الولايات المتحدة - تجربة السنوات الأولى -1

فوزى فراج Ýí 2008-08-15


الولايات المتحدة الأمريكية

تجربة السنوات الأولى - 1

 

التاريخ, اول مايو عام 1971

المكان, مطار كيندى بنيويورك

الوقت حوالى الساعة الثانية بعد الظهر تقريبا بتوقيت نيويورك.

خرجت بعد انهاء إجراءات الدخول الى الولايات المتحدة, الذى لم تستغرق وقتا طويلا, فقد كان دخولى قانونيا, كمهاجر ومنحت ال( جرين كارد) فى  المطار فى نفس وقت الدخول.

كان بإنتظارى صديق حبيب وزميل من الجامعه (ح.ا) كان قد هاجر قبلى بسنتين تقريبا, وساعدنى فى اجراءات الهجرة بأن أرسل لى شهادة ضمان كانت السفارة فى مصر تصر على ان تكون فى حوزتك, وتسمى ( Affidavit of Support ), وهى اقرار بأن هناك من سوف يتولى مسؤليتك عند وصولك الى امريكا, اى بمعنى اصح ان هناك من سوف يساعدك ويوجهك ويتولى مسؤلية معيشتك حتى لا تكون عالة على الدولة والمجتمع وبدلا من ان تستفيد الدولة من وجودك كأنسان يعمل وينتج ويساهم بدفع الضرائب, تصبح الدولة مسؤلة عنك , فتدفع لك مساعدات مالية....الخ.

كان معه بعض "أصدقاؤه " من المصريين الذين تعرف عليهم فى الولايات المتحدة , وكان ذلك اليوم هو يوم العطلة الاسبوعيه ( السبت), ولذلك كان فى استطاعته ان يحضر من ولاية نيوجرسى الى ولاية نيويورك كى يلتقى بى ويأخذنى الى مسكنه الذى كنت سأشاركه إياه فىالفترة الأولى من حياتى فى الولايات المتحدة. اما عن ما سميتهم اصدقاؤه, فالحقيقة ان الغالبية العظمى من تلك الصداقات هى ما يمكن ان يوصف بأنه صداقة مصلحة, او صداقة عدم الخيار, ولا تعنى كلمة مصلحة هنا مصلحة مالية , ولكن من الممكن ان تكون, كما انها أيضا قد تكون مصلحة من نوع اخر, فعندما يكون الإنسان فى بلد اخر غير بلده, وتعرف على شخص من بلده الأصلى او من منطقته العربية او حتى  ينتمى الى نفس الدين والعقيده التى ينتمى اليها, فيحدث تقارب  سريع وتلقائى بينهما, وقد ينتهى هذا التقارب الى صداقة حقيقية, ولكن فى اكثر الأحيان لا يتعدى ان يكون صداقة مصلحة او عدم الخيار.

اصر احد أصدقاؤه  )و)  ان نذهب الى مسكنه أولا, ورغم ارهاقى من سفر طويل وتغير ساعات الوقت وخلافة اصر بالطريقة المصرية بل وحلف بالطلاق ان لابد ان نذهب الى مسكنه اولا لتناول طعام الغذاء , بل أصر ان اركب معه فى سيارته وليس فى سيارة صديقى الذى كان فى انتظارى, ولم يكن هناك مجالا حتى للحوار بعد ان حلف بالطلاق. فى الطريق الى منزله بدأ فى تلقينى الدرس الأول عن الحياة فى امريكا وعن اشارات الطرق ولوحات الإتجاهات, وعن ما اتوقعه فى الحصول على عمل, بأن العمل ليس من السهل الحصول  عليه وأن على ان اتوقع ان لا اجد عملا مناسبا الأ بعد ثلاثة شهور او اكثر على اقل تقدير, وأن الغالبية العظمى من المهاجرين يقضون تلك المدة فى معرفة الأحوال ومعرفة الطرق والمواصلات ومعرفة اللغة ومعرفة العادات , بل تحدث عن متوسط المرتبات فى ذلك الوقت وما يتوقع ان اتقاضاه ...الخ , وقد تولى هو نصاب الحديث وتوليت نصاب الإنصات طوال المسافة من المطار الى مسكنه والتى استغرقت ساعة على اقل تقدير فيما اذكر, إذ لم يكن بالسيارة سوانا, فلم يكن فى إمكانى سوى أن انصت.

فى مسكنه كانت زوجته ( رحمها الله فقد نمى الى علمى وفاتها فى التسعينات من القرن الماضى ) قد اعدت الطعام للجميع, وكان مسكنه عبارة عن شقة صغيرة فى ( هوبوكنز) ولاية نيوجيرسى, ولاحظت انه كان من النوع الذى يحب المبالغة فى كل شيئ, ولكنى لإرهاقى ولأنى لا اعرفة بعد, ولأنى أيضا لا اعرف الكثير عن الولايات المتحدة, بل لا اعرف حتى  القليل, لم اعلق على مايقول ولم اجادل حتى عندما جادلة البعض من الأخرين. وسألنى اسئلة كثيرة وكان فى بعض الأحيان يسأل السؤال ثم يجيب هو عنه حتى قبل ان أبدأ الإجابة, وايقنت انه لا يسأل من اجل ان يعرف الإجابة , ولكنه يسأل كى ( يستعرض عضلاته) فى اظهار معلوماته عن الأشياء التى يسأل  عنها, فتوقفت عند ذلك حتى عن محاولة الإجابة عندما يسأل أسئلته , ولم يثير توقفى عن محاولة الإجابة اى سؤال لديه او لدى الأخرين إذ تصور الجميع ان ذلك من تأثير السفر وإرهاقة وتغيير الوقت   وخلافه او ما يسمى ( jet lag) .

بعد ان غادرنا مسكن صديقه, سألنى صديقى ( ح.أ) ونحن فى الطريق الى مسكنه, وكانت هذه هى المرة الأولى التى اختلينا مع بعض منذ وصولى, عما حدث فى الطريق من المطار الى مسكن صديقه, وقبل ان افتح فمى, بادرنى بقوله هل قال لك كذا وكذا وكذا...., وضحكت وسألته كيف عرفت ذلك, فضحك وقال , انها اسطوانة محفوظة يكررها هو وبعض الأخرين مع كل قادم جديد.  تحدثنا عن أسرته التى كنت على اتصال بها قبل حضورى,وعن الأحوال فى مصر, وعن بعض الأصدقاء هناك  وعن الرحلة وقصصت عليه واقعه حدثت لى فى بروكسل وكيف كدت ان اعود من بروكسل الى القاهرة بدلا من إكمال الرحلة الى نيويورك لولا ان الله سبحانه وتعالى كان قد قدر ان لا يحدث ذلك. وهى واقعة طريفة وإن لم تكن  ( طريفة ) عند حدوثها.

كنت قد غادرت مطار القاهرة مع احد الأصدقاء (م.ز) وكان مهاجرا هو الأخر الى الولايات المتحدة, فى الحقيقة لم يكن صديقا ولكن كان من زملاء الجامعة, فقد كان من نفس الكلية التى تخرجت منها , غير انه تخرج بعد دفعتى بعام او عامين لا اذكر, وقد عرفته كما عرفت الكثيرين من الطلبة من الدفعات اللاحقة او المتقدمة عن طريق ما كنا نسمية ( النادى), وكان النادى عبارة عن مبنى مستقل , يحتوى على كافيتيريا واستراحة كبيرة وقاعة للإجتماعات وعدة غرف للنشاطات المختلفة , وكنت فى السنة الأولى عضوا ,ثم أصبحت بدأ من السنة الثانية مسؤولا عن ذلك النادى حتى تخرجت, وبالتالى كان لى العديد من الإتصالات بالكثير من الأساتذه والطلبة من جميع الدفعات فى النشاطات مثل الموسيقى والمسرح والرحلات .........الخ جميعها من النشاطات الترفيهية, وعن طريقة أيضا تعرفت على صديقى الحبيب ( ح ) الذى تحدثت عنه أنفا. وأيضا عرفت (م .ز) الذى قابلته بالصدفة فى السفارة الأمريكية بالقاهرة , وعندما عرفنا ان كلانا مقبل على الهجرة, تعددت لقاءاتنا فى هذا المضمار, حتى تم قبولنا وحصلنا على الفيزا ,ثم خططنا ان نسافر فى نفس الرحلة.

اعطت السفارة لكل منا مظروفا اصفر كبير الحجم, به جميع الأوراق الخاصة بالهجرة, واصدروا تعليمات صارمة لنا, اولا بأن لا نفتح ذلك المظروف لأى سبب, فأى محاولة لفتحه سوف تلغى فاعليته, وأن لا نفقده وألا فإن حدث ذلك , فمعناه ان نعود الى السفارة وأن نستخرج بدلا للفاقد, ومعنى ذلك ان يتأخر دورنا ربما لستة شهور او سنة أخرى, بعد ان استغرقت إجارءات الهجرة حوالى ثلاث سنوات, اما اخر التعليمات فكانت ان لا نضع ذلك المظروف فى اى حقيبة بل يجب ان نحمله فى يدينا طوال الرحلة لتسليمه الى موظف اجراءات الهجرة فى نيويورك , الذى يقوم بفتحه وفحصه واعطائنا الجرين كارد, لأنه بغير ذلك لن يسمج لنا بالدخول الى الولايات المتحدة. وكانت مسؤلية ذلك المظروف مثل الكابوس منذ تسلمناه  من السفارة .

المهم, حمل كل منا مظروفه فى يده, وحقيبة ( هاند باج) واستقلينا طائرة شركه خطوط سابينا الى أثينا , حيث قضينا عده ساعات فى مطارها, ثم الى بروكسل, وكان البرنامج هو ان نقضى ليلة فى بروكسل , ونأخذ طائرة اخرى ( TWA) صباح اليوم التالى الى نيويورك, ولدى هبوطنا الى المطار فى بروكسل, كانت امتعتنا سوف يتم تحميلها بطريقة روتينية الى طائرة نيويورك فى اليوم التالى, فلم نتسلم تلك الأمتعة, ولكن كان معنا ما يلزمنا لتلك الليلة فى الهاند باج, وبالطبع المظروف الأصفر الكبير.  من المطار أخذنا القطار الكهربائى ( مترو) , الى محطة فى وسط البلد, ثم اخذنا تاكسى الى الفندق فى وسط المدينه, وكان كل شيئ معد لنا قفد قامت شركة الطيران بالحجز واعطائنا معلومات مكتوبه عن كل شيئ بدأ بالقطار والتاكسى والفندق ...الخ.  عند عملية التسجيل سألنا الموظف ان كان هناك ما نود ان نودعه فى خزينة الفندق, وترددنا فى ان نودع المظروف الأصفر, ثم قررنا ان نحتفظ به وان لا يغيب عن اعيننا, فبدونه سوف لن ندخل الولايات المتحدة.

كنا نشترك فى غرفة واحدة, وبعد ان استرحنا قليلا, قررنا ان نغادر الفندق وان نتجول قليلا فى المدينه, وكان السؤال هو , هل نترك المظروف الأصفر فى الحجرة ام نحملة معنا, وبعد مداولة قصيرة, قررنا ان نترك المظروف الأصفر فى الحجرة, فوضعناه ( تحت مرتبة كل منا) , بعد ان تأكدنا من انه من المستحيل ان يكون هناك احد يراقبنا. وذهبنا نتجول فى شوارع المدينه, ورغم ان الإسكندرية كانت من اجمل المدن وأنظفها فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى بالمقارنه بها بعد ذلك خاصة الأن, إلا ان جمال ذلك البلد الأوربى ونظافته كانت من الأشياء التى استرعت انتباهنا وحازت إعجابنا, كما أسترعى انتباهنا أيضا أسلوب المرور وطريقة المشاة فى الشوارع وهو شعور لا يمكن ان يحسه سوى من عاش فى مصر, ثم رأى بلدا اوربيا مثل بروكسل.

عدنا الى الفندق بعد تلك الجولة, وتناولنا طعام العشاء فى مطعم الفندق, وكانت تلك هى المرة الأولى التى رأينا فيها قائمة الطعام باللغة الإنجليزية, وكنا بالطبع فى منتهى القلق لعدم معرفتنا بما هو حلال من اللحوم وما هو حرام, لكن الله ستر, لأن الجرسون كان سوريا يتحدث العربية, وعندما اقترب منا وسمع حوارنا , حيانا بالعربية فكانت مفاجأة , وبالطبع قام بالواجب من حيث أرشادنا الى ما فى قائمة الطعام وما هو حلال وما هو حرام.

فى صباح اليوم التالى, قمنا بتوقيع فاتورة الحساب الذى كانت شركة الطيران سوف تتكفل بها, وطلب لنا موظف الفندق تاكسى, الى محطة المترو, ومنها ركبنا المترو الى المطار, وكنا هناك قبل موعد مغادرة الطائرة بحوالى ساعتين, لأننا لم يكن لدينا ما نفعله فى الفندق او المدينه, وأثرنا ان نكون بالمطار مبكرا لنضمن عدم التأخير فمن يدرى ربما تكون هناك حادثة او تنقطع الكهرباء عن المترو ونتأخر.....الخ من الأشياء التى تعودناها فى مصر ولم نرد ان ترك الأمر للظروف.

جلسنا انا و (م.ز) فى المطار وبعد حوالى ربع ساعة تقريبا, قام ليذهب الى دورة المياه, وترك الهاند باج ومظروفه الأصفر معى لحين عودته, وفى هذه اللحظة رأيت ان مظروفى الأصفر ليس معى وليس فى يدى . ودارت الدنيا بى وأحسست بأنى فى منطقة اتعدام الوزن, ونظرت حولى ولم استطع ان أتذكر متى كان المظروف فى يدى اخر مرة, هل تركته فى الفندق, فى التاكسى, فى المترو, هل كان بجانبى وسرقة احدهم,............................عندما عاد (م.ز) واخبرته بما حدث, سألنى متى كان المظروف معى , وسألته نفس السؤال, وأصبحنا فى حيص بيص, ونظرنا الى الساعة, وكان هناك حوالى ساعة ونصف على موعد مغادرة الطائرة.

ذهبت الى موطف شركة الطيران, وشرحت له ما حدث , وكانت لغتى الإنجليزية جيدة نسبيا بالمقارنه الى الكثيرين من المهاجرين بإستثناء من كان تعليمهم  وثقافتهم فى المدارس الإنجليزية بالطبع, فقد كنت من عشاق الموسيقى الغربية والأفلام الأمريكية على وجه الخصوص, وعندما قررت الهجرة. ركزت كثيرا على ان استوعب تلك اللغة خاصة اللكنه الأمريكية , فأخذت بعض الدروس لدى سيدة أمريكية متزوجة من أستاذ جامعى , فكانت تساعد بعض المهاجرين فى تعلم اللغة والعادات الأمريكيه, ولم تكن الدروس ورقة وقلم, بل كان عبارة عن ساعة كل أسبوع نقضيها فى حوار فى ما شاءت هى من المواضيع التى تعتقد انها ذات فائدة لمن سوف يهاجر الى الولايات المتحدة, وقد تعلمت خلال تلك الفترة التى كانت حوالى أربعة شهور, وهى كل ما كان قد تبقى من وقت قبل الهجرة, تعلمنت منها كثيرا مما أفادنى ووفر على من الوقت والتعب والمجهود مما سوف يتضح فيما بعد.

سألت موظف شركة الطيران ان لم استطع ان اجد ذلك المظروف, فهل من الممكن ان اؤجل الرحلة الى رحلة أخرى متأخرة, وأفادنى بأنه سوف يتحدث مع بعض مرؤسية بهذا الشأن, سألته ان لم اجد المظروف هل من الممكن ان أستعمل التذكرة للعودة الى مطار القاهرة بدلا من نيويورك, وكانت اجابته هى نفس الإجابه, اخبرنى انه سوف يتصل بالفندق للبحث فى الفندق, وسوف يحاول ان يعرف منهم اى تاكسى وأن يتصل بالتاكسى, كما سوف يتصل بالمسؤلين عن قطار المترو وسوف يعطيهم التفاصيل اللازمه عن المظروف.

جلست مع ( م.ز) الذى كان يشجعنى فيقول لى اننا جئنا سويا وسوف نستكمل الرحلة سويا حتى ان قررت ان اعود الى القاهرة فسوف يعود معى, وقلت له لا شأن لك بذلك, بل يجب ان تذهب فى نفس ميعاد الطائرة عند إقلاعها, وعليك بأن تخير صديقى فى نيويورك بما حدث....الخ, كنت انظر الى الساعة مرارا, وكان الوقت فيما يبدو يمر بسرعة رهيبة, وكنت أذهب بين الحين والأخر, الى موظف شركة الطيران لأسأله ان كان هناك جديدا ,هل سمع شيئا من الفندق, من التاكسى من اى احد, كنت بين نارين , هل سنجد المظروف, هل سنجده دون ان يفضه او يفتحه احد فإن حب الأستطلاع قد يدفع من يجده الى فتحه, هل سوف نجده قبل اقلاع الطائرة, ام بعدها, هل سنجده على الأطلاق, ماذا عساى ان اقول ان رجعت الى القاهرة, لقد ضيعت الرحلة  وضيعت كل شيئ بسبب اهمالى, ترى ان رجعت الى مصر, كم سوف انتظر حتى تستبدل السفارة ذلك المظروف بأخر......

ذهبت مرة اخرى الى الموظف الذى افادنى بأن الفندق لم يجد المظروف فى الحجرة او فى المكتب او قاعة الإستقبال, وانهم قد اتصلوا بشركة التاكسى ولا زالوا فى انتظار الرد.

مر الوقت بسرعة رهيبة كما أحسست, وتبقى حوالى خمس وأربعون دقيقة, وأفادنى الموظف أن شركه التاكسى قد حددت السيارة التى ركبناها ولم يجدوا المظروف فى التاكسى.

تبقى نصف ساعة على موعد الطائرة, وكنت قد اوشكت ان افقد الأمل تماما, بل كنت فى عقلى اللاواعى اتخيل ماسوف اقوله لأسرتى وأصدقائى الذين ودعونى بالأمس فى المطار, واحاول ان اضع الجمل المناسبة التى سوف اتقوه بها عند لقائهم, وذهبت مرى اخرى الى الموظف, الذى افادنى وعلى وجهه إبتسامة أنارت المطار بأكمله,  انهم قد وجدوا المظروف الأصفر فى عربة المترو, وسوف يحضروه فى المترو القادم ولكن لا يعرف ان كان سوف يصل قبل مغادرة الطائرة, وتنفست الصعداء وكأن الله قد أستجاب لدعاء امى التى كنت لا زلت اذكره قبل مغادرتى المنزل, وكان هناك شيئان تركتهما لله, ان لايكون احد قد عبث بالمظروف او فضه, وأن يصل قبل موعد الطائرة.

ونودى على الرحلة الى نيويورك, وفتح باب الدخول, وأنا انظر فى كل الإتجاهات مترقبا ان أرى احدهم وهو يحمل مظروفا أصفر من الحجم الكبير, ولازلت امل فى ان يصل وأن لا يكون قد فضه احد, ولم يبقى فى الصالة سوى عدد محدود من الركاب, وطلبت من صديقى ان يدخل فرفض, وأصررت ان يدخل فقال سوف ينتظر الى اخر ثانية, ولا اعرف كيف او متى او من اى إتجاه وصل ذلك المظروف, فإذا بالموظف قادما نحوى وبيده المظروف الأصفر, وسارعت اليه قبل ان يصل الى واخذت المظروف ونظرت اليه اتفحصه, ووجدته تماما كما رأيته فى المرة الأخيرة, لم يفضه احد, وتخيلت لو ان ذلك كان قد حدث فى ام الدنيا , هل كنت سأراه مرة اخرى, وإن حدثت معجزة ورأيته مرة اخرى, فهل كان من الممكن ان لا يفتحه احد ولو من باب حب الإستطلاع , من يدرى!!!

لم يظهر صديقى ما توقعته منه من تفاعل مع نهاية القصة التى اعتبرتها انا كما عشتها فى غاية الإثارة , بل قال فى برود شديد, هذا ما سوف تراه فى هذه المجتمعات لأن الأخلاق تختلف عنها فى مجتمعاتنا الشرقية ,فكان رد فعله وكأن قصتى كانت عن  رجل عبر الطريق من جانب الى الأخر.

قاد سيارته وكانت سيارة سبورت بيضاء ماركة بليموث باراكودا, وكان فخورا جدا بها, فى الطريق الى مسكنه, ولدى وصولنا كانت شقته فى مدينة تسمى إرفنجتون ( Irvington) من ولاية نيوجرسى , وعندما أقول مدينة, فلا يخطر ببالك انى اتحدث عن مدينة كالقاهرة او الإسكندريه مثلا او نيويورك, فكل من اؤلئك يسمى مدينة بالعربية (city) ولكن تلك تسمى (Town) ولا اعرف ان كان لها مرادفا باللغة العربية ربما من الممكن ان نطلق عليها إسم " بلدة", وهى عبارة عن تجمع سكانى أقل بكثير من احد أحياء القاهرة مثلا, ولكنه اكبر بكثير من قرية من قرى مصر, وهذا هو التركيب السكنى فى اغلب الولايات الأمريكيه, غير ان الولايات الأمريكيه أيضا تختلف بعضها عن الأخر, وهذا موضوع اخر, وكان مسكنه من غرفتين للنوم وصالة كبيرة للمعيشة ومطبخ وحمام وكان قد اعد احدى الغرفتين لى ,وبعد ان وصلنا استلقيت على السرير ولم ادرى إلا ونحن فى صباح اليوم التالى , الأحد حين أيقظنى برفع صوت الراديو ببعض الموسيقى, وبدأت أول أيام حياتى فى العالم الجديد, الولايات المتحدة الأمريكية.

يتبع ...........................

اجمالي القراءات 16823

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   Inactive User     في   السبت ١٦ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[25736]

مقالة أكثر من رائعة

أخى فوزى


بصراحة ومالكشى على يمين هذه المقالة المذهلة من أروع وأمتع وأجمل وأطيب ما قرأت لك ، بصراحة كنت شديد الشوق لها وأنتظر باقى  حلقاتك بلهفة شديدة ، أخى فوزى : أشكرك لا،ك أمتعتنى اليوم بتحفة فنية من أسلوبك الجميل وقصة واقعية إهتز لها وجدانى ، والله أنا سعيد جداً بهذه المقالة ولست أدرى لماذا شدتنى كل هذا الشد لدرجة أننى كنت حزيناً عندما وصلت للنهاية لأننى كنت أريد أن أواصل القراءة


لذلك أرجو ألا تتأخر فى نشر مذكراتك اللذيذة وحلقاتك المذهلة .. وفقك الله تعالى وسدد خطاك


2   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   السبت ١٦ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[25757]

السيد سنان السمان, شكرا

الأستاذ الفاضل سنان, لم اكن استطيع حتى إن حاولت ان اتفق مع ما قلته أكثر من ذلك, لقد اصبت سيدى الفاضل, وسوف ترى إن شاء الله فى حلقات قادمة من هذا المقال ما سوف يؤيد ما قلته وأكثر. انه لمن دواعى أسفى انك وأنا وكثيرين نرى تلك الأخطاء وتلك العيوب فى مجتمعاتنا, ولكن هناك من هو على إستعداد ان يقاتل فى سبيل الدفاع عن إستمرارها ومن سوف يقاتل لكى يثبت لك ان ما تقوله ان هو إلا محض خيال مريض قد التبس  عليه الأمر أو قد قام الغرب بعملية " مسح مخ " له, وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان, الا يقاتل الملايين منهم من أجل ان نعود بمجتمعاتنا الشرقيه الى الخلف لأربعة عشر قرنا!! شكرا سيدى الفاضل.


3   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   السبت ١٦ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[25758]

أخى الحبيب د. حسن

شكرا جزيلا على مداخلتك, ولا أستحق منك كل ذلك الإطراء, فى الحقيقة, ويعلم الله, اننى لم افكر فى كتابة هذه المقالة, فتجربتى كانت فى الواقع...تحربتى لا أكثر ولا أقل, ولا فائدة او خسارة منها إلا على نفسى, أو ربما اطفالى, خاصة وأنها قد حدثت منذ قرابة الأربعون عاما الأن, وقد تغيرت أشياء كثيرة منذ حدوثها, غير ان ما دفعنى بقوة ان افكر فى كتابتها هو ما قرأته من ظلم وإجحاد بالغرب والمجتمع الغربى ونساء ورجال الغرب وتقاليده وحياته , فما كتب أخيرا عنه على هذا الموقع لا يمكن ان يوصف إلا ب" غير صادق " وأنا  اختار الكلمات بمتهى الحرص فى وصفه, وإن كان من الممكن ان يوصف بكلمات أخرى اشد قوة وتعبيرا, ولذلك إحقاقا للحق أردت ان اقدم لمن يهمه الأمر صورة اكثر صدقا وأكثر دقة وأكثر حيادا عن خبرة استمرت سبع وثلاثون سنه بغير إنقطاع.


أرجو ان لا يتغير رأيك فى المقالة بمرور الوقت, مع وافر تحياتى.


4   تعليق بواسطة   Inactive User     في   الأحد ١٧ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[25783]

لن يتغير رأيى يا صديقى.. ولكن قل لى

ولكن هناك سؤال حيرنى أثناء عملى اليوم فقد تذكرت مقالتك الجميلة ثم تذكرت قولك عن الظرف الأصفر الذى بدون لن تأخذ الجرين كارد ، وخطر على بالى سؤال مهم :

أنت نسيت الظرف فى مترو الأنفاق  وسأفترض أن الشخص الذى عثر عليه أودعه فى أقرب محطة للمترو وبالتنالى المحطة أعتطته للشرطة ، فكيف عرفوا أن صاحب الظرف هو أنت بالذات ؟ هل كان مكتوباً على الظرف إسمك وظروفك وإسم الفندق الذى ستنزل فيه وموعد إقلاع الطائرة ؟


بصراحة نفسى أفهم كيف عرفوا أن الظرف هو ظرف فوزى فراج المصرى الذى قضى عدة ساعات فى الفندق الفلانى والموجود الآن فى المطار يتلهف وصول الظرف له ؟ حاجة تجنن فعلاً


هل أذاعوا فى نشرة الأخبار عن فقدان مظروف مهم لشخص مصرى إسمه فوزى فراج ويجب على من يعثر عليه أن يوصله له بسرعة إلى مطار بروكسيل حيث أن موعد إقلاع الطائرة قد اقترب ؟


ارجوك فهمنى


وبالمناسبة أنا نزلت بروكسيل 3 مرات وتفسحت فيها وفى مدن بلجيكية أخرى


تحياتى لك ومنتظر ردك


5   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   الأحد ١٧ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[25785]

الإجابة التى حيرت د. حسن

لا أعرف ان كانت اسئلتك خاصة فيما يتعلق بنشرة الأخبارجادة , المظروف ليس مظروفا صغيرا مثل الخطابات التى ترسلها فى البريد, ولكنه مظروفا اكبر بكثير من حجم ما يسمى فى مصر ورق الفولسكاب, اكبر من حجم فيلم الأشعه للصدر بقليل , لأن كان به صورة من كشف الأشعة على الصدر المطلوب من قبل السفارة والتى تحدد فيه طبيبا واحدا بالذاب فى القاهرة للكشف. المظروف مكتوب عليه أو مطبوع عليه أسمى بالكامل بالإنجليزية بالطبع وليس العربية كما انه مكتوب عليه لا بفتج إلا بمعرفة إدارة الجوازات والهجرة فى الولايات المتحدة الأمريكية بالإنجليزية أيضا. المسافة الزمنية فى المترو ( وليس مترو انفاق كما سميته) فلم يمر ذلك المترو فى أى نفق, هى حوالى 20 دقيقة من المحطة التى اخذنا التاكسى اليها الى محطة المطار, المترو كان يكاد ان يكون خاليا فى صباح ذلك اليوم إلا من عدد قليل جدا من الركاب وهى ظاهرة لاحظناها بوضوح بالمقارنه الى وسائل المواصلات فى مصر التى لاتجد بها شبرا واحدا خاليا من احد الأعضاء البشريه, عندما يجد موظف التذاكر شيئا, يأخذه الى اول محطة وربما هناك عملية تسجيل لما وجده!, المترو يمربالمطار كما ذكرت, الأمانه والأخلاق فى هذا المجتمع هى السبب فى ان المظروف لم ينتهى فى بيت احد الركاب ظنا منه انه يحتوى كنزا, لا اعرف ا لسيناريو الذى حدث بالضبط اكثر مما ذكرته, ولكن عندما اتصل موظف المطار بالفندق وبالمسؤلين عن المترو, ربما كان المظروف قد وجد طريقه فعلا الى المسؤلين عن الأشياء المفقودة, ومن الطبيعى ان ذلك المظروف لم يكن اول شيئ مفقود منذ إنشاء المترو, اى ان هناك نظام معمول به فى التعامل مع المفقودات لضمان وصولها الى اصحابها......هل أستمر ام ان الصورة قد اتضحت لسيادتك. , لا شك ان هناك أيضا عامل اخر لا يمكن ان ننساه, يسمى العامل الإلهى الذى لم يرضى لى بالعودة الى مصربخفى حنين بعد 24 ساعة, وربما كان فى ذلك أيضا درسا من نوع اخر لى, مع تحياتى


6   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الثلاثاء ١٩ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[25900]

أخي فوزي



أخي العزيز فوزي حياك الله .


قرأت قصة رحيلك في جزئها الاول ،الذي شدني واضحكني فيها مايلي ،شدني أليها معرفة نهاية مأساة ضياع المظروف ،واضحكني لأنك فتقت جروحي القديمة ايضا ،وذلك عندما هربت من الوطن ،الى بلد الغربة ،وما واجهته أنذاك من مصاعب وما حدث معي من أمور مضحكة واجهتني ،تذكرتها عندما قرأت قصتك ،واستمتعت بأسلوبك.... لعلي أيضا سأحاول كتابة ما حدث معي ففيها من الاشياء المضحكة والمبكية الشيء الكثير .وأنا بانتظار الحلقات القادمة إن شاء الله.


7   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   الخميس ٢١ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[26018]

أخى الحبيب زهير

معذرة على تأخرى فى الرد - سماح -, شكرا لك على مداخلتك وأسف ان كنت قد فتقت جروحك القديمة , أعتذر , إذ يبدو اننى كثرا ما أفعل ذلك معك وإن لم اكن اقصد. سوف اتطلع الى قراءة ما حدث معك , وظنى كثيرا وإن إختلفت التفاصيل فسيكون المضمون الكامل متشابها الى حد كبير.


محبتى


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-08-18
مقالات منشورة : 149
اجمالي القراءات : 3,456,457
تعليقات له : 1,713
تعليقات عليه : 3,274
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State