرروا ان لا يعارضوا الحديث لانه ليس زمنهم وبالتالي تم الابقاء علي البرج بل تم اتخاذه رمزا لباريس المدينة وللحق لا اعرف متي تم تحديدا اتخاذ البرج رمزا للمدينة رغم وجود الاثار الكثيرة الاخري بها مثل اللوفر او جامعة السوربون او نوتردام او ساكر كير او غيرهم, ومن الامور التي تدعوا للعجب ان البناء الذي كاد ان يهدم قد زاره اكثر من 15 مليون زائر في عام 2007 وفرنسا سجلت 75 مليون سائح لها في نفس العام علي ما اذكر ,وهذا بناء يعتبر ابن النهارده او ابن اللحظة مقارنة بأثارنا المصرية او الاثار العراقية وتعلم كما يعلم الجميع بأن البناء لذاته ليس له اي قيمة مالم يتم النرويج له وخيرا فعلت بلدية باريس بأن حافظت علي البرج كرمز لها وهي في هذه النقطة تحديدا تساعد علي تعريف الغير بباريس من خلال ربط باريس للبرج , ولدينا الكثير والكثير من القطع الاثرية التي ان اتخذت رموز لمدننا المصرية لاصبحت عامل اعلان لها ولكن المشكلة في اسلوب التفكير السائد وايضا احترام الغالبية العظمي من افراد المجتمع للعقد الاجتماعي السائد بينهم سواء كان قانون او عرف,بالنسبة للسجائر لم تصل بعد لمبلغ 6 يورو وان كنت اتمني ان تكون ب 20 يورو


2   تعليق بواسطة   ناصر العبد     في   الثلاثاء ٠٧ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40805]

قصة رمز باريس 2

باريس المتحف المفتوح للجميع فهي بحق متحف وقاعة بحث شيقة جدا لانك دائما تري كل الشوارع والميادين والمباني الاثرية والتماثيل لها البطاقة التعريفية الخاصة بكل اسم من تاريخ الميلاد الي تاريخ الوفاةد او اعوامهم ووظيفة صاحب الاسم هذا التعريف المبسط يجعلك وكأنك في متحف وانا ذكرت انها قاعة بحث شيقة لانني عندما اريد ان اعرف اكثر عن صاحب الاسم واعماله اجد نفسي ابحث عن اي معلومات اخري خاصة بصاحب الاسم غير مدونة تحت اسمه في الشارع او الميدان حتي الاشجار في الحدائق الكبري لها بطاقة تعريفية بها.

وسأكتب عن بعض ماذكرت استاذ طلعت ولكن في وقت اخر ان شاء الواحد الاحد


3   تعليق بواسطة   شادي طلعت     في   الجمعة ١٠ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40875]

باريس لا زال لديها الكثير

أستاذ / ناصر العبد


تحياتي اليك


شكرآ جزيلآ على هذه المعلومات القيمة و أرجوا أن نستزيد أكثر مما هو لديك و حقآ جزاك الله خيرآ . 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-11-20
مقالات منشورة : 309
اجمالي القراءات : 3,632,693
تعليقات له : 79
تعليقات عليه : 228
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt