الأوباميزم واللادنيزم

نبيل شرف الدين Ýí 2009-06-09


إذن فعلها المواطن باراك أوباما وسدد الكرة بمهارة في ملعب المسلمين ومعها حزمة التزامات، ليست فقط حيال الآخرين من أبناء الثقافة والحضارة الغربية، بل حيال أنفسنا كمسلمين أولاً، وحتى لا تستغرقنا سجالات فكرية وسياسية لا تنتهي، لماذا لا لنعتبر خطاب أوباما مبادرة "حسن نوايا"، وعلينا أن نفكر بما ينبغي أن تكون عليه خطوتنا التالية، وما يجب علينا القيام به كأشخاص ومؤسسات رداً على تلك المبادرة.
وبعبارات أكثر تحديداً، تعالوا نربط بين سيل الرسائل التي ة بثها أسامة بن لادن وتابعه الظواهري بالتزامن مع خطاب أوباما، وكيف اتسمت بلغة عصابية متوترة، وكيف تراجع اهتمام الملايين بهذه الرسائل التحريضية الزاعقة، لدرجة باتوا ينظرون إليها باستخفاف وسخرية، بينما التزمت مؤسسة الأزهر الصمت التام، فلم نقرأ تعليقاً ولم نسمع عن موقف واضح اتخذته لتبدد ما قد يلتبس على العوام والبسطاء، فلو كان ابن لادن وعصبته يصرون على اختطاف الإسلام، والحديث كما لو كانوا حرسه الحديدي والناطقين الحصريين باسمه، فلماذا يصمت الأزهر العريق قلعة العلوم الشرعية عن التصدي لهؤلاء، ولماذا يتركون لهم الساحة لينشروا فيها أفكارهم العدمية المأزومة، ولماذا لم يصدر تعليق يفند كل كلمة ينطق بها ابن لادن، من حيث عدم اتساقها مع المقاصد الكلية للشريعة، وأنها تضع أمة الإسلام في خصومات هي في غني عنها مع بقية الأمم، وكيف أفاد أوباما الإسلام بحديثه الإيجابي المتزن، أكثر من ابن لادن وزمرته.
بدا أوباما بمغناطيسيته نموذجاً لثقافة شابة قادرة على تجديد دمائها، في مواجهة ثقافة محملة بتركة ثقيلة من الخيبات والجمود.. "مسيح سياسي" يبادر بالذهاب لقلعة من يعيشون على كراهيته، مقابل "كهنوت سياسي" يتصرف باستعلاء، لا أرى مبرراً له سوى الطرب لنفاق المتملقين والانتهازيين.. حيوية ولياقة جسدية وذهنية، وقفت وجهاً لوجه أمام حالة "تصلب شرايين" سياسية، حولت دولة ظلت طيلة تاريخها المعروف منصة للحداثة في المنطقة، إلى أكبر مستهلك لنفايات الآخرين الفكرية، وترسيخ ثقافة "استعمال الخارج"، بدءاً من قطع غيار السيارات التي يستوردها الشطّار والمحتالون من "مكبات النفايات" في الغرب والشرق، مروراً بالملابس القديمة التي يعاد تدويرها في "وكالة البلح"، وصولاً إلى الوهابية التي تراجعت حتى في موطنها الأصلي كثيراً، ونبذها مخترعوها، ومع ذلك تجد مناخاً مواتياً في وادي النيل، وتنذر بنتائج وخيمة في قدرتها على إنتاج متطرفين وإرهابيين خارج السياق، يجرون المجتمع للتخلف والعنف .
هكذا بدت لي الصورة من دون أي رتوش، وهنا لا يحتمل الأمر مزايدات على حب الأوطان، فمن يحب ابنه ينتقده ويوجهه، ولا يكتفي بتبرير خطاياه والتماس الأعذار لتقاعسه وتراخيه، ولا يتذرع بخطاب خشبي عن خصوصيتنا "حماها الله"، فما ساقه أوباما في خطابه هي قيم إنسانية مشتركة، شأنها في ذلك شأن العدل والخير والجمال والتسامح، لا يمكن اعتبارها قيماً أميركية المنشأ، بل لو شئنا الغوص في سراديب التاريخ سنجد لها جذوراً راسخة في عقيدة "ماعت" المصرية، وما تضمنته بردية "آني" أو "كتاب الموتى" .
تصدى شيخ الأزهر الراحل المرحوم جاد الحق علي جاد الحق لمحمد عبد السلام فرج برد رصين، فنّد فيه كل كلمة وردت في كتيبه التحريضي الشهير "الفريضة الغائبة"، وسبق ذلك أن تصدى عدد من رجالات الأزهر لسيد قطب وشكري مصطفى وغيرهما من تجار الاحتقان والهوس الديني، بينما يحدث الآن في مصر على سبيل المثال أمر غير مفهوم بالمرة، لا يمكن تفسيره إلا في ظل نظرية المؤامرة الخفية ـ رغم أنني أبغضها شخصياً ـ غير أن هناك في الأفق ما يشير إلى وجود "قوى خفية" تسعى بدأب وإصرار لتمكين ثقافة المأزومين والمتشنجين من مقدرات البلاد والعباد وفق خطة مدروسة طويلة المدى .
فيمكن لكل ذي بصيرة وضمير يقظ أن يرصد كيف يحاصر حالياً مفكرون حاولوا بمبادرات شخصية منهم التصدي لثقافة الكراهية وتجار الأديان، ومنهم على سبيل المثال أسماء كبيرة مثل فؤاد زكريا وسيد القمني وسعيد العشماوي وأحمد صبحي منصور ونصر أبو زيد وغيرهم، وكيف أجبر هؤلاء على الانزواء ليقعوا فرائس للاكتئاب والملاحقات والعوز والإهمال، بينما هناك "جهات ما" تطلق على خلق الله الأراذل لإعادة "هندسة أدمغة" الناس، وتمهيد الطرقات أمام المتشنجين، كي يقفزوا على مقدرات البلاد والعباد ذات يوم أخشى أنه بات وشيكاً، وأتمنى أن تخيب توقعاتي ومعي كثير من المهمومين بحاضر أمتنا ومستقبلها .
والله المستعان

اجمالي القراءات 9207

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-10-01
مقالات منشورة : 61
اجمالي القراءات : 747,877
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 108
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt