حركات التطرف الدينية السياسية في إيران:
ثورة الشعب الإيراني بقيادة الخميني (1357 هـ . ش / 1979م)

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-06-11


نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

جذور حركات التطرف الدينية السياسية في إيران

حركات التطرف الدينية السياسية في إيران

6ـــ ثورة الشعب الإيراني بقيادة الخميني (1357 هـ . ش / 1979م)

يذكر التاريخ أن ثورة الشعب الإيراني الأخيرة بقيادة رجال الدين وعلى رأسهم الخميني عام (1357 هـ . ش /  1979م) كانت نهاية لحلقة من الثورات قادوها الوطنيون ورجال الدين خلال نحو قرن سبق ..

أخذ الشعب الإيراني ــ بعد اطلاعه على الحضارة والديمقراطية الغربية من أوائل حكم فتح على شاه القاجارى وناصرالدين شاه ــ في المطالبة بحقوقه السياسية والاجتماعية والرغبة في الإصلاح والتغيير .. وقد أثمر هذا الوعي عن إلغاء نادر شاه اتفاقه مع الانجليز بمنحهم امتياز احتكار الدخان (1891م) خشية ثورة الشعب وإعلان العلماء للجهاد .. ثم نجح الوطنيون ورجال الدين في فرض العدل والدستور وتأسيس اول مجلس نيابي إيراني على الشاه القاجاري محمد على رغم احتمائه بالمدفعية الروسية التي ضربت المجلس ونوابه فيما يعرف بالثورة الدستورية (1905 ــ 1911 م) (29)

وبعد أن حكم رضا شاه  الكبير إيران (بانقلابه العسكري على الحكم القاجاري 1921م) بالحديد والنار وأصدر أوامر القتل او الاعتقال أو النفي على من ينتقد سياساته ، نتج عن سياسته الخارجية أن اجتاحت جيوش الحلفاء إيران وهزم أسطولها وجيشها وزادت قبضة الانجليز إحكاماً على ثروات جنوب إيران وسيطرة الروس على شمالها ، وخلع رضا شاه بأمرهما وعين ابنه محمد رضا بهلوى (1941م) .. وشاءت فلسفة الاستعمار الجديد ان تنفس عن الشعب المكبوت عشرين عاماً مادامت ثرواته منهوبة باستمرار ، فأفرج عن المسجونين السياسيين وأطلقت حرية الصحافة ، وتبلور العمل الثوري عن تحالف الاتجاه القومي بزعامة محمد مصدق مع الاتجاه الديني بزعامة آية الله الكاشاني رجل الدين المهيمن على الشارع والجمهور الإيراني ، وراعي المنظمة العسكرية (فدائيان إسلام) أو (فدائيو الإسلام) .. والتقت (الجبهة الوطينة) ومطالب الجمهور والكاشاني على ضرورة تأميم صناعة النفط الإيراني وتخليصه من قبضة الشركات الإنجليزية التي كانت تستأثر بسبعة اعشار أرباحه .. وعلى أثر ضغط الجماهير واضراب عمال النفط في خورستان وظهور البوارج الإنجليزية في المياه الإيرانية رأى المجلس النيابي تولية مصدق رئاسة الوزراء ، فتولد الشقاق بين الحليفين والاتجاهين حول العلاقات مع أمريكا التي بدأت في التدخل تنشد غُـنماً بدورها وشروط البنك الدولي لحل قضية النفط الإيراني .. لكن الخوف من التهديدات الخارجية وسطوة حزب (تودة) الشيوعي كانت تخفف من حدة هذا الشقاق ، ولما بات لدى المخابرات الامريكية تعرض مصالحها إلى الخطر امراً يقينا دبرت إسقاط مصدق ووزارته بانقلاب امريكي انجليزي في 28 مرداد 1332هـ . ش / 1953م) وعاد الشاه تحت الحماية المباشرة الأمريكية ــ بعد فراره إلى إيطاليا ــ إلى إيران ، وبدأ الشاه والمخابرات بعد سجن مصدق والكاشاني (30) بمحاكمة وزارة (زاهدي)   فبدأ حكمه بما يسمى بالحكم الأسود وأسس جهازاً للمخابرات تحت اشراف مستشارين أمريكان وإسرائيليين ، وأسس فيه شعبه لتعذيب الوطنيين بوسائل التعذيب اليهودية وعرف (بالسافاك) واسمه يضم الحروف الفارسية لما معناه (مؤسسة الأمن والمخابرات للبلاد) ..

كان السافاك يتربص بالمعارضين من الجبهة الوطنية ورجال الحوزة الدينية في ( قم ) فما ان اعلن رئيس الوزراء على أميني عن منح الأحزاب الحرية والعمل السياسي وقبول قراراتها فيما يخص إصلاحات الدولة الزراعية ــ والتي أدت إلى سيطرة الدولة التامة على وسائل الإنتاج الزراعي ــ حتى ظهر المشترون الذين كانوا يعملون في الخفاء من قبل. وعقدت الجبهة الوطنية مؤتمرها في طهران (1342هـ . ش / 1963م) وأصدرت توصياتها فيما يخص الإصلاح الزراعي ، فاقتبسها الشاه واعلنها أفكاراً له ، ثم اعلنها للشعب للموافقة عليها فيما يعرف ثورة الشاه البيضاء (ثورة 6 بهمني 1341هـ . ش) وبعد انتهاء مسرحية الاستفتاء أوقفت الحكومة كافة أنشطة الأحزاب وألقت القبض على الرؤوس التي أينعت وحان قطافها ، وأخذت تتربص بعلماء ( قم ) الدوائر ومنهم الخميني وبروجردي وخامنه أي ورفسنجاني .. وفي (15 خرداد) من السنة التالية هاجم السافاك المدرسة الفيضية التي كانت تجمع بقم خطباء المعارضة السياسية لنظام الشاه وقتلت من الطلبة والعلماء والشعب المنحاز لهم ، فضلاً عن قتلى الثورة البيضاء ما جعل الخميني يستثمرهذا في بياناته وهو بالمنفى بالعراق إلى رجال الدين والشعب لتأليبهم على الشاه وحكمه..يقول الخومينى :

ــ (هذه الثورة المفتضحة الدموية التي تسمى البيضاء التي قتلت في يوم واحد خمسة عشر ألفا بالرشاشات والدبابات ــ كما هو معروف ــ سوف تجعل أيام الشعب الإيراني أشد سواداً وسوف تجعل حياة الفلاحين والمزارعين أكثر خراباً)..

ــ (ان انتهاك مقدسات الإسلام وقتل العلماء والمسلمين تحت التعذيب والهجوم على المدرسة الفيضية والجامعات ومذبحة (15) خرداد ... من ثمار هذه الثورة المفتضحة)..

ــ ( إن قمع المراكز العلمية الدينية ، والهجوم المسلح على المدرسة الفيضية والصحن المطهر في قم والمذبحة الجماعية في 15 خرداد : ماذا تسمى إلا خدمة عمياء لأصحاب الدولار ) (31)..

وطوال سنوات القمع والقهر (1963 ــ 1978م) لم تنقطع مظاهرات الطلاب ، ولم يكن يمر عام واحد دون ان تستعر المظاهرات والاضرابات في الجامعة ، وكان مظليو الجيش يهبطون في الجامعات لإخماد المظاهرات ، وكان الضحايا يسقطون بالعشرات ويزج بالمئات في السجون .. ولم تجد الجماعات الوطنية في المرحلة بين سقوط مصدق وقام الثورة الأخيرة غير طرح الكفاح المسلح كبديل للمعارك اللفظية وللوقوف ضد قوة السافاك والجيش ..(32)..

وكان هجوم احد الصحفيين التابعين للشاه على رجال الدين بمدينة (قم ) الشرارة الأولى التي الهبت حماس رجال قم والذين كانوا يتهيأون للانتقام من الشاه والسافاك تغذيهم بيانات الخميني ورسائله فخرجوا من قم والشعب من ورائهم في مظاهرات في الشوارع أخذت تنتشر إلى كافة المدن بعدها ، وبدأت أعمال السفك والمذابح تقع من شرطة الشاه على المتظاهرين العزل في قم (مذبحة 9 يناير 1978) ثم تلتها مذابح تبريز ومشهد وعبادان وغيرها ، ثم مذبحة السابع من سبتمبر في يوم الجمعة الأسود . وأحس الشاه بالخطر فزاد من ظلمه وتحركت جميع طبقات الشعب لدفعه ورفع الرئيس الامريكى كارتر حمايته عن الشاه ففر وتوارى اتباعه وسقط السافاك ومؤسساته مع مؤسسات الدولة في يد الثوار بأسرع مما كان يتوقع . وتحقق النصر التام بعيد عودة الخميني من منفاه بأيام (11 فبراير 1979) (33)..

اجمالي القراءات 2613

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more