سلمان الكعبوري

اسامة يس Ýí 2009-06-16


كان سلمان يمثل البلاهة في أبهى معانيها، لذلك كنا نحبه، وكنا نتساقط ضاحكين لمجرد رؤيته.
سلمان لم يكن بدينا، ولم يكن نحيلاً، ولم يكن بين بين، بل كان متفرداً، كان كعبوري الشكل، ورغم أنه يصعب علينا شرح الكعبرة، وأفضل شرح لها أن ترى بالعين المجردة، لكن لتقريب الصورة للأذهان، نقول: أنك حين تراه، ترى نصفه الأعلى بديناً ذا كرش، بينما ساقاه نحيلتان بشكل مريب. سلمان الكعبوري لم يضجر قط من مزاحنا، لم يثر قط من تندرنا عليه، لا لبلادة في الطبع، بل لرقة في القلب، وبلاهة عذبة في &Cc الوجدان.


حين كان يمر عليه علي بسيارته الفيت القذرة على حد تعبيره ، كان سلمان يطل بكعبوريته من شرفة منزله في الطابق الثالث، ليصرخ فيه ضاحكاً: "علي عليوه يالي ضرب الزوميره يالي زومرتك بمبي ياللي"، ثم يتباطأ في النزول، لا عمداً بل طبعاً وتكويناً وبلاهة في آن،وكان علي يقسم في كل مرة ألا ينتظره ثانية، ثم ينتظره ألف مرة بعدها مع ألف قسم آخر ،وألف ألف سبة ولعنة أخرى.
سلمان كان أحياناً يختفي عن الأنظار، حتى نظن أن لا عودة، وحين نسأله يجيب: رزقت قطتي بخمس قطط ، نقول ضاحكين ثم: يقول هذا يكفي.
وحين يعود نسأله : يجيب عصفور فر من القفص، وكنت حزيناً عليه.
وحين يعود مبتسماً كونه تجاهل نداءات علي وسبابه يقول : "مهوه أصله لو كان يبطل شتومه كنت نزلت" ثم يضحك في طفولة حالمة.
سلمان كان يصر أن يلعب معنا في الفريق، وكان هذا أمراً مستحيلاً بكل المقاييس، فكعبوريته لا تقف حائلاً وسداً منيعاً لأن يلعب فقط، بل قد تمتد لتقف حائلاً لأن يشاهد ويشجع، لكن حين بكى سلمان كالأطفال، نعم حدث حين رفضنا أن يشارك، قررنا بالإجماع أن يكون حارساً لمرمى الفريق، وحين اصطدمت رأسه الكعبورية بالقائم، ضج الملعب ضحكاً ، حتى سلمان قام مسروراً بعدما أنقذ هدفاً وإن اصطدمت رأسه،وإن مليت شباكه بسبعة أهداف لا مرد لهم.
سلمان راح يشرح لنا في بلاهة، أنه لم يكن السبب في الهزيمة ، وأنه ضحى برأسه فداء للمرمى ، مما أدى إلى ثورة غضب عارمة من طارق، أدت إلى اختفاء سلمان لمدة طالت، وإن عاد .
عاد سلمان ليخبرنا أنه اكتشف أن طارق يشبه الفأر تماماً ، لم يكن سلمان يضحك هذه المرة،بل كان يتحدث بثقة الباحث العلمي المتيقن من نتائج بحثه, وأصبح طارق يلقب بالفار.
لكننا جميعاً حين باغتنا سلمان قائلاً : لقد أعددت العدة للسفر، لم نفهم قصده، بل لم نعر كلامه مصداقية، بل لم نصدق.
وحين تكررت نداءات علي بسيارته الفيت القذرة، وتمكن اليأس من قلوبنا، ولم يعد الأمر غياباً يطول ثم عودة، جاء النبأ عبر رسالة خليجية المصدر لهاتف طارق المحمول يقول فيها سلمان: أنا هنا أيها الفأر ، ويضحك كأنا نراه، مفتقدكم جميعاً، سلامي للجميع.
كم من السنين مرت لا أدري، وفر منا شبابنا، لكن سلمان لم يعد يطل، ولم يعد يعود.
وحين عاد محمولاً من هناك ، صرخنا في حرقة وبكينا ، وقت لا ينفع بكاء، كم كنا نحبك يا سلمان .

اجمالي القراءات 10955

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   AMAL ( HOPE )     في   الإثنين ٢٢ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40319]

لم احس أني أقرأ كلمات ...., الاخ اسامة

الاخ الفاضل اسامة ,


لديك موهبة حقيقية في كتابة القصة القصيرة , أهنئك عليها .  لم احس اني اقرأ كلمات ولكن رأيت الاشخاص امامي يتحركون ويضحكون ويبكون  , انها حقا لوحة حية جميلة من الحياة .


ليوفقك الله  وتصبح كاتبا مشهورا في كتابة القصة القصيرة .


أمل


2   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   الإثنين ٢٢ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40358]

الأستاذ أسامة يس

أتفق تماما مع ما قالته الأستاذة أمل, وأقول ان لك أسلوب فريد فى الكتابة سواء كانت قصة  أم غيرها من المقالات او التعليقات. اما عن سلمان الكعبورى, فمن منا لم يكن فى حياتة او طفولته مثل تلك الشخصية التى رسمت لها صورة كاريكتاريه مميزة, ربما أختلف الإسم, وربما أختلفت الظروف وربما إختلفت بعض الصفات والملامح المميزة لتلك الشخصية, ولكن الصورة العامة هى فى أغلب ما وصفته بها تتشابه الى حد كبير.


شكرا أستاذ أسامة على إثارة أشجان الماضى البعيد!!!


3   تعليق بواسطة   اسامة يس     في   الخميس ٢٥ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40409]

أختي الكريمة أمل جزاك الله خيراً

اختي الكريمة / أمل


شكراً على قراءتكم للموضوع، وتعليقكم الكريم، واطرائكم العطر ...


وأحمد الله ان نال النص اعجابكم ..


خالص الود والتحية


4   تعليق بواسطة   اسامة يس     في   الأحد ٢٨ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40544]

استاذي الكريم/ فوزي فراج شهادتكم اعتز بها جداً..

استاذي الكريم/ فوزى فراج


بصدق لكم سعدت بمروركم الكريم وتعليقكم الندي... وشهادتكم بأن لي اسلوب خاص في الكتابة، شهادة اعتز بها جدا..


واتفق معكم فكل منا يحمل كعبورية في داخله وان اختلفت ملامحها ....


لا حرمنا الله من تكرار الزيارة...


دمتم بكل ود..


خالص تحياتي...


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-07-14
مقالات منشورة : 46
اجمالي القراءات : 399,063
تعليقات له : 141
تعليقات عليه : 244
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt