والنجم إذا هوى من زاوية أخرى:
تأملات في سورة النجم(الجزء الأول)

محمد مهند مراد ايهم Ýí 2009-04-13


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ۞ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ۞ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ۞ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ۞ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ۞ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ۞ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ۞ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ۞ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ۞ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ۞ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَ&Ccededil; يَرَىٰ ۞ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ۞ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ۞ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ۞ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ۞ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ۞ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ)

المزيد مثل هذا المقال :

لست أدري من أين أتى (من فسر هذه الآيات) بالقرائن التي تدعم قوله, التفسير جاء على وجهين .
الوجه الأول كان لمن يدعي أن الرسول رأى ربه, فاعتبر أن الرؤيا كانت لله عز وجل ,مستشهدا بما جاء في النقل من المنسوب للنبي الكريم .
مهما يكن فقد اعتمد هذا الفريق في شرحه على المنسوب للنبي الكريم مؤكدا رؤية النبي ( المزعومة )لربه ,رؤية بصريه, رغم أن الصريح من القرآن يؤكد على أن الله عز وجل لا تدركه الأبصار, ولم تستثني بصرا منه, سواء كان بصر النبي أو غيره, بيد أن هذا الفريق قد تأثر بشكل كبير بما نسبوه للنبي الكريم من صفات الألوهية التي تمكنه من هذه الرؤية.
الوجه الثاني كان لمن أنكر رؤية النبي الكريم لربه رؤية بصرية, واعتبر أن الرؤيا ستكون لكل المؤمنين يوم القيامة, وهذا الفريق أيضا خالف الصريح من القرآن بأن الله عز وجل لا تدركه الأبصار ولم تستثن أبصار المؤمنين سواء في الدنيا أو في الآخرة , فاعتبر هذا الفريق أن الرؤيا المذكورة في سورة النجم كانت لجبريل, رغم أني لم أر أي قرينة تدل على أن المقصود بشديد القوى هو جبريل لست أدري كيف استدلوا على ذلك ,بيد أنه لا بد من تفسير لتلك الآيات كي تتوافق مع الفكرة التي يتبنون
المهم أن كلا الفريقين أعتبر أن تلك الآيات تدل على معراج النبي الكريم إلى السماء
لا يمكن أن نفهم من تلك الآيات أن النبي عرج به إلى السماء إلا إن كان لدينا تصور مسبق عن المعراج فلم يُذكَر ولم يُشر قطعا في تلك الآيات إلى صعود للسماء ولا يمكن أن نفهم أن المقصود بالرؤيا هي رؤية الله عز وجل أو رؤية جبريل إلا من خلال تصور مسبق .
أقول هذا بعد أن رميت كل ماكان في عقلي من تصورات ثم تأملت تلك الآيات تأمل من لا يعلم شيئا سوى مفردات اللغة العربية وإليكم ما رأيت.
المقطع الذي أوردته في بداية هذا المقال هو مقطع متكامل يرتبط أوله بآخره ارتباطا وثيقا ,هو وحدة متكاملة لا يمكن فصل جزء منها عن باقي الأجزاء .
هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى
حاولت جاهدا أن أفهم شيئا عن الوحي وعلاقة النبي الكريم مع جبريل أو الروح أو روح القدس, لم أر شيئا يدل على أن الوحي كان يتم إلقاءً على السمع أو رؤيةً بصرية ,بل إن كل الدلائل تشير إلى أن الوحي كان يتم إلقاءً على قلب النبي الكريم دون تدخلٍ للسمع أو البصر ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۞ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ )( وَكَذَ‌ٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ )جميع الآيات تؤكد أن الوحي كان إلقاءً على قلب الرسول ولست أدري أين وُجدَت تلك الرؤية البصرية.
قبل أن أتكلم عما فهمته من تلكم الآيات أريد أن أورد نصا مما نسجته مستعينا بفهمي من الآيات
( والله الذي لا إله إلا هو ,لم يكن ما يقول الرجل كذبا ,
لم تكن الغاية مما يطرح الرجل من أفكار رفعا لشأنه ولا طلبا لربح مادي , لم يكن ما عقله قلب الرجل كذبا لقد تعلم كل ذلك من ربه , أتسألون كيف ؟ وهل نزل الوحي عليه ؟
الله عز وجل قريب منه هو أقرب إليه من حبل الوريد
لقد علم كل ذلك من قبل حين قرأ كتاب الله وكأن يوم القيامة حادث في تلك الساعة أمامه وكأنه رأى طريقه إلى الجنة وكانه رأى نفسه بالجنة, لم يكن ما يراه بناء على وهم بصري بل كان علما يقينا بناء على مقدمات واضحة تدل على أن يوم البعث لا ريب فيه , ذلك ما رآه الرجل من آيات الله)
لا أقصد بهذا النص أنه هو المعنى لتلكم الآيات بل هو نص تقريبي لعلي أصل معكم إلى ما أراد الله عز وجل أن يفهمنا من الآيات
بناء على تلك المقدمات التي أوردتها أقول :
مطلع السورة تتحدث عن قسم بإحدى آيات الله الكونية ( والنجم إذا هوى )ثم يتبعه نفيا لضلال الرسول الكريم أو غوايته وعدم قوله شيئا من الهوى بل هو الحق بل هو وحي من الله عز وجل .
ثم تتكلم السورة عن شيء أنبأهم به النبي الكريم من خلال آيات الله البينات ( إن هو إلا وحي يوحى) نفهم من هذا, أن باقي المقطع أتى ليؤكد شيئا سبق أن أنبأهم به رسول الله فاتهمه المشركون بالغواية وهنا يأتيهم الخبر اليقين عن مصدر تلك الأنباء التي نبأهم بها رسول الله (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ۞ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ۞ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ۞ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ۞ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ۞ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ) من هو شديد القوى لا بد من قرينة تدل على أنه الله عز وجل ,أو جبريل عليه السلام,
لم أجد إلا قرينة واحدة تدل على المقصود بها (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ) المقصود بأن الذي علم الرسول هو شديد القوى ربنا عز وجل , لقد دنا ربنا من عبده فتدلى فكان أقرب إليه من حبل الوريد فأتبع ذلك بوحي منه إلى عبده , وأما عن كيفية الدنو والتدلي فهو أمر لا يمكننا أن نقول به شيئا فإن كنا لا نعرف الكينونة فلا يمكننا أن نعرف الكيف ( كقولنا : الرحمن على العرش استوى ) لا يمكننا أن نعرف الكيف إن كنا لا نعرف ماهية العرش ولا التنبؤ بكينونة من استوى على العرش
ونأتي إلى القسم الثالث المتنازع عليه حول الرؤيا
من الذي رأى وما هو الجزء من جسده الذي رأى ؟
وماالذي رآه ؟
الذي رأى هو النبي الكريم, والرؤيا كانت رؤية قلبية لم يتدخل البصر فيها (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ۞ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ۞ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ۞ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ۞ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ۞ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ۞ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ)
الرؤيا تمت في الماضي(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ) واستمرت لحين قول الرسول تلكم الآيات (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ) وتعددت الرؤيا لأكثر من مرة (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ۞ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ۞ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ۞ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ) لقد أيقن قلبه تماما بما علمه من قبل وكأنه يراه رؤية بصرية فلم يكن زيغ ولا طغيان بصري أوصله إلى ذلك (لم يكن وهما)
ولكن السؤال المحير مالذي رآه الرسول حتى وإن قلنا أنها رؤية قلبية
إن أسلوب القرآن التشويقي الذي يدفعك لقراءة آخر النص لما كان في أوله من تشويق مما يدفعك للتساؤل وانتظار الإجابة , وذلك بترك شيء مبهم لم يصرح عنه في أول النص وإنما دل عليه بإشارة تقريبية ليكون التوضيح في آخره
وسأضرب مثالا على ذلك
( لقد رأيت بالأمس شيئا لم أعهده من قبل هذا الأمر لا زلت أحس به وكأنه لم يزل يعتريني ,رغم أن الأمر حدث معي من قبل بيد أني أحسست حين حدوثه ثانية وكأنه شيء جديد علي ) لاحظوا أني لم أذكر ماحدث أبدا وإنما جعلت السامع يتشوق لمعرفة هذا الحدث , ثم أستطرد قائلا : ( لقد رأيت عفريتا من الجن )كل ما كنت أذكره من قبل كان من قبيل جذب انتباه المستمع , في النهاية وبعد أن شددت انتباه الجميع أنبأتهم أني رأيت عفريتا من الجن
نعود للآيات(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ۞ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ۞ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ۞ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ۞ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ۞ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ۞ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ۞ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ)إن ما رآه الفؤاد وجادله المشركين عليه هو تلك الآيات الكبرى من آيات الله تلك الآيات التي سيُجزى من آمن بها بجنة المأوى
لقد رأى النبي الكريم آيات الله فآمن بها, فرأى أن لهذه الحياة نهاية, لقد رأى جنة ربه من خلال الآيات الكبرى التي أنزلها الله عليه فنبأ المشركين بها فلم يكن قولهم إلا أن قالوا (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ )
إن ذلك النجم في روعة خلقه يدل على أن هناك جنة ونعيم وأن الله لم يخلقنا عبثا بل خلقنا ليختبرنا ويعلم المؤمنين منا من الكافرين.

ولو حلقنا في فضاء الآيات التي تليها لوجدناها كلها تترابط ترابطا عجيبا حيث تشكل وحدة متكاملة, فيقترن أول السورة بآخرها ويجمع بينها أوسطها , لتشكل لوحة فنية رائعة, هي من بديع وحي الخالق العظيم , وسأتكلم عنها بإيجاز علي أصل إلى ما يهديني به الله من آيات .
يتبع

اجمالي القراءات 22854

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الخميس ١٦ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[37154]

الأخ العزيز محمد مهند.

أشكرك على هذا التدبر .ورغم أني من الذين احتارو  في تفسير هذه الآيات.لأن السلف بنى عليها كل استراتيجية صحة الحديث.وكم كنت اتمنى أن أقرأ للأخوة المختصين بتدبر القرآن تعليقاتهم الكريمة حتى يأخذ الموضوع أبعاده من خلال النقاش.واوفقك بأن الوحي كان فعلاً ينزل على قلب رسول الله0(ص).لا كما ذكرت الاحاديث بأنه تجلى بأشخاص ,وأنه كان يعلمه كالتلميذ ويقول للرسول (ص) أعد ففي الاعادة إفادة.نسوا هؤلاء أن الله عز وجل قادر على طبع آياته على قلب رسول الله(وما قدروا الله حق قدره).بانتظار المقالة القادمة وفقك الله


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-11
مقالات منشورة : 59
اجمالي القراءات : 1,081,594
تعليقات له : 741
تعليقات عليه : 378
بلد الميلاد : سوريا syria
بلد الاقامة : مصر

رواق اهل القران