6:
كيف نفهم القرآن-6

عمرو توفيق Ýí 2007-08-01


بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نفهم القرآن-6

((موقع الكلمة))

من نقاط الالتقاء بين "النظام الكوني" و "النظام القرآني": "الهدفية" التي تشمل جميع أنحاء كل واحد من النظامين. ففي النظام الكوني نجد أن كل المخلوقات التي تسبح في هذا الكون الكبير - ابتداء بالذرة وانتهاء إلى المجرة - كل هذه المخلوقات "مهدوفة". ولا نجد كائنا واحداً وهو زائد على الحياة أو طفيلي عليها.



وفي النظام القرآني نجد أن كل جملة وكل كلمة وكل حرف جاء من أجل هدف معين، ولا نجد في القرآن الكريم &Iacue; حتى حرفا واحداً يمكن الاستغناء عنه. وحتى لو بدا للنظرة العابرة وجود شيء زائد - سواء في النظام الكوني أو في النظام القرآني - فإن البحث الدقيق يكشف عن ضرورة معينة تتطلب وجود ذلك الشيء.

من هنا كان على من يحاول التدبر في القرآن الكريم أن يحاول اكتشاف "موقع الكلمة"، أي الهدف التي جاءت من أجله هذه الكلمة، والمغزى الذي تشير إليه. وسوف نستعرض فيما يلي بعض الآيات القرآنية كنماذج لينطلق منها القارئ الكريم إلى سائر الآيات.

(1) يقول القرآن الكريم وهو يتحدث عن قصة زكريا (عليه السلام) - بعد أن بشرته الملائكة بيحيى (عليه السلام): ((قَالَ رَبّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَال كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء))

ما هو موقع "كذلك" في هذه الآية الكريمة؟ ولماذا لم تكن الآية: "قال الله يفعل ما يشاء"؟ أو "إن الله يفعل ما يشاء"؟ والجواب: إن وجود كلمة "كذلك" في هذه الآية يضيف إليها بعداً جديداً هو: الدلالة على الدأب والاستمرارية.

فعندما تعجب زكريا (عليه السلام) من أن يهب الله له غلاما وقد بلغه الكبر وامرأته عاقر، كان الرد أن هذه الولادة ليست بدعاً من الأمور، وإنما هي أمر مألوف ومكرر بالنسبة إلى مشيئة الله وفعله الذي يتم في أوقات كثيرة على هذا النحو، ولذلك فلا داعي للتعجب من أمر هذه الولادة.

وهكذا دلت كلمة "كذلك" في هذه الآية الكريمة على سنة قديمة لله سبحانه في هذا الكون لا تدع مجالا للاستغراب من ظواهرها الجديدة.

(2) يقول القرآن الكريم:((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم))
في هذه الآية نجد القرآن الكريم يضيف إلى اسم المسيح نسبه "عيسى بن مريم" (عليهما السلام)، بينما في الآية السابقة يذكر القرآن اسم موسى (عليه السلام) بشكل مجرد فيقول: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِم تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم)) وقد تكرر ذلك - في آيات القرآن كثيراً، وهكذا.

والجواب: لقد تركز الضغط القرآني على كلمة "ابن مريم": تأكيداً على الجانب البشري في المسيح (عليه السلام)، ونفياً مشدداً لما ادعته النصارى من وجود جانب إلهي فيه. وهكذا، يجمع القرآن بين الأفكار والمفاهيم الإلهية وبين النفي الضمني للخرافات والأباطيل.

(3) ((الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْد غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ))

هذه الآية الكريم نزلت عندما اندحر الروم في أرض الشامات (وهي أقرب أرض إلى الجزيرة العربية)، وانتصر الفرس عليهم، وهزموهم هزيمة ساحقة، ولكن ما هو مغزى ورود "فِي أَدْنَى الأَرْضِ" في هذه الآية مع أن موقع المعركة كان معروفاً لدى الجميع؟ وحتى لو افترضنا أن موقع المعركة كان مجهولاً، فهل القرآن كتاب جغرافي حتى يتناول مقل هذه القضية أم هنالك أمراً آخر؟

والجواب: قد يكون قوله "فِي أَدْنَى الأَرْضِ" من أجل توضيح حجم الهزيمة التي حلت بالروم ذلك لأن القضية لم تكن لم تكن قضية جيشين يلتقيان في الصحراء ويمنى أحدهما بالفشل، فالقضية أكبر من ذلك، إنها قضية جيش غاز يغزو عدوه في عقر داره، وينتصر عليه ومن ثم يقيده بالسلاسل، ويمتهن شرفه وكرامته. إذن فحجم الهزيمة كبير، والمصاب فادح، ولكن رغم ذلك تشاء إرادة الله أن تعكس الأمر وتعيد للروم حريتهم واستقلالهم.

وهكذا، دل قول الله: "فِي أَدْنَى الأَرْضِ" على تلك الهزيمة العظيمة التي تدخل القدر الإلهي ليحولها إلى نصر عظيم.

اجمالي القراءات 15353

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الخميس ٠٢ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[9724]

جزاك الله خيرا.

الأخ عمر توفيق. سلام الله عليكم ورحمته.اشكرك على هذا الاسلوب المميز في نقل الفكرة، حيث وجدت في مقالاتك ،وخاصة كيف نفهم القرآن ، سهولة الفهم،ودافعا للبحث عن معاني الكلمات القرآنية العظيمة، الذي هو كما ذكرت أنزل ليكون كتابا للحياة ،في الدارين. وكلي أمل أن تكتب الكثير من هذه المقالات، لكي نساهم معاً في العمل على احداث التغير في ثقافة المسلم الموروثة ،والمليئة بالاوهام والخرافات. ولا يمكن تصحيح المسار إلا بالعودة الى كتاب الله ،قراءة ،وفهماً وتدبراً.

2   تعليق بواسطة   Tounsi Mohamed Hedi     في   الخميس ٠٢ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[9725]

Adna Alaredh

Thank you for articales. I'm ok for the general idea, But I just note that you have used the word "Adna" differently in an other article witch talked about coranic miracles.
Do you think that we can use it in different meanings.


3   تعليق بواسطة   محمد حسين     في   الأحد ٢٦ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10423]

كلمة ادنى الارض

تحياتى للاستاذ عمرو وليسمح لى الاخوة فى ان اوضح شيئا كما فهمته انا ولا اعلم ان كان ما سأقوله سيتفق ورؤى الاستاذ الفاضل عمر ، وهو فى اشارته لادنى الارض ... اعتقد ان المنهج الفكرى للاستاذ عمرو كما اراه يقوم على الاستخراج اللفظى ومراده فى سياق الاية وليس تحديد المعالم الجغرافية والذى لن يضير البحث شيئا ان تم اضافته اواستبعاده ، ولكن ردا على الاخ تونسى ، هى مجرد نوع بحثى فى لفظيات القرآن والتى لم يتم وضع حدود بحثية لها بواسطة الله فى سياق او بوتقة دراسية معينة ، فكل حسب رؤيته العلمية والمنهجية يوضح طالما تدور فى سياق الامر المعنية به الاية ... فالبعض يقرأها من الناحية الجغرافية والبعض يقرأها من الناحية العلمية او العملية او ما شابه ، والبعض الاخر يدرسها من منطلق اللفظ اللغوى الدال على المكان او طابع الحدث .... والله يعلم ونحن لا نعلم

وشكرا للمقالة الرائعة استاذ عمرو

4   تعليق بواسطة   عبدالله سعيد     في   الأحد ٢٦ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10446]

القرآن كثيرا ما يشير للمعنى الجغرافي ..

مثل مكة، بكة، طور سينين ، بابل، مصر، يثرب، سبأ، الحجر، مدين، المسجد الأقصى، الغربي، الجودي، بين السدين، ياجوج وماجوج ، الرس، جانب الطور الأيمن، الأحقاف، مطلع الشمس، مغرب الشمس، عين حمأة، الأيكة، ..

فما المشكلة أن يشير القرآن لموقع المعركة الشهيرة أنها في مكان صفته الجغرافية هي أخفض منطقة على سطح الأرض (منطقة البحر الميت) ؟

أنصح كل باحث في القرآن أن لا يتخرص نظرية ثم يسقطها على آيات الله ..
بمعنى لا تخلق نظرية من عندك ثم بعد ذلك تجر آيات القرآن وتخضعها لنظريتك

فليس الهدف أن يوافقك القرآن بل الهدف أن تفهم القرآن

اخضع أنت ونظرياتك وعقلك وعلمك وروحك لآيات الله
وحاول أن تصغ لما تريد الاية أن تخبرك
فيجب أن يكون هدفك هو محاولة فهم ما تريده الآية ..لا ما تريده نظريتك

5   تعليق بواسطة   محمد حسن     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11469]

هذا ما نريده

شكرا أخ عبد الله سعيد
ولكن قد تريدالأية إلى جانب المفهوم الذي نعرفه شيئا لا انا ولا أنت تعرفة ولكن تكشف عنة الأيام وهذا من إعجاز القرأن

وشكرا مرة أخرى

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-06-11
مقالات منشورة : 61
اجمالي القراءات : 767,466
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 35
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt