دلالات مجزرة تدافع مِنى

سامح عسكر Ýí 2015-09-27


صبيحة يوم عيد الأضحى استقبل العالَم أخبار مقتل المئات وإصابة الآلاف في حادث تدافع في محيط رمي الجمرات بمِنى، وهي إحدى شعائر الحج عند المسلمين، وبين الصدمة والفجيعة اختلفت ردود الأفعال..طائفة تُحمّل قيادة الحرم المسئولية، وطائفة تتبرأ وتروّج لنظرية المؤامرة.

في كلتا الحالتين لا ينفي وجود تقصير من جانب إدارة الحرم الأمنية والإدارية، فعلى فرض وجود مؤامرة إيرانية لتوريط السعودية-كما تدعي المملكة- في حوادث كهذه فالمسئولية لا تبحث عن الطرف المجهول أكثر من المعلوم، لأن نجاح المؤامرة في حد ذاته هو فشل في الجانب الآخر، ولنا في ما حدث للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عبرة.

ادعى الإخوان بوجود مؤامرة من الفلول لإفشال الدكتور مرسي، والادعاء يهدف غالباً لتبرير الأخطاء والهرب من المسئولية، لكن في النهاية حَمَل الإخوان كل مشاكل الوطن وثار الشعب ضدهم كون من يدعم (المؤامرة) ضدهم مجهول ليس في موقع مسئولية..

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن اتهام السعودية لإيران سيكون صحيح في حالة واحدة فقط..وهي اشتراك الجانب الإيراني في إدارة مراسم الحج، وهذا غير موجود، أما الآن فيتحمل المسئولية من يقوم على الإدارة رسمياً وهو الجانب السعودي..

ردود الأفعال من الجانب الإيراني كانت عنيفة كونه أكثر المتضررين من الحادثة، حيث سقط أكثر من 130 حاج إيراني في التدافع علاوة على المفقودين، فالفجيعة هناك أكبر، فتظاهر الشعب في الشوارع منددا بما أسماه.."إهمال آل سعود"..ومطالباً بوضع الحرم المكي تحت قيادة إسلامية.. وزاد من الأمر تعقيداً تصريحات بعض الساسة الإيرانيين التي وافقت التظاهرات وقالت أن ما حدث هو إهمال نتيجة مرور موكب لأحد الأمراء نتج عنه إغلاق طريقين لجسر الجمرات، مما أدى في النهاية إلى التدافع الكارثي ومقتل المئات..

في المقابل ومحاولة من السعودية للهروب من المسئولية نشرت صحيفة الشرق الأوسط- المحسوبة على النظام السعودي- خبراً عن مسئول إيراني بأن تدافع الحجاج الإيرانيين هو السبب في الحادثة..وقد حرصت الصحيفة على إخفاء هوية المسئول متذرعة بالخوف عليه وملاحقته..لكن في الأخير هذه شهادة لا يُعتمد عليها كونها (مرسلة) ومعزوة إلى مجهول، يعني احتمالية تأليفها كبير، فضلاً على أن الجانب السعودي لم يطرح أي دليل مرئي يوثق ما حدث، وخرجت محاولاته عبارة عن صب الزيت على النار وزيادة حدة الاستقطاب والتحريض على الطائفية.

منذ يومين زادت الدعوات بتدويل الحرمين الشريفين وإخضاعهما لإدارة إسلامية وليست سعودية..ومن صرح بذلك هم مسئولين كنائب حزب العدالة والتنمية التركي..ومسئول إيراني علاوة على رئيس اتئلاف القانون في العراق نوري المالكي..جميعهم طالبوا بوضع الحرمين تحت قيادة .."منظمة المؤتمر الإسلامي"..منعاً لتكرار هذه الحوادث أو استغلال الحرمين في الدعاية السياسية كما حدث من مفتي المملكة بهجومه على الحوثيين وإيران في خطبة جبل عرفات..

الفكرة نفسها جيدة كونها تُعيد الحرمين لمسئولية المسلمين وإخراجهما من أي صراع سياسي وطائفي يعصف بالمسلمين الآن، أي يمكن للفكرة أن تكون حالة طوارئ –مؤقتة-لعلاج رواسب المذهبية التي تجلّت في منع السعودية الحجاج اليمنيين والسوريين من الحج هذا العام، ولم تسمح إلا لبعض الأفراد والجماعات الصغيرة هناك بالحج لزوم الدعايا الإعلامية والتصوير..وقد تجلى هذا المنع في مظاهرات مليونية في العاصمة صنعاء -الجمعة التي سبقت عيد الأضحى -طالبوا فيها بتجميد قرار منعهم من الحج هذا العام.

ما يثير الاستغراب ليس موقف السعودية من هذه المجزرة وتحميل مسئوليتها للحجاج وخصوصاً الإيرانيين وترويج نظرية المؤامرة..بل أكثر ما يثير الاستغراب هو موقف الإعلام المصري الذي انحاز للجانب السعودي..رافضاً تحميله أي مسئولية ..رغم أن هذا الإعلام حمّل الدكتور مرسي من قبل مسئولية إهماله رافضاً مبدأ المؤامرة..في حين يؤمن بالمؤامرة في مجزرة منى..وهذا يعكس أزمة الإعلام المصري كونها أزمة ضمير وعلم قبل كل شئ...!

إن دلالات هذه المجزرة تأتي في سياق الحرب الطائفية التي يشهدها الشرق الأوسط والخليج الآن، لذلك فمن الطبيعي أن تُفسّر كل الأحداث تبعاً لهذا السياق..وتكثر المنافسات والمكايدات وتخرج الأحقاد بكل سذاجة.

رغم أن الضحايا هم من جنسيات متنوعة عربية وأفريقية وأسيوية ذهبوا ضحية الإهمال ، وتم استغلال قضيتهم في تصفية الحسابات المذهبية والمتاجرة بأرواحهم وزيادة حدة التناحر العربي والإسلامي..وهذا الوضع مهما اختلفنا حوله..من المسئول؟..من المظلوم؟..في الأخير يفضح خطورة الواقعين العربي والإسلامي وانتقال الصراعات من ميدان الحرب إلى ميدان العبادة..

اجمالي القراءات 9380

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,601,748
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt