المسح الشامل للواقع الثقافي المصري :
المحور الرئيسي لمعرض القاهرة للكتاب 22

احمد شعبان Ýí 2006-11-02


أولا: الهوية والتراث
يقول الدكتور / احمد محمد خليفة
مدير المركز الإقليمي العربي للبحوث والتوثيق
لعله من الطبيعي أن يكون في إطار اهتمامنا أن نعمق فهمنا للذاتية العربية من خلال دراسة التراث وتحليله ، وبحث مدى ما يمكن أن يقدمه لمسيرة المستقبل .
وجدير بالذكر أنه قد سبق للمركز وبالاتفاق مع الجامعة التونسية عقد ندوة " الذاتية العربية بين الوحدة والتنوع " في يوليو 1978 كبداية على هذا الطريق ، تلتها ندوة " الأنماط الاجتماعية والثقافية في المجتمع العربي " في نوفمبر 1987 .
المزيد مثل هذا المقال :

وأخيرا رؤى ضرورة دعوة عدد من المفكرين والباحثين المصريين إلى ندوة حول "الهوية والتراث"عقدت في ديسمبر 1983 بمقر المركز بالقاهرة ، وانتهت الندوة إلى توصية بعقد ندوة موسعة حول الموضوع على المستوى العربي .
ويسعدني أن أقدم للقارئ العربي وقائع هذه الندوة ، لعل في نشرها مساهمة متواضعة في تبادل الأفكار حول هذه القضية الهامة التي ستثير الاهتمام والجدل إلى وقت طويل ، فضلا عن أن في النشر ما يدعوا إلى مزيد من فتح الحوار حول القضايا التي طرحت مما يحقق عائدا أكبر للندوة العربية القادمة .
وادعوا القارئ أن يشاركنا التفاؤل في إمكان بلورة القضايا المتعلقة بمصيرنا كأمة عربية واحدة بشكل يساعدنا على تحقيق نهضة حضارية عربية شاملة .

تقول د / سهير لطفي
في وقت الأزمات تظهر تيارات فكرية تبحث في الهوية الحضارية ، ففي حقبة السبعينات ظهرت التيارات الفكرية الإسلامية التي تبحث عن الهوية في التراث الإسلامي ، فالفكر الإسلامي في تلك الحقبة عبر عن خصوصيتها وعن مضمون التغيرات والمشاكل التي أدت إلى فرز هذا النوع من الفكر ، وتجسد هذا الفكر في شكل حركات اجتماعية مسيسة معارضة تقدم التراث الإسلامي كبديل أيديولوجي وكتعبير عن اغترابها عن السلطة والمجتمع ، وعن بحثها عن الهوية والانتماء خارج النطاق المتعارف عليه في المجتمع ، ونحن نعلم أن الاتجاهات والتيارات الفكرية تعبر عن واقع وتاريخ المجتمع ، وأن تفسير نشوء ونمو تلك التيارات يحتاج إلى معرفة واقع وتاريخ المجتمع كما يحتاج إلى معرفة الخلفية الفكرية والسياسية والاجتماعية لممثلي الاتجاهات والتيارات الفكرية .
ونعتقد أن طرح موضوع الهوية والتراث للمناقشة يستلزم :
أولا : تعريف الهوية والتراث كنتاج للتطور التاريخي للمعرفة .
ثانيا : تحليل علاقة كل منهما بالآخر .
أولا : تعريف الهوية والتراث
الهوية :
تنوعت تعار يف الهوية بين الخصائص النفسية والحضارية والاجتماعية والسياسية ، فاعتبرها البعض الإدراك الحضاري المتميز للمجتمع الذي يتبلور في الشعور بالانتماء وفي التعبير عن هذا الشعور سياسيا ، ورأى البعض الثاني أنها تجسيد السمات النفسية والاجتماعية والحضارية ، واعتقد البعض الثالث أنها السمات التي ترتبط بالفرد نتيجة لانتمائه للمجتمع ، وركز البعض الرابع على السمات المميزة لدولة قومية والتي تعبر عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي لتاريخ المجتمع ... إلخ .
كما اختلفت الآراء حول استخدام مصطلح الهوية بمعنى الشخصية أو الطابع القومي أو الطابع الاجتماعي أو الطابع الحضاري ...
وعموما فإن طرح مفهوم الهوية يثير العديد من التساؤلات أهمها :
• هل الهوية هى صورة مؤلفة من أكثر السمات شيوعا في المجتمع ؟
• هل الهوية ثابتة ضمن سياق اجتماعي معين أم أنها متغيرة ضمن السياق الاجتماعي ؟
• هل الهوية تعني الخصائص النفسية فقط أم أنها تحوي خصائص ومفهوما سياسيا واجتماعيا وحضاريا ؟
• ما مدى علاقة الهوية بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتاريخي للمجتمع ؟
• ما هي مقومات الهوية ؟
أعتقد أن التعريفات ايفات السابقة لمصطلح الهوية غير صحيحة إلا إذا وضعنا أمام كل تعريف كلمة " الجانب السلبي " لأن الهوية تعبر تعبيرا صحيحا عن الجانب السلبي للإنسان " هواه .
وعليه يمكن استبدالها بكلمة " الذاتية " لأنها تحوي الجوانب الإيجابية والسلبية ، فهي أكثر عمومية .

التراث :
واختلفت الاتجاهات والتيارات الفكرية في تعريف التراث ، فالبعض يرى أن الإسلام كدين وحضارة هو التراث العربي ، والبعض الثاني يعتقد أن أساس الحضارة الإسلامية اللغة والثقافة العربية التي انبثق منها الدين الإسلامي ، والبعض الثالث يؤكد على أن على أن التراث مكون من مكونات الثقافة ويتفاعل فيها مع المكونات الأخرى ...ألخ .
ومهما يكن من شأن الاختلافات في تحديد تعريف لتراثنا ، فإنه يتميز بسمة الانقطاع الحضاري عن حاضرنا ، مما أدى إلى قول البعض بأن ماضينا أي تاريخنا ليس على متصل واحد مع حاضرنا ، وإلى القول أيضا بأن ماضينا في مواجهة تنافسية مع حاضرنا ، في مراحل أزماته ، وإلى فقدان البعض النظرة التاريخية – أي التراث .
والتساؤلات التي قد تطرح نفسها الآن :
• هل التراث يمثل حضارة واحدة أم يمثل عدة حضارات إذا اعتبرنا التراث بوتقة لثقافات المجتمع المختلفة بمراحلها المتعددة وبمواقفها المتباينة ؟
• وإذا أن التراث هو الحضارة الإسلامية أو أي حضارة أخرى فالسؤال هو :
أي مرحلة تاريخية ضمن كل حضارة تمثل التراث ؟
• ألم تؤثر سمة انقطاع تراثنا عن الحاضر على صلاحيته لواقع السياق الاجتماعي لحاضرنا ؟ وما هي علاقة حاضرنا بتراثنا ؟
• ما هو الفرق بين التراث والثقافة ؟
علاقة الهوية " الذاتية " بالتراث
القول بوجود هوية منبثقة من تراثنا أو من نمط الإنتاج السائد أو التركيبة الاجتماعية الاقتصادية وما قد يطرأ عليها من تغييرات سريعة – قد يطرح العديد من التساؤلات :
• هل التراث كأحد مكونات التركيبة الاجتماعية الاقتصادية يشكل الهوية ؟
وإذا كان كذلك فهل التراث المكون الوحيد للهوية أم أن هناك مكونات أخرى تساهم في تشكيل الهوية .
• هل للتغيرات والتحولات المجتمعية التي يمر بها مجتمعنا اليوم دور في تشكيل الهوية ؟
• هل للعوامل الخارجية دور في تشكيل الهوية ؟
• ما هو وزن كل مكون من المكونات السابقة في تشكيل الهوية ؟
• هل البحث عن الهوية في تراثنا – أي "تاريخنا" المنقطع الصلة عن الحاضر – يجسد حالة الرفض والاغتراب عن السياق الاجتماعي لحاضرنا .
• ما مدى صحة القول بأن الثقافات على المستوى العالمي تتقارب في اتجاه تكوين ثقافة ذات طابع عالمي اليوم ؟ وما مدى تأثير ذلك على الهوية ؟
• وأخيرا من نحن ؟ وهل ندرك المحددات الأساسية لهويتنا ؟
ويمكن تلخيص أهم ما جاء في المناقشات على النحو التالي :
د خليفة
إننا إزاء موضوع معقد جدا وقديم جدا ، والسؤال المطروح كان دائما :
هل نتوقف ؟ أم نسير عشوائيا ؟ أم نساير جماعة أو حضارة أخرى معينة ، أم نجمد ونعود ؟ ونعود إلى أين ؟
الموضوع هو البحث عن الموقع الذي نحن فيه ، وما يجب أن نكون عليه .
أسئلة ترد بكل المصطلحات مثل " السلفية والتحديث ، والذاتية والتغريب ، والنموذج العالمي والتداخل الحضاري ...ألخ .
والموضوع عولج من جميع النواحي ، وقد عولج في مراكز بحوث متخصصة وبالذات في ألمانيا وفرنسا .
فقد سبق لنا القيام بندوة بعنوان " الذاتية العربية بين الوحدة والتنوع " وقد تمت بالاتفاق مع جامعة تونس ، في إطار عربي ، فهو يتبين الوحدة العربية من خلال أوجه التشابه التي خرجت الندوة بأنها أعلى وأعظم بكثير من نقاط الخلاف النوعي بين الشعوب العربية ، مما يؤكد أن الأمة العربية والوحدة العربية شئ قائم رغم الاختلافات الظاهرية . والسؤال الآن لماذا ندرس هذا الموضوع ، البعض يقول من أجل السلام كما تقول الأمم المتحدة واليونسكو ، والبعض يقوم بهذه الدراسات لأسباب استعمارية محضة مقصود بها إحداث كسب استعماري ، وكما حدث فعلا أن تم محاولة استقطاب صفوة هذه المجتمعات المستعمرة وإذابتها في الحضارة الغازية أو المسيطرة وعن طريق هؤلاء يمكن حكم الجماهير ، لأنه يمكن خلالها السيطرة على مقدرات هذه البلاد
، لكن الأهم بالنسبة لنا هو موضوع التنمية بالسعي لأن نكون شعبا أفضل .
فالتساؤلات مثل : من نحن ؟ وما هويتنا ؟ وما قيمة تراثنا ؟ لا تطرح لمجرد الاستمتاع ، ولكن للوصول إلى ماذا نصنع بهذه الهوية وبهذا التراث في معترك هذا العالم .
والمنهج : إما أن تكون دراستنا دراسة كلية للثقافة بإزاء ثقافات أخرى ونبحث عن مكاننا إزاء هذه الثقافات وهذا مدخل فلسفي " تنظيري أكثر منه مدخل علمي " من الصعب الوصول فيها إلى قنا عات معينة .
ولأننا هنا نحاول أن نعزل مكونا ما ، فهذا يعطينا الفرصة لتطبيق المنهج العلمي بصورة أوضح .
والبعض الآخر قد يقول بأننا نعيش قلبا وقالبا في قالب غربي .
لقد حدث تغير حقيقي في البيئة فلا يصح أن نقابل هذا التغير الحقيقي بنظرة حالمة مرتدة .
والمسألة أساسا هو الثورة العلمية والثورة التكنولوجية المترتبة عليها وهل يمكن أن نعود بالعيش إلى ما قبل هاتين الثورتين ؟ أم انهما وجدتا لتبقيا ولتعيشا في المجتمع البشري بالكامل .
علاوة على استخدامنا مناهج ومراجع ومصطلحات وتعبيرات تنتمي لهذا الشئ الذي نريد أن نرفضه ولا نعترف به " الحضارة الغربية " .
الغرب يقول لنا حافظوا على عوامل التماسك والاندماج في حضارتكم وأنتم تحاولون الأخذ بحضارة أخرى .
هل كان يمكن لهذه الثورة العلمية التكنولوجية التي بدأت مع عصر النهضة في أوربا ، هل كان يمكن أن تكون إسلامية ، حيث كانت المراكز العلمية في منطقتنا في القاهرة وبغداد وبخارى وسمرقند وقرطبة ، ومن كان يريد أن يتعلم من الغربيين كان يأتي إلى هذه المراكز لنقل العلم إلى اللاتينية سواء كانت علوما عربية أو علوما نقلها العرب عن الإغريق .
حتى بعد اجتياح هولاكو لبغداد ، انتقلت الدولة الإسلامية وازدهرت في الأندلس حتى جاء القرن الخامس عشر وطرد المسلمون من غرناطة وجاء كولمبس يمثل حضارة غربية مسيحية .
هل كان من الممكن أن تكون أمريكا اليوم سليلة فتح إسلامي ، والحضارة الأمريكية حضارة إسلامية ؟ مجرد فرض .
فهل نأخذ من ذلك درسا في القرن العشرين حتى لا يزداد تدهور الحضارة الإسلامية لحساب الحضارة الغربية ، أم يجب أن نصلح من شأنها لنقطع مسافة التخلف أو بعض منها .
فؤاد مرسي
على الرغم من أن هذا الموضوع قتل بحثا إلا أمه مازال غامضا ، ويحتاج إلى تحديد ولاشك أن مثل هذا التحديد سيكون ملونا بالفكرية التي يصدر عنها كل من يحاول هذا التحديد ، والموضوع يعبر عن أزمة حضارية على مستوى عالمنا العربي ، والسؤال من نحن المصريين ومن نحن العرب وذلك نتيجة الانكسارات التي أصيبت بها الأمة وخاصة بعد نكسة 67 ، ولذلك ففكرة الهوية هي تحديد للشخصية الذاتية والتي تتكون من ومقومات بعضها ثوابت البعد المكاني الذي يحدد العلاقة ببقية العالم والجماعات البشرية الأخرى ، البعد الزماني الذي يحدد الذاكرة المختزنة للجماعة البشرية المعنية على مر الزمن ومكوناتها من لغة ودين وعلم وأدب وفن ونظم حكم وبعضها متغيرات وتتشكل مما نسميه التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية السياسية وتتحدد بصفة عامة فيم تتمثل حضارة المصريين ، ونؤكد على عناصر معينة من الثقافة مجملها عناصر متصلة بفعل فاعل من غزو أجنبي أو قهر داخلي ، ومن ثم يمكن أن تختفي معالم ثقافية معينة لفترة معينة ، يمكن أن تعود بعد ذلك ويمكن ألا تعود .
وإذا أردنا أن نحدد هوية المصريين وهوية العرب في الوقت الحالي فإن هذه الهوية تتشكل عندئذ من الموقع " عبقرية المكان " ، ومن هنا تظهر مشكلة أساسية بالنسبة للعالم العربي ، وهي أن ظاهرة القومية لتحديد الشخصية العربية لم تكتمل بعد ، وانها بسبيل الاكتمال ، وتستطيع أن تجد عوامل إثراء تتمثل في التهديد أو التحدي الماثل حاليا من غزو أجنبي أو احتلال أو استيطان ، ومن عوامل تبعية متوافرة بل ومن هياكل تبعية جديدة ، لذلك يوجد شعورا بالاغتراب داخل الجماعة البشرية العربية والمتمثل في الغرب ، بعضها يمكن أن يكون شعورا بالنقص أو الدونية وبعضها شعور بالاستعلاء ورغبة في نفي هذا الغرب أو رفضه ، وهنا تطرح كافة القضايا الخاصة بالأصالة والتحديث ، ويتم الرجوع إلى ما يسمى بالسلفية ، رغما عن هذا فإن العالم العربي ظل على اتصال حضاري بالعالم وعلى تفوق حضاري وعلى عدم الاحساس بالدونية فترات طويلة فيما بعد ظهور الإسلام ، ثم أتت فترة مظلمة والتي تدفع إلى الرجوع للماضي البعيد وهي فترة الغزو العثماني والتي فصلت مصر عن تيار الحضارة المتدفق عالميا مما أدى إلى العزلة ، ومن سنة 1497 تاريخ اكتشاف رأس الرجاء الصالح ، وما أعقبه من هزيمة الأسطول التجاري والحربي المصري على يد الاسطول البرتغالي ، وما أدى إليه من انهيار في الدولة المصرية وما تبعه من عصر الانحدار والانحلال في المجتمع العربي " عصر الظلام الذي امتد على الأقل لثلاثة قرون ، وحضارة اليوم تعتمد في الأساس على العلم بالمعنى الذي يعطي للعلم الأولوية على التكنولوجيا وأصبحنا في تخلف عن عالمنا بالقدر الذي أصبحنا فيه فاصلين بين العلم والتكنولوجيا ، وأغلب الأحيان مستوردين للتكنولوجيا لا خالقين ولا صانعين لها .
وعندما أنظر لمجموعة الثقافة العامة بالمعنى الحضاري سأجد أن هذه الثقافة نوعان :
ثقافة متصلة موصولة تجري في دمائنا " التراث الحي " ، وهناك " التراث المتحفي " ، ذكرت أن البعد الزماني للشخصية تدخل فيه اللغة والدين والعلم والأدب والفن والنظم والمثل والقيم نتيجة لقاءات أو صدامات مع حضارات أخرى ، لكن يبقى عنصرا كالإسلام مثلا ظل هو لغة وثقافة مصر منذ الفتح الإسلامي حتى الآن وحتى القرن التاسع عشر كان التعليم في مصر موحدا وكان التعليم العالي هو الشريعة الإسلامية ، والمشكلة بدأت منذ محاولات التحديث ، والتي حينما تطرح كصراع بين الأصالة والتحديث تعتبر مشكلة مطروحة بأسلوب مغلوط .
احمد خليفة : ينتقد التعود على القول بأن الدولة العثمانية هى المسئولة الأولى عن تدهور الحضارة الإسلامية لوجود رؤى أخرى .
السيد ياسين












التنوع الثقافي في ظل العولمة

مثلما الحوار يجعل الأفكار تتكامل لتقترب من الصحة قدر الإمكان ، هكذا التنوع الثقافي يجعلنا كأمم نتكامل مقتربين أكثر من الحقيقة لتطوير الحضارة الإنسانية ، لأن لكل ثقافة نمطها الفكري ، وهذا هو سبب الإبقاء على اللغات المتعددة لأنها الوجه الآخر للأفكار التي ترى أحد أو أكثر من وجه للحقيقة ، فبتكامل الأوجه يظهر المنظور المتكامل .
وحينما ننظر لمصر داخل مجموعة من الدوائر المتقاطعة
أولا الدائرة التاريخية
تنوع ثقافي غير متبلور ، واعتياد على التبعية سواء كان لبشر أم لبشر إله .
ثانيا الدائرة العربية
بحكم اللسان وبالتالي الفكر ، وألفاظ العربية لا تساير المنطق العقلاني ، وبالتالي ارتباك
ثالثا الدائرة الإسلامية
بحكم المعتقد والمنطلقات ، والإسلام مختلف فيه " فرق ومذاهب " ، ولا يجب القياس على المعتقدات الأخرى ، و إلا لا لزوم له .
رابعا الدائرة الأفريقية
بحكم الجغرافيا ، وهذه متشرذمة
خامسا الدائرة الشرق أوسطية
بحكم المناخ ، وفيها تباعد
سادسا الدائرة العالمية
بحكم الإنسانية ، وفيها صراع
وعليه لم نستطع تحديد الهوية المصرية ، لأننا لم نستطع تحديد هوية أي من هذه الدوائر .
وبالتالي مصر داخل مجموعة من الظلال المعتمة ، لذا فنحن نتخبط في الظلام .
فلا أمل أمامنا إلا أحد أمرين ، إما أن نتمسك بأهداب المتقدم ونسير في ركابه ونظل تابعين للأبد وهذا ما نسير فيه وللأسف بغير جدية وإما البحث الجاد داخل هذه الدوائر عسى أن نتعرف على الدائرة التي يمكن أن تستوعب كل هذه الدوائر ، وتكون منا بمنزلة القلب لنشارك بها في تقدم الحضارة الإنسانية .
وأنا على يقين من أن الدائرة الإسلامية يمكن أن تستوعب كل الدوائر ، وأيضا الهوية المصرية ، بل كل ألهويات على مستوى العالم .
نحن يا سادة نحتاج كما قال كوفي عنان إلى رؤية راديكالية جدا ، والتي تعني الفطرية والجذرية والأصلية والثورية على أخطاء الواقع المعاش .
وأعتقد أن لدي هذه الرؤية فهل تسمحوا لي بعرضها .
1 - آثار العولمة على التعدد الثقافي

ما يقدمه تحدي العولمة من انفتاح على الثقافات الأخرى ، يؤدي إلى استنفار استجابات المجتمعات النامية نحو البحث عن دور إيجابي في السياق الحضاري .


كانت ندوة آثار العولمة على التعدد الثقافي هي أولى الندوات الهامة في إطار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين والتي تحدث فيها المفكر الكبير د / عبد الوهاب ألمسيري ، د / طارق حجي ، جونز الو فرنانديز " أسبانيا " ، دينيس بريال " فرنسا " وأدارها د / مصطفى الفقي .
ناقشت الندوة تحدي العولمة من انفتاح على الثقافات الأخرى وجاءت كلمات المتحدثين لتتفق جميعا على أن العولمة خطر لابد من مجابهته والانخراط فيه في نفس الوقت للتأثير فيه والتأثر بإيجابياته .
وقد بدأ الندوة الدكتور عبد الوهاب ألمسيري بقوله لم يحدث في تاريخ البشرية أن أصبحت الحروب متواصلة مثلما حدث في العصر الحديث ، وقال أن الإنسان الحديث ينفق على أسلحة الدمار أكبر مما ينفقه على الإنتاج وقال أنه كان يجلس ذات مرة أمام التليفزيون وسمع أن أمريكا وروسيا لديهما أسلحة نووية تكفي لتدمير العالم عشرين مرة ، وتحدث ألمسيري عن التعريف الوردي للحداثة والعولمة باعتبارها تمثل حرية التجارة وانتقال السلع بين الأسواق بدون قيود لكنه قال أن أهم سلبيات العولمة أن 90% من الشركات العابرة للقارات هي شركات غربية وهو ما يجعلنا ننظر إلى العولمة على أنها شكل جديد من أشكال الهيمنة الأمريكية على العالم ، وتطرق الدكتور ألمسيري للحديث عن فساد النخب الحاكمة التي أصبحت التي أصبحت جذورها تمتد للخارج ، أي أن مصالحها الشخصية تتفق مع مصالح النظام العالمي الجديد وليست نابعة من مصالح الشعوب أو مصالحها القومية مشيرا إلى أن العولمة أفرزت قاعدة خطيرة وهى التمركز حول الغرب أي أن الغرب هو الذي أصبح يدير العالم كله وهو النموذج الأمثل للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفقا لهذا التصور ، ويضيف ألمسيري أن العولمة تعمل لصالح الأغنياء الذين يمتلكون كل وسائل الرفاهية ومن المستحيل أن تصل شعوب العالم الثالث وبالتحديد الشعوب العربية والإسلامية لمستوى معيشة شعوب العالم الغربي الذين يستغلون ما يقرب من 80% من إنتاج العالم وقال د ألمسيري أن جورج دبليو بوش قد وضع نهاية للتعريفات القديمة للعولمة بعد أن قام بتدمير أفغانستان والعراق وقضى على فكرة العولمة الثقافية ، ونقل ما قاله بيريز للمثقفين " جربتم قيادة مصر للشرق الأوسط ولم تستفيدوا شيئا فلتجربوا قيادة إسرائيل وسترون الفرق ، وبذلك تكون الهيمنة العسكرية هي البديل للعولمة أو الهيمنة الثقافية .
ثم تحدث جونز الو فرنانديز من أسبانيا وهو يتكلم العربية بطلاقة متحدثا عن مدرسة طليطلة للترجمة بين العربية والأسبانية لتحقيق التقارب بين العرب والأسبان ، وقال أن العملية لابد ألا تقتصر على الترجمة ولكن لابد أن تشمل إقامة معارض كتب وتعليم الأطفال وتثقيفهم بالثقافات الأخرى ، ثم تحدث د / طارق حجي الذي وصفه د الفقي في سياق تقديمه بأنه مثقف موسوعي وخبير بعلم الإدارة ولديه ثقافة إسلامية واسعة وأنه أحد المهتمين الجادين بالشأن القبطي ومن ثم فإنه يعد بحق أحد نماذج العولمة .
وبدأ طارق حجي مداخلته قائلا أن الأسئلة مبصرة والأجوبة عمياء وهو مؤمن بهذا المثل ولذلك أكد أن كلمته لن تكون بها أحكام مسبقة وقال أنه لا يفضل لفظ العولمة والكوكبة في بعض الترجمات العربية وقال أنها كلمة سيئة السمعة وقال أنه يستعمل كلمة عالم ما بعد الحرب الباردة ، وقال أنه بعد الحرب العالمية كان للغرب أربعة أعداء هم اليابان وإيطاليا الفاشية والإتحاد السوفيتي والعرب وقال أن الغرب تخلص من عدوين لدودين في الحرب العالمية الثانية هي اليابان وإيطاليا ثم استغرق 45 عاما للتخلص من شريكه في الحرب الإتحاد السوفيتي ثم بدأ عصر جديد هو عصر العولمة ، وقال أنه يؤمن بعالمية المعرفة في العلوم الاجتماعية كما هو الحال في العلوم التكنولوجية وقال أن التنوع الثقافي معلم من معالم الحياة وأنه يثري الحياة ولا يقوضها وقال عندما دخل غير العرب في الثقافة العربية أثروها كثيرا فالفارابي وسيبويه لم يكونوا عربا وأثروا الثقافة العربية وكان كذلك البخاري الذي أثرى الثقافة الإسلامية ، وقال د طارق حجي أن هناك تعددية ثقافية في سويسرا والهند وقال أن هناك ملاحظة هامة جدا وهى أنه برغم عمليات العنف التي تقوم بها بعض الجماعات المسلحة إلا أنه ليس من بينهم فرد واحد هندي لأن ثقافة التعددية قد طبعت في سلوكهم بالرغم من وجود 150 مليون مسلم بالهند وقال أن السبب في التعصب هو فكرة الو لاءات داخل القبيلة ومن ثم ينتفي كل ما من شأنه أن يؤصل لفكرة عدم التعددية أو التنوع الثقافي ، وقال أننا لا نستطيع أن نتعامل مع العالم دون أن نعرفه وعبر عن دهشته لوجود أعداد كبيرة من مراكز الأبحاث الحكومية وغير الحكومية لدراسات الشرق الأوسط ومراكز دراسات للشئون اليابانية والإيرانية أما نحن فلا يوجد لدينا مراكز لدراسات الآخر والتعرف عليه وهناك لديهم رغبة في التعرف علينا باعتبارنا الآخر بالنسبة لهم أما فلا يعنينا أن نعرف أن نعرف شيئا عن الغرب لابد وأن يعرف كل مصري مفردات الإدارة الأمريكية وأنها ليست البيت الأبيض فقط بل مراكز أبحاث وهيئات كثيرة كلها تشترك في القرار وليست هناك جهة واحدة تستأثر باتخاذ القرار ، وأضاف د طارق حجي أنه لا يوافق على قول د ألمسيري من أن أمريكا دولة مفترية وقال أن البديل أمامنا هو العمل الذهني فلابد من معرفة الآخر والتعامل معه خاصة أن لديهم الرغبة في معرفتنا أما نحن فليست لدينا هذه الرغبة ، وقال أن المتعاملين مع أمريكا ثلاثة أنواع هم المناطح والخادم والمنافس وهى الدول التي لها دور هام مؤثر وقال أن المناطح مصيره معروف والخادم لا يحصل إلا على الفتات أما صاحب الدور المؤثر فهو من يقتسم أجزاء من الغنيمة وقال أن مصر مؤهلة للقيام مؤثر في العالم خاصة إذا استطاعت القيام بعمليات تنمية حقيقية داخلية وعندما ستكون دولة مهيمنة في المنطقة ، وأشار د طارق حجي أننا نعيش في عالم ملئ بالهلع خوفا من أن تقتلع ثقافتنا العربية ، فهل ثقافتنا العربية بهذه الهشاشة ، وقال علينا أن نتعامل مع الآخر دون خوف من أن يقتلعنا من جذورنا ولنضرب مثلا لذلك عندما تشتت اليهود بين شعوب العالم لمدة 2000 سنة هل ضاع اليهود هل ضاعت ثقافتهم واندثرت لا بل ظلت موجودة حتى تجمعوا في إسرائيل ، الثقافة التي تذهب وتندثر هي الثقافة الضعيفة ، وقال أن رموزنا الثقافية هم من كانوا يعرفون ثقافات الآخر مثل طه حسين والعقاد .
وقدم د مصطفى الفقي السيد دينيس بريال صاحب إحدى دور النشر الفرنسية وقال أنه مهتم بالشأن القبطي في مصر والحوار بين الأديان وأشار إلى أنه يشترك معه شخصيا في نفس الاهتمام حيث حصل د الفقي على درجة الدكتوراه عن بحث بعنوان " الأقباط في السياسة المصرية " .وتحدث دينيس بريال عن دار النشر التي يملكها وتحمل اسم " لاماتان " وقال أن هناك أربعة مبادئ تعمل على أساسها دار النشر هي احترام الشعوب في تقرير مصيرها أن نحترم ثقافة كل شعب وكذلك احترام حقوق الإنسان للمرأة والرجل أما النقطة الثالثة فقال أن باريس عاصمة قبلية فهي تعد عاصمة عربية أيضا لأن بها 6 ملايين عربي مسلم وهى أيضا تعد عاصمة لأمريكا الجنوبية لوجود عدد كبير من الجاليات من أمريكا الجنوبية والنقطة الرابعة التي تحكم عمل دار نشر لاماتان أنها تشجع عملية البحث وقال أنه تم طرح عدد من الكتب التي تساعد في عملية البحث العلمي وقال أنها أنتجت 20 ألف عنوان كلها عناوين متنوعة وكلها تحاول التعرف على الآخر وهم العرب والعالم الثالث وقال أن العالم الثالث غير معروف لدى الغرب وهذه مشكلة خطيرة جدا ، وأضاف أن على الأوربيين أن يعلموا الكثير عن الآخر .
وقدم د الفقي بعد ذلك الدكتور عصام عبد الله الأستاذ بجامعة عين شمس الذي افتتح كلامه ببيت الشعر القائل " من كان في الهوة لا ينحدر " وقال لابد أن نفرق بين العولمة والأمركة فالعولمة خطر أيضا على أمريكا كما هي خطر على الآخرين ، وقال أن العولمة لازالت في بدايتها وليست هي فقط التي نحياها الآن مشيرا إلى أننا أمام مهام رئيسية وهى مقولة اقتبسها من د الفقي فصل الدين عن السياسة وأن نقتسم الثروة بالعدل وأنه لابد من مراعاة حقوق المرأة والأقباط وتحدث عن ضرورة أن نتعامل مع العولمة بدون مراهقة فكرية أي أنه علينا أن نتعامل معها بمنطق الفلسفة وأن نصادق جميع المفاهيم بما في ذلك العولمة لا أن نتعامل معها بنظام المحب الذي يحب أو يكره ولا يصادق لابد أن نتعامل مع العولمة بمنطق الصداقة .
وعلق الدكتور طارق حجي على بعض المداخلات قائلا إننا نريد أن نعرف الآخر وهى أمريكا وشدد على أن تكون لدينا معرفة بلا حدود عن كل شئ أمريكا وغيرها ، وقال أن من حق أمريكا أن تعمل من أجل مصالحها وكذلك إسرائيل أما نحن فليس لدينا من يعمل لمصالحنا فالحكام لدينا يعملون لمصالحهم ، إن الخطر الموجود بالداخل أكثر خطورة مما هو قادم من الخارج .
2 – هويات الشعوب في عالم القطب الواحد
يناقش هذا المحور – على المستوى الفكري – مقولة طاغور " إنني على أتم استعداد لأن أفتح نوافذي أمام الرياح ، شريطة ألا تقتلعني من جذوري " .
أجمع المشاركون في ندوة المحور الرئيسي حول " تعدد الهويات في عالم القطب الواحد " تلاشي المخاوف من العولمة ومن فرص قمعها لهويات الأمم والشعوب في هوية واحدة وبرهنوا على ذلك بأحدث آليات العولمة وهى الانترنت الذي أثبت حتى الآن أنه أكبر مدافع عن هويات الدول الصغرى .، وأكدوا أن التذرع بالخصوصية لرفض الثقافات الأخرى أكبر خطأ فكري ومنهجي يخرجنا من التاريخ مشددين على أهمية تعزيز الهوية المصرية والعربية بالارتكاز إلى إحياء التراث ونقده ، وتعزيز الهوية بالمعنى الإيجابي الذي ينتصر للبحث العلمي ويوقف نزيف العقول وهجرتها ويفيد من معطيات تكنولوجيا العصر ، واعتبروا أن الخطر الأمريكي الذي يقود العولمة لا يبرز سياسيا ولا اقتصاديا بدليل الفشل الأمريكي في العراق وأفغانستان وإنما يكمن في الميدان الثقافي عبر تفوقها التكنولوجي وثورة المعلومات ودعوا لضرورة امتلاك أسباب القوة الثقافية حتى نستطيع إثبات وجودنا وممارسة التأثير في النظام الدولي الندوة أدارها الكاتب الصحفي نبيل عبد الفتاح وشارك فيها كل من المثقف والناقد سمير غريب ، د نبيل ذكي رئيس تحرير صحيفة الأهالي ، د احمد أبو زيد عميد آداب جامعة القاهرة .
في البداية تحدث مدير الندوة نبيل عبد الفتاح عن تعدد الهويات كموضوع تم تناوله في العديد من الأدبيات المعاصرة عبر العديد من الكتابات العربية والعالمية بعد انتهاء الحرب الباردة بوصفها موضوع ذات طابع زلزالي اثر على التوازن في ميزان القوى الفعلية ، كما ارتبط بذلك تغيرات على الصعيد الثقافي والرمزي من خلال هيمنة القطب الأمريكي على العلاقات الدولية وقيادتها للعولمة وتأثيرها على الهويات مشيرا إلى تداخل هذه الموضوعان فيما بينها في الوقت الذي تتداخل فيه أيضا وموضوعات الطوق للحريات والديموقراطية وتأصيل ثقافة حقوق الإنسان بصفة عامة كسلوك وفي مواجهة التحديات الخارجية التي تزعم الإصلاح السياسي الداخلي ، وأضاف أن موضوع الهيمنة يتداخل أيضا في الموضوعات الداخلية الخاصة بالمعارضة ، ونظام الحكم وعربيا في ملف القضية الفلسطينية والعراقية والسودانية ويحذر في ذلك من أعادة تكرار مقولات سابقة للغرب في القضايا السياسية الجديدة ويلفت إلى أن مشكلة طرح الهويات يثار غالبا في فترات الهزائم مثلما أثيرت في أعقاب هزيمة يونيو 1967 وعلى ذلك فان إشكالية الهوية عالميا برزت في عدد من الموضوعات الرئيسية عقب الحرب الباردة والأيديولوجيات الكبرى مما أدى لانسحاب المجموعات العرقية الكبرى واللغوية إلى الهويات المؤسسة لها في الماضي ولكن ذلك لم يؤد إلى حدوث انشطا ر في لهوياتها ، ويرصد مدير الندوة حقيقة التزاوج الحادث في عالم الصورة والمعلومة كنتاج ل تكنولوجيا المعلومات حيث اظهر - في المقابل – حالات تشظي داخل مجتمعات عديدة حولتها من حالة الحداثة لمجتمع ما بعد الحداثة معرفيا وثقافيا وأخلاقيا أحدثت بدورها شروخا واضحة في الهويات ومع أحداث 11 سبتمبر حدثت تحولات كبرى في الموقف من الإسلام ومن الهويات الأخرى دفعت الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على تبني عقيدة دفاعية جديدة نحو النزعة الوقائية وإعادة صياغة العالم مجددا عبر فرض قيم موحدة للأسواق ظاهرة العولمة .
وأوضح نبيل عبد الفتاح انه لا يتفق مع النقد الموجه ضد مجتمع ما بعد الحداثة بما تلغيه لحدود الدول وفقد الدول سيطرتها على حدودها لان هذا الإلغاء أدى إلى انتشار قيم إنسانية مشتركة كالصداقة والاحترام وهو ما انعكس على الهويات مشيرا إلى أن الاتجاه الذي يسير فيه عالم اليوم لن يؤدي لقمع الهويات لان العولمة وسيطرة الرأسمالية لن تؤدي لتآكل الهويات بدليل أن الانترنت ساهم وساعد الدول الصغرى في إبراز والدفاع عن هوياتها ليس قصرا وإنما قد يلغيها رضا ، وتحدث نبيل ذكي رئيس تحرير صحيفة الأهالي المعارضة عن أن فكرة خطر العولمة وتهديدها للهويات كانت في بدايات التعامل مع العولمة مثلما أشارت لذلك تقارير اليونسكو من قبل وتوضيحها أن هناك العديد من اللغات قد انقرضت أو تواجه خطر الانقراض أما الآن فان هذه المخاوف قد تلاشت ولم تعد سائدة بسبب التعثر الواضح للولايات المتحدة في السيطرة على العالم وانحسار قوة ضغطها وهيمنتها بعد فشل مشاريعها في العراق وأفغانستان بجانب إفلات عدد كبير من الدول في أمريكا اللاتينية في الإذعان للقطب الأمريكي وإعلان اعتزازها بذاتها ، وأضاف إننا لا يمكننا الآن التذرع بالخصوصية لرفض ثقافات الأمم الأخرى مطالبا بضرورة إحياء التراث الفكري للأمة العربية من منظور نقدي ، في الوقت الذي يجب أن نتفاعل فيه مع منجزات العصر الحديث وثقافات الشعوب لأن التاريخ لا يقبل بثقافة العزلة .ويتوقع د نبيل ذكي أن يتحول القطب الواحد إلى قطب متعدد خاصة في ظل اصطدام نظرية الحروب الاستباقية والوقائية التي تقودها أمريكا بالفشل الذر يع ، حيث أثبتت التجربة انه لا يمكن لدولة واحدة تعتمد على قوتها العسكرية أن تفرض سيطرتها على العالم .
وأشار إلى أن مخاوف الصين السابقة من الإذعان لما هو غربي سرعان ما تلاشى بحكم أنها حضارة صينية عريقة تملك أسباب قوتها الثقافية والاقتصادية وهذا يعني أن الدول ذات الحضارات والثقافات القوية يمكنها أن تستعيد تراثها الثقافي لتواجه به محاولات تهميشها أو محوها .
ولفت إلى ضرورة تنقية التراث من العناصر الدخيلة عليه وتهذيبه بما يتوافق مع حاجات العصر عبر مراجعات نقدية أصيلة يمثل ضرورة في الحفاظ على الهوية التي يجب عليها أيضا الإفادة من منجزات الأمم وتقدمها التكنولوجي وبذلك نحمي الهوية بالقدر الذي يحمي التقدم ولا يعوقه .
من جانبه دعا د سمير غريب إلى ضرورة قيام مفكرينا بإعادة قراءة وصياغة المصطلحات الغربية التي تفد إلى ثقافتنا دون أن نسلم بها تسليما مطلقا ، وقال انه حتى في فترة وجود القطبين الاشتراكي والرأسمالي كان هناك قطب ثالث يتمثل في حركة عدم الانحياز الذي سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتفعيلها
المتحدثون
احمد زايد ، سمير غريب ، كامل زهيري ، نبيل ذكي .
المقرر نبيل عبد الفتاح
3 – دور الحوار الثقافي في دعم التنوع ، حوار حضارات أم أديان ؟
يتجاوز هذا المحور السؤال التقليدي : صراع حضارات أم حوار حضارات ؟ إلى سؤال جديد يؤكد سيادة الحوار في عصر العولمة ، وإن كان يشكك – من زاوية أخرى – في انتقال حوار العولمة من ساحة الحضارة إلى ساحة الدين .
واصل النشاط الثقافي بمعرض الكتاب فعاليات محوره الرئيسي حول التنوع الثقافي في ظل العولمة بمناقشة قضية ( دور الحوار الثقافي في دعم التنوع : حوار حضارات أم أديان ) حاولت الندوة التي أدارتها الدكتورة تيسير مندور وشارك فيها كل من المفكر القبطي د ميلاد حنا ، الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق ، حاولت تجاوز السؤال التقليدي : صراع حضارات أم حوار حضارات ؟ إلى سؤال جديد يؤكد سيادة الحوار في عصر العولمة ، وإن كان يشكك من زاوية أخرى في انتقال حوار العولمة من ساحة الحضارة إلى ساحة الدين .
في حديثه ركز المفكر ميلاد حنا على أهمية التنوع والاختلاف بإعتبارهما ظاهرة كونية مبرزا قيمة الحوار الثقافي في اكتشاف مظاهر هذا التنوع في كل الكائنات ، وقال أن هذا الثراء الموجود في التنوع تعكسه طبيعة الشخصية المصرية التي تنفرد في تعدد روافدها الثقافية والتاريخية والجغرافية أيضا ، وهو ما عبر عنه في كتابه الشهير المعنون ب الأعمدة السبعة للشخصية المصرية ، وهذه الأعمدة كما أبرزها الكتاب تتمثل في العمود الفرعوني ، الحقبة الرومانية اليونانية والمسيحية القبطية ، والحضارة الإسلامية والانتماءات الجغرافية والتاريخية لإفريقيا والعالم العربي والبحر المتوسط ، وهكذا فإن تعدد المنابع الثقافية التي عكستها لغات عديدة وتداخلات حضارية كثيرة تمثل مفتاح الشخصية المصرية .
وقارن ميلاد حنا بين مصر والصين باعتبار أن لكل منهما حضارة ضاربة في جذور التاريخ موضحا أن الحضارة الصينية رغم أنها تعود إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد لكنها تنتمي لمعطى ثقافي وحضاري وأن شعبها كان يتكلم لغة واحدة أما مصر فإنها تتمتع بتعدد الحضارات وتعدد اللغات التي عبرت عن هذه الحضارات ، وأضاف أن هذا التنوع في الثقافة المصرية فتح المجال واسعا ومبكرا نحو امتلاك مقومات الحوار على أسس حضارية راسخة .
وفيما وجه الشيخ محمود عاشور شكره لهيئة الكتاب لتنظيمها هذه اللقاءان الفكرية والندوات الموسعة فإنه أوضح أن هذه المناقشات عبر الندوات تؤكد ريادة مصر الثقافية وفتحها آفاق الحوار ، وقال أن الدعوة الإسلامية قامت بالأساس على الحوار مشيرا إلى أن رسول الله " ص" عندما آذاه المشركون ووجد أن مكة كمناخ لا تناسب نشر الدعوة فإنه قد بحث عن مناخ آخر آمن وأرض خصبة لتلقي العقيدة بأمان فأمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة لأن بها ملك الحبشة النصراني العادل والذي لا يظلم عنده أحدا أبدا ، وهذا يعني أن الإسلام قد بدا بداية صحيحة في دعوته بالحوار مبكرا وذلك عملا بقوله تعالى " ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " وهذا يعني أن الإسلام قد أمرنا باعتماد الحوار سبيلا والمنهج العقلي ركيزة في تبليغ الدعوة ، وأوضح الشيخ عاشور أن الإسلام قد استفاد من القيم الثقافية والحضارية الإنسانية والسامية التي كانت موجودة لدى الأمم السابقة بما يعني الانفتاح على الثقافات الأخرى ، ودلل على ذلك بحلف الفضول الذي كان في الجاهلية وحضره النبي ص قبل بعثته ودعا للعمل به خاصة وأنه يحث على قيم سامية أهما نصرة الضعفاء ، وأشار الشيخ عاشور إلى أن الحضارة الإسلامية قد انفتحت على الحضارات الأخرى واستفادت منها واستوعبتها فدخلها صهيب الرومي ، بلال الحبشي ، وسلمان الفارسي وهؤلاء عندما دخلوا الإسلام فإنهم نقلوا ثقافتهم الوافدة معهم من بيئتهم الأصلية إلى الإسلام كما تبوأوا مواقع عظيمة داخل حظيرة الإسلام إلى حد وصف الرسول الكريم لسلمان بقوله سلمان منا أهل البيت ، ولفت الشيخ عاشور إلى حادثة الإسراء والمعراج وقيام محمد ص بإمامة كل الأنبياء في الصلاة وهو ما يؤكد أن الأنبياء كافة قد اغترفوا من لبن واحد مما يؤكد أن فكرهم واحد وعقيدتهم واحدة وأن إلههم واحد ، ويستشهد للتدليل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " أفضل ما قلت أنا والأنبياء من قبلي لا أله إلا الله ، وهذا يؤكد أن الأنبياء كانوا أخوة ، بينما الصراع والحروب قد قامت في العالم إنما اندلعت نتيجة عدم التزام الناس بدعوات أنبياؤهم .
واستعار محمود عاشور من كتب السيرة ما يدل على احترام الإسلام لقيم التنوع والاختلاف في الدين والحضارة والثقافة ، ومن ذلك قصة وفد نصراني جاء للنبي في عام الوفود ونزل ضيفا على الرسول في المدينة المنورة حيث أقامهم في مسجد قباء ودعاهم لإقامة عبادتهم بحرية كاملة داخل المسجد ووفر لهم من يحرسهم ويرعاهم ، ومن ذلك أيضا المعاهدة التي وقعها سيد الخلق مع يهود المدينة حين أعطاهم حق المواطنة وممارسة عبادتهم وثقافتهم كما كانوا قبل الهجرة ثم طردهم بعد أن نقضوا المعاهدة ، وهكذا فإن الإسلام أمر بالتواصل مع أهل الكتاب ببرهم وإقامة علاقات الود معهم والعدل إليهم مؤكدا أن التنوع والاختلاف لا ينقص حقوق الإنسان لكنه يكرس قيمة الإنسان بما يحمله من معطيات ثقافية مغايرة كما أن التنوع يخلق التراحم الإنساني ، وبرهن على ذلك بما فعله سيد الخلق محمد ص عندما أرسل برسائله إلى المقوقس عظيم القبط في مصر فأكرم المقوقس وفادة حامل الرسالة وأرسل معه هدايا إلى النبي الكريم وهى ماري وأختها سيرين وبعض العطور المصرية ، وكذلك عندما قام عمرو بن العاص بفتح مصر فإنه قابل المقوقس وقال له ما جئنا لنحاربكم في دين ولا عقيدة وإنما جئنا لنخلصكم من ظلم الرومان وبالفعل تعاون أقباط مصر مع عمرو بن العاص في التخلص من حكم الرومان ، وخلص الشيخ عاشور إلى تأكيد أنه لا يمكن لأي أحد أن ينتقد الأديان لأنها جميعا منزلة من عند الله وأن الكتب السماوية ليست مجالا للمساومة ، فالأديان تعكس وحدة الفكر " نقد بشري " .
من جانبها لفتت الدكتورة تيسير مندور إلى أهمية قراءة الأحداث التي يمر بها العالم من حولنا لأنها في النهاية تؤثر على واقعنا وأن نعترف بالحقائق الماثلة أمام أعيننا ن وهى أن هناك من يطلق عليهم المحافظين الجدد وهم صناع القرار في أمريكا ، وهناك اليمين المسيحي المتطرف وهو البروتستانتي الذي يتقارب مع اليهودية وكونوا ما يعرف بالمسيحية اليهودية ، وفي المقابل فإن العالم العربي يواجه باتهامات من قبيل غياب الديمقراطية وعدم احترام حقوق الإنسان ، وهذا في رأيها مخالف للحقيقة لأن الحضارة الإسلامية دعت لعدم الاستبداد بالرأي واحترام الإنسان عقله ودينه ونسله ، وقالت أن سبب الاحتقان الموجود بين الأديان ليست الأديان مسئولة عنه ولكن أتباع الأديان هم وراء هذا الاحتقان الذي نعيشه في عالمنا المعاصر ، وأضافت أننا بحاجة إلى تجديد الخطاب الديني وفق طرق إيجابية لا تقتصر على دور العبادة وإنما تشمل مناحي الحياة والأعلام بخاصة بحيث يسمح هذا التجديد في الخطاب بتكريس ثقافة قبول الآخر المختلف عنا ثقافة ولغة وعقيدة وأن نتعلم أن الحوار مع الآخر لابد وأن يكون بعيدا عن العقائد لأن العقائد لها خصوصية تتوجب احترامها .

4 -تداعيات هيمنة السوق على الخدمات والسلع الثقافية ، وآثار تحرير التجارة على الأسواق الوطنية في مجالات السينما والإعلام المرئي .
انتقلت مناقشات المحور الرئيسي حول التنوع الثقافي في ظل العولمة لبحث قضية تداعيات هيمنة السوق على الخدمات والسلع الثقافية ، وآثار تحرير التجارة على الأسواق الوطنية في مجالات السينما والإعلام المرئي مما أدى إلى تسليع الثقافة وإلى حجب بعض المنتجات الثقافية أو طرح نماذج محددة منها في مجتمعات معينة لخدمة أغراض غير ثقافية.
سعت الندوة التي أدارها الأديب يوسف القعيد وتحدث فيها كل من د طه عبد العليم الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والناقد السينمائي سمير فريد إلى البحث عن مصادر القوة التي تقوي الشأن المصري اقتصاديا وثقافيا في مواجهة العولمة حتى لا نتحول إلى إحدى ضحاياها .
وفيما أكد د طه عبد العليم على أهمية دور الدولة في تحقيق الضبط الاجتماعي لآليات اقتصاد السوق والخصخصة داعيا لعولمة منصفة نصبح فيها قادرين على امتلاك ميزة نسبية نسهم فيها بنصيب في ميدان المنافسة فإن سمير فريد دعا لإطلاق حرية الكاتب واحترامه .
في البداية أكد مدير الندوة يوسف القعيد أنه ليس مطروحا الآن فكرة قبول العولمة أو رفضها خاصة بعد أن أصبحت قدرا موجودا على أرض الواقع ، لكننا نبحث فيما يمكننا فعله بأنفسنا عبر ثقافتنا وإعلامنا لنكون جزءا من هذه العولمة التي تقف ضد خصوصيات الشعوب وضد الدولة القومية فيما تنتصر للسوق الحر ويضيف القعيد أن الأزمة الكبرى في هذه العولمة تكمن في أنها تشجع الكيانات الكبرى القوية سياسيا واقتصاديا بالأساس على حساب المواهب الفردية ، وهذا يعني أننا نظل مع هذه العولمة شعوبا مفعول بها ولسنا فاعلين فيها ، حيث نستورد ونستقبل ونستهلك أكثر مما ننتج ونتفاعل ونرسل في جميع المجالات ومنها صناعة الثقافة والإعلام التي باتت سلعة في السوق العالمي مشيرا إلى أن العولمة تقوم على تجميع المتشابهات وترفض الخصوصية والحرية ، وحذر من أن نكون ضحايا هذه العولمة خاصة أننا مرشحون لذلك بقوة !
وأوضح أنه بالرغم من الدعوات التي تبنت الخصخصة في الغرب باعتبارها أكثر تعاونا بل وأحد آليات العولمة ، ولكن حتى الآن فقد أثبت القطاع الخاص في ضوء التجارب التي عايشناها أنه لم يسع إلا لتحقيق المكاسب المالية دون الارتقاء بالمجتمع وتنمية أفراده ودعا لضرورة التسلح بأسباب القوة العلمية والاقتصادية والثقافية لمواجهة العولمة .
وتناول د طه عبد العليم أن العولمة المطروحة حاليا تعتمد على هيمنة السوق والتجارة العالمية في شتى المجالات بما فيها تجارة السلع الثقافية والإعلامية ولا يخرج عن هذه العولمة أيضا تجارة السلاح وزيادة مبيعاته وهو ما يفسر حرب العراق حيث تروج تجارة السلاح بجانب النفط ، وأكد أنه بدون قدرة وطنية فإننا لن نستطيع مواجهة أخطار العولمة ولا نقدر على تحقيق آية مكاسب فيها .
وركز د طه حديثه على ما أسماه بالعولمة المنصفة التي تمكننا من توظيف قدراتنا وثرواتنا في مناخ دولي يسمح بالعدالة ولا يعرف التحيز ، موضحا أن اقتصاد السوق لا يعني غياب الدولة وإنما يتطلب وجود قوي لدولة كفئ يمكنها أن تحقق لها مكانة نسبية في سوق العولمة ، مثلما فعلت كوريا بمساهمتها العالمية في أنتاج التكنولوجيا ومثلما دخلت إسرائيل في برنامج حرب النجوم ، وهذا يعني أننا في مصر لابد أن تكون لدينا القدرة على إنتاج سلع معينة نتمتع فيها بقدرة تنافسية .
وأضاف أن قوة الدولة تقاس بما يتوافر فيها من حرية تعبير مشيرا للحرية غير المسبوقة التي تتمتع بها مصر حاليا وإن كنا نطمع للمزيد بجانب توافر قواعد راسخة للبنية التحتية حتى نستطيع تحرير السلع الغذائية والصناعات الثقافية مثل صناعة السينما ، مؤكدا على توافر قواعد هذه البنية ممثلة في زيادة الإنتاج السينمائي سنويا وبنية الاتصالات والمواصلات ومراكز المعلومات كل ذلك قد أدي إلى تضاعف الصادرات المصرية بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية .
ودعا د طه لتجاوز مخاوف العولمة ، والابتعاد عن التشاؤم السائد في المجتمع حاليا بموجب وجود هذه البنية التحتية ، وقال أن مجتمع رجال الأعمال في مصر لابد أن يعي المسئولية الاجتماعية الملقاة على عاتقه فبقدر ما يحقق من مكاسب مالية ضرورية لاستمرار مؤسسته ونجاحها ، فإنه يتوجب عليه حماية العاملين ويحفظ البيئة من آية أضرار صحية ، وهذا يعني أن الرأسمالية لابد أن تتحلى بالمسئولية الاجتماعية وهنا يأتي دور الدولة في ضبط إيقاع هذه المسئولية .
وشدد د طه على دور الدولة في وضع القوانين التي تضبط السوق والأداء الاقتصادي ودون أن تتخلى الدولة عن مسئولياتها في الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية فالنظام الرأسمالي لا يلغي دور الدولة ومسئولياتها .
وعاد د طه للتأكيد على حاجتنا إلى عولمة عادلة تتيح المكاسب لجميع الشعوب من حرية انتقال المعرفة وحرية تدفق السلع والخدمات وإزالة الحواجز في الأسواق العالمية أمام منتجاتنا ، عولمة ليس فيها ازدواج في المعايير ، موضحا أنه بدون تبادل المصالح بين دول العالم سيتحول العالم إلى فوضى وينتج عنه اليأس الذي من شأنه أن يولد الإرهاب .
ولفت د طه إلى المسئولية المشتركة بيننا نحن العرب وبين الغرب في بروز ظاهرة الإسلاموفوبيا ، وذلك عبر سلوك التطرف لدى بعض الفئاة الإسلامية وإبراز وسائل الإعلام الغربية له وتضخمه إلى حد الظاهرة في مقابل تجاهل الغرب نفسه للفكر المتطرف لدى أبناءه وفي سلوك بعض طوائفه ودعا إلى ضرورة توظيف الفضائيات العربية والإسلامية في تصحيح صورتنا ودون أن ننتقص أو نشوه صورة الآخرين .
من جانبه أكد الباحث والناقد السينمائي سمير فريد على أن حالة الوهن الراهن في المشهد الثقافي المصري وانعكاسه على المنتج الثقافي المصري هو نتاج طبيعي لإهدار حقوق الكاتب في مصر وكنتاج سلوك اجتماعي ابتعد كثيرا عن قيم البناء والتطور وأهمها قيمة احترام العمل وإتقانه والإخلاص له ، وبموجب هذا الوهن في الثقافة وانعكاساتها في المجتمع وسلوكياته فإن العولمة تبرز كخطر وتحد كبير يلتهمنا ، بل إن دولة مثل السنغال قادرة على غزونا بعد أن فقدنا مصادر قوتنا ، بجانب غياب دور الدولة في تحقيق معادلات الضبط الاجتماعي .
ورصد سمير فريد ملامح الخلل في المجتمع من خلال ممارسات الرأسمالية المصرية التي ترتكن إلى أية ضوابط توفر حماية للمستهلكين وقال أن ثمن التذكرة السينمائية في مصر يتجاوز العشرين جنيها وهذا الثمن يفوق سعرها في الولايات المتحدة الأمريكية ومع هذا يقبل الجمهور المصري على السينما ودور العرض دون أن يحصل على حقوقه من وجود سينما نظيفة ومريحة ، وذلك نتيجة غياب الدور الرقابي والتنظيمي للدولة خاصة دورها في إصدار التراخيص .
وأضاف أن السينما المصرية تأتي في الترتيب الثالث بعد أمريكا والهند في تحقيق مكاسب مالية بفضل زيادة إنتاجها من ناحية وبفضل تحديد عرض الأفلام الأمريكية بعدد قليل ، ولكن الطامة الكبرى التي ستواجه السينما المصرية بعد تطبيق الجات حيث لم يمكننا غلق الأبواب أمام السينما الأمريكية ، وهذا لن يمكن مقاومته دون إنتاج سينمائي نظيف يستطيع المنافسة .
ورثى سمير فريد لحال الكاتب في مصر واصفا أوضاعهم وبؤسهم بعمال التراحيل ، فهو لا يحظى بحماية ولا مظلة آمنة من الناشرين أسوة بالكتاب في الغرب ، وبالتالي يفقد الكاتب المصري حريته ، وأكد أننا لا يمكننا أن نواجه العولمة بدون وجود الكاتب الحر وبدون احترام الدولة للمثقفين وتحريرهم من آية قيود .

– إمكانية حماية التراث الثقافي في العالم الراهن 5

يرتبط التراث بمستقبل الشعوب أكثر مما يرتبط بماضيها ، حيث يمثل المرتكز الأساسي في الحفاظ على الهوية ، وتواجه الثقافات القومية في ظل العولمة صراعا مريرا من الخارج عبر السطو ، ومن الداخل عبر التخلي بدعوى التحضر ، فكيف يمكن المحافظة على هذا التراث ؟ .
المتحدثون
جاب الله علي جاب الله ، عبد الحميد حواس ، عز الدين نجيب ،همت صلاح الدين
المقرر احمد مرسي
6- حق الاختلاف في الثقافات العالمية

يعتمد حق الاختلاف في الثقافات العالمية على مصداقية الاعتراف بالآخر وتقدير هويته الثقافية ، بغض النظر عن دعاوى الديمقراطية الزائفة في حوارات فوقية تلقينية تنبع وتصب في إطار الزهو بالذات .
الندوة أدارها د على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية ، وأسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام ، حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، والأستاذ الدكتور مهدي امبيرش أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة بالجماهيرية الليبية .
وقد استهل د هلال بوصفه مديرا للندوة حديثه بالتركيز على العناصر المرتبطة بفكرة الهوية من لغة وعرق وعادات وتقاليد وإدراك الإنسان للجماعة التي ينتمي إليها وبهذا المعنى فإن التنوع يمثل حقيقة اجتماعية لا تتضمن خيرا أو شرا ، موضحا أنه إذا كان التنوع حقيقة يمكن تغييرها فإن ما نملكه إزاءها هو البحث في كيفية التعامل مع الواقع السياسي والأفكار المطروحة داخل هذا الواقع وهذا يقودنا إلى أنه من أحد تعريفات الديمقراطية هو إدارة التنوع والاختلاف بشكل سلمي ، وقال د هلال أن العولمة تطرح أسئلة جديدة وتتيح فرصا أكبر للتفاعل والتواصل لكنه في كل الأحوال لا يؤدي إلى التعاون والصداقة باعتبار أن كلمة تفاعل هي كلمة محايدة مشيرا إلى أن ظهور الثقافة الكوكبية أو ما يعرف بالمواطنة العالمية تطرح إشكاليات عديدة منها : هل من ينادون بالثقافة العالمية يعطون الفرصة الأكبر لفرض الثقافة الأمريكية للسيطرة على الثقافات الأخرى ، أم أن الثقافة العالمية المرجوة يجب أن تكون من خلال قواسم مشتركة بين ثقافات العالم ، وما هي حدود الإنسانية والقومية وهل يجوز للخصوصية أن تناهض مبدأ متفق عليه في العالم مثل حقوق الإنسان ويخلص د هلال إلى تأكيد أن العالمية الحقة هي التي تنهض على أساس التنوع ، والكوكبية التي تفرض على العالم هي حاصل جمع القوا سم المشتركة للثقافات الوطنية ، وفي مستهل حديثه أعلن د عبد المنعم تليمة رفضه لكلمة العولمة ويرى أن الأصح تعبيرا منها هو كلمة الكوكبية لأنها تعني تلك العملية التاريخية التي يشهدها كوكب الأرض ، وقال أن ما يجري الآن على هذا الكوكب من متغيرات حسب آراء خبراء علم المستقبليات هو التحرك الثالث في عمر البشرية بما يعني انتقال البشرية لمصادر وطاقات وعلاقات جديدة للعيش على الأرض بطرق جديدة ، فإذا كانت البشرية قد بحثت في بدايتها عن مصادر العيش فقامت الثورة الزراعية والثورة الصناعية وهى مصادر تستهلك وتفنى ، فإن ما نحياه اليوم هو من ثورة لا تعرف طريقها للفناء لأن منتجها وهو المعرفة والمعلوماتية لا تفنى وهذا يمثل تحرك تاريخي خطير ومختلف كل الاختلاف عن الثورات السابقة عليه لأن المعجم الجديد للبشرية قد ارتبط بهذه الحركة المعلوماتية الجديدة ، وأشار د تليمة أن السؤال عن صراع الحضارات يعد سؤالا ساذجا لأنه لا يمكن إزالة الحواجز عن ستة مليارات من البشر يعيشون على الأرض .
وفيما أعلن أسامة سرايا عن اتفاقه المبدئي مع آراء الدكتور تليمة بشأن ثقافة الاتفاق فإنه قد طرح في هذا السياق العديد من علامات الاستفهام المهمة في مقدمتها أنه إذا كان هناك اتفاقا ثقافيا بين دول العالم وشعوبها فلماذا يظهر الاختلاف لثقافة العالم الجديد وهل يرتبط ذلك بأن العالم الجديد قد دخل مجالات لم نستطع نحن دخولها واستيعابها ، وأضاف نحن نعيش في عصر الجيل الخامس لحقوق الإنسان لكننا عربيا لم نصل للجيل الأول لأن ثقافة التزمت والتشدد التي تعيش في المنطقة تحاول الارتداد بالمنطقة إلى عهود سحيقة ، وتساءل كيف تأقلم أنفسنا مع الأوضاع العالمية الجديدة ، وإذا كنا نصارع في فلسطين من أجل إقامة دولة فإن العولمة تنهض وتقوض نظام الدولة ، فكيف يتسنى لنا الفكر في هذه القضايا وفي ظل وجود 189 دولة في العالم تضم 5000 ثقافة هل نتنازل عن دولة نريد إقامتها في الشرق الأوسط بعد ثقافة الكوكبية ، خاصة وأن هذه الكوكبية تتعارض مع رغبتنا في إقامة الدولة الوطن ، واصل سرايا طرح أسئلته أنه إذا كان العالم متفقا على هذه الثورة المعلوماتية فلماذا الصراع مع الأديان والثقافات مذكرا في هذا السياق بما أقدمت عليه إحدى الجماعات الإسلامية من تدمير آثار بوذا ومحاولاتها فرض نمط ثقافي موحد على العالم موضحا في هذا السياق أن قيمة التسامح تغيب عن مجتمعاتنا بسبب عبادة الماضي فهل تصلح مثل هذه القيم لأن تكون جزءا فاعلا من هذا العالم ، ودلل سرايا على ذلك أيضا من خلال المنظومة الاقتصادية التي تحكم بلادنا حيث أنها لا تريد التخلي عن النظم الاشتراكية التي ماتت في موطن نشأتها نفسها ، حيث نصر على أن تكون الدول هى المنتج الرئيسي للسلع والخدمات ، فهل هذه القيم تصلح للتطور الإنساني موضحا أنه رغم ما يتوافر في عالمنا العربي من كبار المفكرين لكنهم يسيرون في مسار مختلف بعيدا عن التأثير في الشعوب بينما يقود هذه الشعوب أمثال ألزرقاوي وبن لادن وغيريهما ، ويخلص أسامة سرايا إلى تأكيد أننا نستطيع الاندفاع في مسار وقيم عالمية ما لم تكن الجماعة متفقة على هذا المسار ، وكيف تتفق هذه الجماعة على تلك القيم العالمية في الوقت الذي تقف بعض المجموعات في منطقتنا ضد التعاون الدولي كما أن كلمة عولمة في بلادنا لا تزال كلمة سيئة السمعة رغم أنها كلمة حقيقة ارتبطت بثورة المعلومات والاتصالات ، وأن العولمة عنصر حاكم لكافة التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية تحتاج التشخيص الجيد من جانب النخب العربية للوصول إلى إجابات للأسئلة المطروحة بشأنها .
من جانبه قام د حسن نافعة بتعريف حق الاختلاف بوصفه الاعتراف بحق الآخر في أن يكون له دينه وثقافته الخاصة وأسلوب الحوار في إدارة الصراع بالوسائل السلمية ، وربط هذا المفهوم للاختلاف وبين التنوع الثقافي باعتباره حقيقة بيولوجية وطبيعية ، موضحا أن المشكلة تظهر عندما تحاول بعض القوى السياسية فرض هيمنتها وسيطرتها لتحقيق مصالحها الاقتصادية أو الاستعمارية .
وأضاف د نافعة أن هناك أكثر من 6 مليارات نسمة في العالم تعبر عن 6 آلاف ثقافة وكل جماعة بشرية لها لغتها وطريقتها في الإبداع وفي إدارة الصراع ، وهناك 175 شخص يعيشون في غير أوطانهم كما أن هناك 50% من اللغات معرضة للانقراض بينما 67% من سكان العالم يتكلمون أربع لغات فقط والباقي غير مستخدم عبر الإنترنت والأخطر من ذلك أن 88% من المنتج الثقافي العالمي تحتكره 5 دول في العالم في الوقت الذي تبرز فيه الدعوة لحوار الحضارات على أساس المساواة التي لم تتحقق بعد .
وفيما عبر الدكتور مهدي امبيرش عن سعادته بالمشاركة وحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب فإنه قدم رؤيته للعولمة من منظور فلسفي ، وقال أن وجود الإنسان وكينونته ومصيره على هذه الأرض حقيقة لا تقبل الشك ولكنه وجود غبر إرادي فإنه وحده الذي يصنع كينونته ويقرر مصيره وأن الهروب إلى أعلى لا يدخل القائلين به إلا دوامة الشطح ، وأضاف أن المساواة بين البشر هي مساواة هندسية وليست حسابية فإذا اتحدت المساواة الهندسية والحسابية معا كان الحسبان بعد الإنسان والبيان ، وأوضح د امبيرش أن القرآن لا يقدم الأديان على أنها متنوعة لكنها دين واحد تتحد فيه الشرائع على اختلاف الثقافات المرتبطة بهذه الشرائع ، وأن هذا التنوع يعكسه القرآن في القراءات السبعة كأسئلة الاستفهام السبعة ، ودعا د امبيرش المثقف العربي لضرورة الاحتفاء باللغة العربية مؤكدا أنه لا يمكن تأسيس مشروع فلسفي عربي بدون اللغة واللسان .
واستعرض امبيرش المذاهب الفلسفية التي سيطرت على الفكر العالمي ومنها المشروع الألماني الذي يقدم رؤية فوقية على التاريخ عبر فلسفات نفي الآخر مؤكدا أن ثقافتنا العربية لم تعرف نفي الآخر ، ثم المشروع الليبرالي الذي يؤسس للمذهب الفردي والآن نفاجأ بمصطلح القطب الواحد وهو مصطلح صوفي بالأساس ويدلل على أن الليبرالية لا تعكس معنى الحرية كما يتشدق بها الغرب ، حيث تعيش هذه القطبية على فلسفة السحق والإبادة لمعسكر الشر فيما تعرف بالفلسفة التطهرية .
وأكد أن المشروع الأمريكي الليبرالي دخل مرحلة الإفلاس بإعتمادة فكرة نهاية التاريخ ، فالعولمة هي عملية تدخل قصري يزعم أن العالم أصبح قرية صغيرة وهناك تشظي خطير يؤدي إلى اعتداء على الوحدة العضوية للعالم .


أوربا والتنوع الثقافي : حدود الدور -7
على الرغم من تنوع أوربا الثقافي ، فإنها تحاول البحث عن وشائج الوحدة ، لتتمكن من النهوض بدورها كقوة عظمى في مقابل القطب الواحد الذي يسعى للهيمنة على العالم منفردا .
واصل المحور الرئيسي لمعرض الكتاب مناقشاته حول قضية التنوع الثقافي في ظل العولمة ، حيث استعرض في هذا السياق نموذج التجربة الأوربية ومظاهر تنوعها لغويا حيث تشمل على نحو عشرين لغة فضلا عن مظاهر اختلاف مصالحها مما أدى لخوضها حروبا ممتدة في الزمان لثلاثة قرون فيما بينها ، وصولا لمحاولتها الخروج من العصور الوسطى المظلمة وإقامة عصر نهضتها بالنقل والانفتاح على معطيات الحضارة العربية الإسلامية وتجاوزها تداعيات الحروب العالمية إلى تحقيق وحدتها الأوربية الراهنة ، كما أن هذه الوحدة التي أبرزتها كقوة في مواجهة القطب الأوحد قد استفادت من ثراء التنوع الثقافي والفكري في دولها .
الندوة أدارها فتحي عبد الفتاح وشارك فيها الدكتور سمير سرحان، د / سحر صبحي عبد الحكيم ، حيث أكد المتحدثون على أهمية احتذاء النموذج الأوروبي في شتى بقاع العالم كما أكدوا على أن العولمة لا تطمس الهويات ، وإنما تطورها وتغنيها .
في البداية أكد الدكتور فتحي عبد الفتاح أن أوروبا نموذج مشرق للتنوع الثقافي الذي حقق لها قوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، موضحا أن وجود عشرين لغة داخل الكتلة الأوربية وهو مظهر من مظاهر التنوع لم يمنعها من تحقيق وحدتها الثقافية التي هي أيضا ثقافة متعددة داخل الكتلة الأم ، وأوضح أن النموذج الأوربي يفتح الطريق أمام الشعوب للإفادة منه ، فأوربا كانت ساحة لحروب مشتعلة طوال ثلاثة قرون تتنازعها المصالح ، ورغم هذا التناحر فقد ظهرت محاولات لتوحيدها ، منها المحاولة الألمانية التي قادها هتلر في محاولته لتوحيد أوربا بزعامة ألمانيا ، والمحاولة الأخرى لفرنسا لتحقيق هذه الوحدة تحت زعامتها ، ويشير إلى أن التجربة الأوربية تؤكد عدة قيم أهمها أنه ليست هناك خصومة دائمة بين الشعوب وإنما هناك مصالح دائمة ، والقيمة الثانية أن جوهر الثقافة الأوربية المعاصرة انطلق من إصلاح الكنيسة والتمرد على طاعة الملوك والأباطرة ، وهو ما يدحض فكرة صموئيل هتنجتون المنظر الأمريكي حول مقولة تقسيم العالم جغرافيا ودينيا ، موضحا أن مرحلة النهضة الأوربية الحديثة قد شهدت انفتاحا واسعا للحضارة والفكر العربي عبر ابن رشد والفارابي وابن خلدون وغيرهم .
ولكن عصر النهضة الأوربي لم ينقل التراث العربي الإسلامي نقل مسطرة وإنما بنت عليه وأضافت إليه .
وتحدث د سمير سرحان معبرا في البداية عن سعادته لحضوره هذه الندوة في معرض الكتاب ومشيدا بتجربة الدكتور ناصر الأنصاري في معرض هذا العام واصفا المعرض بالدقة في التنظيم والتفعيل في أنشطته الثقافية المختلفة ، وقال أن الخبرة التي يتمتع بها د الأنصاري واكتسبها في دار الأوبرا المصرية والتي أضاف إليها الكثير خلال رئاسته لها وتجربته العميقة والناجحة في معهد العالم العربي بباريس حيث حول هذا المعهد إلى مركز للفكر والحوار والإشعاع للحضارة العربية في الخارج ، وإنه نقل كل هذه الخبرات في معرض القاهرة الدولي للكتاب .
وانتقد د سمير دعاوى البعض لتحويل معرض الكتاب إلى القطاع الخاص بعيدا عن إدارة هيئة الكتاب ، وقال إذا خرج معرض الكتاب عن مسئولية هيئة الكتاب ستكون هذه بداية النهاية لتاريخ هذا المعرض الدولي ، وأضاف د سرحان أنه إذا تولى الناشرون مسئولية المعرض فإن تركيزهم سينحصر في حركة النشر وتسويق كتبهم فقط فيما يتجاهلون النشاط الثقافي للمعرض رغم أهميته في ربط الجمهور بين الكتاب والثقافة بعامة ، وكذب د سرحان ما نشرته بعض الصحف من حملات ضد معرض هذا العام ، وقال إن من ينشرون هذا الهجوم لا يستندون إلى المعلومات فالجمهور يتواجد بكثرة ويتابع جميع الأنشطة الثقافية بجانب جولاته لشراء الكتب ، وانتقل سرحان للحديث عن العولمة موضحا أنها تعني سيطرة القطب الواحد على باقي دول العالم الثالث بخاصة ومحاولة أن تكون أوربا جزء من هذه العولمة ، وتتمثل العولمة في فرض الثقافة بمعناها الواسع ليشمل السلوك الحضاري للمجتمعات بما فيها من مأكل وملبس ومعاملات داخل الأسرة ، وقال أن العولمة موجودة منذ عصر الفراعنة عندما كانت الحضارة المصرية القديمة مسيطرة على العالم وكذلك الحال بالنسبة للحضارة العربية الإسلامية بانتشارها في العالم العربي والصين والكتلة الآسيوية حيث كان للحضارة الإسلامية عولمتها بحكم أنها الأقوى على جميع الأصعدة مشيرا إلى أنه بانهيار عصر الأيديولوجيات " الشيوعية والرأسمالية " فإن العالم تحول لمفهوم القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية والتي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية كقطب واحد يفرض سيطرته على العالم ، وهو ما اصطدم بهويات الشعوب وخصوصيتها الثقافية حتى صارت العولمة الأخيرة في نظر الكثيرين مهددة للهويات من خلال ما تحاول فرضه أمريكا من نمط واحد للديموقراطية رغم وجود نماذج ديموقراطية أخرى تعرفها الشعوب انطلاقا من قاعدة فرض إرادة الشعب ، وخلص د سمير سرحان إلى تأكيد أن العولمة أصبحت حقيقة واقعية لا يمكن تجاهلها لأننا لا يمكننا أن نعيش خارج العصر ومنجزاته العلمية من حواسب آلية وأجهزة محمول مؤكدا أن الثقافة في الماضي كانت تعيش في المكان ، أما في عصرنا الراهن فإن الثقافة تعيش في الزمان ، كما أكد أن العولمة لا تتناقض مع الهوية ، حيث يمكننا الاحتفاظ بهويتنا العربية الإسلامية مع الإفادة من منجزات العصر العلمية والتكنولوجية ، فالعولمة لا تطمس هويات الشعوب ولكن تجددها وتطورها .
أما الدكتورة سحر صبحي عبد الحكيم فقد تطرقت لقضية التنوع الثقافي في أوربا عبر ثلاثة عناصر وهى كيفية طرح التنوع في أوربا وموقفنا منه والنظر للتجربة الأوربية والإفادة منها ، وكيفية نقل هذا التنوع ، وقالت د سحر أن التنوع في أوربا لم يبدأ بالتنظير وإنما بدأ بالعمل من خلال تداول الفكر وانخراط المثقفين في الكتابة كما أنهم نقلوا ثقافات الأمم الأخرى وفي مقدمتها الثقافة العربية وأخذوا بصفة خاصة عن الفلاسفة العرب أخذ اتسم بالجدية والنقد والابتكار وحاربوا الجدب الثقافي في بلادهم بكل قوتهم حتى ظهرت المدارس الفكرية في أوربا أواخر القرن 18 وأوائل القرن 19 ومنها المدرسة الرومانسية كحركة رومانسية واحدة لكنها تباينت معطياتها ومذاقها من دولة أوربية إلى أخرى فلم تكن الرومانسية في فرنسا هي ذاتها الرومانسية في بريطانيا أو ألمانيا – وهذا ما يؤكد وجود التنوع والثراء .
ورصدت د سحر أنه رغم التنوع الثقافي في بلاد أوربا لكنها في عصرنا الراهن قد استقت أفكارها من الجنوب عبر حركة الأدب ودللت على ذلك بأن أكثر الكتب مبيعا في أوربا هي كتب مفكرين ومبدعين من أمريكا اللاتينية والهند وهذا يعني أن أوربا لم تعمل على إيقاف المد الأدبي القادم من الجنوب بل فتحت له المجال للإفادة منه وإثراء مجتمعها ثقافيا في عصر العولمة مما يعني أن النموذج الثقافي الأوربي كما هو متعدد في ذاته فإنه في عصر العولمة ينفتح على الثقافات الأخرى في العالم

النقد الثقافي والهيمنة- 8

في ندوة من أعمق ندوات المحور الرئيسي قوة وفكرا وسخونة كانت مناقشة قضية النقد الثقافي والعولمة ، حيث عكست التحديات التي تواجهها ثقافتنا بفعل الهيمنة من جانب ، وبفعل فقرنا الشديد وعجزنا عن التواصل مع العصر الرقمي والتكنولوجي ، وصولا لبحث سبل مقاومة العولمة بامتلاك ناصية النقد الثقافي الذي يرى العالم بوصفه نصا ، ويرصد أشكال الهيمنة عبر السيطرة على الأنساق الثقافية للمجتمعات المستهلِكة ، دون وعي منها بأنها تقع في براثن الاستلاب الثقافي .
الندوة أدارها الناقد صلاح فضل وشارك فيها كل من د وفاء إبراهيم أستاذ الفلسفة ، وخبير علم الاجتماع د سمير نعيم .
الدكتورة وفاء إبراهيم تعرضت في البداية لمفاهيم الهيمنة وتعريفاتها المختلفة موضحة أن الهيمنة تتسلل داخل واقعنا مثل تسرب الماء تحت الأرض دون أن نراه ، ولذلك فإن الدراسات والبحوث اتسعت في مجال الهيمنة ليشمل الجنوسة والمتعة والمبتذل واليومي الهامشي وغيره وأن توسع هذه الدراسات في ميدان الهيمنة قاد إلى ظهور النقد الثقافي بمنظوره الشامل ، وفي تعريفها للنقد الثقافي أوضحت د وفاء أنه نشاط ثقافي تراكمي يتكامل ويتفاعل مع عمليات الفعل والوعي ومكتسباته أو أنه تركيبية يشكلها المثقف أو الناشط الثقافي تجاه أي مجال من مجالات المعرفة شريطة أن يفتح أبواب الفروض الثقافية الأخرى ويتجول في أروقتها ويصاهر بين مفاهيمها ، وقالت أن المتأمل في حصاد النقد الثقافي يجد الانفتاح الذي يقوم به النقد حيث يحول مفردات حياتنا إلى نص نبحث فيه عن أنماط الهيمنة والأيديولوجيات وما تقوم به الثقافة من هيمنة أو ما تستخدم من أجله ، وتحدثت د وفاء عن دور الناقد الثقافي المصري والعربي في تحليل النصوص فإنه يصطدم بحقيقة أن خلفية ثقافته النقدية قد استقاها من منظومة النقد العربي ، وبالتالي لا يخرج الناقد الثقافي العربي من سيطرة الهيمنة ، وأوضحت أن المادة التي يتغذى عليها الناقد الثقافي هي تكنولوجيا المعلومات ولأننا نستهلك هذه التكنولوجيا دون أن نسهم في إنتاجها ارتباطا بمسمى البلاد المتخلفة فإن ذلك يحول دون مساهمتنا في النقد الثقافي ، مشيرة إلى حاجتنا القصوى لبلورة علاقة التنافي بيننا وبين العالم من خلال تطوير التعليم وإعادة بناء الوعي بما يمكننا المشاركة في عمليات النقد الثقافي .
وتحدث الدكتور سمير نعيم خبير علم الاجتماع عن الهيمنة من منظور علم الاجتماع وتبنى في هذا السياق وجهة نظر المواطن المصري والعربي تجاه هذه العولمة بوقوعه في بزائن العولمة والتي تعني في المجال الثقافي سيادة مكونات ثقافية معينة على غيرها في سياق واحد سواء كان محليا أو عالميا ، وبما تحمله هذه المكونات الثقافية من قيم وأفكار وتقاليد وعادات وفنون وقوانين وعلوم .
وأن النقد الثقافي هو انعكاس لثقافة الإنسان بمعناها الرمزي ، وعلى ذلك فإنه عندما تسود ثقافة معينة بقيمها ومكوناتها ويتبناها أطراف أخرى دونما يشعرون أنها دخيلة عليهم فإنها تتغلغل في نسيج قيمهم الأصلية ، فيما تدخل الهيمنة للحفاظ على مصالح الدول الكبرى التي لها السيادة والسلطة .
وتعرض د سمير للهيمنة وأدواتها عبر طريقين أولهما يعتمد على استخدام الأجهزة القمعية التي تتمثل في الجيش والشرطة والثانية تلجأ إلى أساليب الاستمالة الثقافية لتوهم الناس أن كل ما ترغبه هذه السلطة هو نابع منهم مثلما فعل الرئيس الراحل السادات عندما استخدم مقولة أخلاق القرية ، ليربط بين طبيعة قيم الطبقة التي اعتلت صهوة الثراء واحتفاظهم بقيمهم وبين مضاهاة هذه القيم لأخلاق القرية . وأوضح د سمير أن القوى المسيطرة سواء كانت محلية أو عالمية كما في حالة أمريكا من مصلحتها أن تتجنب استخدام العنف في فرض تصوراتها ومصالحها بتوظف طاقات الثقافة لتطويع أفكارها ورموزها ، ورغم ذلك كله فإنه بوسع أي جماعة بشرية أن تقوي مكوناتها الثقافية الذاتية لتفرض هيمنتها داخل محيطها وتؤثر بها خارج إقليمها ، كما أنه بوسعها أن تكشف زيف الهيمنة الثقافية للقوى والجماعة الأخرى ، وبموجب ذلك يعرف د سمير النقد الثقافي بوصفه يتناول جميع القضايا باعتباره نص يتم تحليله سواء كان هذا النص سلوكا دوليا أو فيلما سينمائيا أو إعلانا .. وغيره وتحليل ماذا يريد أن يقول لنا هذا النص وما هي رسالته المستهدف توصيلها إلينا والتأثير فينا ، مثل وصف الرسائل الغربية لكفاح أي شعب ونضاله ضد الاحتلال بأنه إرهاب ينبغي أن يحاكم بسببه .
وأوضح د سمير أن المجتمع العالمي الآن تحكمه حكومة عالمية مركزية ونحن أصبحنا أشبه بإحدى المحافظات التابعة لهذه الحكومة المركزية التي تستخدم شتى وسائلها الدعائية في تحقيق أهدافها ومصالحها داخل هذه المحافظات وأن هذه الحكومة المركزية تستخدم آليات ثابتة لإنجاز هذه الأهداف وأقدمها آلية المؤسسات الدينية التي توظف الدين لترويج شعاراتها واستمالة الجماهير والتأثير فيهم ، ومؤسسات الضبط الاجتماعي من خلال التعليم والبرامج التعليمية ، ولعل ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية مع القوى المحلية في عالم اليوم لبث أنماط ثقافية وقيمية تكرس لخضوع دول العالم لثقافة الاستهلاك أكبر دليل على ذلك بجانب دور جهاز الإعلام الخطير في بلورة هذه الأهداف ونشر هذه القيم على نطاق واسع .
ويخلص د سمير من ذلك لوجود نوعين من الهيمنة الخبيثة التي تكرس لثقافة الأقوياء ومصالحهم على حساب مصالح الشعوب ويتجسد ذلك في نشاط الشركات العابرة للقوميات التي عملت على زيادة الفقر في دول العالم ، وحتى بين طبقات الشعوب المتقدمة والثاني هو الهيمنة الحميدة التي تنتصر للعدالة بين البشر وتسعى لإسعادهم ومنحهم حقوقهم في المساواة والتمتع بخيرات الأرض وأشار د سمير إلى جود مثقفين لكل جماعة من الجماعات تعبر عنها وتنشر أهدافها وقيمها ، فللولايات المتحدة الأمريكية مثقفيها الذين يدافعون عنها في الداخل والتابعين لها في الدول الأخرى ومنها بلادنا يروجون للثقافة الأمريكية وتجميل وجهها القبيح كما أن للشعوب مثقفيها الذين يكشفون زيف الواقع في تجلياته المختلفة .
وفي ختام حديثه دعا د سمير إلى تكوين جماعة للنقد الثقافي العربي أو مدرسة تتولى تعرية الزيف الذي تشمله ثقافة العولمة ، وتجمع حولها ثقافات كل المهتمين بالعولمة الحميدة ليقوموا بممارسة النقد الثقافي في شتى مظاهره وتجلياته .
وقد أعلن د صلاح فضل تأييده الشامل لهذه الدعوة لسد حاجتنا من النقد الثقافي لافتا إلى أن فترة التنوير وعصره في مصر قد شهدت حضورا قويا للفكر النقدي الشامل ، وقد بدأ هذا الاتجاه د طه حسين في كتابه "الشعر الجاهلي" حيث زلزلت الثوابت المستقرة في تاريخ الأدب العربي ، فيما استشرف طه حسين مستقبل الثقافة العربية في كتابه "على وبنوه" بل إنه توقف عند نجومية النجمة العالمية ريتا هوارت في كتابه "ألوان" ، وبذلك فإن طه حسين قد أرخ للنقد الثقافي الشامل ، والذي أنتجه المفكرون أمثال هيكل واحمد أمين والزيات والجيل الثاني أمثال العقاد ومندور ولويس عوض وصولا إلى على الراعي .
واستعرض د صلاح فضل ثلاث مراحل مرت بها الثقافة المصرية .
أولها الفكر الموسوعي الذي غلب على الفكر النقدي في مرحلة البداية ، وثانيها في حقبة الخمسينات عندما جنحت الحركة الأكاديمية المصرية والعربية نحو التخصص إلا أن الركون لهذا التخصص في المجال العلمي قابله على المستوى القومي إبعاد المؤسسة العسكرية للمثقفين عن قيادة الرأي العام ، ورغم ما أنجزته المؤسسة العسكرية في هذه الفترة من انفتاح ثقافي وتجدير للقيم لكنها في المقابل وأدت روح المبادرة حيث كان إقصاء الثقافة عن تشكيل الوعي العام ثمنه فادحا دفعناه وما نزال ندفع ثمنه غاليا حتى اليوم بعد أن تم حصر المثقفين في مجالات محدودة ويضيف د فضل أنه بالرغم من التوهج الذي شهدته الثقافة المصرية في حقبة السبعينات كانت مسرحا للصدام بين السلطة والمثقف حين أخذ المثقفون أدباء ومفكرين وصحفيين وكتاب مسرح مبادرة رفض التطبيع الثقافي في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد ، وقاد المثقفون الضمير الشعبي الوطني للمصريين لتبني هذا الموقف الشريف والذي أفادت منه السلطة بذكاء شديد ، ويعد هذا النموذج الوحيد الذي خضعت فيه السلطة لسلطة الثقافة رغم الثمن الذي دفعه بعض المثقفين نتيجة موقفهم بالتشرد الوظيفي أو بالاغتراب خارج الوطن وغيرها من مظاهر دفع ثمن المواقف .
وانتقل د صلاح فضل للحديث عن الهيمنة وهى هيمنة القطب الواحد الذي يريد إلغاء الثقافات الأخرى عبر سيطرة نموذجه هو وأن هذا الغرض الثقافي قد استنفر مقاومة العرب بل والدول الأوربية نفسها والمشكلة في هذا السياق أنه لا يمكن لنمط ثقافي وحيد أن يسيطر على العالم لأنه في الوقت الذي يصبح هو وحده الأقوى والأجدر على القيادة نافيا الأفكار الأخرى ، فإنه يفقد سيولته ويتجمد مثل الدم الفاسد ، بينما الثقافة في خصائصها الرئيسية تجدد نفسها بنفسها مثل الخلية البيولوجية ، فالعقل يموت بالرضا وهكذا المجتمعات إذا رضيت بقوتها وهيمنتها بذاتها فإنها تموت كما تموت كل الرؤى والأفكار عندما تتجمد ويشير د فضل في هذا السياق إلى الدين الذي قد يتحول من قوة دافعة للإنسان نحو الحركة والإبداع والتطور والسيطرة على الكون إلى مجرد منظومة مقدسات يدفعها جمود التفسير إلى أيديولوجيا ولكننا عندما نعود لبداية عصر النهضة المصرية نجد أن الإمام محمد عبده قدم الدين في توظيف نهضوي يعمل على تحديث المجتمع بالعلم والقيمة الروحية والأخلاقية ، والانفتاح على العالم وحرب المستعمر وأوضح أن أخطر مقولة تعرض لها الفكر الإسلامي هي المقولة العثمانية بسد باب الاجتهاد ، وبالتالي فإن أخطر ما يواجه ثقافتنا الآن هو أن تتحول لأيدولوجيا لا تقبل النقد ولا تنفتح على الثقافات ويوازيه خطورة أيضا فقرنا الشديد في التواصل مع ثقافتنا على كل المستويات ننقد ماضينا ولا نقدسه ، وننقد واقعنا لأننا لا يمكننا الوصول للمستقبل بدون هذا النقد .

– التنوع الثقافي في عالم يسوده قطب ألماني : مناقشة لقضية افتراضية (1) 9
واصل المحور الرئيسي لمعرض الكتاب مناقشة التنوع الثقافي في ظل العولمة ببحث قضية التنوع الثقافي في عالم يسوده قطب ألماني في سياق المناقشة لقضية افتراضية تنتصر لما تملكه ألمانيا من مقومات علمية وصناعية وثقافية تؤهلها لهذه القطبية ، الندوة أدارها د وحيد عبد المجيد نائب رئيس هيئة الكتاب وتحدث فيها كل من د محمد ألجوادي عضو مجمع اللغة العربية ، د السيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان ، د محمد عبد السلام الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية .
استهل الدكتور محمد ألجوادي حديثه بالإعراب عن أمنياته بأن يعيش اليوم الذي يصبح فيه العالم قطبا ألمانيا ، وقدم في هذا السياق مجموعة من المبررات التي يرى بها مدى استحقاق ألمانيا لقيادة العالم منها أن العالم الألماني يقوم على مجموعة أصيلة من القيم الحضارية والثقافية الرفيعة من علوم وفنون وموسيقى ، وأنه يقدس الحريات الدينية بجانب تقديسه وإذكائه لروح العلم والتعليم ، فضلا عن احترام ألمانيا للشرق الإسلامي في الوقت الذي يرفع فيه المجتمع الألماني قيم التصنيع والتقدم التكنولوجي ، ويدرك جيدا وفي ضوء تجربته التاريخية مخاطر العنصرية والتمييز العنصري ، ولذلك فهو مجتمع يكرس لقيم الانضباط والاحترام والصدق والتفوق العلمي .
ويضيف د ألجوادي أن العالم الألماني وفق تجربته الراهنة يحول دور العبادة التي يحترمها إلى دور علم في المقام الأول ، ويقدس الحدود المباشرة للدول ويحترمها ، فيما يرتبط هذا العالم الألماني بالقطب الأوروبي بروابط عضوية .
أما الدكتور السيد عليوة فقد أكد أن التفوق الثقافي ضرورة إنسانية وجه للتعاون السلمي بين الشعوب والتفاعل البناء بين الحضارات وازدادت أهميته في ظل العولمة التي ننظر إليها بوجهيها الفرص والمخاطر ، فالفرص التي تقدمها العولمة بمثابة أربع نوافذ هي الأسواق والاستثمارات والتكنولوجيا والمعلومات ويدونها تهمش أي أمة وتعيش في عزلة ولا تتمكن من التنمية المستدامة ، أما مخاطر العولمة فيجب الانتباه لها وتشمل المساس بالشخصية القومية والخصوصية الثقافية والعنف والإرهاب والتطرف ناهيك عن الهيمنة السياسية للقطب الواحد ومن ثم فإن الأمل في تعدد الأقطاب وبالذات في صعود الصين وألمانيا بالاتحاد الأوربي يعيد التوازن إلى منظومة الحياة على هذا الكوكب ، وخلص د عليوة إلى تأكيد أن ألمانيا مهيأة للعب دور في الإطار الأوربي والتعاون الدولي بحكم ما تملكه من مقومات ثقافية وتقدم تكنولوجي وأداء متميز في ميدان الصناعة ولكن العبرة فيما نعمله نحن في عالمنا العربي والإسلامي من تبني القيم الإيجابية للعصر الرقمي والتكنولوجي عبر تحديث منظومة البحث العلمي والالتزام الرفيع بالإتقان ليحافظ على وجوده على الساحة الدولية .
من جانبه أوضح الدكتور محمد عبد السلام أن الافتراض النظري بأن تكون ألمانيا قطبا يقود العالم افتراض له ما يبرره على أرض الواقع لكنها لن تكون قطبا وحيدا ، خاصة وأنه لا توجد دولة تخطط لأن تكون قطبا ، لكنها تخطط سياستها الداخلية بطريقة تجعلها فاعلة في العالم ليس من بوابة القوة العسكرية ، ولكن من بوابة الاقتصاد كما في نموذج الصين ، وبوابة التفوق العلمي والصناعي كما في النموذج الألماني الذي يرتكز على هذه القوة العلمية والصناعية .
وأوضح أن افتراض ألمانيا كقطب قوي في العالم وإن كان مرتبطا في قوته بالاتحاد الأوربي ، ويكتسب أهميته في تعميق المصالح العربية والأوربية ، وإن كانت السياسات الخارجية العربية لا تقول كثيرا على هذا المنحى لأنها لم تستفيد من هذه القطبية ولم تعرف الطرق للإفادة منها ، فدائما كان انحياز السياسة الخارجية العربية لقطب ضد قطب ، ولم يتجه العالم للقطب الأمريكي الأوحد ففشل في تحقيق مكاسب حقيقية من صداقته ، وخاصة مصر أثناء حقبة القطبين الأمريكي والاشتراكي وانحياز الرئيس جمال عبد الناصر للكتلة الشرقية فإنه في المقابل قطع علاقته بأمريكا ، ولما انفتح الرئيس السادات على العلاقات الأمريكية طرد الخبراء الروس من مصر وبالتالي فإننا لم نكن يوما من جبهة الحلفاء الأقربين للقوى العظمى التي نختارها موضحا أن ذلك يرتبط ربما بأن علاقاتنا الدولية تنشغل بفكرة الصراع دون أن ترتكز على فكرة التعاون مع القوى العظمى مثلما فعلت ماليزيا ، ومن ثم فلا سبيل أمامنا سوى استعادة قوتنا الذاتية وتفعيلها دون الارتكاز لسياسات النظام الدولي القائم .
وبموجب ذلك أيضا لو أصبحت ألمانيا قطبا فإننا سوف نصطدم بسياسة ألمانيا الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط التي تؤيد حق إسرائيل في البقاء ، كما تؤيد بناء الدولة الفلسطينية ، ودعمها مؤخرا للسلطة الفلسطينية ب 450 مليون يورو فضلا عن أن ألمانيا قد اختارت العمل في إطار كتلة الإتحاد الأوربي فبعد أن وقفت ضد الاحتلال الأمريكي في العراق غيرت مسارها ، واتخذت موقفا أكثر مرونة مع الولايات المتحدة على نسق الاتحاد الأوربي وهاهي الآن تقف ضد إيران .
وخلص د محمد عبد السلام إلى تأكيد أن ما يثار حاليا بشأن إمكانية وجود قطب إسلامي عربي في المستقبل القريب يعد أمرا مستبعدا مشيرا إلى أنه بعد انتصار أكتوبر خرجت المقولات التي تتوقع أن يتحول العرب إلى قوة سادسة في العالم وبعد مرور ثلاث سنوات على ذلك لم يتحقق أي منجز في هذا الاتجاه ، وإن كانت هناك مقومات قوة للإسلام يمكنه أن يتحول إلى قطب في المستقبل فستكون الفرصة متاحة للإسلام الأسيوى بحكم امتلاكه لمقومات القوة العلمية والصناعية الحديثة ، وليس الإسلام العربي إلا إذا قام بتغيير سياساته الخارجية في العلاقات الدولية وخرج من دائرة الصراع إلى دائرة التعاون .


10– التنوع الثقافي في عالم يسوده قطب صيني : مناقشة لقضية افتراضية (2)
المتحدثون
شوقي جلال ، محمد السيد سليم ، محمد عودة ، هالة أبو الفتوح
المقرر وحيد عبد المجيد
11 – حوار مفتوح حول ندوات المحور الرئيسي : " التنوع الثقافي في ظل العولمة " .
المتحدثون
احمد مجاهد ، السيد أبو شادي ، عماد أبو غازي ، محمد حسن عبد الحافظ ، وحيد عبد المجيد
المقرر ناصر الأنصاري
اجمالي القراءات 18054

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-09-27
مقالات منشورة : 144
اجمالي القراءات : 2,209,194
تعليقات له : 1,291
تعليقات عليه : 915
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt