مفهوم صلاة من يوم الجمعه:
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – مفهوم صلاة من يوم الجمعه- الجزء الثاني العاشر

غالب غنيم Ýí 2016-05-29


في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – مفهوم من يوم الجمعه- الجزء الثاني العاشر

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر - 36

المزيد مثل هذا المقال :


______________

مقدمه :

منذ بدأ نقل التراث لما يسمونه الحديث والسيرة النبوية لنا، بدأ الإنحراف عن المسار الحنيف الذي فصله الله تعالى في القرءان الكريم، بتفصيله لنا، من خلال قصص وأحداث عاشها الأمّة الإمام إبراهيم عليه السلام، والتي تم تبليغنا بها لكي نفقه منهاج هذا الإمام في فهم دين الله تعالى القيم وتطبيقه له.

وفي القرون التي تلت ظهور سلاطين مختلفة بعد صمت تاريخيّ امتد ما يقارب المائتي سنة، لم نجد لها من أثر فعليّ من بعد موت النبي محمد عليه السلام، يبدو أنه كان السلاطين بحاجة لوعّاظ، والتي وظيفتهم كانت تلقين الناس بما هبّ ودبّ من خرافات ومن افكار يريدون حشو عقولهم بها!

وبما أننا اليوم في العصر الرقميّ فعلا، حيث لا تخفى ولم تعد تخفى عن الناس خافية فيما يدبرونه وما أخفوه من كتب ومخطوطات يندى لها الجبين أحيانا، من الذي افتروه على النبي الكريم وأهله، وما قاموا باللغو في القرءان الكريم من حوله، حيث لم يقدروا عليه، فاخترعوا سننا من كل شِيعَةٍ، فكلّ شِيعةٍ لها مرجعياتها وسننها ومراجعها غير الأخرى، ولكل هذا، كان يلزمهم منبر لكي يوصلوا هذه المعلومات والخرافات كي يحشوها في عقول من حولهم!

ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ما يسمونه – خطبة الجمعه !
فهي يمكننا الآن مقارنتها بالفضائيات التي تبث السموم نهارا وليلا!

وهنا سنتدبر بكل دقة وحذر، مخلصين لله ديننا، آيات تتحدث عن موضوع خطير تم استغلاله عبر العصور من وُعّاظ السلاطين في مصلحة سلاطينهم، كما اليوم نرى استمرارية هذا الإستغلال على أكمل وجه، وهو قوله تعالى في بداية سورة الجمعه :
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ * هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍۢ  ) الجمعه – 1:2

حيث أن السورة، التي اسمها الجمعة، بدأت بالعلاقة اللطيفة بين كل خلق الله مع الخالق سبحانه مالك كل هذا الخلق، المقدّس في ذاتِه كفر به البشر أو آمنوا، ثم يبلغنا الله عن نبيّه محمد الذي بعثه في قوم لم يأتهم من قبل نذير لا هم ولا آبائهم، ولم يعرفوا كتبا سماويّة – الأميين – ليتلو عليهم الكتاب الذي هو ذكرٌ وفي ذاته يحوي آيات الله والحكمة لمن يتعلّم ويتدبّر منه، وبهذا يتزكّون فتعلوا أنفسهم عن السوء والفحشاء والمنكر والبغي.
وسبحان من صفّ هذا القرءان، كانت بداية السورة عن أهم وظيفة للرسول النبيّ الأميّ محمد، عليه السلام، وهي التبليغ لما أوحي إليه من القرءان، كما فصّل الله تعالى هذا الأمر في موارد كثيرة في القرءان الكريم!
وأهم شيء هنا كان افتتاح الحديث بقوله تعالى (رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِۦ)، والتي سنعود لها ادناه لاحقا!

 وفي نهايتها :

( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْا۟ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلْبَيْعَ ۚ ذَ‌ ٰلِكُمْ خَيْرٌۭ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَٱبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًۭا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا۟ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْوًا ٱنفَضُّوٓا۟ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمًۭا ۚ قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌۭ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَـٰرَةِ ۚ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّ‌ ٰزِقِينَ) الجمعه – 9:11

وسنقوم بتفكيك الآية وتدبرها جزءا جزءا ثم في النهاية سنقوم بتجميع هذه الأجزاء في لوحة متكاملة متناسقة مع القرءان الكريم وما أتى به من علم. مع ملاجظة أن ذكري لمفردة الصلوة هنا سيكون إجمالا عن الصلوة الموقوتة بالذات.

______________

إذا نوديَ :

بداية لا بد أن يرى جميعنا أن الآية كلها عبارة عن جملة شرطية، بينما التي تليها خبرية، فالشرط هنا هو النداء للصلوة من يوم الجُمُعة بالذات، ومنه، لابد ببساطة ويسر أن نفهم أنه قد لا يُنادى للصلوة من ذلك اليوم، وهذا أمر بديهيّ بناءا على الأبحاث السابقة التي قمت بها، والتي تثبت أن الصلوة الموقوتة هي أمر فرديّ أساسا وليست أمر جماعيّ كما تعودنا من التراث، فإن سلّمنا بهذا الأمر، من كون الصلوة أمر فدريّ شخصي بين العبد وربه، فهنا في هذه الآية كما في آية النساء - 102 - عن إقامة النبي لمن معه الصلوة إن كان فيهم، هي حالات استثنائية للصلوة الموقوتة حيث تكون فعلا مجموعة كاملة من الناس يصلون معا لسبب ما دافع لهم على فعل ذلك، أما في مورد النساء فالدافع واضح وبيّن وهو حالة عدم الطمأنينة بسبب العدوّ، ومنه، لن يستطيع الجميع إقامة الصلوة في ميقاتها معا خوفا من العدوّ فيتم تقسيمهم الى مجموعات، مجموعة تصلي، والأخرى تحرس المجموعة التي تصلي من العدوّ.
أما هنا، فكذلك الأمر مشترط بالنداء للصلوة لسبب ما، علّة لا بدّ أن نراها بوضوح وبيان إن لم نحرف عن الحقّ ونتبع أهوائنا! وسنأتي على ذكرها أدناه!


______________

إذا نوديَ للصلوة:

أنا أرى من مفردة ( لِلصَّلَوٰةِ ) هنا أمورا كثيرة قد لا يراها غيري، فالشرط لم يأتِ بصيغة " إذا نودي لصلاة الظهر " أو " إذا نودي لصلاة يوم الجمعة " ولا كذلك بصيغة " إذا نودي لصلاةٍ من يوم الجمعة"، بل أتى بصيغة أعتبرها بكل إصرار وصدق، صيغةُ الحقِّ قولُ الحقِّ قَولا واحدا!

فالصلوة هنا معرّفة وليست منكّرة أو مرتبطة بوصف لاحق لها مثل مفردة " الظهر" أو غيرها مما أتى به التراث لنا بغير علم ولا كتاب منير، ومنه وبكل بساطة، هي لا بدّ، تكون صلوة موقوتة يعلم بها الجميع، ومنطقيا سنعلم أيّ هي لاحقا بكل بساطة كما تفصّل الآيات بعضها البعض.

الذي أريد قوله هنا، أن نتبع قول الحقِّ كما نزله علينا ولا نحرّف الكلم من بعد مواضعه كما حذرنا سبحانه، فنتقوّل على الله ما لا نعلم، ومنه، سنقول أنها صلوة معرّفة بأل التعريف، معلومة، موقوتة، وسنعلم لاحقا كيف نجدها بسهولة.

______________

هل السبت اسم يوم ؟

لو رتلنا كل الآيات التي تتحدث عن السبت لن نجد آية واحدة تقول لنا أن المفردة اسم يوم!
هل كلامي غريب ومفاجيء ؟ لا بأس، ولكن السبت هو عمليّة وليس اسم يوم كما يظن الكثيرون !

لو رتلنا جميع الآيات التي تتحدث عن السبت سنجد أول مفاجأة أن السبت بحد ذاته " قضية خلافيّة " وليس اسم يوم كما نظن :

( إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) النحل – 124

فالقضية هنا لم يتم البتّ فيها، فهي خلافية أصلا، وتركها الله غيبا الى يوم الحساب ليأتي بتأويلها لنا ونعلم قضيتها وأين الحقّ فيها، والقضية لها جذور عميقة، منذ هرب بنو إسائيل مع موسى وازدادوا كفرا وطغيانا فزاد الإصر عليهم بكفرهم من بعد آيات الله لهم، وبالذات عند الطور، فجَعَل عليهم السبت منذ ذلك الوقت إصرا عليهم، حيث لم يكن من قبل شيء اسمه يوم راحة أو سبات :

( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًۭا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا۟ فِى ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـٰقًا غَلِيظًۭا ) النساء – 154

فقد تم أخذ ميثاق غليظ منهم أن لا يعدوا – أي لا يعتدوا ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَوْا۟ مِنكُمْ فِى ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَـٰسِـِٔينَ) البقرة – 65 – في حين سبتهم وليس في يوم اسمه السبت كما يظن الجميع، أي تم جعل عملية السبت عليهم جبرا وإصرا بسبب كفرهم بآيات الله البينات المرئية المحسوسة أثناء تنقلهم مع موسى !

فمن قبل ذلك لم يكن موجودا شيء اسمه السبت، ولم يكن موجودا يوما للراحة أصلا عن العمل !

ما أريد أن أخلص إليه، أنه تم تسمية ذلك اليوم بيوم السبت ليس لأن اسمه كان كذلك بل بسبب عملية السبت التي جُعِلَت عليهم – لغة تم فرضها عليهم -  وتم اخذ ميثاق غليظ على بني اسرائيل أن لا يعتدوا على حرمة ذلك اليوم الذي هم فيه يسبتون، أي لا يعملون أبدا بل يرتاحون وكأنهم في سبات نائمين!

ومنه، تم اطلاق مفردة يوم السبت على يوم سبتهم لتمييزه عن بقية الآيام حيث لا يسبتون، والسبات تم تفصيله في القرءان بما يشبه النوم والسكينة وعدم العمل – النبأ -9 و الفرقان – 47 .

فالسبت كما قلت أعلاه عملية تتم في يوم ما، تم اقرارها على بني اسرائيل كإصرٍ وأغلالٍ عليهم، منذ الطور ولم تكن موجودة من قبل، والمفترض أن يلغيها القرءان لأنه الدين المخفف والمزيل لكلّ إصرهم وأغلالهم التي وُضِعَت عليهم آنذاك، كما فصلها – أي كعمليّة - الله تعالى في قوله المحكم :

( وَسْـَٔلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًۭا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَ‌ ٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ) الأعراف - 163

حيث نرى هنا بكل بيان فعل السبت الذي يجب أن يقوموا به او يعتدون على حرمة هذا الفعل فلا يفعلونه !
فنقرأها إذ يعدون في السبت، أي يعتدون في اثناء عملية السبت يوم يسبتون وليس كما نظن، يوم السبت !
 
ومن القرءان لن نجد أي آية تقول لنا أنه يوجد يوم راحة لنا أو سبات – كما لغة يسمونها يوم عطلة أو نهاية الأسبوع – لأن السبت تم جعله على بني اسرائيل نكاية لهم بكفرهم، فكان امتحانهم في تلك القرية بما كانوا يفسقون.

والوضع الطبيعي أنه لا يوجد يوم راحة وسبات بل كل يعمل حسب جهده وقدرته ورغبته! والله تعالى لم ينزل كتبه ليحدد لنا أي يوم نعمل وأي يوم نسبت فيه !
ومن هنا ننتقل الى الجُمُعَة!

______________

إذا نوديَ للصلوة من يوم الجُمُعَة :

يبدو أنه كان هنالك يوم في قوم النبيّ أو في المدينة سَواء، تشتدّ فيه التجارة والنشاط والحركة فيتم تجمّع أكبر عدد من القوم في ذلك اليوم بالذات، وهو يوم عمل وتجارة ولهو وحركة ونشاط بامتياز، كما أرى من خلال الآيتين أعلاه، وليس يوم راحة أو تعطّل عمل وبقاء في البيوت!

كما يبدو لي أنه يوم نشاط تجاري واجتماعيّ بالذات، حيث يكثر فيه البيع والشراء والتجارة كما اللهو كذلك، والذي اعتبره ظنا مني، نشاطات اجتماعية مختلفة ترافق عمليات التسوّق والبيع والشراء !

والملاحظة الثانية أن المفردة أتت متحرّكة بحرفيّ الجيم والميم ضَمّاً، ولم تأتِ الميم ساكنة كما تعلمنا لغة، وهي ملاحظة غاية في الأهمية!

فهنالكَ جَـمْـعٌ وهنالك جُـمُـوع، حيث الجمع يكون في مكان واحد لمجموعة واحدة، كما يوم الجمع – يوم الحساب – وهنالك جموع أي مجموعات متفرقة في اماكن عدة،  وهي الحالة التي قد تصف ما أتيت به الآن من البيع والشراء والتجارة والحركة، حيث يكون الناس في مجموعات متفرقة هنا وهناك !

وحسب ظني، من هنا أتت مفردة الجُـمُـعَـة وانتهت بتاء مربوطة وليس بحرف هاء ساكن بالذات، لكي تدلّ على فعل يتم في ذلك اليوم، وهو فعل تجمّع الناس في مجموعات متفرقة هنا وهناك، لغرض وعلّة ما، ضمن مساحة معينة في قرية أو مدينة ما !

فكلمة الحق لا بدّ أن تحوي في داخلها الوصف الحقّ لما تسميه وتصفه، هكذا هي مفردات القرءان الكريم، ولا يهمني، ولن أناقش قضية هل هو يوم محدد أم لا كما ظهر كثيرون من اتباع القرءان الذين يفترضون أنه ليس محددا، بل سأطرح ما فقهته أنا من خلال تحليلي وتدبري للآيات وللموقف الذي تشرحه الآيات، ولن أجادل في هذا الأمر أحدا، فلكلّ رأيه!

الآيات أتت تتحدث عن قوم النبيّ في شكل قصصي وليس في صيغة أمر ونهي للناس، ومن خلالها نفهم بكل بساطة أن قوم النبي يعلمون ذلك اليوم بالذات، لأنه حسب وصف القرءان له، هو يوم نشاط كبير وتجارة وبيع وشراء أكثر منه يوم عمل في البيت أو الأرض من زراعة وحرث مثلا! أي أن كل فئات المجتمع ذاك تذهب فيه للتسوّق والشراء كما يذهب فيه التجار وأصحاب البضائع وحتى المزارعين لبيع ما عندهم.

وهنا نفقه العلّة في هذا اليوم بالذات، كما ذكرت أعلاه في قضية الصلوة في وقت الحرب او عدم الطمأنينة من العدوّ، وهنا نفهم أن هاتين الحالتين خاصتين لما فيهما من علل ومسببات لكي يتم جمع الناس فيها وندائهم للصلوة كما سنرى لاحقا السبب الحقيقي لذلك النداء !

ومنه، وحسب فهمي المتواضع، هو يوم معلوم يتم فيه تجمع الناس ضمن مجموعات مختلفة – بديهيّا – لتبادل السلع والشراء والبيع والتجارة بالذات !


______________

فاسعوا الى ذكر الله :

إنه من الهزل ان نجادل أنفسنا في مفردة الذكر، فهي تخصيصا القرءان الكريم وكل الرسالات التي تم ارسالها عبر الرسل الى الناس، وتعميما هي كل شيء يذكرك بالله حتى لو تفكّرت في خلق السماوات والأرض فهذا أيضا من ذكر الله، ولمن يريد الاستزادة عليه قراءة بحثي عن مفردة الذِّكْر (1*)

ومنه، نأتي هنا إلى أهم تحليل لهذه الآيات أعلاه، سواءً أول آيتين من سورة الجمعة أو آيتي البحث، وسنجد أن الآيات جميعها والسورة كاملةتتحدث عن عملية تبليغ القرءان بالذات!

فذكر الله الذي تم الحديث عنه هنا وحث الناس على أن يسعوا اليه هو بالذات، القرءان الكريم، لا غير، لا هو خطبة ولا كلام شخص ولا غير ذلك مما افتراه السلاطين ووعّاظهم، بل هو بالذات تلاوة القرءان الكريم على الملأ !

______________

جمع المفكّك – كيف ومتى بلّغ النبي القرءان ؟

(  يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ) المائدة - 67

فمتى كان النبيّ يبلغ القرءان للناس ؟

في عصر النبي نزل القرءان مفرّقا على مكث، وكان ينزل كما هو مفترض في أوقات مختلفة، قد لا يكون حول الرسول الا بضعة أشخاص، وقد لا يكون الا أهله فقط، فمتى كان النبيّ يبلغ القرءان للناس ؟

هذا هو السؤال التي تجيب عليه سورة الجُمُعةِ بكل بيان ووضوح، والتي تم تحريفها عبر عصور السلاطين،  الى جمعٍ للناس لحشو الأفكار التي يرغبون بها في رؤوسهم، تماما كما يحدث اليوم أمام أعيننا في الجوامع المنتشرة في كل حيّ وشارع لنشر الفكرة عبر منابر الفتنة في الأغلب !

وحين نسأل السؤال الأهم، والمهم كثيرا، متى وكيف كان يبلغ النبي القرءان للناس سيصمت كثيرون أو يأتونك بقصص لم ينزل الله به من سلطان!
بينما فعليا الإجابة هنا أمام أعيننا في سورة الجُمُعة، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، فالسورة ابتدأت بقول الله تعالى عن ارساله في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته !

ثم في آخر السورة عاد لتفصيل كيف يتلوا ومتى هذه الآيات عليهم، بدليل قوله تعالى (قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌۭ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَـٰرَةِ ) ، فما عند الله من رسالات تم ارسالها اليكم خير من التجارة واللهو.

فيوم الجمعة كان بمثابة الفضائيات والاذاعة كما اليوم تماما، فهو اليوم الذي يجتمع فيه اكبر عدد من البشر المختلفة لكونهم يتسوقون ويبيعون ويشترون احتياجاتهم، ففيه كانت الفرصة الوحيدة لتبليغهم بما نزل من القرءان في تلك الأيام، ومن الهزْل اعتبار تلك الصلوة لاجل خطبة وكلام سيقوله النبي من نفسه لهم وينسى أهم أمر لله له بأن يبلغ ما أنزل اليه، وهذا ما سعى التراث لتغييبه وتحريفه، ولكنه فشل في تبليغنا خطبة واحدة من خطب الني المفتراة عليه تلك!
 

والآية لا تذكر أبدا شيئا اسمه خطبة ابتدعها السلاطين وتوارثها عنهم اتباعهم الى اليوم أبدا! بل تنقض فكرة الخطبة جملة وتفصيلا حين يقول تعالى ( وَتَرَكُوكَ قَآئِمًۭا )، والقائم يكون في الصلوة وليس يخطب ويتكلم، وهنا بالذات في هذه السورة، يكون قائما يصلي يتلو عليهم القرءان، وبالذات صلاته هنا عليهم هي السكن والرحمة على من يستمع ويفتح قلبه لما يتلوه (خُذْ مِنْ أَمْوَ‌ ٰلِهِمْ صَدَقَةًۭ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌۭ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) التوبه - 103

 

______________

صلوة الجُمُعَة :

من كل ما تدبّرته أعلاه، أستطيع الآن بإذن الله أن أرسم لوحة كاملة لعملية الصلوة من يوم الجمعة،  فالناس كانوا ينتشرون منذ الفجر، أي شروق الشمس، الى مكان ما يتجمعون فيه جماعات بغرض التسوّق والبيع والتجارة، وفي ذالك اليوم كان لا بد من النداء للصلوة لأجل تبليغ الناس – قوم النبيّ أو أهل المدينة – بما تم تنزيله على النبي من قرءان، فيتلوه عليهم مبلغا إياهم ما أُنزل عليه، كما أمره الله تعالى، فكان يقيم الصلوة في وقتها الموقوت، وهو في الأغلب الفجر، قبيل انتشار الناس الى تجارتهم، ولهذا يقول تعالى ( فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَٱبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ)، فهي أتت معرفة مرتين، في البداية وهنا، أي هي صلوة معلومة موقوتة، فيتم النداء الى مجموعات الناس المختلفة كي يأتوا ويستمعوا وينصتوا لما يتلوا النبي عليهم من الذكر الحكيم، ليتم إبلاغهم به، هذه هي الصلوة من يوم الجمعة، ومن هنا نفهم لم قال تعالى (من) يوم الجمعة، ولم يقلها بصيغة أخرى كما طرحت أعلاه، فهي صلوة معلومة ولكنها تتم في اليوم الذي فيه جموع الناس كثيرة، فكان اسمها لغوا في القرءان "صلاة الجمعة"، وفي القرءان اسمها (لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ ) والفرق شاسع والله العظيم، ففي القرءان هي معرّفة محددة معلومة، ويتم فيها فقط تلاوة الذكر على من يريد أن يستمع إليه وينصت لعل الله يرحمه ( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـَٔايَةٍۢ قَالُوا۟ لَوْلَا ٱجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ مِن رَّبِّى ۚ هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًۭى وَرَحْمَةٌۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُوا۟ لَهُۥ وَأَنصِتُوا۟ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف – 203:204 ، ولنلاحظ هنا بدقة كيف التفصيل يكون حين يقول تعالى هنا (وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْءَانُ ) في استخدامه مرة أخرى الشرط " إذا" ...

أما ما نشهده الآن فما هو إلا ميراث من وعّاظ السلاطين، يستغلون وقتا ما لتعبئة رؤوس الناس وحشوها بالأفكار التي ترضي سلاطينهم، وجميعنا يعلم أنهم منعوا المستمعين لهم حتى عن قول كلمة أثناء حشوهم لهم بالأفكار أيا كانت، وكلنا يعلم أن أغلبها خطبا جوفاء لم ينزل الله بها من سلطان ولا كتاب منير، والعاقبة للمتقين.


إنتهى.

والله المستعان

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم
*1 -

http://ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=14794

https://www.facebook.com/ghalib.ghniem.5/posts/484172421775492?pnref=story

اجمالي القراءات 2376

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2010-11-13
مقالات منشورة : 65
اجمالي القراءات : 827,351
تعليقات له : 265
تعليقات عليه : 151
بلد الميلاد : Jordan
بلد الاقامة : Jordan