لمحة عن تاريخ ايران القديم :
الحضارة الساسانية : الجيش والحرب والادارة

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-04-18


نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

لمحة عن  تاريخ ايران القديم :

الحضارة الساسانية : الجيش والحرب والادارة

الجيش

كان الجيش خاضعا لقائد واحد ،ايران سياهبد ،الي ايام كسري الاول، ولكن ولاية هذا القائد كانت اوسع من ولاية قائد الجيش بالمعني الحديث، فقد كانت وظيفته تشمل اعباءً ثلاثة :وزارة الحرب ،وقيادة الجيش العليا ،والقيام بمفاوضات الصلح .

وكانت امور الحرب ترفع اليه باعتباره وزيرا. وسلطة كبير الوزراء لم تكن محددة بدقة ،فله ان يتدخل في ادارة الجيش في بعض الاحيان ،الا ان الملك كان يتدخل في الاوقات الحرجة والمسائل الهامة المتعلقة بامور الحرب .وكان اكثر الملوك الساسانيين شغوفين بالحرب واشتركوا فعلا في اعمالها .

وكانت فرق من المشاة  تحت تصرف موظفي الاقاليم ،وهناك موظف كبير هو مؤدب الاساورة كانت وظيفته ان يعمل علي تعليم ابناء المحاربين في المدن والرساتيق حمل السلاح وادابه .

الكتاب وسائر موظفي الادارة المركزية

ان الجاه الذي كان يتمتع به طبقة الكتاب في ايران واضح غاية الوضوح ،فأن الايرانيين كانوا دائما يعنون بالشكل ،فالوثائق الرسمية ومراسلات الافراد ينبغي ان تصاغ صوغا انيقا ،فتختلط بها نُبُذ من اقوال الحكماء ،والحكم  الخلقية والدينية والاشعار والالغاز الرائقة ،لكي تكون الرسالة او الرقيقة قطعة جميلة ،كما ان الطريقة التي يصاغ بها الكتاب يراعي فيها الفوارق بين رتب المرسل والمرسل اليه مراعاة دقيقة . ويبدو الميل الي بلاغة شكلية في الاداب البهلوية او في خُطب العرش التي يبدأ بها عرشه كل ملك جديد .

وكذلك يظهر هذا بين الهيئات المختلفة ايام الدولة الساسانية ،وبين الدولة وغيرها من الدول ،والكتابة في الدولة الاسلامية كالوزارة صورة صادقة من النظام الايراني ، فهي صناعة مشتملة علي قياسات خطابية وبلاغية ، ينتفع بها في المخاطبات بين الناس علي سبيل المدح والذم ،والاحتيال والاستعطاف ،وترتيب الكلام وتنظيمه في كل واقعة علي الوجه الاول والوجه الاخر .

وقد كان في بلاط ملك ايران كاتب يختص في الشئون العربية وكان يتخذ ايضا مترجما ،وقد كان يؤجر من عرب الحيرة .

ادارة الاقاليم

من كبار موظفي الدولة حكام الاقاليم :المرازبة . وبجانب المرزبان _شهر داران الذين يلقبون بلقب شاة، ويوجد مرازبة من درجة اقل يحكمون الاقاليم وهم مقيمون فيها ،وكانت الدولة الساسانية في القرنين السادس والرابع تمتد سيادتها علي اقاليم الشرق والغرب امتداد عظيما ،وكانت مساحة هذه الولايات صغيرة نسبيا ،و لم يكن للولايات ايام الساسانيين كما لم يكن لها ايام الاكمينيين حدود ثابتة .

كان الملك يرسل مرزبانا الي احدي الولايات حيث يحتاج اليه فيها ،وكان الملك يجمع او يقسم الولايات حسب  المصلحة .ويظهر ان معظم المرازبة كان يغلب فيهم الطابع الحربي علي الطابع المدني ،وكان المزاربة يختارون من بين النبلاء. ومن  التشريف الممتاز للمرزبان ان يمنح عرشا من الفضة ، وكانت الولايات مقسمة الي مديريات ،وكان للحكام جماعة من الجند تحت تصرفهم كانوا في الاصل المديرين للاملاك الملكية .

النظام الحربي للدولة الساسانية

اتسعت دولة اردشير في ظل نظام حربي قوي ،وكانت سياسته متأثرة بذكريات غير محدودة عن عهد الاكمينيين الزاهر .وقد احس اردشير انه وارث دارا وان عليه ان يحيي الامبراطورية الشرقية التي قضي عليها الاسكندر .وانتهج هو وخلفاؤه التوسع في السياسة الخارجية ،وكانت سياسته متجهه الي حماية الحدود في الشرق والشمال والغرب .وقد قام باعداد دفاع محكم علي الحدود التي كانت مهددة .

كانت نخبة الجيش تتكون من الفرسان الدارعين ،الفرسان النبلاء ،وكان لهم المقام الاول في المعارك ،وكان النصر يتوقف علي قوتهم وشجاعتهم قبل كل شئ ،وقد كان الايرانيون يلقون ضد الرومان بافواج منظمة من الفرسان الدارعين ،كانت فرق الفرسان كأنها صيغت من حديد وقد غطي جسد كل منهم بألواح من الحديد ملتصقه به وصنعت الدروع الحديدية باتقان وبها مفاصل لحركة اعضاء الجسد .وكان للوجه قناع يحميه .

وبجانب الفرسان يقف الرماة ،وكانت الفيلة تتخذ مكانها خلف الفرسان حيث كانت اصواتها ورائحتها ومناظرها المخيفة تلقي الرعب في خيل  العدو .واما مؤخرة الجيش فقد كانت مؤلفة من المشاة يقودهم رؤساؤهم .وقد كان المشاة جنودا غير مهرة بوجه عام واذا بادرهم احد بالهجوم يلقون السلاح ويولون الادبار .والحقت فرق الرماة الهزيمة  بالجيش الايراني في بعض الظروف .وكان الفرس الارمن الذين يحاربون تحت الراية الايرانية موضع رعاية خاصة .

والمعروف ان الجيش قسم الي وحدات، وتنقسم الوحدات الكبيرة الي فرق صغيرة ولكل فرقة رايتها الخاصة بها، والنقوش الساسانية بها بعض امثلة للرايات والشارات الحربية او الصورة التي يظهر فيها ملك ساساني ممسكا الحربة وهو يندفع نحو عدو له قد تحطمت نشابته في القتال ،وكانوا عندما يبدأون بالهجوم يلوحون بالعلم الناري اللون ،فالاعلام الساسانية اتخذت نماذج لها، فالعلم الملكي عليه صورة الشمس  بلون بنفسجي ،وعلم اخر بلون اسد  امسك في مخالبه بدبوس وسيف ،او ثالث عليه صورة الذئب و رابع عليه النمر واخري كثيرة ومزينة بغزال او نسر ملكي .

وفي المعارك الكبري التي كان يديرها الملك بنفسه ،كان يحمل له عرش كبير ،يوضع في وسط الجيش ويلتفت حول العرش خدم الملك وحاشيته وفرق من الجند كان عليها ان تدافع عنه حتي الموت .وقد رفعت الاعلام في اركان العرش .وخلف هذه الاعلام يقف حرس من الرماة .فأذا لم يكن الملك حاضرا ،وكان قائد الجيوش هو الذي يتولي المعركة ،فأنه يجلس علي العرش ،وكان من عادة الفرس ان الملك لا يحارب مطلقا من غير ان يصحبه المغان وبيوت النار .

وكان الايرانيون يحرقون حقول القمح اذا توغل العدو في اراضيهم لكي يحولوا دون تموينه ،او يفتحون الماء في الاراضي التي يخصبها الماء لتغرق ويوقف توقف العدو ،وكان اسري الحرب عادة يساقون وقد قيدت ايديهم خلف ظهورهم ليباعوا رقيقا او كانوا يرحلون الي اماكن مجهورة من الدولة حيث يكونون مستعمرات زراعية .وقد اتخد الايرانيون طريقة بديعة لاحصاء القتلي في الحرب .فقبل الحرب كان يحدث استعراض امام الملك ،وهو جالس فوق عرشه ،والقائد الذي اسندت اليه ادارة الحرب .وكان الجنود يمرون واحدا تلو الاخر ،وكل منهم يرمي سهما في اسفاط كبيرة وضعت هناك لهذا الغرض ثم تختم الاسفاط بالختم الملكي ،فاذا انتهت الحرب فتحت الاسفاط ويأتي الجند فيأخذ كل منهم سهما .فالاسهم التي تتبقي تنم عن عدد القتلي او الجند المأسورين .وهكذا كان يتسني للملك ان يعرف هل اشتري القائد النصر بثمن غال ام لا.

وفي زمن السلم كانت الاسلحة ومعدات الحرب تحفظ في المخازن ،ويراعي ان يعد كل شئ للتسليم في اقل مدة .فاذا انتهت الحرب اعيدت المهمات .وكاتب الخيول موضع عنايه خاصة ،وكان الطبيب البيطري ذا شأن .وكانوا يجمعون له الاعشاب ليستخدمها في معالجة الحيوانات ،ولم يكن الاستيلاء علي خيول الرعية مباحا الا في وقت الحرب، ولم تصل الخيل اللازمة في موعدها .واما عن تموين الجيش فان المواد الغذائية كانت توزن وتوزع يوميا علي المحاربين بالتساوي، وتزيد رواتب الجنود ايام المعركة عنها في الايام العادية .

وكانت هناك ملاحظات عن خطط الحرب وعن الاحوال التي يجب فيها الاشتراك في المعركة او الحالات التي يتفادي فيها النزال .وقد كان يشترط في القائد ان تتوفر فيه المناقب الضرورية لادارة الحرب ،والقدرة علي وضع الخطط والنظرة السليمة والالمام بحال جيشه ،وعليه ان يعرف خاصة وحدات جيشه وقدرة كل واحد منها ،وعليه ان لا يغضب يوم المعركة ،وان يكون حذوة يحتذي به في الشجاعة والاقدام ورباطة الجأش ،كما ان عليه ان يؤلف بينهم برباط المحبة والطاعة لقائدهم .

وكان الجيش يثور للقتال علي قرع الطبل ، ويبدأ القتال بعد ان يصب الماء المقدس في اقرب مجري ماء ،وبعد ان يرمي غصن مقدس علي انه السهم الاول ،وجرت العادة علي ان القائد ينصح عدوه قبل المعركة ،بأن يخضع للشاهنشاه وان يؤمن بدين زردشت او يدعو للمعركة ، وقد كانت المكافآت  تمنح للفرق المقاتلة بعد الظفر ،ومعاملة العدو المنهزم والاسري والرهائن من التقاليد السائدة في هذا العصر في ايام الساسانيين ،وكذلك ان يخير الشعب المغلوب بين الموت او قبول الجنسية الايرانية والاندماج في جيشها .ان الاقدام هو العلامة المميزة للجيش الايراني اذا قورن بجيوش الاجانب .وهناك نموذج معين للخطط الحربية عند الساسانيين منها ما يتناول المعركة الرهيبة وهي دائرة ،واخري تتحدث عن محاصرة  الحصون .

فالقسم الاول من الخطط يتحدث عن اعداد الجيش ،فالقلب يرتاد مكانا مشرفا ،والفرسان في المقدمة ،ومن كان من الجند اعسر (وهم الذين يقدرون علي الرماية بأيديهم اليسري ) يوضع في الميسرة ومن ضمن الخطط ان يستدبر الجيش عين الشمس والريح ،واذا كان العدو قد نزل بالماء واراد الجند غلبتهم عليه فان ذلك عند ري العدو من الماء وسقيهم دوابهم منه وعند حاجة الجند اليه ،فأن اسلس ما يكون الانسان عن الشئ اذا استغني عنه واشد مايكون طالبا له عند حاجته الشديدة اليه ،ومن الخطط نصائح عن الكمين ،فلابد ان ينتخب له من الجند اهل جرأة وتيقظ وصرامة ،ليس بهم انين او سعال او عطاس ،ويختار لهم من الدواب ما لا يصهل ولا يعنت ،ويختار لجنودهم مواضع قريبة من الماء حتي ينالوا منه ان طال مكثهم والقسم الثاني يتناول الحيل في محاصرة الحصون ، وكيف يمكن استباط اسرار اهل الحصن .

اجمالي القراءات 3385

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more