دفاعاً عن ثقافتي (1)

عمر أبو رصاع Ýí 2008-03-08



اقول دفاعاً عن ثقافتي و لا اقول دفاعاً عن الاسلام لأن الاسلام لا يحتاج دفاعاً مني او من غيري بل انا هنا ادفع عن ثقافتي التي كانت دعوة الاسلام مكون جوهري فيها ، و أنا مع ذلك انسان علماني مقتنع بالديموقراطية و الدولة المدنية و لا اجد فيها تعارضاً مع كوني مسلم ، و سأحاول هنا الحديث عن ذلك الجزء العظيم الذي ورثته من دعوة الاسلام و أراه جميلاً و انسانياً و عظيماً ايضاً ، و يؤذي نفسي ان يعرض به رغم عظمته و برسوله صاحب هذه الدعوة التي تعلمت منها الكثير من الرقي و الاحساس المرهف الانساني.

المزيد مثل هذا المقال :


نشأت في بيئة عربية مسلمة ، بيت من بيوتات الطبقة المتوسطة زرعت في نفسي الاسلام كدين محبة و خير و سلام و دعوة توحيد تفرض علي اول ما تفرض ان اكون انسان جيد يشهد له كل الناس بحسن الخلق ، رسخت في نفسي ثقافة مستقاة من تراثنا العربي الاسلامي ، و قد اصابت بالصدمة من هول ما اسمعه من محاولات لتشويه و اختزال و تحقير ثقافتي هذه التي ورثت فيها الكثير جدا من القيم و الافكار الراقية.
علمتني امي ان ديننا و ربنا الذي نؤمن بوحدانيته إله يحرم علينا ان نعتدي على حقوق الآخرين و أن نكذب او نزني او نسرق أو نلحق الاذى حتى بحيوان ، علمتني ان الاسلام كرم المرأة بل ان نبيه جعل الجنة تحت اقدام امهاتنا !
علمتني وصايا النبي الكريم و ابو بكر الصديق التي اثارت في نفسي الاعجاب كيف لا و هو يوصيهم ان لا يعتدو في قتال إلا على من يقاتلهم بالمثل ، و ان ديني هذا يحترم مقدسات كل الاديان فيحرم علي ان اعتدي على بيت او مكان خصص ليعبد فيه إله ، علمتني ان عباداتي كلها تنطوي على صفاء الروح و على النظافة الشخصية و العناية بالمظهر لأن الله الذي تعرفت عليه ببساطة إله يحب الجمال و يكره الظلم و يبغض الفتنة و يحب الانسان و يكرمه و يدعونا إلى عمل الخير و الامتناع عن الظلم لانه حرمه على نفسه فكيف يبيحه لنا؟! تعلمت ان طقوس العبادة انما اشتملت على مظاهر معينة لتعلم الانسان التساوي مع الآخرين فيمارسها معهم مثله مثلهم بين يدي رب واحد ، تعلم الانسان البعد عن الغرور و الكبر و تعلمه التواضع و الاحساس بالفقير و المسكين.
تعلمت ان افتخر بالكثير المشرق من تاريخ امتي ، تعلمت ان افخر بمواقف كثيرة لعمر بن الخطاب الذي حملني ابي اسمه لاعجابه بمواقفه العبقرية ، كموقفه المتسامح من مسيحي القدس اخوة الوطن مثلاً ، يكيفه قوله:" متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتمهم احرارا"، تعلمت ان الاسلام له موقف ايجابي من اختلاف العقيدة متسامح يقبل الاختلاف بالعقيدة و مهما قال خصومه فأنا على يقين انه لولا انه كذلك لما كان جاري في البيت مسيحي موجود إلى اليوم و له كنيسته و يمارس عبادته بحرية آمن على نفسه و عياله و انه رغم كونه مسيحياً فهو صديقي و اخي في الوطن اقتسم معه نفس الهموم الحياتية و نجلس انا و هو نشرب كوب الشاي و نتبادل اطراف الحديث كلانا مطمئن إلى حب الآخر له و صدق مشاعره تجاهه ، يحترم معتقداتي كما احترم معتقداته و اهرع لمساعدته كما يفعل هو تماماً ، و كذلك كان ابوه صديق ابي تظاهروا و ناضلوا معا من اجل وطنهم و حريتهم و جده كان صديق جدي و اننا عبر اجيال و عبر قرون عشنا معاًُ فكيف لا يكون اهلي المسلمين و هم الاغلبية متسامحون اذاً؟ و كيف لا نكون معاً قد قدمنا نموذجاً للتعايش السلمي و الاخاء الاجتماعي؟ كيف يكون ديني يدعو لابادتهم و كنائسهم و اديرتهم موجودة و لا زالت موجودة من ما قبل الاسلام و حتى الساعة؟!

قرأت ما فعله فرديناند بمسلمي و يهود الأندلس و عرفت كيف يفرض الدين فرضاً على الآخرين و كيف اصبحت اسبانيا كلها مسيحية بالقوة بعد ان عاشت في كنف دولة مسلمة ثمانية قرون فيها المسلم و المسيحي و اليهودي يعيشون جميعا معاً ، فكيف تكون دعوة الاسلام دعوة تعصب إذن و بيننا عاشت عبر القرون اليهودية و المسيحية و لا زالت ؟
اكتب لكم ببساطة و دون تعقيد عن ذلك الاسلام الذي علمني اياه ابي و علمتني اياه امي و رأيتهما يمارسانه ، بعيداً عن الاصطياد في الماء العكر و توظيف النصوص في غير مساقاتها التاريخية توظيفاً يشوه الصورة و يهدر البعد التاريخي. تعلمت ان اتعاطف مع كل بني البشر المظلومين و ان اساند قضاياهم العادلة بغض النظر عن دينهم و لونهم فديني يكرم الانسان و يساوي بين البشر.
اكتب لكم عن تلك القيم الاسلامية الرائعة التي تعلمناها من القرآن و من الحديث كالعفو عند المقدرة و الامانة و حسن الخلق و اعمال العقل ، اكتب لكم عن اسلام الاغلبية الساحقة من امتنا بعيدا عن المتطرفين و الغلاة هذا الاسلام الذي اراه سلوكاً متسامحاً مع اتباع الديانات الأخرى اسلام يدعو إلى مكارم الأخلق و يتممها كما قال نبيه.
إسلام جاء فوجد المرأة متاعاً يباع و يشترى و يورث فرفع من قدرها درجات و اعطاها و ورثها و كرمها بأكثر ما يمكن ان يسمح به زمن الدعوة ، مكرساً بذلك نموذج للرقي بالمرأة الإنسان و يفتح المجال بعده لكل مجتهد ان يقتدي به و يناضل من اجل المزيد من تكريم المرأة كإنسان.
تعلمت ان الاسلام جاء ليرفع من شأن النظرة للخالق فبعد الوثنية و الشرك كان الإله العظيم الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء.
تعلمت ان الاسلام يدعو للعلم و يكرم العلماء و يدعو لاعمال العقل و يعلي من شأنه إلى درجة ان للعقل مدارس في تاريخ الاسلام اعادت الفلسفة و اعادت لها مكانتها بعد ان اهدرت ، و ترجمت علوم الدنيا و شادت و ساهمت في بناء حضارة الانسان.
تلعمت ان الدعوة لا تكون بالنعف و لا بالقتل و لا بالغصب بل ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ، تعلمت ان الجميع تحت هذه الدعوة مطالب بحسن التعامل و اللين و إلا لما قال الله في القرآن لنبيه :{لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
تعلمت ان اعظم صفات الله هي العدل انها صفته التي يتجلى فيها كماله و هي صفته التي يدعونا لأن نتمثلها عملاً و سلوكاً.
تعلمت ان المال و إن كثر في يدي فليس لي و انما هو مال الله و ان للفقراء فيه حق معلوم ، تعلمت انه يحرم علي ان انام و جاري جائع ، تعلمت ان نبي الاسلام كان يزور جاره الذي يختلف عنه في عقيدته و يؤذيه ليطمئن على صحته ، و انه كاد يوصي بتوريث الجار ، و ان دولة المسلمين كانت تجعل مخصصات للفقراء و المحتاجين من ابناء الديانات و الطوائف الاخرى فكيف يكون هذا الدين دين ارهابي؟!
(يتبع)

اجمالي القراءات 13576

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (9)
1   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   السبت ٠٨ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17918]

دفاعاً عن ثقافتي (2)





خرجت و معي هذا الفهم عن الاسلام ، دين سمح يدعو للمحبة ، ويدعو للسلام ، دين انتشر بسرعة كبيرة و ثبت في قلوب الناس من مختلف الامصار ما كان ليقدر له هذا لولا انه فعلاً جاء دعوة عظيمة مليئة بمكارم الاخلاق التي استحسنها الناس و وجدوا فيها ما هو اعظم و أرقى مما لديهم .

خرجت للدنيا فتى يافع و معي كلفي الشديد بالمعرفة ، و أول ما قصدت بيت الله - المسجد.

كان للمسجد هيبته في نفسي انه مكان اداء العبادة ، غير اني اعلم ان المسجد كان ديواناً عاماً للمسلمين ، و هكذا بدأت اتخذ من المسجد مكاناً اقضي فيه ساعات طوال من يومي ، متعبداً و متأملاً و قارئاً. كان الجو العام للمسجد يساعد على القراءة بما يفرضه من هدوء بعد صلاة الفجر و حتى الصباح ، و كانت تلك السويعات المثلى بالنسبة لي كوقت للقراءة و المذاكرة.

و هناك بدأت اتفتح على اسئلة كثيرة و حاسمة

هل هناك نظام حكم سياسي محدد المعالم في الاسلام؟

هل الاسلام كما يقول حزب الاخوان دين و دولة؟

ما حكاية الشيعة من هم و ما هو الخلاف بينهم و بين السنة؟

من هم المعتزلة و ما قصتهم؟

ما هي الشيوعية و لماذا هي كفر؟

اسئلة بلا حدود متناهية في سعتها كانت المجال الذي درت فيه باحثا، و اكتشفت بعد رحلات طويلة ان اسئلتي كلها التي طرحت بعضها هنا لا توجد عليها اجابات محددة و واضحة و نهائية و بسيطة كما هو الحال مع تلك المبادئ الاسلامية التي تعلمتها ، الكذب حرام و السرقة حرام و الإضرار بالناس حرام...الخ

امور كهذه كانت هي الاسلام الشعبي البسيط الذي مهما اختلفنا على ماهية الاسلام فلن نختلف عليها ، لهذا ظلت هي الاسلام الذي لا خلاف عليه ، او لنقل عندما اريد ان ارى الحدود الجوهرية التي لا تضيع معالمها للاسلام ارى تماماً هذه الحدود.

إذن القصة هنا اصبحت اكثر تفلسفاً ، هناك اسلام جوهري اسلام قيم و مبادئ و خطوط عامة واضحة لا خلاف عليها ، انها تلك التي يعرفها الأطفال كما يعرفها العجائز ، لا اخفيكم ليس فقط في الاسلام بل في كل منظومة قيم انسانية تستحق الاحترام. بينما هناك اسلام آخر ليس تماماً آخر بل بدقة هو اسلام مناطق الخلاف ، و آه يا احبة من مناطق الخلاف ؛ هنا ندخل في اسلام سياسي اسلام مذاهب و صراعات طائفية انتجت تاريخ آخر غير ذاك الذي انتجه الاسلام كدين عظيم بدعوة رائعة لمكارم الأخلاق ، إنه تاريخ السياسة باسم الاسلام.

السياسة باسم الاسلام لا اخالها تختلف كثيراً عن السياسة باسم المسيحية مثلاً ،مع فوارق كثيرة ربما يصعب ان نحدد معها مقدار العنف السياسي الديني هنا او هناك ، علي ان اعترف ان السياسة باسم الدين هذه تدين الدين للاسف في عقول المتلقي للوهلة الأولى فما معنى أن يختلف المسلمون في السقيفة؟ و ما معنى ان يرفض علي بيعة ابو بكر و عمر ستة اشهر ؟ و ما معنى ان تجول فاطمة على جملها طالبة له الخلافة؟ و ما معنى ان يدعو بقية العشرة الناس للثورة على عثمان ؟ و ما معنى ان يحارب طلحة و الزبير و ام المؤمنين عائشة الامام علي؟ و ما معنى.......؟ و ما معنى.....؟

كل هؤلاء بشر هذا هو المعنى.

هل تلك الأخطاء حيث لا يمكن اصلاً ان ننكر ان الاقتتال فيه طرف على الأقل على خطأ سببها الاسلام أم سببها الطبيعة البشرية و الصراع على السلطة؟

إن المشكلة الحقيقية ليست في صراعهم على السلطة المشكلة الحقيقية هي في توظيفهم الدين لتبرير مواقفهم و ارادتهم السياسية و اضفاء الطابع الشرعي عليها.





(يتبع)


2   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   السبت ٠٨ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17922]

دفاعاً عن ثقافتي (3)

في المسجد قرأت اعمال كارل ماركس كما قرأت اعمال اخرى لروسو و آدم سميث و غيرهم الكثير من عرب و عجم رغم اني اذكر ان وجود اجزاء من رأس المال معي في حقيبتي المدرسية كنت اطالعها في المسجد امر اغضب امام المسجد لدرجة لم اراها في حياتي.

المسجد عرفني على خلافات سياسية تحت رداء الدين هناك عرفت حركة الاخوان المسلمين و عرفت حزب التحرير و عرفت جماعة الدعوة و عرفت السلفية سواء الجهادية او الدعوية بل انها كانت حلقة وصل للتعرف على الصوفية و على فكر المعتزلة و الشيعة الزيدية و الاثني عشرية بل و قادت لقراءة اعمال عن و من الاسماعيلية و النصيرية ، ثم فتح عربي عظيم هو ابن رشد الحفيد ، الحلقة الأرقى في الفكر العربي في القرون الوسطى ، و الاهم من كل هذا ترسيخ علاقتي بالقرآن و محاولة فهمه التي لم تكتمل لي على نحو يرضيني رغم اني قرأت جميع التفاسير المشهورة تقريباً بما فيها تفاسير لمذاهب اخرى غير مذاهب اهل السنة.

لا بد ان اذكر افتتاني بفكر المعتزلة و خصوصاً اعلاءهم من شأن العقل ، و فكرة الحسن و القبيح ، و في هذه الفترة بالذات كتبت مسودة كتابي عن المعتزلة الذي طورته فيما بعد و نشرت اجزاء منه و ترجمت البعض إلى الانجليزية نزولاً عند رغبة استاذ لي في انجلترا إلا اني لم اتابع و لا زلت لم اتم الكتاب للآن و ذلك لما لا زلت اراه من قصور في استقصاء فكرته كاملة ، على اي حال تعرفت ايضاً على النزعات المادية في الاسلام ، و على كتابات معاصرة مهمة ككتاب الشيخ علي عبد الخالق عن الحكم في الاسلام و كتابات المستشار محمد سعيد العشماوي و الدكتور العلامة نصر ابو زيد الذي كان لكتابه مفهوم النص دور مهم في بلورة و تطوير فهمي للنص القرآني و الدكتور شحرور و الدكتور العلامة الطيب تيزيني و غيرهم الكثير ، كانت تلك فترة مهمة جدا في حياتي و ضعتني في حيرة من امري ، بل قل في موقف جد خطير ، فقد بدأت لاول مرة في حياتي اسمع تشكيكاً في ايماني بالله و في اسلامي!!!!!!!

ان الخوض ابعد من حدود دائرة المتفق عليه او ما سميته قبل الآن بالاسلام الشعبي اسلام المتفق عليه لا بد يضعك في مقابل عقائدي و هنا تبدأ جريمة التكفير ، كان لي ان احسم المسألة مع نفسي مبكراً " إن الخلاف خارج إطار الإسلام المتفق عليه لا يجيز تكفير من اختلف معه" بشكل اكثر تبلوراً :"لا نستطيع ان نعتبر الخلاف خارج دائرة المتفق عليه قضية عقائدية او تمس فكرة الاسلام العامة المتفق عليها حتى و ان اصر الخصم الفكري على ذلك" ، كتب ابن رشد الحفيد عبارة شدما اعجبتني و تمسكت بها و اعتبرتها تعبيراً رائعاً عن مسألة الخلاف هذه كتب ما معناه " اتفق الفقهاء المسلمون على أن القرآن بعضه محكم و بعضه متشابه و على تفسير محكمه بمتشابهه ، و اختلفوا في ايه المحكم و ايه المتشابه" ، ابن رشد لم يبتعد كثيراً عن فهم المعتزلة للمسألة لكنه اضفى عليها بعداً فلسفياً ارسطي ، ذلك انه اعتبر ان المنطق هو الفيصل و انه مقصد الحكمة في النص القرآني و عليه فإن معرفة المحكم و المتشابه انما تكون بالمنطق ، و عليه ايضاً قال : " إذا تعارض ظاهر النص مع المنطق وجب تأويله"

حكم هائل في بنية مضمونه هذا الذي بين يدينا على الأقل هكذا هو تقديري له.

(يتبع)


3   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الأحد ٠٩ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17951]

دفاعاً عن ثقافتي (4)

من نافل القول أن نضيف ان حركة الإصلاح الديني المسيحي إنما استلهمت في بداياتها كتابات ابن رشد و يبدو تأثر حركة الرهبان الفرنشيسكان بفكر إبن رشد واضح جلياً بل ان تياراً اصلاحياً ظهر في الكنيسة الكثوليكية حمل اسم الحركة الرشدية ، ليس من تطلعتي في هذا المقال ان اغوص ابعد في مناقشة تكوين الثقافة العربية و بيان جوانبها المشرقة و اسهاماتها الثرية في مسيرة حضارة الجنس البشري ، لكنه معراج من معاريج الحديث أخذنا إليه على نحو ما و بلا شك يعتوره القصور إن حمل على جملته هكذا دون استقصاء كامل و دقيق ، إلا ان ما عنانا بيانه ها هنا هو وجود فكرة عامة جامعة عن الاسلام في قيمه و مبادئه السمحة هو ما اصطلحت على تسميته بالاسلام الشعبي او اسلام المتفق عليه و وجود مناطق اخرى واسعة النطاق للحوارات و الاطروحات التي هي محل اختلاف و ما اكثرها و اخطرها كما قلنا ، و نحن نعتقد ان الدخول من هذا الفهم الاختلافي أو ذاك إلى الاسلام بعمومية سواء لاعطائه طابعه او لادانته او مناقشته فيه ظلم بين لفكرة الاسلام الجوهرية.

نعود معاً ادراجنا لنتلمس الفارق الجوهري بين الاسلام كدين يدعو إلى مكارم الاخلاق و بين الاسلام داخل الرداءات المؤدلجة ، فنحن نعرف من قراءتنا لتاريخنا ان الخلاف السياسي على مر العصور ارتدى عندنا رداء دينياً ، و ليس هذا لعلة تعتور الدين نفسه ، بل انه ديدن الانسان في العصور الوسطى على طولها و عرضها مهما اختلفت دياناته.

بيد أن الانسان تجاوز بتأسيسه للدولة المدنية او ما اصطلح على تسميته بالدولة العلمانية تلك المرحلة العصيبة من تاريخه التي اتخذ فيها الدين مدخلاً لفرض الارادة السياسية ، و لما كان الخلاف الديني يرتد في جوهره خلاف اعتقادياً فقد كانت تلك الخلافات تختصر سريعاً في مقابلة ضدية بين معسكرين يحاول كل منهما الغاء الآخر بحجة أنه كافر!

من لا يحسن القراءة التاريخية يتحول إلى ادانة فكرة الدين نفسه و يحملها المسؤولية و بالتالي يصدر حكماً خطيراً مفاده أن الدين هو سبب اراقة الدماء و حروب الإلغاء ، إلا ان واقع الامر ان الدين لم يكن سوى اداة لتفيذ المآرب السياسية او لنقل انه الرب الذي ترتكب كل الآثم العظيمة باسمه و هو منها جميعاً براء ، و لأن الدين كان يحظى باحترام عام و قبول عام فهو إذن الوسيلة المثلى التي لا يتسنى لأحد ان يعترضها عندما يتم التوظيف و تكون تهمة اعتراضها جاهزة انها الكفر و بالتالي فهي تتطلب الإلغاء ، إن اعظم ما انجزته الدولة المدنية المعاصرة هي تنزيل الخلاف و الصراع السياسي من مستوى الإلغاء الديني و اصدار الفكر السياسي باسم الرب إلى مستوى خلاف الارادات البشرية النسبية التي يحكم فيها الشعب عبر تمثيل ارادته في عملية انتخابية.

إذن إن قصة تخلف دين ما او تطوره ليست رهناً ببنيته هو ، بل في واقع الأمر إنها صورة المعتقدين به ؛ إن الدين اي دين منهل عام قد تستقى منه رؤية متسامحة عظيمة و كذلك رؤية عنفية قاسية ، و ليس لاي منا ان يزعم امتلاكه الفهم الصحيح و الكامل لاي دين موجود ، المسألة إذن مستوى تطور و تقدمية حاملي الدين نفسه فإذا كان الشعب المؤمن بهذا الدين شعب مسالم متحضر متطور كانت قراءته لدينه كذلك و العكس بالعكس ، قد يوفر الدين بمفاهيمه العامة الاتفاقية مظلة حاضنة للاخلاق و القيم التي لا يختلف عليها الناس و بالتالي يظل بمثابة ضمانة قيمية اجتماعية ، و تكمن الخطورة عندما يتحول إلى اداة يوظفها فكر سياسي بشري بالضرورة و يجعلها معبرة عنه ، إنه عند إذ يحاول ان يمتزج بالدين و يتماهى معه بحيث يلغي احدهما الآخر و يتحولان إلى وحدة واحدة ، تجعل متحدثاً مصاباً بالضحالة الفكرية بتقديري يخرج ليدين هذا من خلال ذاك و تصير حركات تحمل فكراً سياسي أقول اي فكر سياسي باسم الدين هي الدين نفسه و مدخلاً لادانة الدين بحكم جريمة هذا التماهي الذي اصطنعته هي بين الدين و نفسها.

إن الخطأ العام الذي اكتشفته في حواراتي مع من يحاولون تمثيل الدين هو هذا تماماً انه اصرارهم على تماهي فهمهم للدين مع الدين نفسه ، و كم يجهدك الحوار حتى تثبت فقط ان ما يقوله هذا الطرف او ذاك هو فهمه و ليس الدين نفسه بالضرورة ، و بالتالي فإن جوهر فكرتي هنا هي هذه أن نتفق على أن نقدم الإسلام الذي لا نختلف عليه كمسلمين تلك المنظومة القيمية العامة بدعوتها إلى التوحيد و مكارم الأخلاق اما ما نختلف عليه مفاهيم بشرية للنص و للدين و ليست الدين نفسه ، ناهيك عن ان ندعو إلى تمثل حضارة الانسان برؤيتها الناجزة لتخريج خلافاتها السياسية عبر تحكيم الارادة الشعبية بعيداً عن اقحام الدين طرفاً في النزاع او الخلاف.


4   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الأحد ٠٩ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17952]




إذا كان لي ان اقبل التهم التي تلقى بالتخلف و العنف فربما اقبلها و اناقشها كسمات بل و كأمراض تظهر في مجتمعنا و فكرنا عامة بل حتى و فهمنا لديننا ، أما ان اتقبل وصم الدين الذي تحمله هذه الامة بأنه دين متخلف و متعصب و إلغائي فمسألة ليست محل للنقاش فهي طعن مباشر في عقائد امة توافق العالم على ضرورة احترامها لأي ديانة من ناحية و من ناحية أخرى لا يتواف لا وتعاليم الاسلام الكثيرة الناقضة لهذا الزعم و لا حتى و تاريخ الممارسة السياسية التي لا سبيل إلى مقارنتها عنفياً مع غيرها ، رغم اننا قلنا ان الممارسة السياسية التي تتم باسم الدين ليست الدين نفسه.

نقول نعم لمراجعة الموروث الديني و نعم لنقده في اطار مشروع لاعادة انتاج الذات إن جاز لنا التعبير هناك مثلاً لا حصراً حشد من الاحاديث التي لا تنسجم حتى و النص القرآني و تحتاج إلى مراجعة شاملة هناك نصوص قرآنية ملتبسة لا يمكن ان تظل مرجعية تفسيرها مرتبطة بالقرون الوسطى و تحتاج أيضاً لاجتهاد و لقراءة معاصرة ، إن الاسلام كدين و تعاليم و تطبيقات تاريخية ارتبطت به او حاولت التماهي معه هي تراثنا و مكون جوهري لثقافتنا ، و هذه الثقافة التي نحملها اليوم تعاني الكثير من التشوه بل قل و حتى جوانب التخلف و بحاجة لمراجعة و اعادة انتاج إلا ان هذه المراجعة النقدية ليست حرب الغاء و لا تجريم لعقائد دينية من اي نوع و لا ارتماء ثقافي في حضن الآخر و مشروع لإلغاء الأنا ، نعم نريد ثقافة منتجة و معاصرة تسهم في خدمة الانسان و تطوير حضارته و تستلهم كل ما هو ايجابي و مشرق في تراثنا بكل تلوناته ، و الحقيقة ان هذا يتم و يمر باتكاسات و تحولات ايجابية انه عملية تحصل و لعلي استدل على ذلك بتكرس رؤية اسلامية اكثر تفتحاً و ليبرالية للمرأة خلال قرن من الزمان ، و نعم انا معكم ان هذه الرؤية العامة لازلت ادنى بكثير من المستوى المأمول إلا انها انجزت الكثير منذ مطلع القرن إلى اليوم ، لمعترض ان يقول هو حراك بطيء و يمر بانتكاسات خطيرة و اقول نعم لكن هذا المشروع وحده الذي يمكن ان نعمل عليه في هذا الاطار و المشكلة انه يرتبط بتطورنا نحن و للاسف عجلت تطورنا هي التي تباطأت في نصف القرن الاخير و اصيبت بنكسات خطيرة ، و لو صدقنا العزم فالمطلوب البحث عن سبل تعجيل دوران عجلبت التنمية لأنها الرافعة التي يعتمد عليها الفكر بالضرورة.

اما من يعتقد انه بشتمنا و تحقير ديننا و قيمنا و مقدساتنا يخدم هذه الامة فهو واهم فلا مشروعه و لا بضاعته بقادرة على تقديم شيء نافع بل على العكس ستنتج المزيد من التطرف و تعطي المبرر للحركات المتشددة و الرجعية لتتم بسط هيمنتها على عالمنا العربي.

و آخر قولي لك الانسان المبدع الخلاق يا امتي الطيبة



(تم)


5   تعليق بواسطة   عمرو اسماعيل     في   الأحد ٠٩ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17966]

أضم صوتي لك يا أخي عمر ..

أضم صوتي لك وأقول معك بأعلي صوت:


نقول نعم لمراجعة الموروث الديني و نعم لنقده في اطار مشروع لاعادة انتاج الذات إن جاز لنا التعبير هناك مثلاً لا حصراً حشد من الاحاديث التي لا تنسجم حتى و النص القرآني و تحتاج إلى مراجعة شاملة هناك نصوص قرآنية ملتبسة لا يمكن ان تظل مرجعية تفسيرها مرتبطة بالقرون الوسطى و تحتاج أيضاً لاجتهاد و لقراءة معاصرة ، إن الاسلام كدين و تعاليم و تطبيقات تاريخية ارتبطت به او حاولت التماهي معه هي تراثنا و مكون جوهري لثقافتنا ، و هذه الثقافة التي نحملها اليوم تعاني الكثير من التشوه بل قل و حتى جوانب التخلف و بحاجة لمراجعة و اعادة انتاج إلا ان هذه المراجعة النقدية ليست حرب الغاء و لا تجريم لعقائد دينية من اي نوع و لا ارتماء ثقافي في حضن الآخر و مشروع لإلغاء الأنا ، نعم نريد ثقافة منتجة و معاصرة تسهم في خدمة الانسان و تطوير حضارته و تستلهم كل ما هو ايجابي و مشرق في تراثنا بكل تلوناته ..


كم هو رائع مقالك هذا وتعقيباتك عليه ..


6   تعليق بواسطة   احمد شعبان     في   الإثنين ١٠ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17988]

الأستاذ الكبير / عمرو أبو رصاع

لقد استمتعت كثيرا بهذه المقالة الأكثر من رائعة ، وأتفق مع سيادتك في جل ما جاء بها .ولكن من ملاحظاتي ما يلي :



قول ابن رشد : " إذا تعارض ظاهر النص مع المنطق وجب تأويله" هذا فيه نظر إذ ما معنى التاويل هنا ، هل هو البحث عن التوفيق بأي وجه من الوجوه ؟ ، أم هو المآل الأخير لمعنى النص ؟ وطبعا ابن رشد قصد الأولى ، وهذا يفتح بابا كبيرا للإختلاف الذي تدعوا إلى نبذه .



أما القول : و نحن نعتقد ان الدخول من هذا الفهم الاختلافي أو ذاك إلى الاسلام بعمومية سواء لاعطائه طابعه او لادانته او مناقشته فيه ظلم بين لفكرة الاسلام الجوهرية.



وسؤالي كيف نعيد قراءة الإسلام ، وما هو المنهج الواجب إتباعه ؟



لذلك يا أخي طالبت مرارا بتحديد مناهج فهمنا للقرآن الكريم حتى نقترب جميعا إلى الفهم الصحيح ، أما عن المفهوم العام للإسلام والذي به مكارم الأخلاق فيشوهه المفاهيم المختلفة ، ولا أود أن أذكر بمآل المختلفين وأن القرآن الكريم لم ينزل من عند الله إلا للقضاء على ظاهرة الإختلاف



وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والسلام .


7   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الإثنين ١٠ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17997]

المراجعة ضرورة ملحة

الدكتور عمرو اسماعيل


بعد التحية


الحقيقة هذه التعقيبات هي بقية المقال لكن نظام نشر أهل القرآن لا يتيح وجود الاجزاء معاً مما يطرني إلى كتابة بقية اجزاء المقال على شكل اجزاء حفاظاً على وحدة الموضوع امام القارئ.


بطبيعة الحال لا شك ان الموروث الديني بحاجة لمراجعة شاملة بعقلانية معاصرة و بحاكمية الفكر الجوهري للقرآن و هذه مهمة غير يسيرة لكنها ضرورية و اساسية و محلة.


تحياتي


عمر


8   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الإثنين ١٠ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17998]

اختلاف المناهج دليل مرونة

الاستاذ الفاضل احمد شعبان


الاستدلال الذي استعملته عن ابن رشد إنما هدفت منه إلى بيان طبيعة الاختلاف و تاريخه و كيف ان كل مفسر اعتمد على منهجه هو و وظف النص خدمة لهذا المنهج فالخلاف و نتائج الخلاف هي انتاج فكر بشري و ليست نابعة من ذات النص و إن اتاحته طبيعة النص.


اما عن فكرة توحيد المنهج فأعتقد انها غير عملية و ذلك لسبب مهم ان طبيعة اختلاف المناهج و طبيعة النص التي تتيح هذا الاختلاف في تفسيره هي مرآة للواقع و لاختلاف الناس فيه و هي ايضا دليل مرونة في النص تتيح لكل المختلفين ان يجدوا لهم مظلة تحته.


باعتقادي ان قصر المناهج على منهج واحد يدعم فكرة تماهي الفهم مع النص و كذلك يقضي على تجدد الفهم المستمر لهذا النص ، صحيح ان اختلاف المناهج له مظاهر سلبية و نحن حتى نتخلص من هذه المظاهر السلبية و نحتفظ بالجانب الابداعي لاختلافها قلنا نتمسك بالمعنى الجوهري للاسلام كدعوة و لا نجعل الخلاف في غير الجوهر و سيلة لادانة الجوهر نفسه.


هذا رأيي


و اقبل فائق الاحترام و التقدير


عمر أبو رصاع


 


9   تعليق بواسطة   احمد شعبان     في   الثلاثاء ١١ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[18054]

أخي / عمرو

تحية طيبة وسلاما


أود أن أشير عليك بقراءة مقالة بعنوان إشكالية الاختلاف ، حتى نستطيع أن نتفاهم .


وشكرا لحسن ردك المهذب .


والسلام


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-08-26
مقالات منشورة : 53
اجمالي القراءات : 939,638
تعليقات له : 123
تعليقات عليه : 247
بلد الميلاد : الأردن
بلد الاقامة : الأردن