جذور حركات التطرف الدينية السياسية في إيران:
3ــ الحـكـم البـويهي المتطرف :ــ

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-05-21


نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

جذور حركات التطرف الدينية السياسية في إيران

تابع : مراحل الجذور التاريخية

3ــ الحـكـم البـويهي المتطرف :ــ

فتح أحمد بن بويه العراق وبغداد عام 334هــ بدون قتال ، فخلع عليه المستكفي ولقبه بمعز الدولة ، ومن هذا الحين صار الخلفاء العباسيون طوع الحكام من آل بويه .. والبويهيون في الأصل ديلم يسكنون المنطقة الجبلية الخصبة التي انغلقت على أسرات توارثت الحكم من العهد الساساني وحافظوا على المجوسية والتقاليد الفارسية القديمة وأبغضوا العرب والإسلام وظلت بلادهم مكمن المجوس ومعقل الثائرين ، ولم يدخلها من العرب غير العلويين عام 175هــ / 791م فراراً من العباسيين فنشروا فيهم التشيع الذي اختلط بالثقافة الفارسية القديمة وأقاموا فيهم دولتهم التي لم تعمر طويلاً ، وهدف البويهيون إلى تحويل بغداد عاصمة شيعية ، فأمر معز الدولة عام 351هــ ان يلعن من ظلم آل البيت بكتابة لعنهم على جدران بعض المساجد ببغداد وبإقامة التعازي وعقد المناحات في عاشوراء وخرجت النساء ناشرات الشعر لاطمات الخد شاقات الجيب ، ثم احتفلوا بالاعياد الشيعية ، فأظهروا الزينة وفتحوا الأسواق بالليل بناء على أمر معز الدولة .. ومع هذا أمر هذا البويهي رجلين من أتباعه فسحبا المستكفي الخليفة من مجلسه وربطا عمامته في عنقه وألقى به في السجن بعد خلعه و سمل عينيه ، وأصبح الخليفة العباسي على أيامهم ألعوبة يفعلون به ما شاءوا (16) ، كان معز الدولة يريد إزالة الخلافة العباسية ومبايعة احد العلويين ، لكن بعض الناصحين أفهمه ان هذا الأمر ليس بالصالح وقالوا له إن بني العباس  لأنهم غصبوا الخلافة كما يعتقد الشيعة فبإمكان البويهيين ان يفعلوا بهم كل ما يريدون من عزل وقتل ، وليس هكذا الحال مع العلويين لأنهم أصحاب الحق الوحيدون في الخلافة فلا يمكن أن يكون لهم سلطان مع خليفة من آل البيت الذى يدينون له بالولاء عكس الخلفاء العباسيين (17)..

4ــ الإرهاب الإسماعيلي :ــ

الإسماعيلية هى الفرقة الشيعية التي تنتسب إلى إسماعيل الابن الكبر لجعفر الصادق الإمام السادس . وقفت بسلسلة الإمامة عند إسماعيل وعدوه الإمام السابع والأخير . لأن جعفر الصادق عين ابنه إسماعيل هذا خلفاً له في الإمامة ، لكنه عاد فخلعه وعين ابنه الثاني موسى حين لقى إسماعيل ثملاً . فلم يسلم بعض الشيعة بنزع الإمامة من إسماعيل لاعتقادهم أن الإمام معصوم وان شرب الخمر لا يفسد عصمته . أما من تابع إمامة موسى وعدوه الإمام السابع ثم اعقبه على بن موسى الرضا الإمام الثامن فقد وصلوا بسلسلة الإمامة إلى محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر والذي اعتقدوا في غيبته ولقبوه بالمهدي وادعوا انه سوف يعود آخر الزمان ..

وسمى الإسماعيلية بالباطنية والتعليمية والسبعية .. أما انهم باطنية لأنهم اعتقدوا ان للإسلام ظاهراً وباطنا وإذا تعقب المرء باطن الشريعة وأهمل ظاهرها فليس عليه مسؤولية ، واعتبروا المعرفة الحقة قائمة على التأويل الباطني لآيات القرآن ، والتأويل ومعرفة الله لا يستطيعهما غير الإمام وهو المعلم يعلم أتباعه ومن هنا سموا بالتعليمية ، ولأنهم أوقفوا سلسلة الأئمة إلى الإمام السابع سموا بالسبعية ..

انتشر دعاة المذهب الإسماعيلي في جميع البلاد الإسلامية بعد إسماعيل ابن جعفر ، واهم تقدم لهم في الغرب الإسلامي هو قيام الخلافة الفاطمية في مصر وشمال افريقيا ، كما قامت دولة اسماعيلية في اليمن ، ودعا إليها في البحرين وسواد  الكوفة القرامطة الذي ظهروا في (278هـ) واستولوا على كثير من مدن العراق والشام والبحرين وأخذوا مكة وظلوا فترات أسباب إيذاء مسلمي هذه النواحي وسفك دمائهم ..

واستشرى خطرهم بقيادة طاهر القرمطي الذي سلب الحجاج، وفي (317هــ) دخل وأصحابه الكعبة وقتل الحجاج فيها وقلع الحجر الأسود وباب البيت وكسوته وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن اخرين بالمسجد.   أما في إيران وما وراء النهر فقد نفذوا في الأجهزة الحكومية السامانية ، ثم تواروا أمام قوة الغزنويين والسلاجقة بالجبال والقلاع المحكمة وكانوا يبثون تعاليمهم في الناس سراً..

وبعد موت المستنصر بالله الخليفة الفاطمي في مصر (427هــ  ــ 478هــ) وسيطرة الفاطميين ــ فضلاً  عن مصر وتونس ــ على القسم الأعظم من الشام والجزيرة العربية وخطب لهم في بغداد ، قام النزاع بين ولديه نزار و المستعلي من اجل خلافته ، فانقسم الإسماعيلية إلى نزارية ومستعلية ،  ولم يبلغ نزار الخلافة وغلبه اخوه وأسره حتى موته ، إلا أن أتباعه النزارية انتشروا في الأرض يدعون له وسموا دعوتهم بالدعوة الجديدة . وكان اسماعيليو إيران الذين قاموا فيها من هذا الوقت فصاعداً من النزارية ويزعمون انهم أبناء احد أبناء نزار ..

وكان ممن دخل المذهب الإسماعيلي أيام المستنصر رجل إيراني اسمه (الحسن بن الصباح الحميري) من أهل الرى ولا يُعرف بالضبط أصله ونسبه ، تنقل الحسن بن الصباح في (469هــ) بين الرى وأصفهان وآذربايجان والشام ثم سافر في (471هــ) إلى مصر ومكث بها سنة ونصف سنة ودخل في جماعة تشايع خلافة نزار فنقل عقيدتهم إلى الشرق ، وأخذ من أواخر (473هـ) يدعو شعب إيران إلى مذهب الإسماعيلية النزارية . وفي رجب (483هـ) استولى على قلعة (آلمـوت) الحصينة فجعل منها مركز دعوته ومقر إقامته واحتفظ أتباعه بحصون أخرى في أكثر النقاط الجبلية الواعرة المسالك في شمال إيران وشرقها من آذربايجان حتى كرمان في بلاد الديلم وقومس وقهستان ، وكان في طوع هؤلاء الرؤساء الإسماعيلية جمع من الفدائيين الانتحاريين سموا بالفدائيين ، كانوا يستخدمونهم غالباً في قتل أعدائهم الألداء من قادة الجيوش والأئمة والأمراء والوزراء والملوك والخلفاء العباسيين (18) .. ويحكى ابن الأثير أول ما أنزلته هذه الجماعة بالإيرانية أيام السلطان ملكشاه السلجوقي (465 ــ 485هــ) ، فقد اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً صلوا العيد في (ساوة) فشك في أمرهم فأخذوا وحبسوا ثم سئل فيهم وأطلقوا ، ثم انهم دعوا مؤذناً من أهل ساوة فلم يجبهم إلى دعوتهم فخافوا أن ينم عليهم فقتلوه فهو أول قتيل هم ، وبلغ خبره إلى نظام الملك وزير ملكشاه فأمر بالمتهم فقتل وكان نجاراً وأول قتيل منهم .. وأول موضع غلبوا وتحصنوا به بلد عند (قاين) كان صاحبه على مذهبهم ، فاجتازت بهم قافلة عظيمة من كرمان فخرجوا عليها وقتلوا أهلها جميعاً غير رجل تركماني وصل إلى قاين فأخبر بالقصة فتسارع أهلها مع القاضي الكرماني إلى جهادهم فلم يقدروا عليهم.

وقتلوا عدوهم نظام الملك الوزير الذي فضحهم ودأب على قتالهم ، فتعرض له أحد فدائييهم بحجة تقديم التماس ودس بيده الأخرى سكينة في بطنه . ومات ملكشاه فعظم امرهم واشتدت شوكتهم خصوصاً بأصفهان فكانوا متفرقين في المحال ، فاجتمعوا وصاروا يسرقون ويقتلون ، وفعلوا هذا بخلق كثيرين ، وزاد الأمر حتى أن الإنسان إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد تيقنوا قتله وقعدوا للعزاء به ، فحذر الناس وصاروا يسيرون بلا انفراد ، وأخذوا في بعض الأيام مؤذنا أخذه جار له باطني فقام أهله للنياحة عليه ، وأصعدوه إلى سطح داره وأروه أهله كيف يلطمون ويبكون وهو لا يستطيع الكلام خوفاً منهم .. وانكشف القناع عن جرائم الإسماعيلية بسائلة عجوز تقدمت إلى أحد المنازل تطلب إحساناً فسمعت أصوات عويل وأنين تنبعث من داخله فظنت أن بالمنزل مريضا فأخذت تدعو له بالشفاء .. وحاول سكان المنزل ان يستدرجوها إلى الدخول لكنها شكت في امرهم وأسلمت ساقيها للريح مستغنية بما صادفها ، واجتمع أناس كثيرون وأحاطوا بالمنزل ثم كسروا بابه ودخلوه ، ونزلوا سراديبه فوقعت انظارهم على منظر بشع ، إذا رأوا نحو خمسمائة جثة بعضها مصلوب على الجدران وبعضهم ذبح وطرح على الأرض وبعضهم مازال يجود بآخر أنفاسه ، وبين هؤلاء وأولئك جماعة استطاع الناس أن يتعرفوا عليهم وقرروا أنهم من أصدقائهم الذين فقدوهم أخيراً .. وتبين أن صاحب هذه الدار رجل اسمه (علوى المدني) جعله مجمعاً للسفاكين ، وكان من دأبه أن يستند إلى عصاه ويقف عند المغرب على باب الدرب المظلم الطويل الذي يؤدي إلى داره ، فإذا اجتاز به إنسان أخذ يدعو الله أن يغفر لمن يأخذ بيد الضرير الفقير ويقوده إلى باب داره في هذا الدرب .. فإذا استجاب لدعائه احد الضحايا الأبرياء وأخذ بيده انتهى أمره إلى الموت ، لأنه متى وصل إلى نهاية الدرب انقض عليه جماعة من أتباع هذا الضرير وأخذوه وطرحوه في سراديب الدار حتى يقضى عليه ، وقد استمر هؤلاء الإرهابيون على أفعالهم هذه بضعة شهور قبل أن ينكشف أمرهم ويقضى عليهم.

ولم ينته امر الإسماعيلية وفظائعهم بهزائمهم المؤقتة ، بل استشرى فسادهم حتى أنه لم يتجاسر أمير ولا متقدم على الخروج من منزله جاسراً بل كان يلبس تحت ثيابه درعاً ، وكان الوزير أبو المحاسن الأعز يلبس زرديه تحت ثيابه ، واستأذن السلطان بركيارق السلجوقي خاصته في الدخول عليه بسلاحهم خوفاً منهم وأن يكون بعضهم مندساً في رجال البلاط .

وفي عام (498) قوى خطرهم وسار جمع كبير منهم في (بيهق) وأشاعوا الاغارة والقتل فيها فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال واستبوا النساء وذلك لانشغال السلاطين عنهم .. وعندما قفل الحجاج في هذه السنة ووصلوا الرى اتاهم الإسماعيلية وقت السحر فوضعوا فيهم السيف وقتلوهم عن بكرة أبيهم وغنموا أموالهم (19)..

وكان للإسماعيلية مراتب أولها وأعلاها مرتبة الإمام وهو المطاع باطلاق ، يتلوه الرئيس أو (داعي الدعاة) وهو يخضع مباشرة للإمام ، وقد عرف خارج أتباعه بشيخ الجبل ، ثم يتلوه (الداعي الكبير) وكان هذا المنصب يتقلده عدد كبير من الدعاة ، وكان يوكل لكل واحد منهم امر ولاية أو مقاطعة ، ثم يأتي بعدهم (الدعاة العاديون) .. هؤلاء هم أصحاب المراتب العالية والعالمون بأصول المذهب وأغراضه وسياسته علماً تاماً .. اما أصحاب المراتب المنخفضة فهي : مرتبة الرفيق : لمن سلك بعض الدرجات في أصول المذهب ، ومرتبة اللاحق لمن أخذ البيعة للإمام دون أن يتبين ما تتضمنه هذه البيعة من معاني وواجبات ، ثم مرتبة الفدائي لمن يوكل لهم بمهام الثأر والانتقام وأعمال الإرهاب ، وكانوا مصدراً للرعب الذي هزّ الملوك على عروشهم وألجم اهل السنة فلم يجسروا على لغتهم (20)..

وقد تميز هؤلاء الفدائيون الانتحاريون بالطاعة العمياء لشيخهم والشجاعة والصبر والجهل بفقه المذهب ومهارة استخدام كافة الأسلحة واصطناع سائر الحيل والتنكر والتخفي والقدرة على التحدث باللغات الأجنبية بحيث استطاع الفدائيون الذين كلفوا بقتل (كونراد) مركيز مونتفرات أثناء الحملة الصليبية على الشام أن يتحدثوا بلغة الفرنجة ويقلدونهم في سائر عاداتهم بمهارة ويظهروا بمظهر الرهبان المسيحيين ، فتمكنوا بوساطة ذلك أن يقيموا في معسكر الصليبيين ستة أشهر كاملة ينتظرون الفرصة السانحة لتنفيذ المهمة الدامية التي بعثوا من اجلها (21)..

وكان الفدائيون يتمنون الخروج إلى المهام المكلفين بها طمعاً في الجنة التي عايشوها فعلاً ثم اخرجوا منها على وعد بالعودة إليها بعد تنفيذ مهام القتل .. وقد ترك الرحالة (ماركوبولو) وصفاً لهذه الجنة بعد زيارته لشيخهم (علاء الدين محمد ) الشيخ قبل الأخير لهم ، إذ امرهم بإقامة سور على أخدود بين جبلين ثم غرسه بالأشجار وحوله إلى حديقة غناء من اجمل ما رأت العين تمتليء بأطيب الثمار وأقام القصور المطلية بالذهب المنقوشة بأجمل النقوش وجعل فيها أنهاراً من خمر ولبن وعسل وماء ووضع فيها حوراً من أجمل النساء يعزفن بأجمل الأصوات ويرقصن أروع الرقصات .. وتقرّر في ذهن السكان حول هذه الجنة أنها هي الجنة التي ورد وصفها في القرآن ولا شيء عداها والتي وعد بها المتقون ، ولم يكن يسمح لأحد دخولها إلا من شاء أن يجعله من فدائييه .. وكان يحتفظ في قصره بعدد من الغلمان تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين ، فمن يلمس فيهم الجندية والطاعة والفداء يقصى عليهم أقاصيص عن الجنة فيصدقونه .. ثم يأذن لهم بعد ذلك في دخولها جماعات بعد أن يسقيهم مزيجاً من المخدر أو يشربهم الحشيش فينامون ولا يفيقون إلا وهم في الجنة ــ الرائعة وقد أقبلت الفتيات الحسناوات ليشفين رغباتهم فيعيشون في ملذة وسعادة ، فإذا شاء الشيخ أن يرسل واحداً منهم لمهمة أعاد سقيه المزيج المخدر فغلبه الكرى ورأى نفسه أمام شيخه ليسأله من أين اتى ..؟ فيقول أنه أتى من الجنة ــ التي أوردها القرآن ، ويستمع من لم يؤذن له دخولها إليه فيزداد شوقاً إلى دخولها والتمتع بما فيها .. ثم يقول له الشيخ (اذهب واقتل فلانا ومتى عدت فستأخذك جماعة من ملائكتي إلى الجنة ، أما إذا مت فسأبعث إليك بهم ليحلموك إليها ) .. وكانوا يصدقونه فيما يقول ويلقون بأنفسهم في أشد المخاطر ليعودوا إلى الملاذ والمشتهيات التي عاشوها قبل ذلك ..(22)..

اجمالي القراءات 2642

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more