حول التصعيد الأخير بين أمريكا وإيران

سامح عسكر Ýí 2017-02-03


أمس واليوم صدرت عدة تصريحات من كبار رجال الدولة في أمريكا تحمل تهديدات لإيران بعد تجربتها الصاروخية البالستية، وعلى الفور ردت إيران بتصريحات مماثلة وتصعيدية على نفس المستوى، فإذا كان ترامب قد صرح رسميا بتهديد إيران، فحسن روحاني وصف ترامب (بالمبتدئ في السياسة)..

هذا التصعيد يتوازى مع تهديدات أخرى –غير رسمية- من واشنطن تجاه الصين وفق مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إضافة لتصريحات أخرى لمستشارين سابقين في البيت الأبيض تنبئ بتصعيد أمريكي ضد روسيا بحجة حلف الناتو ومحاولات بوتين تقويض هذا الحلف وتفكيكه..وبالنسبة للصين يوجد رأي للمستشار العسكري الأمريكي أندرو كريبينفيتش (Andrew Krepinivich) يقول أن الصين هي القطب الثاني مع أمريكا وليست روسيا، والسبب قدرتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية الضخمة..ويبدو أن إدارة ترامب تركز مع الصين أكثر من روسيا لهذا السبب..

أيضا وصف ترامب الاتفاق النووي مع إيران بأنه كان مصلحة إيرانية بامتياز أكسبت الاقتصاد هناك 150 مليار دولار، وأن إيران كانت على وشك السقوط لولا الاتفاق النووي، إضافة لمشروع قرار تقدم به النائب في الكونجرس."السي هاستينغز"..يبيح لأمريكا استخدام القوة ضد إيران في حال امتلاكها سلاح ذري..بينما قال وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان: أن تهديدات أمريكا إعلامية ومن حق إيران استخدام وتطوير أسلحتها البالستية للأغراض الدفاعية..

واضح أن هذا التصعيد لا علاقة له بالحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس ترامب، بيد أن موقفه ذلك يتناغم مع تعهده بحماية إسرائيل وإصلاح العلاقة التي أفسدها أوباما بين تل أبيب وواشنطن، أي أن التصعيد الأمريكي ضد إيران له علاقة بإسرائيل وربما بحلفاء ترامب في دول الخليج، وهو سلوك غير مفهوم لأن ترامب كان متشدد تجاه السعودية تحديدا قبل انتخابه رئيس..فما الذي دعاه لتغيير موقف ذلك فجأة؟..وهل صحيح نجح اللوبي الصهيوني في دفع إدارة ترامب لسلوك نفس خط سلفه الأسبق جورج بوش؟

يبدو أن هذا التقدير صحيح، ترامب يسلك نفس المسلك للرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، فهو يعلن تحديه وعداءه للقوى الراديكالية الإسلامية، في حين يتعاون –وربما يتحالف- مع السعودية، وهي سياسة متناقضة تنفي ما وصل إليه البيت الأبيض من قناعات سابقة تدل على ثمة علاقة وطيدة بين السعودية والإرهاب، وفي الحملة الانتخابية لكلا المرشحين هيلاري وترامب تسابق كليهما في توجيه الاتهام المباشر لدول خليجية بصناعة داعش..وهذا ليس له إلا تفسيرين اثنين:

الأول: أن ترامب تعرض لضغوط من اللوبي الصهيوني لإشعال الموقف مع إيران والضغط على حلفائها في المنطقة، وإعادة إنتاج الفتنة السنية الشيعية بشكل جديد ..ربما يكون أكثر شراسة..

الثاني: أن تكون مناورة أمريكية لطمأنة إسرائيل والسعودية بوصفهما ألد إعداء إيران في المنطقة، وبعدها يعلن ترامب عن موقفه الحقيقي الذي صرح به قبيل الانتخابات. فالمعايير البراجماتية قد تدفع ترامب لموازنة مصالحه في الحرب على الإرهاب بقطع الصلة بين السعودية وأّذرعها الإرهابية في العالم، والدليل أن التصعيد مع إيران ترافق مع ضربات أمريكية ضد القاعدة وداعش في كل من اليمن وسوريا وليبيا..وهي ضربات في صالح الأسد والحوثيين بوصفهم خصوم للسعودية وداعش معاً..

في تقديري كلا التفسيرين مطروحين بقوة، فالوضع الآن على صفيح ساخن خصوصا على جبهة اليمن التي يتوقع لها أن تشتعل أكثر في الفترة المقبلة، أما في سوريا ونظرا لوجود مصالح روسية صينية فقدرات ترامب محدودة في إحداث أي تغيير، والمعركة في سوريا في الغالب تسير إلى تسوية نهائية مع الأسد وعملية انتقال ديموقراطي يحصل على توافق الأغلبية من الكتلتين الشرقية والغربية..

نعم كلا التفسيرين واردين لأن التجربة الصاروخية الإيرانية تهدد إسرائيل والسعودية بشكل مباشر، خصوصا بعد اتهام الأخيرة لإيران بتزويد الحوثيين بسلاح استراتيجي أدى لتدمير فرقاطة سعودية قبالة سواحل الحديدة منذ أيام، وهو اتهام أثار استفهام لأن السعودية أعلنت إصابة الفرقاطة بزوارق حوثية..فكيف يتهمون إيران بالدعم الاستراتيجي للحوثي إلا شكّهم بأن التدمير الذي أصاب الفرقاطة عن طريق سلاح متطور وليس مجرد زوارق يسهل رصدها وإصابتها في عرض البحر.

أما بخصوص العراق فقد حازت على نصيبها من تصريحات ترامب، الرجل يتهم إيران مباشرة (باللعب في العراق) وهو اتهام غريب لأن النفوذ الإيراني صعد في العراق بعد الغزو الأمريكي لبغداد منذ 14 عام، أي يتحمل ذلك الجمهوريين نفسهم بوصفهم أصحاب قرار الغزو الانفرادي، فمعنى إزاحة صدام حسين ألد أعداء إيران في المنطقة يعني تهيئة الساحة العراقية لخصوم صدام..ولأن تركيبة المجتمع العراقي تقبل ذلك بوصفها ذات أغلبية شيعية بعضها متأثر بتوجهات وسياسات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979

وفي تقديري إشعال ترامب جبهة العراق بوصفها نقطة صراع بينه وبين إيران لن يؤثر على معركة الموصل، فالقرار اتخذ بشكل نهائي وحصل على الإجماع الدولي بضرورة القضاء على داعش وتحرير الموصل والرقة في أسرع وقت ممكن، وهو تحرير سيصب في مصلحة إيران ، كون هذه المعركة تأتي ضمن الصراع المذهبي في حقيقته، أي من نتائج هذه المعركة صعود شيعي ونزول سني بالضرورة، وهو ما تخوّفت به السعودية من قبل وحرّضت أردوجان على التدخل واحتلال معسكر بعشيقة لحماية النفوذ السني ، كون هذه المنطقة حيوية جدا لكلا الطرفين السعودي والتركي بوصفهم رعاة الأصولية السنية بشكل عام..وهي معادلة يفهمها الإيرانيون جيدا ويتركون حسابات معركة الموصل للرأي العام الدولي بوصفها معركة منتهية لن تكون في صالح السعودية وتركيا معا.

حتى الآن التصعيد الأمريكي ضد إيران لم يخرج عن أبعاده السياسية والإعلامية ، وفي حال انتقاله للبعدين الاقتصادي والعسكري ستتغير الأوضاع عن ما هي عليه الآن، وربما نرى حروب على شاكلة ما أشعله جورج بوش في المنطقة منذ 15 عام، وفي تقديري أن أي حرب الآن بين القوى الكبرى والإقليمية مستبعدة، فالنفوذ الأمريكي تضائل بشكل كبير، وترامب الذي يُصعّد الآن ضد إيران هو نفسه من يُصعّد ضد الصين وربما ألمانيا وروسيا وفرنسا في الفترة المقبلة، فطبيعة الإدارة الحالية في واشنطن تصادمية ولا تجيد صناعة الأحلاف..ومثل هذه الإدارات تخسر حتى لو كانت وسائلها وأهدافها نزيهة.

اجمالي القراءات 6466

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,595,954
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt