جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية:
ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي : تعريف الفتوة :

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-08-27


نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية

ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي : تعريف الفتوة :

الفتوة في اللغة بقول صاحب لسان العرب من الفَتَاء وهو الشباب وفعلها فَتُوَ يفتو فَتَاءً ، والفتى هو الشاب والحدث وهو الكامل الجزل من الرجال وهو السخي الكريم . وقال صاحب القاموس المحيط الفتى الشاب والسخي ) [1] . وعُبر بالفتوة منذ أيام الجاهلية للشجاعة كما يرى في قول متمم بن نويرة :

إذا القوم قالوا من فتىً لعظيمةٍ      فما كلهم يُدْعَى ولكنه الفتى

ثم استخدمت الفتوة للسخاء كما في قول الحطيئة :

وذاك فتى إن تأتِهِ في صنيعةٍ      إلى ماله لم تأتِهِ بشفيعِ )[2]

وورد لفظ (فتى) في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، وذكر بمعانٍ مختلفة منها أنه الشاب في قوله تعالى : (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) [3] . وهو الرفيق المتعلم في قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)[4] . وهو الخادم أو العبد في قوله تعالى   (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ) [5]. وهو المتصف بكريم الخصال في قوله تعالى : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [6].

ونسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :(أفتاكم على) فقال على : يا رسول الله وما الفتوة .؟ فقال: هي شرف يتشرف به أهل النجدة والسماح وأنت يا على فتى وابن فتى وأخو فتى.  فقال على : يا رسول الله من أبي ومن أخي ومن الفتيان.؟ فقال : أبوك إبراهيم خليل الرحمن وأخوك أنا وفتوتي من فتوة أبيك وفتوتك مني وسلم إليه سلاحه يوم غزاة حنين ) [7].

وظلت الفتوة تعنى مكارم الأخلاق عامة والسخاء والشجاعة والصبر خاصة في تعريف معاوية والحسن البصري (ت 110) والمحاسبي (ت 243هـ) والجنيد (ت 297هـ) ومعروف الكرخي والسرى السقطي (ت 251هـ) وجعفر بن محمد الخلدي (ت 348هـ ) [8].

بيد ان الفتوة أصبحت في عرف بعض الصوفية لا تعني الأخلاق الفاضلة وحسب وإنما عرفت بمعان صوفية أخرى ، فهي الإيمان بلا واسطة عند النصرآبادي استنادا إلى فتوة أهل الكهف ، وهي كسر صنم النفس استدلالا بفتوة إبراهيم عليه السلام ) [9].

ولما تفتى أرباب الحرف عُرّفت الفتوة بأنها عدم الربح على الصديق أو طلب الأجر من الغريب )[10].

وقد عرف (هامر برجستال   Hammer  Purgestall  ) الفتوة بأنها الفروسية )[11]. وذكر تاشنر (Taeschner  ) أن الفتوة بدأت حركة فروسية أرستقراطية ثم تطورت إلى حركة للطبقة المتوسطة في القرن الثالث عشر الميلادي ثم أصبحت أخيرا حركة العامة في القرن الخامس عشر )[12] . وقرر (كلود كاهن  Claude  Cahen  ) إنها اصطلاح لصفات الرجل البالغ وتميز الفتى عمن سواه )[13] . ورأى ( ويتك   Wittek  ) إنها مجموعة القواعد التي تمارس بها الحياة الفاضلة كما يفهمها الإسلام باتجاهاتها الصوفية ) [14]. أما المستشرقان (دني   Deny  ) وماسينيون ( Massignon  ) فيتابعان هامر وبرجستال في تعريفه لها بأنها الفروسية ويرجعها دني إلى أخلاقيات أنظمة ثلاثة هي الفروسية الإسلامية والهيئات الدينية ونقابات الحرفيين )[15] . ويجزم ما سينيون بأنها الفروسية الثائرة أو البطولة الخارجة على القانون )[16].

الفتوة والمروءة :

تقترب المروءة من الفتوة بحيث لا يفترق تعريفهما كثيرا فالمروءة هي مكارم الأخلاق بعامة والسخاء بخاصة . روى عن على كرم الله وجهه قوله : المروءة ست خصال :ثلاث في الحضر وثلاث في السفر . أما الثلاث في الحضر : فتلاوة كلام الله عز وجل وعمارة مساجد الله واتخاذ الإخوان في الله . وأما اللواتي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير معصية الله ) [17] . وقال الجرجاني في التعريفات عنها : المروءة هي قوة النفس ، مبدأ لصدور الأفعال الجميلة عنها المستتبعة للمدح شرعا وعقلا وعرفا )[18] . وهي عند الصوفية حسن السر والبشر )[19] ، وعند غيرهم الحرفة مع العفة وتفقد الضيعة مع تقوى الله )[20].

واختلف في الفرق بينهما ، فقرر البيروني (ت440هـ) أن الفتوة أعم من المروءة ، فالفتوة تتعدى الرجل وذويه إلى غيره بينما تقتصر مروءة الرجل على نفسه وذويه وحاله ) [21]. وخالفه زركوب بحكمه أن الفتوة جزء من الفتوة وإن كانت الفتوة الانتصاف فالمروءة هي الإنصاف )[22].

والملاحظ التشابه بين تعريفات الفتوة والمروءة ، فقد أريد بهما أولا الأخلاق الكريمة ، ثم طبعتا بطابع التصوف ، ثم جعلتا صفتين لأرباب الحرف.

الفتوة والآخية :

الآخية الـ (أخى) كما أن الفتوة صفة الفتى . وأول من أطلق عليه لفظ (أخي) من الصوفية هو (أخي فرج زنجاني) المتوفي 457هـ  ) [23]. أما أول من استخدم لفظ (أخى) يريد به الفتى و(الآخية) يعني بها الفتوة فهو شهاب الدين السهروردي (ت 633هـ) في كتابيه الفارسيين (رسالة الفتوة) و(كتاب في الفتوة) . والمعروف أن السهروردي رسول الخليفة العباسي الناصر لدين الله (ت 622هــ) إلى الأناضول والذي ألبس بأمره عز الدين كيكارس السلجوقي (ت 615هـ) لباس الفتوة في قونية ) [24].

ولما زار ابن بطوطة الأناضول عام (744هـ) وصادف الفتيان بها ذكرهم على أنهم (الفتيان الآخية) وقال : (واحد الآخية (أخي) على لفظ الأخ إذا أضافه المتكلم إلى نفسه )[25].

وصرح أحد شيوخ الآخية ومؤلفيها وهو أمير سيد على الهمداني (ت 786هـ) أن (اسم أخى) معناه في اللغة (برادر) أي أخ بالعربية )[26].

وإذا كان (الأخى) في الكتب الصوفية ورسائل الفتوة الفارسية يعني بها (الأخ) و ( الآخية) تعنى الإخوان والأخوة ، فإن هذا واضح أيضا في كتب التصوف والفتوة العربية . فمن أصول الطريق الصوفي (الأخوة في الله والصحبة والمحبة للإخوان فيه وأحكام المؤاخاة وأوصاف المحبين )[27].

أما مؤلفو كتب الفتوة العربية فقد أشاروا إلى ارتباط الفتوة بالأخوة والمروءة ، فابن المعمار يذكر في  (الفرق بين الفتوة وما تشبه بها من المروءة والأخوة ولبس الخرقة وشد الثقاف) أن الأخوة (معاهدة بين الشخصين على أن يكونا كالأخوين في نسبة الولادة يجدي كل واحد منهما صاحبه في الدنيا والآخرة ، وأصل ذلك مؤاخاة النبي عليه السلام بين الصحابة وأما ما يفعله الجهال من شرب كل واحد منهما دم صاحبه فغير جائز ) [28].

غير أن بعض المستشرقين قد ذهبوا مذهبا مغايرا ، فقد زعم (بروكلمان) و (دني) و( شيدر  Schaeder  ) و (جيزه  Giese  ) و (إتيه Ethe ) و (تاشنر) أن كلمة (أخي) تركية أتت من اللفظة الأويغورية (أقي) بمعنى (السخي) ومنعا ( آقيلق) بمعنى السخاء في الكاشغرية استنادا في هذه الأخيرة إلى الكاشغري في ديوان لغات الترك ، وتأولوا قول (ابن بطوطة) الآنف بأنه مقام على مجرد الصوت ولا علاقة لها بكلمة (أخ) العربية )[29].

وقد تراجع تاشنر عن ادعائه هذا عندما اطلع على تحديد الهمداني لمعنى (أخى) الذي ورد آنفا والذي استند على قوله تعالى (إنما المؤمنون أخوة ) [30] . وقد وافقه (كلبنرلي) في مقدمته على رسائل الفتوة ) [31].



[1]
ــ لسان العرب والقاموس المحيط (أنظر هذه المادة) ..

[2]ــ مقدمة جواد على كتاب الفتوة لابن المعمار (بغداد 1958) ص 5 .

[3]ــ  الأنبياء / 60 

[4]ــ الكهف / 60

[5]ــ يوسف / 30 .

[6]ــ الكهف / 13 أنظر تفسير الطبري ، المطبعة الميمنية  12/110 ، 13 /6 وتفسير الجلالين (مصر 1300هـ) 273 ، 249 ، 196 ، 244..

[7]ــ كتاب الفتوة 134 ـ 5 .

[8]ــ مقدمة كتاب الفتوة 9 ، 11 والرسالة القشيرية (مصر 1304هـ) 134 ــ 5 وطبقات الصوفية للسلمي تحقيق نور الدين شريبة (مصر 1953) 89 ، 346 .

[9]ــ الرسالة القشيرية 134 ..

[10]ــ نفسه 135 ــ 6

[11]ــ The Encyclopaedia of Islam . New edition , Vol . 2, p.961.

[12]ــ Z . D. M . G . (1933) p. 6 , off.

[13]ــ The Enc . 2 / 961 .

[14]ــ  The rise of the ottoman Empire . London , 1938, p . 38.

[15]ــ Journal Asiatique. Tome XVI . p. , 182.

[16]ــ قيام الدولة العثمانية . محمد فؤاد كوبريلي . ترجمة د . احمد السعيد سليمان (مصر 1967) ص 152 ، وأيضا :

Proceedings of the twenty second congress of Orient – alists , Held in Istanbul. September, 1957. Vol. II, p . 277.

[17]ــ كتاب الفتوة 150

[18]ــ الفتوة عند العرب 17 ..

[19]ــ طبقات الصوفية 460

[20]ــ العقد الفريد . ابن عبد ربه الاندلسي . مصر 1353هـ 1 / 296 .

[21]ــ   الفتوة عند العرب 17 .

[22]ــ Iktisat Facultesi Mecmuasi . Gelpinarli , No . 1 – 4 , 1949  50 - , p . 147

[23]ــ نفحات الأنس للجامي . مخطوط بمكتبة جامعة القاهرة تحت رقم ( 569 فا) ورقة 170  و 69 ب .

[24]ــ رسايل جوانمردان .. تصحيح مرتضى صراف ( تهران 1973) 60 ــ 166 وقد تابع نجم زركوب السهروردي في كتابه (كتاب الفتوة) المؤلف في القرن السابع الهجري .. انظر مجلة الاقتصاد التركية (135 ــ 151) .

[25]ــ مهذب رحلة ابن بطوطة . احمد العوامري وزميله (مصر 1934 ) 225 .

[26]ــ رسالة فتوتيه  للهمداني . مخطوط بدار الكتب برقم (70 فارسي طلعت) ضمن مجموعة ورقة (65 ب).

[27]ــ هذا هو عنوان الفصل الرابع والأربعين من كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي (ت 386هـ) .. وللسلمي صاحب الطبقات كتاب في الأخوة الصوفية هو (كتاب الإخْوة والأخَوات من الصوفية) . انظر مقدمة شريبة على الطبقات (31) . وقد درج كتاب الطبقات والتذاكر العربية والفارسية على تخصيص باب للأخوة والرفقة ..

[28]ــ كتاب الفتوة 150 ولاحظ ربط النقاش في (تحفة الوصايا) بين الفتوة والمروة والأخوة (128 ، 123 من مجلة الاقتصاد) . وكذلك عند زركوب (144 من نفس المجلة) ..

[29]ــ The Enc . , 2,321 .

وانظر لدنى ( J . A . , Tome XVI , 182)   ولشيدر

Orientalistische Literaturz oitung 1928 , p . 1049 – 50

وانظر لتاشنر (Islamica , 1922 , p . 1 -4 vol . 3 )  ويبدو أن أستاذنا الدكتور السعيد يؤيد عربية (أخي) وإن ذكر قول دنى السابق . انظر فهرسه لكتاب قيام الدولة العثمانية (200)

[30]ــ انظر رسالة فتوتيه ورقة 65 ب ــ 66 أ وأيضا :

Proceedin . of the twenty second Congress , 277 .

والآية الكرية رقم (10) من سورة الحجرات ..

[31]ــ Iktisat , p . 6 .

اجمالي القراءات 8271

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more