خطبتي جمعة:
خليل الله (2)

عبدالوهاب سنان النواري Ýí 2016-11-05


الخطبة الأولی:

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل.

الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوی علی العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع.

 

هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله.

قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.

كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين.

 

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون، فسنستكمل في هذه الساعة المباركة، موضوعنا الذي تناولنا جانبا منه في الجمعة الماضية، وموضوعنا هو شخصية نبي الله إبراهيم (عليه السلام) ، نتناولها لنستلهم منها الدروس الإيمانية والتوحيدية والمنطقية والفلسفية .. الخ.

يقول الحق تبارك وتعالی: ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ، إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين ، قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين ، قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ، قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا علی ذلكم من الشاهدين ، وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ، فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ، قالوا من فعل هذا بألهتنا إنه لمن الظالمين ، قالوا سمعنا فتی يذكرهم يقال له إبراهيم ، قالوا فأتوا به علی أعين الناس لعلهم يشهدون ، قالوا ءأنت فعلت هذا بألهتنا يا إبراهيم ، قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون ، فرجعوا إلی أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ، ثم نكسوا علی رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ، قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ، قالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علی إبراهيم ، وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ، ونجيناه ولوطا إلی الأرض التي باركنا فيها للعالمين ، ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين ، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين (الأنبياء 51-73) .

أول الدروس التي نتعلمها من هذه الآيات، هو أن الهداية هداية الله جل وعلا، وأن ما وصل إليه الخليل إبراهيم، من رشد، إنما هو بفضل الله جل وعلا، عليه، والله جل وعلا، خبير بعباده وهو أعلم حيث يجعل رسالته، نفهم ذلك من قوله تعالی: ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين.

ونتعلم من خليل الله، الشجاعة والثبات، فقد تجلت عظمة هذا الفتی من خلال مواقفه الشجاعة، فالخليل إبراهيم (ع) لم يقف عند المنطق والفلسفة في دعوته لقومه، بل تعدی ذلك إلی المواجهة التي فرضها عليه علمه وإيمانه وثقته بالله جل وعلا.

ففي البداية صارح قومه بضلالهم وضلال آباءهم حين قال لهم: لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين. ثم بعد ذلك سفه أولياءهم وأقسم لهم بأنه سيدمر تماثيلها، حين قال لهم: وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين.

وبعد أن نفذ تهديده وجعلها جذاذا، واجه ردت فعلهم بكل ثبات، بل زاد في ذلك أن تأفف منهم وممن يقدسونهم، حين قال لهم: أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون.

ومن أهم الدروس التي نتعلمها من هذه الآيات، هو أن الله جل وعلا، يقف مع أولياءه، ولا يمكن أن يتركهم أو يخذلهم، وفي نصرته لخليله، يقول سبحانه وتعالی: وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين.

وبالإنتقال إلی سورة البقرة نتعلم درسين هامين من هذا الفتی، في الدرس الأول: يعلمنا الخليل إبراهيم، أصول المحاججة والنقاش، بأن لا نقف عند ضرب مثل وأحد في النقاش والتوقف عنده طويلا، بل نترك الجدل العقيم، ونضرب مثلا آخر، نفهم ذلك من قوله تعالی: ألم تر إلی الذي حاج إبراهم في ربه أن ءاتاه الله الملك إذ قال له إبراهم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (البقرة 258) .

الدرس الثاني هو أنه يجب أن يكون سير الإنسان وتحركه علی بصيرة من الله جل وعلا، من خلال إجراء الفحص العلمي التجريبي التطبيقي في علاقة المؤمن بخالقه، فهذا خليل الله، ورغم كل المعجزات التي حدثت، إذا به يطلب من الحق تبارك وتعالی، أن يريه كيف يحيي الموتی، كي يطمئن قلبه، نفهم ذلك من قوله تعالی: وإذا قال إبراهم رب أرني كيف تحيي الموتی قال أولم تؤمن قال بلی ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل علی كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (البقوة 260) .

صحيح أن زمن الخوارق إنتهی، ولكن الله جل وعلا، يسبب الأسباب، ويصنع المتغيرات، ويحدث التناقضات، ولو سار المؤمن مع الله جل وعلا، وبذل نفسه في سبيل الله، لرأی من التأييدات الإلهية، ما يطمئن به قلبه.

ودرس آخر نتعلمه من خليل الله (ع) ، وهو وجوب التبري ممن يقدسون الموتی ويضفون عليهم صفات إلهية، وممن يقدسون كتب وروايات ما أنزل الله بها من سلطان ويشركونها بكتاب الله جل وعلا، وجوب التبري من أولئك المشركين، ومن تلك المقدسات الزائفة، ووجوب الكفر بها. ليس هذا فحسب، بل ووجوب إبداء العداوة والبغضاء لهم، إلی أن يؤمنوا بالله جل وعلا وحده لا شريك، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالی: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتی تؤمنوا بالله وحده .. لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ومن يتولی فإن الله هو الغني الحميد (الممتحنة 5-6) .

ويبدو أن خاتم النبيين وبعض المؤمنين لم يعوا هذا الدرس جيدا، وكانوا يحنون ويستغفرون لبعض المشركين لقرابتهم، لذا نزل الوحي معنفا لهم وناهيا إياهم عن الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربی، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربی من بعد ما تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم ، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم (التوبة 114) .

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

يرتبط الحديث القرآني عن إبراهيم (عليه السلام) بالحديث عن مكة والبيت الحرام والحج، والصلاة، علی أن تكون كل العبادات خالصة لله جل وعلا، دون أن نشرك فيها أحد، وهذا هو خلاصة ملة إبراهيم. والمتأمل في تلك الآيات يجد إشارات هامة ودقيقة توضح لنا كيفية العبادات، فيحدثنا أن الحج طواف، والصلاة قيام وركوع وسجود، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود (الحج 26) .

والصلاة كما نعرف ليست من إختراع خاتم النبيين، وإنما هي من ملة إبراهيم، وخاتم النبيين لم يأت بشيء جديد، وإنما كان متبعا لملة إبراهيم، وقد كانت الصلاة من أهم العبادات التي ركز عليها الخليل، لدرجة أنه أسكن بعضا من ذريته في مكة وهي واد مجدب، وبقاءهم فيها مخاطرة، أسكنهم هناك ليقيموا الصلاة، ويعلموها للآخرين، وتتناقلها الأجيال بعد ذلك عمليا، نفهم ذلك من قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون (إبراهيم 37) .

وقد كان الهم الوحيد لخليل الله، هو اجتناب عبادة الأصنام تقريبا، لذا كان دائم الدعاء بأن يجنبه الحق تبارك وتعالی، ويجنب أبناءه عبادتها، واضعا المعيار الذي علی أساسه يصبح الإنسان متبعا لملته، وهو تقديس الله جل وعلا، وعبادته وحده لا شريك له، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم (إبراهيم 35-36) .

وفي الحديث عن إبراهيم والبلد الحرام، إعجاز وسبق علمي، حيث يخبرنا القرآن الكريم، بأنه بلد أمين، ينعم بالخير والرخاء الاقتصادي، وفي ذلك يقول سبحانه: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهم مصلی وعهدنا إلی إبراهم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ، وإذا قال إبراهم رب اجعل هذا بلدا ءامنا وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الأخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلی عذاب النار وبئس المصير (البقرة 125-126) .

قبل الختام ننبه إلی أن الدروس والعبر من قصة خليل الله، كثيرة جدا، وأننا فقط تطرقنا إلی أبرزها وأهمها، وكتاب الله جل وعلا، بين أيدي الجميع، وهو متاح لكل من يريد فهمه، فقط عليكم أن تبذلوا القليل من الجهد في تدبر آياته، والله تعالی هو المستعان.

 

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا علی رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلی صلاتكم يرحمكم الله

اجمالي القراءات 7326

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-11-03
مقالات منشورة : 84
اجمالي القراءات : 960,070
تعليقات له : 60
تعليقات عليه : 67
بلد الميلاد : Yemen
بلد الاقامة : Yemen