اختباران مُبكّران لأوباما لا يُبشّران بالخير!

سعد الدين ابراهيم Ýí 2009-03-21


كان هذا الكاتب هو أول مَنْ قدّم باراك أوباما لقرّاء هذه الصحيفة، وتنبأ بأن صعوده السياسى يُمثل ثورة اجتماعية أمريكية، وأن نجاحه الانتخابى للرئاسة يُمثل ثورة كونية. وبذلك فمن حق القرّاء على هذا الكاتب أن يُتابع أداء باراك أوباما فى موقعه الرئاسى دورياً.

المزيد مثل هذا المقال :


ومع مُطالعة القرّاء لهذا المقال يكون قد مر عليه فى البيت الأبيض شهران كاملان (٢٠/١- ٢٠/٣/٢٠٠٩) وهى ربما مدة أقصر مما ينبغى لإصدار أحكام تقييمية على الرجل، ولكن ما نفعله هنا فى هذه البداية هو تقييم ما &Yacفعله هو أو لم يفعله فى أحداث كان لا بد معها أن يتخذ هو وإدارته قرارات بالفعل. وفى هذا الصدد نتناول قرارين، أولهما خاص بأمر مالى داخلى، والآخر خاص بأمر يتعلق بجماعات الضغط الصهيونية.

فى الأمر المالى الداخلى، مع خطر الانكماش الاقتصادى والتهديد بتفاقمه إلى ركود، ثم إلى كساد، اقترح أوباما- ووافقه الكونجرس- تقديم دعم للشركات والبنوك من الخزانة الفيدرالية، حتى لا تفلس وتنهار. وكانت هذه الخطوة شيئاً محموداً فى مجتمع رأسمالى يفخر باستقلالية القطاع الخاص. وهذا الأخير بدوره لا يرغب عادة فى تدخل الدولة فى شؤونه، ولكن «الضرورات» حتى فى أمريكا تبيح «المحظورات».

وإلى هنا، كانت كل الأطراف تقر بسلامة هذا الإجراء، إلى أن اتضح شىء صدم الرأى العام الأمريكى وأثار حفيظته، وهو أن أكبر شركات التأمين وهى المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين American International Group (AIG) والتى دعمتها الحكومة بعدة مليارات من الدولارات لتعوض خسائرها ولا تنهار، أخذت هذا الدعم، ثم استخدمت منه حوالى مائتى مليون دولار كمكافآت إضافية لكبار مسئوليها، أى أن المديرين الذين أساءوا إدارة الشركة، وتسببوا فى خسائرها، بادروا بمكافأة أنفسهم من أموال الدعم الفيدرالية، والتى هى من جيوب دافعى الضرائب!

صحيح أن باراك أوباما كان أول من استنكر ما فعلته شركة المجموعة الأمريكية للتأمين، وكذلك وزير الخزانة، ولكن ذلك لم يشف غليل الرأى العام الذى يُعانى عدة ملايين منه من خطر نزع ملكية منازلهم لعدم قدرتهم على الوفاء بأقساطها، وهو الأمر الذى اضطر أوباما لأن يطلب من وزارتى الخزانة والعدل البحث عن كل الأساليب القانونية لاستعاده المائتى مليون دولار من مديرى الشركة، ولكن حتى هذه الخطوة العلاجية لم تنجح فى تهدئة الرأى العام الأمريكى، خاصة أن إعلاميين من شبكة «سى إن إن» (C.N.N) كانوا قد نبّهوا إلى هذا الأمر، قبل أن تصرف الحكومة الفيدرالية مليارات الدولارات للشركة المذكورة!

أى أنه فى اختبار أداء أوباما للأزمة المالية الحالية فى أمريكا، أحرز أوباما تقدير «جيد» فى أحد موادها، وتقدير «ضعيف» فى المحافظة على هذا التقدير الجيد، أى أن المتوسط العام إلى تاريخه هو تقدير «مقبول» بمعايير الجامعات المصرية.

أما الاختبار الثانى فقد كان فى مواجهة غير مباشرة مع جماعات الضغط الصهيونية. وكانت وقائع هذه المواجهة كالآتى:

١- رشح الأدميرال السابق دينيس بلير، الذى اختاره أوباما نفسه رئيساً لمجلس المخابرات القومى، السفير الأمريكى السابق للسعودية، وهو تشارلز فريمان، لكى يشغل منصب أحد نوابه.

٢- وكان معروفاً عن السفير تشارلز فريمان جرأته فى قول الحق دون دبلوماسية، وهو أمر غير مُعتاد فى الأوساط الدبلوماسية، ولكن هذه الصفة نفسها أكسبته سمعة جيدة فى دوائر واشنطن، من ذلك أنه انتقد عام ٢٠٠٥ السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وبناء المستوطنات والجدار العازل على أراضيهم.

٣- وفى عام ٢٠٠٧ انتقد فى مُحاضرات عامة سياسات بلاده الولايات المتحدة نفسها تجاه إسرائيل، حيث قال: «لقد تبنت الولايات المتحدة المنظور الإسرائيلى فى تحديد من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء. فأصبح أعداء إسرائيل أعداءنا، وأصبح أصدقاؤها أصدقاءنا.. لذلك لا ينبغى أن نستغرب حينما يضعنا العرب، وخاصة المتشددين منهم، مع إسرائيل فى سلة واحدة».

لمعرفة حساسية الموقع الذى يشغله الأدميرال دينيس بلير، علينا أن نتذكر أنه بحكم منصبه كرئيس لهيئة المخابرات القومية، فإنه يرأس ١٦ جهازاً تعمل فى هذا المجال، فمنها ما نعرفه نحن فى العالم العربى، وهو «وكالة المخابرات المركزية» (CIA) والذى هو فقط أحد هذه الأجهزة الستة عشر، والتى يعمل بها أكثر من مائة ألف ينتشرون فى أمريكا والعالم،

ورئيس المجلس الذى يضمها جميعاً هو المسؤول عن تلخيص التقارير اليومية التى تأتى من هذه الأجهزة.. وعرضها على الرئيس الأمريكى صباح كل يوم، وبناء على هذا التقرير يتخذ الرئيس قراراته، وتبلغ ميزانية المجلس وأجهزته الستة عشر أكثر من ٥٠ مليار دولار سنوياً.

وكان ترشيح دينيس بلير للسفير تشارلز فريمان نائباً له يعنى أنه سيكون مسؤولاً عن أهم ملفين فى السياسة الخارجية الأمريكية، فى الوقت الحاضر، وهما الشرق الأوسط والصين، حيث خدم الرجل فيهما لسنوات طويلة، ويتحدث لغاتهما. لذلك دقت نواقيس الخطر فوراً فى أرجاء اللوبى الصهيونى، الذى لم يُضع دقيقة واحدة بمجرد إعلان الترشيح.

وكالعادة تم الاتصال فوراً بأعضاء الكونجرس- أى مجلس النواب والشيوخ- لتحذيرهما من تعيين تشارلز فريمان نائباً لرئيس المجلس القومى للمخابرات، واتهامه بأنه مُحابٍ للعرب وللصينيين. ثم بدأت وسائل الإعلام الصديقة لجماعات الضغط اليهودية إثارة الزوابع حول سيرة السفير،

والتساؤل عما إذا كان قد تلقى أموالاً، فى شكل أتعاب استشارة من شركات تعمل فى الصين وفى البلدان العربية. ولأن الهجوم كان خاطفاً وشاملاً، فإن السفير تشارلز فريمان هو نفسه الذى طلب من الأدميرال دينيس بلير أن يسحب ترشيحه، حتى قبل أن يُرسل الرئيس أوباما الاسم للكونجرس لإقرار الترشيح. هذا رغم أن الأدميرال دينيس بلير دافع عن السفير، وكان مُستعداً للاستمرار فى الدفاع عن الترشيح إلى النهاية.

ولكن يبدو أن السفير فريمان لم يرغب فى خوض المعركة حتى النهاية، أو ربما لم يرد أن يُسبب إحراجاً لإدارة الرئيس أوباما خلال المائة يوم الأولى فى البيت الأبيض.

ويقول مُراقبون تحدثت إليهم فى واشنطن إنه لو أن الرئيس أوباما كان قد صرّح علناً بأنه يُؤيد ترشيح الأدميرال دينيس بلير لكان السفير قد استمر فى المعركة، ومن يقولون ذلك يوحون أن أوباما لم يفعل ذلك لأنه هو نفسه لا يُريد مواجهة مُبكرة مع اللوبى الصهيونى فى الوقت الذى تزدحم فيه مائدته بملفات أكثر إلحاحاً وأهمية.

وخلاصة القول، على هذا النحو، هو أن أوباما قد أخفق فى هذه الجولة من جولات إدارة سياسة أمريكا الخارجية، وأن تقديره فيها لا يستحق أكثر من «مقبول» لذلك لا بد من المُراقبة المُكثفة لبقية الجولات القادمة، خاصة خلال العام الأول من إدارته.

والله أعلم.

اجمالي القراءات 9175

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   Mohamed Awadalla     في   الخميس ٢٦ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[36242]

good initiative

I'm glad that we have the chance to study the Obama case with you, from political stand point, thanks for taking the initiative.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,325,065
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt