فإن مع العسر يسرا

ناعسة محمود Ýí 2007-04-18




فإن مع العسر يسرا ..
الأستاذ صابر المصري موظف مستقيم ومحترم ، مرتبه 150 جنيها شهريا ، ويعول زوجة وخمسة أولاد ، وهو يحقق معجزة علمية اقتصادية لأنه لا يزال يعيش حتى الآن ، وفي رأي خبراء الاقتصاد الحر فانه يستحق جائزة نوبل ، وخبراء الاقتصاد لديهم العذر فالأرقام المجردة تقول أن الأستاذ صابر المصري لو عاش نباتيا يأكل الفول والطعمية والكشري والطماطم كل يوم ما استطاعت المائة والخمسون جنيها أن تكفيه طعاما هو وأسرته ، والحساب البسيط لثمن الإفطار اليو&atilatilde;ي جنيهان ، أي ستون جنيها شهريا أي 40 % من المرتب فماذا سيفعل في الغداء والعشاء ؟ ثم من أين يدفع الإيجار والكهرباء والموصلات والكساء ومصاريف الدارسة والعلاج والطوارئ ؟ مع ملاحظة أنه موظف مستقيم أي بعبارة أخرى ليس له دخل آخر ..!!



والأستاذ صابر المصري ليس شخصا واحدا وإنما هو شخصية معنوية اعتبارية تنطبق على الملايين من المصريين الموظفين في الأرض محدودي الدخل ، وهم مستقيمون غالبا وفقراء محترمون دائما ، وقد أغرقهم طوفان الغلاء ولكنهم يستميتون لكي يرفعوا رءوسهم فوق الأمواج وعلى وجوههم المرهقة شبح ابتسامة وبقايا كبرياء ..!! هذا بينما يضرب خبراء الاقتصاد رءوسهم في الحائط يتعجبون من بقاء هذه الفصيلة من البشر على قيد الحياة بينما لو كانت مكانهم طوائف الديناصورات الزاحفة والطائرة لانقرضت منذ عام 1980 م !!

. والسر في صعود هؤلاء الجبابرة لا علاقة له بالأرقام أو علم الاقتصاد أو نظريات السوق وإنما يكمن في كلمة مصرية إسمها " الستر" وفي نظرية قرآنية في قوله تعالى " فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ". فأولئك يستعينون على عسر الحياة بتيسير خفي يمكنهم به البقاء على قيد الحياة بل ويبتسمون أيضا !! وهذا " اليسر " الذي يخفف العسر لا يمكن أن تحدده الأرقام ولا أن يبينه علم الحساب ، إنه نوع من الرزق الخفي والدعم الإلهي غير المنظور لا شأن للحسابات البشرية ، قد يأتي في صورة سلبية كان ينجو أولاد الأستاذ صابر المصري من الأمراض التي تصيب القادرين على نفقات العلاج ، أو يصيبهم " داء القناعة " فيكتفون بالقليل بكل الرضا والصبر الجميل ، بينما تذهب الأموال الكثيرة في أيدي زملائهم إلى العبث وربما الإدمان .. وقد يأتي ذلك الرزق الخفي في صورة إيجابية فتمتلئ عيونهم فرحة ويتضاعف في نظرهم طبق الفول فيصبح أطباقا وأطباقا، ويحلو مذاقه في أفواههم وهم يأكلونه في اشتياق ولهفة ، وهي لذة ومتعة يفتقدها ذلك الذي تعود على اللذيذ من الطعام وفقد الإحساس به وانشغل عنه بهموم البورصة ومنافسات زملائه الحيتان وبأمراض القلب والمعدة والضغط بينما لا يشعر الأستاذ صابر المصري إلا ببعض الصداع الخفيف أحيانا حين يتقافز أمامه أبناؤه بعد وجبة فول دسمة !!

و الأستاذ صابر المصري لا يقترب من المنكر والمحرمات لأسباب أغلبها اقتصادي وبعضها ديني أيضا ولكن يغلفه الدافع الاقتصادي ، فلأنه يريد " الستر" ويطلب دائما أن يعينه الله تعالى على الغلاء فلابد له من طاعة الله وتقواه حتى يستجيب دعاء ويستجيب له مولاه فيعيش الأستاذ صابر المصري في يسر وفي بركة وصحة نفسية وجسدية .

. والله تعالى حين يقول " فان مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا " فانه تعالى يؤكد (بأن) حرف التأكيد وبتكرار الجملة بأن العسر لابد أن يصحبه نوع من اليسر يجعل الحياة محتملة ،وتـأتي آية أخرى ببشري جديدة وهي أن اليسر يأتي بعد العسر " سيجعل الله بعد عسر يسرا " : أي أن اليسر يصاحب العسر وذلك على وجه التأكيد ، ثم أن هناك وعدا من الله تعالى بأن يأتي اليسر وتنتهي مرحلة العسر ، ولكن هذا الوعد لا يأتي بصيغة الـتأكيد وذلك لأنه وعد مخصوص لأولئك الذين يتوكلون على الله ويتقون الله " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا " والأستاذ صابر المصري يتقي الله تعالى لذا فهو مستحق لأن يبدل الله عسره باليسر وهو مرشح لأن يرزقه الله تعالى من حيث لا يحتسب " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) " الطلاق.

. صحيح أن هذا الرزق وتلك البركة أمور تخرج عن حسابات البشر ونظرياتهم وتوقعاتهم ولكنها موجودة ولا سبيل لإنكارها ، ولا ريب أن بقاء الأستاذ صابر المصري حيا حتى الآن يعتبر أكبر دليل عليها ..
وهناك دليل آخر عليها في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة في العالم ، فالدولار الأمريكي تزينه عبارة We Trust In Good
ومعناها " على الله نتوكل " أو " بالله نستعين " بينما يخلو الجنيه المصري من ذلك المعنى الموجود في الفاتحة ، ولذلك لا تعجب أن يكتسح الدولار الجنيه المصري وغيره من العملات " الإسلامية " وما كتبه الأمريكان على عملتهم الرسمية يعتبر امتدادا للفكرة التي سيطرت على المهاجرين الأوائل الذين أقاموا المدن وشقوا الطرق ونشروا المزارع والخضرة ، إذ كانوا – برغم مساوئهم يتوكلون على الله وينتظرون فضله ويبتهجون برزقه ، لذا فان عيد الشكر لا يزال من أهم الأعياد الأمريكية ، وفيه يشكرون الله تعالى على ما رزقهم ، ولا يزال من تقاليد المأدبة الأمريكية أن تبدأ بلحظة خشوع وصمت إلا من صوت رب الأسرة وهو يقدم الشكر لله تعالى على رزقه ويتضرع إليه في طلب المزيد ، والله تعالى لا يبخل عليهم بالمزيد فالله تعالى يقول " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم " 14 /7

. هذا بينما نحن ننسي دائما أن نذكر اسم الله على الطعام أو أن نحمده تعالى بعد الشبع ، وعمنا " صابر المصري " هو الذي لا يزال " دقة قديمة " يقول عندما يأكل " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ويقول عندما يفرغ : " الحمد لله .. اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال " .. ولذلك أنقذته رحمة الله من الاندثار، ولولاها لأصبح له تمثال للبؤس بجانب تمثال الكاتب المصري القديم ، وهو الجد الأكبر للأستاذ صابر المصري ، طوبي له !!

اجمالي القراءات 28184

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (11)
1   تعليق بواسطة   نجلاء محمد     في   الأربعاء ١٨ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5838]

راضي وصابر يا عم صابر

نرحب بك ِ أخت ناعسة كاتبة ومعلقة .
الصبر صفة جميلة ولاسيما إذا تواجدت في مجتمع يعاني من مشكلات كثيرة أهمها الانخفاض في الدخل، والذي يعاني منه السواد الأعظم من الشعب المصرى.
والسر في تماسك عم صابر هو الرضا والقناعة والتي غرسها في أولاده من بعده، فمن نعمة الله عليه أن أولاده يشعرون بسعادة برغم فقرهم المادي وليس المعنوي.

2   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5853]

الاستاذه الفاضلة ناعسه

هذه هى مقالتك الأولى, وهى مقالة ممتازة من حيث الاسلوب والمعنى وتسلسل الافكار, وأرجو ان تستمرى على ذلك فقد استمتعت بها. قبل ان اغادر صفحتك, اود ان اهمس فى اذنك بأنى احد اقارب عم صابر المصرى, فلا انسى بحمده ان ابدأ دائما طعامى بإسم الله الرحمن الرحيم, وورثت عن ابى رحمة الله عليه قول, اللهم زدها نعمة واحفظها من الزوال دائما بعد الأكل. تحياتى

3   تعليق بواسطة   AMAL ( HOPE )     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5863]

ناعسة Dear

what is this???!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! , it's really the most beautiful article i had ever read it her

It is wonderful and i read it many times ,i will copy and keep it

Taba yawmuke be alfe khayr

4   تعليق بواسطة   رضا عبد الرحمن على     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5865]

الأخت الفالضلة نعسة ـ مقال جميل

الكاتبة الواعدة ـ الأخت ناعسة ـ لقد أصبت الهدف ـ
مقالك يعبر عن قطاع كبير من المصريين الفقراء الغلابة ، الذين يتمتعون بحمد الله كثيرا ، والرضاء بقضائه ، ودائما في داخلهم أمل في الغد ..
وفقك الله ، ونحن في انتظار مقالات أخرى بنفس القوة ..

5   تعليق بواسطة   لطفية احمد     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5870]

بداية قوية يا أخت ناعسة

بداية قوية وممتعة في نفس الوقت ، فهي أقصوصة جميلةأخذتنا إلى حيث الرضا بالقليل ، وكيف أنه بالبركة يصبح كثيرا، وهو درس في القناعة لابد لكل منا أن يأخذ منه قسطا ،لكي يعود للحياة جمالهاالحقيقي بعد أن أصبحنا نهتم بالمادة اهتماما مبالغا فيه .
وللأخت الكاتبة كل تحية ودعاء أن يفتح الله عليها من بركاته . أنه سبحانه سميع عليم .

6   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5875]

عبقرية الصبر والرضا

إن المتابع للتاريخ المصري من أقدم العصور يجد المواطن المصري البسيط جدا لكي يستمر على قيد الحياة في ظل الانخفاض الدائم والمزمن للدخل والقوت له ولأولاده تولدت لديه طاقات سلبية إيجابية خلاقة تصل به إلى درجة العبقرية في كيفية التكيف وإطاقة الظروف المعيشية القاسية جدا هذا المصري البسيط العبقري توائم وتصالح مع البيئة ومع جلاديه وشانقيه وتحداهم أن يسلبوا منه استمرار نسله وتواصل أجياله ، فاخترع الصبر وإخترع الرضا بالمقسوم ولم يكن يدري أن هذه الفضائل التي أخترعها هى بقايا تعاليم إلهية سماوية لدين قديم كان قائما على أرض مصر وحث عليها القرآن ، وكل الأعراف الانسانية النبيلة ، وتغنى المصري بمفاهيم الرضا والصبر والقناعة فنسج الأمثال الشعبية والحكم الحياتية وورثها لأبنائه وعلمها لأحفاده .
هل من مزيد من هذه المقالات الأدبية الاجتماعية الراقية من الكاتبة الفاضلة ؟.

7   تعليق بواسطة   عادل محمد     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5876]

تذكير مهم بالقناعة

ممتازة ياأستاذة/ ناعسة
ذكرتينا بأن نقنع بالقليل وننتظر اليسر المؤكدحدوثه إن شاء الله
يا ليت أقاربى وأسرتى الكبيرة تكون مثل الأغلبية العظمى فى هذا الموقع
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

8   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5880]

;كانت فين الحاجات الحلوه دى؟؟؟

ألاخت الفاضله .ناعسه محمود ..ماشاء الله على المقاله القيمه .(واضح كده إنها بدايه لمباراه بينك وبين حد صاحبنا فى الكتابه ).لكن شهاده لله تعالى .لو إستمريت على نفس القوةدى فى المقالات القادمه (وهذا ما أتوقعه )حتكسبى المباراه 5\صفر(هههههههه)..
على فكره .ربط الفكره بالواقع ومعالجتها من القرآن هو افضل طريقه (من وجهة نظرى ) فى توصيل المعلومه .وانت قد حققت المعادله بنجاح (باهر).
..............................................
ملاحظه هامه
..كثيرا ما يخلط الناس بين الغنى والمال والآمراض . وبين الفقر والصبر والقناعه والتطعيم ضدها..وهذا من وجهة نظرى خطأ كبير (وسأكتب فيه مقاله قريبا إن شاء الله ) .وغلا فما تفسيركم للأمراض الوراثيه ؟؟؟ وألامراض الى تصيب الفقراء خاصة والتى إنشأ لها علم يجمع بين التغذيه والوقايه والصحه العامه وطب المجتمع..وما تفسيركم للأطفال المرضى بأمراض مزمنه وخطيره مثل السرطان وضغط الدم والسكر والشلل وهكذا رغم انهم لا يعرفون شيئا عن المال او الغنى او الفقر ؟؟؟
ولكن فى النهايه مقاله كبيره ومهمه وتؤكد على الحلول القرانيه لأمراض المجتمع الإقتصاديه والنفسيه والإجتماعيه ..وكان بودى ان تربطى بين إن مع العسر يسر .وبين دور المجتمع فى تفعيل هذه ألايه ..ولمزيد من المعلومات حول هذه النقطه لو سمح لك الوقت إرجعى إلى مقالة (البخارى وفقرالدم)ل - عثمان محمد على..
ولكم الشكر والتقدير

9   تعليق بواسطة   آية محمد     في   السبت ٢١ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[5981]

تهنئة

الأخت الفاضلة ناعسة،
حبيت أن أثني على مقالتك، وأهنئك على الكتابة الراقية. وفى إنتظار الباقي :)


10   تعليق بواسطة   ايمان خلف     في   الخميس ٢٦ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6151]

كانت فين الحاجات الحلوة دى

عزيزتى الأستاذة : ناعسة محمود
أهنئك على مقالتك الرائعة وفى أنتظار المزيد


وقد وأزداد عدد أقلام القرآنيين إلى قلم من أجمل أقلامها وأرقاها وأجملها

تحياتى
ايما خلف

11   تعليق بواسطة   عمرو توفيق     في   الثلاثاء ١٢ - يونيو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[8285]

صابر المحسود

مقالك جميل يا أخت ناعسة ولا أدري أهو يثير الشفقة على صابر أم يثير الحسد على ما آتـاه الله من الصبر؟
شيء آخر يمكن أن يثير الحسد وهو أن عم صابر يأتيه النعاس بالليل فينام ساكنا مطمئنا رغم كل الأهوال!!

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-08-23
مقالات منشورة : 4
اجمالي القراءات : 109,699
تعليقات له : 117
تعليقات عليه : 35
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt