المسلمون وعبادة الأحجار

آحمد صبحي منصور Ýí 2007-09-06


بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
عبادة المسلمين للأحجار
أولا :
1 ـ أضحي التصوف السنى أكثر تسيدا وسيطرة فى العصر العثماني، فتأكدت عبادة الأولياء وتقديس الأضرحة التى كانت سائدة لدى العرب قبل الاسلام ، مع أن رسالة الاسلام الحقيقية ومعناه القلبى والعقيدى هو اسلام القلب والعقيدة لله تعالى وعبادته وحده من دون تقديس بشر أو حجر ، وقدكان ارسال النبى محمد عليه السلام بالوحى القرآنى لتوعية العقول واطلاق سراحها من عبادة الأحجار، ولكن نجح التصوف فىارجاع تقديس البشر وقبورهم. وباستنساخ التصوف السنى دينا جديدا، فقد صارت له ( حقيقة )و( شريعة )، (فالشريعة) تعنى التمسك بمظاهر الشرع السنى من صلاة وزكاة وصوم وحج ، بينما تعنى (الحقيقة) العقيدة الصوفية التى تجمع بين تقديس الأولياء الصوفية والايمان بشفاعتهم وكراماتهم أى معجزاتهم،مع تقديس النبى محمد عليه السلام وكبار الصحابة والأئمة السنيين،فاتسعت دائرة الأولياء والآلهة المقدسة،وجرت مراسيم عبادتهم فى قبور حقيقية ووهمية مزورة فى أغلب المساجد فى شتى بلاد العالم (الاسلامى ). ولا تزال حتى الآن .!!
وكان الشيعة سباقين فى تقديس الأئمة من أبناء على وذريته قبل ظهور التصوف،لذا تكاثرت فى دينهم الشيعى إقامة القبورالمقدسة فى المساجد الشيعية والحسينيات ( أى المساجد المخصصة على اسم الحسين بن على المقتول فى كربلاء).
وكان المسوغ للجميع وجود عبادة شكلية لله تعالى من صلاة وصوم وحج وصدقات. وغفلوا أن هذا هو الكفر والشرك فى العقيدة الذى يعنى أن تعبد الله تعالى وتعبد معه غيره وأن تقدس الله تعالى وأن تقدس معه غيره. وغفلوا أن هذا لا يجوز فى الاسلام الذى يتطلب اخلاص العقيدة والعبادة لله وحده بلا شريك .
2 ـ لقد هاجم القرآن الكريم عبادة القبور و الأولياء الموتى والاستغاثة بهم ، والاعتقاد فى نفعهم وضررهم ، وأمر الله تعالى رسوله الكريم أن يتحدى مشركى قريش المعتقدين فى تلك القبور بأن يسلطوا تلك الأولياء الموتى عليه إن كانت لهم قوة أو سلطة ، وأكد جل وعلا إنهم موتى ورماد ، وهذا معنى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ ) وبعد هذا التحدى أكد رب العزة أنه جل وعلا وحده هو الولى المقصود بالتقديس وطلب المدد والدعاء ، وأنه جل وعلا هو الذى يدافع عن عباده المؤمنين فعلا، بينما لا تستطيع تلك الأولياء الموتى أن تنفع أحدا أو أن تضره:( إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ )( الأعراف 194 ـ ).
وفى موضع آخر ينفى رب العزة اعتقادهم بأن تلك الأولياء الموتى تعلم الغيب مؤكدا أنه جل وعلا هو وحده الذى يعلم السّر و العلن ، وأن تلك الأولياء الموتى لا تستطيع أن تخلق شيئا ، بل هى مخلوقة من أكاذيب وأساطير ، وهى مجرد موتى لا تعلم حتى متى سيكون بعثها بعد موتها : (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ.وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) ( النحل 19 ـ ).
3 ـ أعاد التصوف عبادة القبور فى العصر العباسى ، وراج أمرها فى العصر المملوكى بعد مزج التصوف بالسنة ، وهذا التصوف السنى هوالذى جعل العصر العثمانى أكثر تخلفا من سابقه المملوكى لأن عبادة القبور والأحجار والأولياء الصوفية تستلزم تغييب العقل وحشوه بالخرافة لكى يصدق بكرامات الأولياء أى القدرات الالهية لأحجار القبور والجثث المدفونة داخلها ، لذلك نشر التصوف فى العصر المملوكى قيمة اجتماعية هابطة هادمة هى عدم الاعتراض على ما يجرى من أفعال وآثام ، بل تقليدها ، وامتد ذلك الى التقليد العلمى ومنع الاجتهاد وتحريم علوم الفلسفة والمنطق ، فانتشر الجهل وندر التفكير العلمى فى العصر المملوكى ، ثم تحول الى جمود وتأخر فى العصر العثمانى الذى دارت فيه الحياة الاجتماعية والدينية حول القبور المقدسة ، وفى الوقت الذى كانت تنهض فيه أوربا وتكتشف العالم كان يجتهد ارباب التصوف مثل الشيخ عبد الوهاب الشعراني في نشر الايمان بالأولياء الصوفية والعكوف على أضرحتهم وقبورهم المقدسة .
4 ـ لتسويغ عبادة الأحجار وجثث الموتى أشاع الصوفية الايمان بأساطير المعجزات للأولياء وسموها (كرامات).ونشروا أكاذيب الكرامات في جرأة كان يسمح بها العصرالعثمانى . وقد كتب الشعرانى فى كراماته وكرامات شيوخه الصوفية عشرات الكتب ، منها مؤلفات ضخمة مثل(لطائف المنن الكبري) وهو ملئ بالحديث عن مناقبه وكراماته وخرافاته وكيف أن من كراماته طىّ المكان والزمان أى الابحار داخل الزمن وحول العالم تحت الأرض وفوق البحاروالسحاب فى طرفة عين. وفي مؤلفاته الكثيرة يضع قواعد النفاق للحاكم والتسليم للشيوخ وعدم الاعتراض عليهم مهما قالوا.
ثانيا :
ولفهم عقلية وعقيدة العصر العثمانى نعرض هذا النص من كتاب لطائف المنن للشعرانى ، ونعلق عليه:

1 ـ فى كتابه لطائف المنن ( المنن الكبرى) 365 : 368 ـ (عالم الفكر . القاهرة) يقول الامام عبد الوهاب الشعرانى:
( ومما أنعم الله تعالى به على : رؤيتى للأولياء الذين ماتوا ، ومباسطتهم معى ، وذلك لحسن أدبى معهم إذا زرتهم ، ومعاملتى معهم معاملة الأحياء ، وبعضهم رأيته ناقصا فى بعض المقامات ، فتوجهت إلى الله تعالى فى إعطائه كمال هذا المقام ، فما خرجت حتى كمل ، وشكر صنيعى على ذلك ، ثم لحقنى إلى بيتى تلك الليلة وزارنى ، منهم سيدى عمر بن الفارض رضى الله تعالى عنه .)
أى إن الشعرانى يزور قبور الأولياء الموتى ويعاملهم كالأحياء، وكما يزور بعضنا بعضا فى الحياة ويحمل له هدايا فإن الشعرانى يفعل ذلك ، أكثر من ذلك ، إنه إذا علم نقصا فى درجات بعض الأولياء الموتى بادر وتوسط لهم عند الله ليرفع درجاتهم فيستجيب له الله ، وترتفع درجات ذلك الولى الميت ، ويأتى الولى الميت للشعرانى يزوره ويشكره. أى أن الشعرانى يجعل نفسه أعظم من أولئك الأولياء المشهورين، ويزعم أن الله تعالى يطلعه على درجاتهم، اى إنه يعمل نائبا لله تعالى وشريكا فى حكمه بحيث أنه يتدخل حتى فى مصير الأولياء المقدسين أنفسهم.

2 ـ وحتى يجعل القارىء يصدق أكاذيبه فإن الشعرانى يعطى أمثلة. يقول:
( ولنذكر لك يا أخى بعض وقائع وقعت لنا لتستدل بها على غيرها ، فأقول وبالله التوفيق :
زرت مرة رأس الحسين بالمشهد ؛ انا والشيخ شهاب الدين بن الجلبى الحنفى ، وكان عنده توقف ( أى شك ) فى أن رأس الإمام الحسين فى ذلك المكان ، فثقلت رأسه فنام ، فرأى شخصا كهيئة النقيب ( النقيب هو كبير أتباع الولى الصوفى ) طلع من عند الرأس ، وذهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما زال بصره يتبعه حتى دخل الحجرة النبوية ، فقال يا رسول الله أحمد ابن الجلبى وعبدالوهاب زارا قبر رأس ولدك الحسين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم تقبل منهما واغفر لهما . انتهى . ومن ذلك اليوم ما ترك الشيخ شهاب زيارة الرأس إلى أن مات ، وكان يقول : أمنت بأن رأس الحسين هنا .)
هنا يستخدم الشعرانى بمهارته القصصية مناما زعم أنه جرى لرفيقه شهاب الدين الحنفى، واستخدم تلك القصة فى التدليل على وجود رأس الحسين فى الضريح المشهور المقام على ما يزعمون أنه رأس الحسين، الذى جىء به بزعمهم بعد مقتل الحسين بعدة قرون. ولا يزال الشك قائما فى وجود رأس الحسين فى القاهرة لأسباب كثيرة منها إقامة أضرحة كثيرة على رأس الحسين فى مناطق عديدة غير القاهرة. وعليه فللحسين رءوس كثيرة مع أن الثابت أن الأمويين قطعوا رأسا وحيدة له.!! واذا كانت لرأس الحسين كل تلك القداسة والتأليه فلماذا عجزت عن حماية نفسها حين قطعها الأمويون بسيوفهم ؟ .
الشعرانى هنا يأتى بمنام للنبى محمد ليؤكد وجود رأس الحسين فى الضريح المقام باسمه فى القاهرة.

3 ـ ويقول الشعرانى :
( ومما وقع لى مع الإمام الشافعى رضى الله عنه : أننى تعوقت ( أى إنقطعت )عن زيارته مدة فرأيته فى المنام ، وقال لى : أنى عاتب عليك وعلى الشيخ نور الدين الطرابلسى الحنفى ، وعلى الشيخ نور الدين الشونى فى قلة الزيارة، فانى صرت رهين رمسى (اى قبرى) أنتظر دعوة رجل صالح !! فقلت: أن شاء الله نزوركم بكرة النهار، فقال :لا، بل تذهب فى هذا الوقت معى . وكنت تلك الليلة فى مولد فى الروضة عند سيدى أبى الفضل شيخ بيت السادات من بنى الوفاء رضى الله عنه، فخرجت لزيارته، ثم سبقنى هو فتلقانى من خلف قبته مما يلى قبر القاضى بكار ، وطلع بى إلى فوق القبة وفرش لى حصيرا جديدا ووضع لى فيها سفرة ( أى مائدة طعام ) فيها خبز لين أبيض وجبن أزرار ، وشق لى بطيخة من العبد اللاوى وكان أول طلوعه مصر ، وقال لى كل يا أخى فى هذا المكان الذى الذى ماتت ملوك الدنيا بحسرة أكله فيه معى ... إنتهى .)
هنا قصة مضحكة غاية فى الفكاهة ، لكن لا يراها كذلك إلا من كان له عقل، أما من يعتقد فى كرامات الأولياء فإنه يتلقى كل تلك الخرافات بالتصديق والايمان دون جدال ، بل يثور على من يناقشها أو يشكك فيها. استخدم الشعرانى بمهارة الاعتقاد السائد فيه وفى كراماته وكرامات أقرانه وأسلافه من الصوفية لكى يتألق فى الكذب وهو مطمئن الى أن كل ما يقوله يحظى بالتصديق بالغا ما بلغ من الكذب والانتحال.
لقد مات الامام الشافعى قبل عصر الشعرانى بنحو سبعة قرون ونصف القرن، ثم وضعوا فيما بعد ضريحا على قبره وتحول الى إله فى دين التصوف السنى. وكتبوا فى حياته المناقب كأى ولىّ صوفى مع أنه فى حياته كان يسخر من الصوفية الأوائل مع بداية التصوف فى عصره، فى القرن الثالث الهجرى. كان الشعرانى ـ الفقيه ـ على المذهب الشافعى،أى كان تابعا وفقيها شافعيا. وحتى يرفع نفسه بالتصوف على منشىء المذهب الشافعى فان الشعرانى يفترى أن الشافعى فى المنام يتوسل له كى يزوره فى ضريحه، ويقول إنه يعانى الوحده حيث صار أسير قبره ومحتاجا لدعوة رجل صالح ـ أى من الأولياء الصوفية. وبذلك يؤكد الشعرانى بمهارة فائقة أن اى شيخ صوفى مهما تواضعت منزلته هو أفضل من الشافعى صاحب أكبر مذهب سنى. ثم تمضى القصة فى تفصيلات عن الطعام والبطيخ تجعل المؤمن بالتصوف يزداد تصديقا وتجعل العاقل يزداد ضحكا واستهزاءا.

4 ـ ويستمر الشعرانى :
( ومما وقع لى معه بعد ذلك أنه دخل على بيتى وقال : قد جئت آخذك تسكن عندى أنت وعيالك ، فقلت له : أن شاء الله تعالى فى الغد ، فقال : بل هذا الوقت ، فحمل ابنتى رقية على كتفه وأخذ بيد أختها نفيسة وخرجت معه أنا وأمهما حتى أدخلنا القبة حتى أسكننى بين قبره وبين قبر أم السلطان الكامل المدفونه خلف ظهره ، فغار منا الخدم ، فقال لهم : هذا لا يزاحمكم فى شىء من الدنيا، ( أى لا ينافسكم فى أخذ النذور) فرجعوا عنى ، ثم انفتحت القبة من أعاليها كالباب فنزل منه شيىء أبيض كالقطن أو كالجص المعجون ، ولا يزال ينزل ويتراكم حتى صار عند رأس الأمام ، فقلت له ما هذا ؟ فقال : هذا سكينة الحياء من الله تعالى ، فمن نظر إليها رزقه الله تبارك وتعالى الإستحياء من الله حق الحياء ، فصرت آمر كل واحد بالنظر إليها ، ثم استيقظت ... إنتهى .)
الشعرانى يتحدث عن سبب خلوته فى ضريح الشافعى حيث عاش هناك فترة ليحظى بالشهرة ، وكان يقع الشجار بينه وبين خدم الضريح، ثم رحل عنهم بعد أن أصبح مشهورا بالولاية والتقديس، فأقام لنفسه زاوية فيما بعد، عاش فيها وتعاظمت شهرته. الملاحظ هنا أنه بينما يتدلل الشعرانى ويؤجل الزيارة للغد فإن الشافعى يبدو دائما ـ فى تلك المنامات ـ متلهفا على صحبة الشعرانى،ولا يستطيع الانتظار للغد.

5 ـ يقول الشعرانى:
(ومما وقع لى مع السيدة نفيسة رضى الله تعالى عنها أننى ذهبت لزيارتها مع الفقراء ( أى الصوفية ) فوقفت عند حذاء الباب الأسفل الذى كتب عليه التاريخ ، ولم أدخل حياءا منها، ودخل جميع الفقراء، فجائتنى تلك الليلة ( أى فى المنام ) وقالت لى : إذا جئت لزيارتى فادخل واجلس تجاه وجهى ، فقد أذنت لك فى ذلك . ومنذ ذلك اليوم وأنا أدخل وأجلس تجاه وجهها .
قال سيدى الخواص رحمه الله تعالى : واصل دفنها كان بالمراغة قريبا من القبر الطويل فى الشارع ، ولكن ظهرت فى هذا المكان الذى كان تتعبد فيه لتعلق قلبها به ، وكان الأمام الشافعى رضى الله عنه يؤم بها فى صلاة التراويح .
وكذلك وقع لسيدى أحمد بن الرفاعى رضى الله تعالى عنه ، فله قبر فى بلده أم عبيدة، وقبر أخر فى الصحراء التى كان يتعبد فيها، والناس يزورون هذا القبر ولكن لا يحصل لهم الهيبة والرعدة إلا عند قبره الذى فى البرية .
وأخبرنى الشيخ أحمد الخنازيرى الضرير أنه بات عنده فى مشهده الذى فى البرية ، فقال له الخادم : لا تقدر أن تنام هنا من الهيبة التى تقع فى الليل، فقال توكلت على الله ، فلما دخل وقت العشاء ارتعد من الهيبة حتى كادت مفاصله أن تتقطع ، وصارت السباع تجأر خارج المقام ، وأبوابه الحديد يحس بها تفتح وترد وكان لها صوت عظيم ، قال ثم أنى أحسست بشخص جلس عندى وقال : ليلة مباركة ، أما تقرأ القرآن فأقرأ معك ؟ فقلت نعم . فقرأت أنا وأياه من سورة النحل إلى سورة النجم فلما قرب طلوع الفجر آتانى برغيفين وإنائين فى أحدهما لبن دسم وفى الأخر عسل نحل فأكلت حتى شبعت ، فطلع الفجر فلم أجده . قال ثم أن الخادم جاءنى وقال : خاطرى معك فى هذا الليلة فإن أحدا لا يقدر ينام هنا ابدا . قلت فقصصت عليه القصة . قال هذا الذى قرأ معك وأطعمك هو سيدى أحمد .إنتهى
وكان سيدى على الخواص رحمه الله تعالى يقول : حكم باب البرزخ حكم التيار الذى يدخل فيه الإنسان فيغطس ثم يطفوا فى موضع أخر . كما وقع لسيدى أحمد الرفاعى والسيدة نفيسة ..... إنتهى )
الشعرانى هنا يقوم بتسويق وتسويغ اسطورة صوفية تجعل كل ضريح مقدسا بغض النظر اذا كان يحوى جثة ولى مقدس أم لا. هناك أضرحة فى مصرلصحابة وتابعين وأئمة لم يأتوا لمصر فى حياتهم ولم يموتوا فيها، ليس فقط ضريح الحسين بل أيضا ضريح السيدة زينب بنت على أخت الحسين ، وهو ضريح اخترعوه فى عصر الشعرانى.
ومن الأضرحة المزورة إقامة عدة أضرحة للولى الصوفى ، ويبررون ذلك بما يسمى أضرحة المنام ، أى أن يرى أحد الشيوخ أن الولى جاءه فى المنام وأخبره أنه يريد ضريحا هنا أو أنه انتقل الى هذا المكان، أو كما ذكر الشعرانى عن البرزخ..فى كل الأحوال فهى عبادة صريحة للأحجار والأوثان ، فالقبر خال ولا يوجد سوى أحجار تتمتع بالتقديس وتحيط بها الأساطير. والأضرحة أهم المعالم المادية والاجتماعية والدينية للدين الصوفى, وسيطرتها على الحياة الاجتماعية فى عصر التصوف السنى دليل على غلبة التصوف على السنة فى هذا الدين المستنسخ من السنة والتصوف.

6 ـ ونعود للشعرانى :
( ومما وقع لى مع سيدى عمر بن الفارض رضى الله تعالى عنه أننى ذهبت لزيارته يوم القائلة فناديت الخادم فلم يجبنى والباب مغلق . فقرأت الفاتحة من على الباب ورجعت، فجاءنى تلك الليلة وعليه عمامة عظيمة وثوب صوف أخضر، فصلّى عندى فى مدرسة أم خوند ركعتين ، وقال لى : أعذرنى يا أخى فأنى ما كنت حاضرا ، ولكن واحدة بواحدة جزاء ، وكنت لم أسمع بنصف هذا البيت المذكور قبل ذلك فعرفت شدة عزمه وفتوته . وعلمت أنه من الأولياء الأكابر لاطلاقه وسراحه وعدم تقيده بالمكوث فى قبره ، بل هو كالأحياء يذهب حيث يشاء ويرجع إلى داره .
وكذلك ذهبت ذات مره إلى سيدى غانم رحمه الله تعالى لأزوره ، فقال لى أخى أفضل الدين أرجع فإن الشيخ الأن فى وقعة ردوس ، له خمسة عشر يوما غائبا فرجعت . إنتهى .)
الشعرانى هنا يؤكد على أن الولى الصوفى الميت يعيش متحررا من قبره يذهب حيث يشاء كالأحياء، وليس فقط يشعر بمن حوله من الأحياء بل يشاركهم الغزوات والحروب.
الآن عرفنا لماذا ينهزمون !!

7 ـ يقول الشعرانى :
(ومما وقع لى مع سيدى أحمد البدوى رضى الله تعالى عنه أنه جاءنى ودعانى أيام خروج الناس من مصر إلى مولده : وقال إن زرتنى طبخت لك ملوخية فلما ذهبت إلى طندتا طبخ لى جميع من ضيفنى فيها ملوخية ثلاثة أيام من غير تواطؤ، تصديقا لكلام الشيخ فى المنام ، وصار كل من يدخل القبة يبدأ بالسلام على قبل زيارة الشيخ حتى استحييت منه. وكانت أم ولدى عبدالرحمن لها معى مدة سبعة شهور وهى بكر فجاءنى وقال : إختل بها فى ركن قبتى الذى على يسار الداخل وأزل بكارتها ، ففعلت، فطبخ لى حلواء وملوخية حتى كفى أهل المولد ، فلما رجعت الى مصر حصل ما أشار به فى تلك الليلة .)
الشعرانى هنا يتحدث عن حالة بالغة الخصوصية ، هى عجزه الجنسى مع زوجته الى ظلت عذراء فى بيته مدة سبعة أشهر. وكان من الشائع فى ذلك الوقت الاستعانة بالأولياء الأحياء وأضرحة الأولياء الموتى ـ خصوصا ضريح البدوى فى طنطا ـ فى حل مشكلة الضعف الجنسى. وهذا ما لجأ اليه الشعرانى فى حل مشكلته مع زوجته البكر التى عجز عنها. وبمهارته صاغ تجربته فى هذه القصة ليجعل السيد أحمد البدوى ـ أكبر الأولياء الصوفية فى إعتقاد المصريين المسلمين يسعى الى الشعرانى يرجوه ان يزوره فى ضريحه فى طنطا، ثم يجعل كل من فى المولد يقوم للشعرانى بواجب الضيافة، ثم يرشده البدوى أخيرا الى الموضع الذى يستطيع فيه ممارسة الجنس مع زوجته البكر ويفك عقدته الجنسية.

8 ـ ثم يقول الشعرانى:
(ومما وقع لى مع سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله تعالى عنه : أنه جاءنى وقال لى زرنى لله تعالى ، فزرته، فخرج إلى من قبره فنزع عمامته فألبسها لى ووضع عمامته على ركبتى ساعة وقال : قد نزلت لك على ما بيدى من قراءة الحديث فى الحجرة النبوية وتدريس العلم فحصل لى بذلك أنس عظيم .)
الشعرانى هنا يجعل الولى ابراهيم الدسوقى يأتيه فى المنام يترجاه أن يزوره فى ضريحه، ثم يفترى أن الدسوقى ألبس الشعرانى عمامته ، وهى إشارة صوفية خطيرة تعنى التنازل عن المقام الصوفى ودرجة التقديس التى يتحلى بها الاله الصوفى بزعمهم. وبجانب هذا الامتياز الصوفى الذى أعطاه الشعرانى لنفسه مجانا بهذا المنام فإنه ـ أى الشعرانى ـ منح نفسه وظيفة دنيوية. فقد كان باسم ابراهيم الدسوقى المتوفى قبل الشعرانى بثلاثة قرون وظيفة تدريس لعلم الحديث فى مدرسة صوفية تابعة لقبرالنبى محمد فى المدينة ، فى ذلك الوقت. وطبقا لهذا المنام فقد تنازل ابراهيم الدسوقى للشعرانى عن هذه الوظيفة . ولا يستطيع أحد ان يتهم واليا ذائع الصيت كالشعرانى بالكذب. وبذلك حصل على تلك الوظيفة وهو فى القاهرة ، وطبقا للسائد وقتها يستطيع أن يعين فيها مدرسا ينوب عنه ، ويقبض هو معظم الأجر. وهذا من أشد صور التحايل مكرا ..

9 ـ ويقول الشعرانى :
(ومما وقع لى من سيدى على الخواص رضى الله تعالى عنه ، أننى أكثرت من الترحم عليه فى مجلس . فرايته تلك الليلة وهو حريص على تقبيل رجلى وأنا حريص على منعه من ذلك ثم غلبنى فى غفلة وقبّل باطن رجلى فاستيقظت ونعومة فمه فى باطن رجلى .
وكذلك أكثرت من الترحم على سيدى على المرصفى رحمه الله تعالى وقلت أنه كان ختام نظام الطريق ( أى الطرق الصوفية ) فى مصر فرأيته تلك الليلة وقد دخل على الدار ففرشت له حصيرا ثم أتيت بصحن صينى فيه طعام حلوى ملتوت بأنواع من الطيب فصرت ألقمه من ذلك وهو مبتسم .
وكذلك أكثرت من الترحم على سيدى محمد المنشاوى فرأيته وقد فرش لى سجادة خضراء وأجلسنى عليها وجلس بين يدى وقبل ركبتى .
ومما وقع لى مع أخى الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى : أننى رأيته دخل تحت ذيلى وصار يعصر منه ماء ورد ومسك ، وعمامته على راسه كأنه يتبرك بى .
ورأيت مرة الشيخ نور الدين الشونى رحمه الله تعالى، وقال لى : مقصودى أن أكون شعرة من جسدك الأن . أنتهى .كل ذلك لكثرة الترحم عليهم .)
الشعرانى هنا يدعو الى تقديس الأولياء بزعم الترحم عليهم. وبالطبع يذكر حكايات يرفع فيها من شأنه فوق الأولياء الذين يتمتم بتقديسهم والتوسل بجاههم المزعوم عند الله، فيجعلهم يقبّلون قدمه أو ركبته أو يتبركون به. وتقبيل يد الصوفى أو قدمه تقديسا له يدخل ضمن الركوع والسجود له. وتلك هى الصلاة التى يؤديها العابدون للأولياء، وترتبط دائما بقراءة الفاتحة للولى أو ضريحه، مع التوسل به والتضرع اليه. أى هى صلاة كاملة للولى الصوفى حيا أو لضريحه ميتا.والشعرانى يدعو الى تأدية هذه الصلاة للأولياء، ويقول إنه كان يؤديها بنفسه لشيوخه ، ولكن لأنه يرى نفسه وليا أعلى منهم مقاما فقد جعلهم يردون عبادته لهم بعبادتهم له بأكثر منها. والقارىء الصوفى الذى يصدق هذا الكلام ويؤمن بالشعرانى وليا مقدسا لا بد أن يتأسى به ، ويؤدى الصلاة للشعرانى وغير الشعرانى.

10 ـ ثم يقول الشعرانى:
(وكذلك مما وقع لى مع سيدى محمد بن عنان رضى الله تعالى عنه أنى أردت ليلة أن أمد رجلى فصرت كلما أمدها أجدها تجاه أحد من أولياء الأقطار ، فنمت جالسا ، فأتانى سيدى محمد وقال لى مد رجلك إلى ناحيتى فاستيقظت ونعومة يده فى رجلى يمدها ناحيته . أنتهى .)
الشعرانى هنا يلاحق العابدين للأولياء حتى فى جلوسهم ونومهم، فيحذرهم إذا مد أحدهم قدمه فى أى إتجاه ، حيث توجد أضرحة للأولياء فى كل إتجاه ، ومد القدم ناحيتهم هو سوء أدب معهم . وطبقا لاعتقاد العصر فإنه يجلب سخط الأولياء وغضبهم الذى ينجم عنه ( العطب ) أى الانتقام الجسدى ، و( المقت ) أى الانتقام المعنوى. ولأنه ولى عالى الشأن فإن الشعرانى حين يمارس هذا الأدب مع الأولياء فلا يمد رجله ناحية قبورهم فإنهم بدورهم يردون عليه التحية بأحسن منها ، على عادة الشعرانى فى تفضيل نفسه عليهم .

11 ـ فى النهاية يقول الشعرانى :
(فانظر يا أخى ما يثمره الأدب مع الأولياء، ولو أننى كنت قليل الأدب معهم ما باسطونى هذه المباسطة ولا زارونى . ولما أخبرت الشيخ نور الدين الشونى بعتب الأمام الشافعى عليه فى قلة زياراته، وكان عنده الشريف عرار صاحب السلطان بركات بمكة ، فقال للشيخ : هذه اباطيل فإن الشافعى لا يعتب على مثلك . فرأى عرار تلك الليلة الأمام الشافعى وهو يقول : نعم أعتب عليه وعبدالوهاب صادق . فجاءنى من بكرة النهار فاستغفر ربه من جهتى ، والحمد لله رب العالمين .)
هنا يختم الشعرانى هذه الباقة من الأكاذيب بالنتيجة التى قدمها على شكل نصيحة تتمثل فى الدعوة لتقديس الأولياء الصوفية تحت مصطلح ( الأدب ) معهم وما يثمره هذا ( الأدب) معهم. وحتى لا يشكك أحد فيما أورده من أكاذيب فإنه يخترع حكاية يؤكد بها مزاعمه، ويحرص على أن يكون أبطال الحكاية موتى ( الشريف عرار والشيخ الشونى ) حتى يطيح بأى فرصة للتأكد من صدق أو كذب حكايته.


رابعا :
وحتى الان لا يزال الحج الى الأضرحة و تقديسها و التبرك بها و تقديم القرابين و النذور لها من أهم ملامح التدين العملى ( للمسلمين ) من الصوفية والشيعة و الصوفية السنيين ، وهم الأغلبية الساحقة فى تعداد ( المسلمين ) الذين يزداد عددهم فوق البليون ..
ولقد حسم رب العزة المسألة من البداية حين قرر أن الأكثرية ـ فى موضوع العقيدة الصحيحة ـ تكون ضالة مضلة ، ولو أطاعها النبى محمد نفسه لأضلوه عن سبيل الله جل وعلا لأنهم يتبعون الأوهام والظنون والأكاذيب( الأنعام 116 ).
ونحن نحترم حق كل انسان فى اختيار عقيدته ونوعية عبادته ، وهو مسئول عن إختياره أمام الله تعالى فقط يوم القيامة ، ولكن الاسلام يفرض علينا توضيح حقائق الاسلام لمن ينتسب الى الاسلام ، خصوصا فى العقيدة وأنه لا إله ولا ولى و لا شفيع سوى رب العزة جل وعلا. ودعوتنا هذه مجرد نصح سلمى ، لا نفرضه على أحد ، ولا نطلب من أجله أجرا من أحد .
خامسا :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .!!

اجمالي القراءات 21501

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   نجلاء محمد     في   الأحد ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10767]

مازالت عبادتهم للأولياء مستمرة

نعم من يفكر لمجرد لحظة أن هذه الافتراءات التي يدعونها صحيحة وينساق وراء هؤلاء فقد انحرف إلى طريق الضلال الذي حذرنا منه رب العزة جل وعلا في قوله تعالى{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116
من يعتقد أن هذه الخرافات قد انتهت أو على الأقل قلت فهو متفاءل ولا يشعر بما يدور حوله ، مع العلم أن هذه المعتقدات موجودة في جميع الأوساط على اختلاف مستوياتها الثقافية والاجتماعية ولكن بصور حديثة تناسب العصر الذي نعيشه ، فمن يعتقد في تلك الخرافات والأحجار يكون عاجز عن الاجتهاد والوصول إلى بعض ما وصل إليه المجتهدون الذين يتبعون المنهج العلمي في التفكير ويسخرون عقولهم ويستخدمونها في خدمة البشرية .


2   تعليق بواسطة   محب لله     في   الأحد ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10786]

ما اجمل التكلم بايات الله

و الله ان مقالتكم كم انتظر بفارغ الصبر كل جديد لما فيه من فائدة للمسلمين و قد تكلمت عن موضوع تقديس الاحجار او القبور و حسمت الموضوع بايات الله انا كانت معي نفس المشكلة مع اهلي حيث كنت انصحهم دائما بالابتعاد على هذه الخرافات و التقديس و الحمد لله ازلت الفكرة من عقولهم العجيب في الامر ان القنوات التي تنسب لنفسها القنوات الاسلامية يحصرون الاسلام في الحجاب و الخلوة الشرعية و اللحية و الامور المضهرية فقط ناسين الامور الهامية مثل عبادة الاحجار اسال الله ان يثبتنا على كتاب الله

3   تعليق بواسطة   لطفية احمد     في   الإثنين ١٠ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10809]

"إياك نعبد وإياك نستعين "

قضية التوحيد أولاها القرآن الكريم اهتماما كبيرا ، لأنها هي القضية الأساس ، و التي على أساسها يكون الحكم على عقيدة الفرد {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3 ، والآيات كثيرة لا حصر لها ... لكن الذي قد يغفل عنه الإنسان ليس فقط أن يعبد الله ـ سبحانه ـ وحده وإنما في الاستعانة به عز وجل وحده أيضا ، ولذلك نحن نتلوا " إياك نعبد وإياك نستعين " خمس مرات في صلاتنا دون أن ندرك السر في تلازم الفعلين في "نعبد ، نستعين " ، وأيضا ندرك الغرض من النهي في قوله تعالى{ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }فصلت37 . النهي في : "لا " والأمر في : اسجدوا . للتأكيد على العبودية الخالصة لله سبحانه والأمثلة كثيرة لا تحصى ....

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,365,539
تعليقات له : 5,324
تعليقات عليه : 14,623
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي