ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي : تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي:
(2) العلويون والفتوة :

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-09-30


 

نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية

جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية

ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :  تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي

(1)           العلويون والفتوة :

دخل التشيع بقتل على وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية دورا جديدا ، إذ انتهج معاوية نحو العلويين والشيعة خاصة والمسلمين عامة سياسة قال فيها الحسن : أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها آمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة . واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش و للعاهر الحجر) وقتله حجرا ويل له من حجر مرتين )[1].

واختص معاوية العلويين بسياسة أخرى ، فأمر عماله ألا يجيزوا لأحد من شيعة على وأهل بيته شهادة ، وأمر بحرمان كل من عرف منه موالاة على من العطاء وإسقاطه من الديوان والتنكيل به وهدم داره ، وأقام لعن علىّ على المنابر حتى صار سنة متبعة ، إذ لا صلاة ــ كما قال أهل حران ــ إلا بلعن أبي تراب )[2] . وإزاء هذه السياسة الشديدة تغايرت فتوة العلويين والشيعة فمنهم من سلك الجهاد ، ومنهم من قصر فتوته على الزهد والعلم ، وفريق نفس عن نفسه بالأوهام ، وجماعة رابعة عاشت الواقع وشاركت الموالي حياتها : ــ جهاد العلويين :

أنكر الحسين بن على وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله ابن الزبير استخلاف معاوية يزيد ، فخرج الحسين إلى الكوفة يدفعه ابن الزبير غير مستمع إلى من حذروه خذلان الكوفيين . وقتل الحسين وأغلب أهله وتولى ذلك أهل الكوفة ( لم يحضره شامي واحد ) [3]. ثم خرج زيد بن على بن الحسين عهد هشام بن عبد الملك (121هـ) بدعوة أهل الكوفة والبصرة والمدائن وخراسان وجرجان والرى (لجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذه الفيء بين أهله بالسواد ورد المظالم ونصر أهل البيت ) كما كانت بيعته . وكان زيدا بن أمة سندية ورجلا شعبيا فبايعه المظلومون والعامة والموالي وأهل السواد العاملين بالزراعة في أراضي هشام وخالد القسرى واليه على العراق . وخذل زيد كالعادة وأقفل والى الكوفة على أتباعه (دروب السوق وأبواب المسجد) فقتل وصلب )[4].  ولى ابنه يحيي في خروجه نفس المصير ( 125 هــ) .

(أ‌)             فتوة الزهاد والمعتزلين :

وهؤلاء من خالفوا إخوانهم فسلكوا الزهد واعتزلوا السياسة خاصة بعد أن فشلت ثوراتهم ومحاولة المختار الثقفي وغيره فقصروا فتوتهم على الإيثار والعلم.

فمن هؤلاء على زين العابدين الذي كان يقوت مائة أهل بيت بالمدينة ، ولما مات وجدوا بظهره آثارا مما كان يحمل بالليل الجرب إلى المساكين )[5] . وتابع جعفر الصادق جده في إيثاره وقال " إن الفتوة والمروءة طعام موضوع ونائل مبذول واصطناع المعروف وأذى مكفوف )[6].

لقد نال الشيعة بعد قتل الحسين وغيره جور وشدة عبر عنهما أحد الخراسانيين في كتابه إلى محمد بن الحنفيةفما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الأعناق وأبطلت الشهادات وشردنا في البلاد وأوذينا حتى لقد همست أن أذهب في الأرض قفوا فأعبدوا الله حتى ألقاه ) [7].

غير أن كثيرا من الشيعة لم يتحمل الظروف الجديدة فتهرب إلى عوالم الأوهام والمبالغات ، ومن هنا ظهرت فكرة رجعة المهدى الذي ينشر الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا ، والعصمة والتجسيم وألوهية الأئمة والبداء والتقية والإباحية.

وكان زهد هؤلاء الشيعة بما فيه من مغالاة أساس زهد الصوفية بعد ذلك وتفسير اختلاط التصوف بعناصر التشيع )[8].

وتجب الإشارة إلى أن أصحاب الغلو طبقة جديدة في الإسلام مادتها الناس ممن سلبتهم الدولة أراضيهم أو صادرت حوانيتهم أو ابتزت اموالهم سدادا للضرائب أو عقوبة لهم على مناصرتهم لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم )[9].

وكان اغلبهم من الموالي كما ظهر في جيش المختار الثقفى وأتباع الغلاة من بعده . ولما فشلت ثورة زيد بن على بن الحسين (121هـ) ومؤيديه من العامة والموالى زاد اضطهاد الأمويين للشيعة بالقتل والتجويع كما يظهر في خطاب يوسف بن عمر الذى خلف خالدا القسرى في ولاية الكوفة إلى هشام بن عبد الملك : ( إن بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعا فكانت أهمة أحدهم قوت عياله فلما ولى خالد العراق أعطاهم الأموال فتاقت انفسهم إلى الخلافة وما خرج زيد إلا عن رأي خالد ، فقال هشام : كذب يوسف )[10] . فلم يجد العلويون ــ وقد أسقطوا من الديوان ــ بدا من تكسب أقواتهم بالحرف وأعمال الموالي شيعتهم بعد أن ازداد تكتلهم بازدياد ضغط الأمويين عليهم جميعا.

بل كان داخل تكتل العلويين بالشيعة والموالي هذا الواسع يرى تكتلات أضيق فكان بين تكتل بني الحسين وتجمع بني الحسن ولكل مدافع ورأس . يذكر ابن الأثير : ( وقيل كان السبب في ذلك (خروج زيد بن علي) أن زيدا ككان يخاصم ابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسن بن على عن بني الحسين وجعفر يخاصم عن بني الحسن ، فكانا يتبالغان كل غاية ويقومان فلا يعيدان ما كان بينهما حرفا )[11].

وقد جرت هذه التكتلات الشيعية داخل دولة الأمويين أولا ثم داخل الأوساط الشيعية ثانيا إلى ظهور النقابات التي لم نسفر عن وجهها إلا في الإعداد للثورة على الأمويين في أواخر القرن الأول الهجري ، ذلك أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية توجه إلى ابن عمه محمد بن على بن عبد الله بن العباس بالحميمة ) [12] بعد أن أحس بالسم الذي دسه سليمان بن عبد الملك خشية منه ، وأخبره ان المر صائر إلى ولده ، وأوصاه أن يختار دعاته (فليكونوا اثنى عشر نقيبا ، فإن الله عز وجل لم يصلح بنى إسرائيل إلا بهم وسبعين نفرا يتلونهم ، فإن النبي إنما اتخذ اثني عشر نقيبا من الأنصار اتباعا لذلك . ثم قال : ( لم يمض مائة سنة من نبوة قطة إلا انقضت أمورها لقول الله عز وجل (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) ، فإذا دخلت سنة مائة فابعث رسلك ودعاتك فإن الله متمم امرك " )[13].

واختار محمد اثني عشر رجلا منهم موالى ثم سبعين من الدعاة وامرهم بالتوجه إلى خراسان والدعوة بها وبايعه شيعة أبي هاشم بها وبالعراق بناء على أمره . وعلى هذا فقد كان الإمام على رأس الشيعة ثم يتلوه النقباء ثم الدعاة وكان لهم صندوق فيه تبرعات الشيعة ينفق منه على الدعوة )[14].

وهكذا تلاحم العلويون والشيعة والموالي ، وعمل العلويون بحرف الموالي وغالوا مغالاة الفرس )[15] ، كما أخذ الشيعة والموالي عن العلويين الزهد والإيثار والثورة على الظلم ثم تشكيل النقابات.

لباس الفتيان :

كان لفتيان الشيعة خاصة في الكوفة لباس يميزهم فيخبرنا ابن الجوزي في كتابه (صفوة الصفوة) ، ان أصحاب الفتوة قد كان لهم لباس مخصوص كما كان للقراء لباسهم ، ومن ذلك أن إبراهيم بن زيد النخعي (ت 95هـ) ــ الذي يضيفه ابن رسته في الأعلاق النفسية إلى قائمة الشيعة ــ كان ، يلبس الثوب المصبوغ بالزعفران وبالعصفر وكان من يراه لا يدرى أمن القراء هو أم من الفتيان يقول " كامل الشيبي " بعد ذلك : وبذلك يتضح أن الفتوة كانت مبدأ جماعة محدودة في الكوفة لها طابعها الخاص ولباسها ولابد أن كان لها نظمها ومثلها وإن تكن ساذجة بسيطة )[16].



[1]
ــ الطبري 5 / 279 من هؤلاء السفهاء زياد المذكور الذي قطع أيدى ثلاثين أو ثمانين لم يقسموا على حصبه وهو خطب لأول مرة ، وسمرة بن جندب الذي قتل من البصرة ثمانية آلاف وسبعة وأربعين حافظا في غداة من قوم ، وقتل يوما من ينطق الشهادتين .. أنظر الطبري 5 / 235 ــ 6 ، 291 ، والكامل 3 / 198 ..

[2]ــ المروج 2 / 205 ، 6  والصلة بين التصوف والتشيع 84 ــ 5 

[3]ــ المروج 2 / 91 ..

[4]ــ الكامل  5 / 108 ــ 9 ـ 114

[5]ــ حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني (مصر 1932) 3 / 136

[6]ــ الصلة بين التصوف والتشيع 496 ..

[7]ــ الصلة بين التصوف والتشيع للشيبي 95 ــ 6

[8]ــ للتفصيل : راجع المصدر السابق 121 ــ 46

[9]ــ نفسه 128

[10]الكامل 5 / 129

[11]ــ الكامل  5 / 108

[12]ــ قرية بالشام على الطريق بين المدينة ودمشق كان الأمويون قد أقطعوها لأبيه على بن عبد الله

[13]ــ الصلة 118  والآية رقم 259 من سورة  البقرة

[14]ــ الكامل 5/25 ، 146

[15]ــ نسب إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر (ت 130هـ) الذي خرج عهد مروان ابن محمد وغلب في خراسان الإباجية والغلو (الصلة بين التصوف والتشيع / 134 ــ 5 ) ..

[16]ــ المرجع السابق 282 .. ويرجح الدكتور الشيبي نشؤ الفتوة في الكوفة قبل خراسان لظروف القمع والثورات المتتالية بها ثم انتقلت منها إلى الثانية مع الفارين من ظلم بني امية ..

اجمالي القراءات 5375

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more