خطبتي جمعة:
الافتراء على الله تعالى (١)

عبدالوهاب سنان النواري Ýí 2017-01-09


الخطبة الأولی:

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور.

الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ، ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم.

هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله.

قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.

كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين.

 

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون .. تحدثنا في الجمعة الماضية عن: الغلو في الدين. ورأينا كيف أن الغلو يرتبط إرتباطا وثيقا بالتقول والافتراء على الله جل وعلا، حيث يلجأ المغالي إلى إختلاق وافتراء وصناعة أكاذيب بحسب هواه، ثم ينسب تلك الأكاذيب إلى الله تعالى، تحت عنوان: أحاديث قدسية. أو ينسب أكاذيبه إلى النبي، تحت عنوان: أحاديث نبوية. ثم يزعم أن أحاديث النبي وحي يوحى، أي أنها كلام الله تعالى، وهكذا يتوارث اللاحقون تلك المفتريات على أنها فعلا كلام الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. وعليه فقد عزمنا أن نفصل أكثر في هذه الكارثة، وأن نتناول في خطبتنا هذه موضوع: الافتراء على الله تعالى.

الكذب والافتراء جريمة في حد ذاتها، ولكنها تصبح من أعظم الجرائم إذا ما كانت في حق الله تعالى، لذا جاءت عشرات الآيات القرآنية لتخبرنا بأنه لا يوجد أظلم ممن يفتري على الله الكذب، ونكتفي بقوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين (العنكبوت ٦٨) .

والكذب والافتراء على الله جل وعلا، من أعظم الذنوب على الاطلاق لأنه يقود إلى الشرك بالله تعالى، تلك الجريمة التي لا تغتفر، ولأنه يقود المفتري إلى تنزيه وتأليه نفسه، فيصبح ذلك المفتري في عقيدة أتباعه آلهة مقدسة معصومة من الزلل، لا يجوز الاقتراب منها إلا بالتقديس والتعظيم، وهذا ما نلاحظه في تعظيم الناس للمفتر الكذاب أبي هريرة (قبحه الله) ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ، ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ، انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا (النساء ٤٨-٥٠) .

وقد يقول قائل: ولكننا لسنا مشركين، بل نحن مؤمنون بالله تعالى، وما تعظيمنا وتقديسنا للرسول والصحابة وآل علي والتابعين والرواة والأئمة والمحدثون، إلا طاعة لله تعالى، الذي أمرنا بذلك. نقول له: ها أنت تفتري على الله جل وعلا، مجددا، بل أنت مشرك، لأنك جعلتهم أنداد ومشرعين وشفعاء، وما أشبه كلامك بكلام المشركين الأوائل، الذين أشركوا عيسى وود والعزى ومناف، ألم تقرأ قوله تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون ، الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ، ومن أظلم ممن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ، ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ، ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ، انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (الأنعام ١٩-٢٤) .

ألم تقرأ يا هذا قصة أهل الكهف، ألم تتعلم من أولئك الفتية العظماء، الذين رفضوا أن يفتروا على الله جل وعلا، رفضوا أن يدعوا من دون الله أحدا، واكتفوا بالله جل وعلا، إلها وحبيبا ومشرعا وشفيعا، واستنكروا ما كان عليه قومهم من الشرك والافتراء على الله تعالى، فكان فضل الله تعالى، على أولئك الفتية: أن ربط على قلوبهم وزادهم هدى، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: إنهم فتية ءامنوا بربهم وزدناهم هدى ، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذاً شططا ، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه ءالهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا (الكهف ١٣-١٥) .

والغلو في رسل الله تعالى ، يقود الناس إلى الافتراء والتقول على الله تعالى، ليصل بهم الأمر إلى نسبة أولئك الرسل إلى الله جل وعلا، وجعلهم شركاء لله جل جلاله، وأبناء له تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون ، قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ، متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون (يونس ٦٨-٧٠) .

وكم حدثنا القرآن الكريم، عن قصص الأمم السابقة، وكيف تم اهلاكهم بسبب شركهم وافتراءهم على الله تعالى، كيف أن تلك الأمم اتخذت أولياء وشركاء يتبركون ويتوسلون ويستنصرون بهم، شركاء يخطبون ودهم، وينفذون تعاليمهم، ويرجون شفاعتهم، غير أنهم لما أهلكهم الله جل وعلا، لم تنفعهم تلك القباب والتوابيت المقدسة التي تظم رفاة آلهتهم الموتى، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ، فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا ءالهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون (الأحقاف ٢٧-٢٨) .

كما يحدثنا القرآن الكريم، عن خيبة أمل المفترين المشركين يوم القيامة، وكيف أن من كانوا في القبور سيتبرؤون ممن كانوا يتمسحون بقبورهم، معللين ذلك بأنهم كانوا موتى لا يعلمون ماذا يحدث فوق قبورهم، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ، فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ، هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون (يونس ٢٨-٣٠) .. ويقول فيهم أيضا: ويوم يناديهم فيقول أين شركاءي الذين كنتم تزعمون ، ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون (القصص ٧٤-٧٥) .

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

أرسل الحق تبارك وتعالى، رسله الكرام بآياته البينات، وحث الناس على التقوى وعمل الصالحات، مهددا المكذبين والمستكبرين بالخلور في نار جهنم، معلما إياهم بأنه لا يوجد أظلم ممن يفتري الكذب على الله جل وعلا، وأن كل تلك الافتراءات ستضيع يوما ما، وحينها لن ينفع الندم، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: يا بني ءادم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين (الأعراف ٣٥-٣٧) .

ومن أبرز وأهم أولويات رسل الله جل وعلا، نهي الناس عن الافتراء على الله تعالى، وتحذيرهم من عواقب هذه الجريمة الفضيعة، جاء ذلك في قصة رسول الله موسى مع فرعون وملأه، وفيها يقول الحق تبارك وتعالى: قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى (طه ٦٠) .

والظريف المؤلم: أن يُقابل رسل الله تعالى، بالتكذيب والاتهام، أن تتهمهم أقوامهم بأنهم يفترون على الله الكذب، وهي مصيبة رافقت رسل الله على طول خط الرسالة الإلهية، فعن قوم نوح يقول الحق تبارك وتعالى: أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون (هود ٣٥) .

ويحكي لنا رب العزة مقالة عاد قوم هود، قولهم عن نبيهم: إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين (المؤمنون ٣٨) .. وذلك في ردهم عليه حين قال لهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون. جاء ذلك في قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هود قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (هود ٥٠) .

وفي انكار الملحدين عقيدة البعث، واتهامهم لخاتم النبيين بالجنون والافتراء على الله تعالى، يقول الحق سبحانه: وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ، افترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد (سبأ ٧-٨) .

وتواصلت الاتهامات لخاتم النبيين بأنه شاعر أو ساحر، وعاجزوه بطلب معجزات حسية ليبرهن عن صدق رسالته، وكانت تهمة الافتراء حاضرة في كل الأحوال، وعن مقالتهم يقول سبحانه وتعالى: بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون (الأنبياء ٥) . ويقول أيضا: وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم ءاخرون فقد جاءو ظلما وزورا (الفرقان ٤) .

يُتهم أنبياء الله جل جلاله، بالافتراء على الله، دفاعا عن الجهل المقدس الذي توارثوه عن آباءهم وأجدادهم، وهي مشكلة تاريخية تحدث عنها القرآن الكريم بأسلوب فريد ملخصه: أن آيات الله بينات، وأن الحق هو ما أنزله الله لا غير، وأن ما دونه محض افتراءات وأكاذيب وظنون، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين (سبأ ٤٣) .

الحديث شيق، ولكنني لا أريد أن أطيل عليكم، نكتفي بهذا القدر، ونستكمل الحديث في الجمعة القادمة بإذن الله تعالى.

 

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا علی رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلى صلاتكم يرحمكمالله

اجمالي القراءات 12521

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-11-03
مقالات منشورة : 84
اجمالي القراءات : 961,832
تعليقات له : 60
تعليقات عليه : 67
بلد الميلاد : Yemen
بلد الاقامة : Yemen