القاموس القرآنى : ( رجع ) ومشتقاته ( 1 من 2 )

آحمد صبحي منصور Ýí 2016-11-18


القاموس القرآنى : ( رجع ) ومشتقاته ( 1 من 2 )

تتعدد معانى كلمة ( رجع ) ومشتقاتها حسب السياق القرآنى . ونتعرف عليها كالآتى :

 ( رجع ) : الرجوع فيما يخص الدين

1 ـ ( الهداية ) : الرجوع عن الضلال الى الحق : وله وسائل :

1/ 1 :الوعظ بالآيات، قال جل وعلا:( وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)الأحقاف :27 )، ( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف:174 ).أى لعلهم يهتدون . ابراهيم عليه السلام دعا ربه جل وعلا فقال : ( وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) 84 ) الشعراء )، واستجاب له ربه جل وعلا ، فظلت كلمة الهداية باقية فى عقبه، قال جل وعلا: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الزخرف :28) . أى لعلهم يهتدون .

1 / 2 : وقد تأتى الهداية بالابتلاء والعقاب الدنيوى.عن عذاب قوم فرعون بعد أن رأوا آيات موسى وجحدوها قال جل وعلا : (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الزخرف:48 )، أى لعلهم يهتدون. وعن إبتلاء بنى إسرائيل قال جل وعلا:( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف:168 ) أى لعلهم يهتدون. وعندما ينتشر الفساد تتلوث البيئة ويعانى الناس من الأمراض فيكون هذا عقابا الاهيا لهم ، لعلهم يرجعون أى يهتدون . قال جل وعلا : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)الروم:41 ). وعموما فإن الله جل وعلا يعاقب الظالمين فى الدنيا لعلهم يرجعون عن ظلمهم ويتوبون ويهتدون، قال جل وعلا : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) السجدة:21 ) .

2 ـ وهناك التمسك بالضلال أى عدم الرجوع الى الحق ، وهذا ممّن لا يصُمُّ أُذنيه عن سماع الحق ولا يراه ولا يتكلم به،عن المنافقين . قال جل وعلا :( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) البقرة:18 ) أى لا يهتدون ، وعن الكافرين قال جل وعلا ::( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) 171 البقرة ) أى لا يهتدون .

وقد يصل بهم الضلال الى الإضلال بمحاولة الخداع والصّدّ عن سبيل الله جل وعلا ، وهذا ما كان يفعله بعض أهل الكتاب فى عهد النبوة. قال جل وعلا عنهم : ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )آل عمران:72 ) أى لا يهتدون.

 ( رجع ) : فى القول والفكر والفعل ورد الفعل  .

1 ـ فى قصص ابراهيم عليه السلام ،قال جل وعلا عن تكسير ابراهيم أصنام قومه : (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) الأنبياء:58 )، أى يتهمونه بأنه الفاعل . وفى الحوار بينهم وبين ابراهيم كشف لهم ابراهيم حُمق معتقدهم بأن الفاعل هو الصنم الأكبر ، فإعترفوا . قال جل وعلا : ( فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ) الأنبياء:64 )

2 ـ فى قصص موسى عليه السلام. قال جل وعلا عن العجل الذهبى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً) طه:89 )، أى لا يردُّ عليهم .

3 ــ فى قصص سليمان عليه السلام . بمعنى رد الفعل . قال سليمان الى الهدهد  : (اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) النمل:28 ) . وقالت ملكة سبأ : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) النمل:35 )

4 ــ فى عذاب الآخرة . عن حوار المستكبرين والمستضعفين قال جل وعلا : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) سبأ:31 ) . يرجع بعضهم الى بعض القول اى يتردد بينهم القول .

 ( رجع ) : ( العودة والرجوع )

فى الدعوة والوعظ

1 ـ ( رجوع البصر ) : كلما أوغل العلماء بالتيليسكوبات فى أعماق الكون إزدوا إنبهارا ،وكلما ( أرجعوا البصر ) إزدادوا إنبهارا من عظمة الابداع ودقته . الوعظ بإبداع خلق السماوات تكرر فى القرآن الكريم . ومنه قوله جل وعلا : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) الملك:3 ، 4 ).

2ـ ( رجوع الموجات فى الكون ) :وعن التموجات المختلفة والمتداخلة فى الكون قال جل وعلا:( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ )الطارق  11)

3 ـ ومن الوعظ حال المنافقين يوم الدين . قال جل وعلا : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) الحديد:13) . يرجعون وراءهم فيتم الفصل بينهم وبين المؤمنين .

4 ــ ومن الوعظ دورة أهل النار فيها صعودا وهبوطا ، وبين الهبوط والصعود والدوران يتم سقيهم وتقلبهم فى ماء الحميم الذى يجذب اليه نار الجحيم . قال جل وعلا : (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ) الصافات:68).

تشريعات :

فى ثنايا بعض التشريعات ورد مصطلح ( رجع ).

1 ـ هناك ( رجوع ) المرأة بعد الطلاق الثالث الى زوجها السابق بعد أن تنكح زوجا غيره ويتم طلاقها منه. قال جل وعلا :  ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ . ) البقرة:230 ) .

2 ــ عدم ( إرجاع ) المهاجرة الى بلد الاسلام ( الحقيقى ) والتى تركت زوجها المشرك ، وهذا بعد التأكد الأمنى منها ــ اى ليست جاسوسة ـ  قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ  ) الممتحنة:10 ).

3ـ فى تشريع الاستئذان قال جل وعلا ::  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) بعدها قال جل وعلا : ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)النور:28 ) . أى لا حرج أن يقال ( إرجع ) فيجب الرجوع .

4 ـ قال جل وعلا فى تشريع الحج : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة :196 ). صوم سبعة أيام بعد ( الرجوع ) الى البلد الذى أتى منه.

( رجع ) من زمان الى آخر  

1 ـ نحن نعيش فى زمن متحرك لا يمكن وقفه، هل تستطيع إستحضار الأمس الذى مضى أو حتى اللحظة الماضية؟ . الزمن قد يبدو لنا نظريا ماضيا ومضارعا ومستقبلا، ولكن حركة الزمن تجعل من المستحيل تجميد اللحظة ، فهذه الثانية ــ التى تقرأ فيها هذه الكلمة ــ مجرد أن تفكر فيها تكون قد أصبحت من الماضى وبالتالى يصبح المستقبل حاضرا فماضيا . هذه الزمن الذى تسبح فيه الى الأمام بلا توقف مرتبط بدوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس ، ودوران الشمس حول مركز مجرة درب التبانة ، ودوران هذه المجرة حول سديم وأبراج من بلايين المجرات ، ولكل مخلوق زمنه ، من الاليكترون الى الذرة الى المجرة ،وهكذا .

 الله جل وحده هو خالق الزمن وهو جل وعلا الذى يملك تجميد أو وقف الزمن. قال جل وعلا:(وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلا يَرْجِعُونَ) يس:67 ). أى لا يستطيعون تقدما نحو المستقبل أو رجوعا الى الماضى . وبالمناسبة فكلمة ( مضى ) تفيد معنيين متناقضين : الزمن الماضى والسير الى الأمام ، وقد نبهنا على هذا فى حلقة سابقة من القاموس عن كلمة ( مضى ).

2 ـ عن إهلاك المترفين فى القرى ـ أو المجتمعات الظالمة ــ قال جل وعلا : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَفَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ) 11 : 15 ) الأنبياء ).  يهرب المترفون وهم سبب الهلاك والبلاء ، فيقال لهم على سبيل التهكم:( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). مستحيل طبعا رجوعهم فقد انتهى الزمن ، ولا عودة للماضى .

3 ــ وتلك الأمم السابقة التى أهلكها الرحمن جل وعلا مستحيل عودتهم الى هذه الحياة الدنيا ، أخذوا زمنهم وهلكوا ولا سبيل لرجوعهم مرة ثانية . قال جل وعلا : ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الأنبياء:95 ). وقد قال جل وعلا : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) يس:31 ).

4 ــ نفس الحال مع العاصى عند الاحتضار ، يرى ملائكة الموت وقد أصبح أسيرا بين أيديهم ، حوله أهله والأطباء لا يستطيعون له شيئا ، يصرخ يطلب الرجوع ليعمل صالحا ، ولكن لا فائدة فقد إنتهى زمنه. قال جل وعلا : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) المؤمنون :99 ). هذا بينما الأهل يحيطون به لا يستطيعون إرجاع نفس المحتضر . قال جل وعلا عن مشهد الاحتضار:( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) . ويبقى سؤال رب العزة يتحدانا :( تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) الواقعة:87 ). هذا ما حذر منه رب العزة جل وعلا المؤمنين فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) 9 : 11 ) المنافقون )

5 ـ تعظم الكارثة فى الموت الجماعى لآخر جيل من البشر فى نهاية العالم  قبيل أن ينفجر الكون . وصف رب العزة هذه الكارثة بالزلزلة وبالعذاب  الشديد ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج 1 : 2 ) . عندها ـ عند إنفجار القيامة ــ الذى سيعصف بجميع الأحياء فى الأرض ـ  لن يكون هناك وقت للتوصية ولا مجال للرجوع . قال جل وعلا : ( مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ  فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) يس:50 ) .

6 ــ ثم سيتمنى المجرمون يوم القيامة الرجوع الى الدنيا ليعملوا صالحا ـ ولكن بلا فائدة . قال جل وعلا : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) السجدة:11 ، 12 ).

 ( رجع ) من مكان الى آخر فى قصص الأنبياء :

القصص القرآنى ملىء بالحركة ذهابا وإيابا ، مجيئا ورجوعا . ونعطى أمثلة :

1 ــ فى قصة يوسف عليه السلام تكرر مصطلح ( رجع ) . قال صاحب يوسف خادم الملك : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) يوسف:46 ). ثم قال يوسف للخادم : (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) يوسف:50 )،وقال يوسف لعماله:(اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) يوسف:62 ، 63 ). وبعد اتهامهم بالسرقة قال أخوهم الأكبر : (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) يوسف:81 ).

2 ـ فى قصص موسى عليه السلام:

قال جل وعلا لموسى : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) طه:40 ) .

وفى غيبة موسى فى لقائه مع ربه جل وعلا إتخذ قومه العجل الذهبى إلاها ، فنهاهم هارون : ( قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) طه:91 ). و ( رجع موسى ) فإشتعل غضبه . قال جل وعلا : (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ) طه:86 ) ، وقال جل وعلا : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ) الأعراف:150 )

3 ـ فى قصص سليمان عليه السلام ، قال للهدهد عن ملكة سبأ :(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) النمل:37 )

4 ــ فى قصص محمد عليه السلام.

زعيم المنافقين هدّد إن ( رجع ) الى المدينة ليخرجنّ منها النبى . قال جل وعلا : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) المنافقون:8 ).

 فى موقعة الأحزاب وحصارهم المدينة طلب بعض المنافقين من المحاربين ( الرجوع ) الى بيوتهم وعدم صدّ الهجوم . قال جل وعلا : (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) الأحزاب:13 ).

وتقاعس المنافقون عن الخروج مع النبى لصد عدو قادم ، وكان عقابهم مجرد منعهم مستقبلا من شرف الجهاد . قال جل وعلا : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) التوبة:83 ). وعند ( رجوع ) النبى بالجيش أخذوا يعتذرون . قال جل وعلا : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ) التوبة:94 ).

ومن التكتيك القتالى وقتها أن لا يخرج النبى بأهل المدينة الى لقاء العدو القادم لهم ، بل أن يبعث النبى بفرق إكتشافية تتبين الطريق ( أى الدين ، فمن معانى الدين الطريق المادى الذى يسير فيه الناس ) . ثم يرجعون يخبرون الجيش وينذروه . قال جل وعلا : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة:122 ) .

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 7058

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4982
اجمالي القراءات : 53,378,374
تعليقات له : 5,324
تعليقات عليه : 14,623
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي